أحمد الأسير هدّم «مجدًا» بناه على مهاجمة «حزب الله» ومناصرة «الثورة السورية»

أحمد الأسير هدّم «مجدًا» بناه على مهاجمة  «حزب الله» ومناصرة «الثورة السورية»
TT

أحمد الأسير هدّم «مجدًا» بناه على مهاجمة «حزب الله» ومناصرة «الثورة السورية»

أحمد الأسير هدّم «مجدًا» بناه على مهاجمة  «حزب الله» ومناصرة «الثورة السورية»

ما بين عامي 2011 و2013 استطاع الشيخ أحمد الأسير أن يشكّل حالة شعبية في الساحة السنية بسرعة قياسية، حالة اتخذ منها عشرات الشباب السنّة الذين التحقوا به متنفسًا لهم، فهو كان ينطق باسمهم ويعبّر عمّا يجول في رؤوسهم.
بنى الأسير عبر خطب الجمعة النارية التي كان يلقيها في مسجد بلال بن رباح في منطقة عبرا بضواحي دينة صيدا (جنوب لبنان)، مجموعة من المؤيدين والمناصرين كانت تكبر يومًا بعد يوم، استهوتهم شعاراته المناهضة لمشروع «حزب الله» وتمدد هيمنته الأمنية في لبنان، خصوصًا في المناطق السنية، وإنشاء ما يشبه المربعات الأمنية عبر شقق سكنية تملكها الحزب في منطقة عبرا، وعلى مقربة من مسجده، ووزع فيها عناصره المدججين بالسلاح، من ضمن ما يسمّى «سرايا المقاومة».
كان الشيخ الصيداوي الشاب حلمًا لأقرانه، خصوصًا أنه الوحيد الذي تجرأ على ذمّ «حزب الله» وأمينه العام حسن نصر الله. كما كان أملهم باستعادة شيء من «الكرامة المسلوبة» بفعل أحداث السابع من مايو (أيار) 2008 التي اجتاح فيها مقاتلو نصر الله بيروت وصيدا وجزءًا من جنوب لبنان والبقاع. بعد أن اعتبروها حربًا على مناطقهم وهويتهم وحتى عقيدتهم. لا بل أن هذه الظاهرة كانت الأحب إلى أنصار الأسير، لأنها ولدت بعد مرحلة إطاحة «حزب الله» بحكومة سعد الحريري وإقصاء الأخير عن السلطة في تحدٍ واضح للأكثرية السنية التي منحته ثقتها، ومن ثمّ تشكيل حكومة نجيب ميقاتي بقوة «القمصان السود»، أي بالاستعراض غير المسلّح لمقاتلي الحزب في بيروت وجبل لبنان، التي أجبرت الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط الحليف الأقوى والأقرب للحريري على تسمية ميقاتي رئيسًا للحكومة ليقلب الأكثرية النيابية رأسًا على عقب.
لمع نجم الأسير أكثر فأكثر من خلال مواقفه المؤيدة لـ«ثورة الشعب السوري» ومناهضته قتال «حزب الله» إلى جانب نظام بشار الأسد. لم يتردد في أن يكون جزءًا من معركة القصير، تجرأ على اجتياز الحدود اللبنانية السورية والدخول إلى القصير مع العشرات من أنصاره، اشترك في جولات القتال هناك موزعًا صوره وهو يتنقل من جبهة إلى أخرى. وما لبث أن عاد إلى صيدا لشدّ أزر جماعته، وينظم التظاهرات والاعتصامات أسبوعيًا وبعد كل صلاة جمعة للمطالبة بوقف تمدد «حزب الله» في المناطق السنية، وإزالة مربعاته الأمنية.
في مرحلة سبقت معركة عبرا التي أنهت ظاهرة الأسير، وضع الشيخ دفتر شروطه أمام الدولة ودعاها إلى تلبيتها قبل الانتقال إلى خطوات تصعيد كبيرة جدًا، أهمها نزع سلاح «حزب الله» وسحب مقاتليه من سوريا، وإنهاء بؤره ومربعاته الأمنية في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع. مطالب بدت أكبر من قدرة الدولة على تحقيقها، لا بل هي جزء من ملفات المنطقة المعقدة. بالطبع لم تستطع الدولة تحقيق رغباته، فكانت خطوته الأولى في قطع طريق بيروت الجنوب، مفترشًا مع العشرات من مناصريه الأرض على أوتوستراد صيدا لأكثر من أسبوعين ولم يزل المخيم إلا بعد وعود تلقاها من وزير الداخلية آنذاك مروان شربل بإخلاء الشقق التي يقطنها مسلحو «حزب الله» قرب مسجد بلال بن رباح، وباستكمال بحث سلاح «حزب الله» على طاولة الحوار الوطني.
لم يقف التحركات الاستعراضية للأسير عند هذا الحدّ، انتقل إلى تنظيم تظاهرات وتجمعات في وسط بيروت دعمًا للثورة السورية، تجمعات اتخذ منها منصة لإطلاق الخطب النارية التي تهاجم «حزب الله»، كانت تستفزّ الأخير إلى أبعد الحدود لكن الحزب كان بارعًا في ضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة معه، قد تقود إلى مواجهة مذهبية لم يكن الحزب ولا قيادته يريدها. حركته لم تقتصر على وسط بيروت، إنما ظهر ذات يوم وفجأة على الثلج في منطقة فاريا مع نحو 400 من أنصاره يتراشقون ويلعبون ويصلون، وهو ما أثار حفيظة قوى مسيحية حاولت قطع الطريق عليه قبل أن يفتحها الجيش اللبناني بالقوة من منطلق. الظاهرة الأسيرية وصلت إلى مرحلة باتت فيها منفّرة حتى لبعض أهل صيدا وتجارها خصوصًا مع نغمة قطع الطرق، وإقفال باب رزقهم، أما في السياسة فكانت موضع اعتراض الكثيرين، خصوصًا تيار «المستقبل» التي أظهرت قياداته في أكثر من موضع عدم رضاها على ما يقوم به الأسير الذي بات مصدر ضرر لأبناء صيدا واللبنانيين جميعًا، من خلال تصرفات لا تحقق الأهداف التي يسعى إليها. وهذا ما جعل «المستقبل» هدفًا لانتقادات الأسير الذي كان يلومه على عدم الوقوف إلى جانبه على الرغم من تلاقيهما في دعم الثورة السورية والموقف من سلاح حزب الله.
ظهر يوم الأحد في 24 يونيو (حزيران) 2012 قرر الأسير إنهاء مسيرته بنفسه، عندما أمر عددًا من مسلحيه، بإزالة حاجز الجيش اللبناني الذي يبعد 50 مترًا عن مسجد بلال بن رباح ومقر إقامته، لم يتردد مسلحوه في تنفيذ الأمر، طلبوا من الضابط المسؤول عن الحاجز المغادرة فورًا، رفض الضابط طلب المسلحين استدعى قوة لتعزيز النقطة العسكرية، عندها أطلق المسلحون النار على الضابط والعناصر الذين سقطوا بين قتيل وجريح، ووقعت المواجهة الكبرى التي أفضت إلى وضع حدّ لـ«نضالات» رجل دين لم تأت عليه وعلى عائلته ومدينته إلا الخراب.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.