لا تُرهب الآليات العسكرية التي تسيطر على المشهد السوداني حالياً، البعوض الناقل للأمراض، ومن بينها وأشدها خطورة «حمى الضنك»، بل إنه يجد الظروف المواتية للانتشار ونقل العدوى من إنسان إلى آخر، تحت حماية هذه الآليات.
وقبل نحو شهر من بداية الصراع الدائر في السودان حالياً بين قوات الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، أعلنت وزارة الصحة السودانية عن «أول تفشٍّ لحمى الضنك في العاصمة الخرطوم»، بعد أن كانت تتركز سابقاً في المقاطعات الطرفية.
وفي حين كانت الجهود تُبذل لاحتواء هذا التفشي الذي وصل إلى العاصمة، جاءت بداية الاشتباكات في 15 أبريل (نيسان)، لتحوِّل دفة الاهتمام بالقطاع الصحي نحو محاولة إيجاد سبيل لعلاج مصابي العمليات العسكرية، كما أنها خلقت الظروف المواتية لانتشار المرض.
ويقول تامر سالم، أستاذ الفيروسات بالبرنامج الطبي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «انتشار هذا الفيروس يتم بواسطة أحد النواقل المعروف باسم (بعوضة الزاعجة المصرية)، وتجد تلك البعوضة البيئة المناسبة للتكاثر مع درجات الحرارة المرتفعة ووجود مستنقعات للمياه، لذلك فإن البيئة السودانية مناسبة حالياً لتكاثرها».
وتخلّف الاشتباكات دماراً في البنية التحتية ينتج عنه تسرب لمياه الشرب والصرف الصحي، ما يؤدي لتشكيل مستنقعات، تكون هي البيئة المفضلة لتكاثر تلك البعوضة، والتي تجد أيضاً فرصة مواتية لنقل المرض من شخص لآخر، عند تجمع عدد كبير من المواطنين في المناطق الحدودية هرباً من الاشتباكات، كما يوضح سالم.
ويضيف أن «انتشار حمى الضنك يحدث عندما تنقل بعوضة حاملة للفيروس المرض إلى شخص سليم، وعندما تلدغ بعوضة غير حاملة للفيروس هذا الشخص، تحصل على الفيروس منه، لتنقله لآخرين عند لدغهم، وإذا كان هذا السيناريو يصعب تحقيقه عند وجود المواطنين على مسافات بعيدة بعضهم عن بعض، فإنه يكون أكثر احتمالية للحدوث عند تجمعهم في مكان واحد».
ويلتقط أحمد سالمان، مدرس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد «إدوارد جينز» بجامعة «أوكسفورد»، بعداً آخر، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الاشتباكات في السودان ستتحالف مع تغيرات المناخ لتزيد الوضع سوءاً».
وتوصف «حمى الضنك» بأنها أحد الأمراض الحساسة لتغيرات المناخ، حيث تساعد الفيضانات الشديدة وما تخلِّفه من برك مياه في الشوارع في توفير البيئة المناسبة لتكاثر البعوض. ويُخشى من أن السودان سيعاني من تلك البرك الناتجة عن التغير المناخي، إضافةً إلى تلك التي تنتج عن تدمير البنية التحتية بسبب الاشتباكات العسكرية.
ومنذ الخريف الماضي، انتشرت «حمى الضنك» في 12 محافظة من محافظات السودان البالغ عددها 18، مما أسفر عن مقتل 36 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من 5200، وفقاً لوزارة الصحة السودانية. وعَزَت منظمة الصحة العالمية هذا التفشي الذي وُصف بأنه «الأسوأ منذ عقود»، إلى الفيضانات الغزيرة في الخريف التي خلّفت مياهاً راكدة سمحت للبعوض بالتكاثر وزيادة انتشار المرض.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال منتصر عثمان، المدير العام للطوارئ بوزارة الصحة الفيدرالية، لصحيفة «الغارديان» البريطانية، تعليقاً على التفشي السابق للفيروس، إنه «لأسباب اقتصادية فقدنا بعض الإجراءات الوقائية، مثل الناموسيات ومبيدات الحشرات، كما تعاني البلاد من نقص في مجال الأدوية الوقائية، ولم يعد لدينا الموظفون الذين اعتادوا العمل في مجال الصحة القائمة على الملاحظة، والذين اعتادوا إطلاق جرس الإنذار قبل حدوث المشكلة».
بدوره يقول سالمان: «من المؤكد أنه مع الاشتباكات الدائرة الآن سيكون هذا الوضع الاقتصادي أكثر سوءاً، وسيفقد النظام الصحي مزيداً من الأطباء القادرين على تشخيص المرض».
وتشبه أعراض «حمى الضنك» الإنفلونزا، ويجب الاشتباه في الإصابة بالفيروس عندما تترافق الحمى الشديدة (40 درجة مئوية) مع اثنين من الأعراض التالية: الصداع الحاد، وألم خلف العيون، وآلام العضلات والمفاصل، والغثيان، والقيء، وانتفاخ الغدد، والطفح، كما يوضح الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية.
ويضيف موقع المنظمة أنها يمكن أن تتحول إلى مرض مميت بسبب بعض المضاعفات مثل: تراكم السوائل، أو ضيق التنفس، أو النزف الوخيم، أو قصور الأعضاء. وتظهر العلامات التحذيرية لهذا الخطر بعد ثلاثة إلى سبعة أيام من الأعراض الأولى، وذلك عندما يحدث انخفاض في درجة الحرارة (دون 38 درجة مئوية)، ويكون ذلك متوافقاً مع ألم في المعدة، وقيء متواصل، وسرعة تنفس، ونزف اللثة، وإجهاد، وتململ، وقيء مدمّم.
تحذيرات من تفشي «حمى الضنك» في السودان
خبراء قالوا إن الحرب توفر بيئة مناسبة لانتشار «البعوض»
تحذيرات من تفشي «حمى الضنك» في السودان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة