أعداد النازحين السودانيين إلى مصر تتجاوز 25 ألفاً

التكدس ينتقل إلى أشكيت... وهدوء في أرقين

جانب من نشاط جمعية الهلال الأحمر المصري (الهلال الأحمر)
جانب من نشاط جمعية الهلال الأحمر المصري (الهلال الأحمر)
TT

أعداد النازحين السودانيين إلى مصر تتجاوز 25 ألفاً

جانب من نشاط جمعية الهلال الأحمر المصري (الهلال الأحمر)
جانب من نشاط جمعية الهلال الأحمر المصري (الهلال الأحمر)

ما أن بدأت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم، حتى تعرضت البضاعة التي يمتلكها التاجر السوداني الشاب محمد صالح، للنهب؛ فقرر التوجه إلى محطة حافلات قندهار شمال الخرطوم للفرار إلى وادي حلفا السودانية المتاخمة للحدود المصرية، لكنه فوجئ بارتفاع ثمن التذكرة إلى نصف مليون جنيه سوداني، فقرر البقاء أياماً عدة حتى هدأ الزحام قليلاً، وانخفضت الأجرة إلى النصف.
استغرقت الرحلة من الخرطوم إلى وادي حلفا 12 ساعة كاملة، واضطر صالح صاحب الـ29 عاماً، والذي يعول أشقاءه، إلى المبيت في حلفا لعدم توافر حافلات تنقله والمئات غيره إلى أسوان أو أبو سمبل المصريتين، يقول «الشركات حددت ثمن التذكرة لأسوان من وادي حلفا بـ250 ألف جنيه سوداني، والمقاعد محجوزة لمدة 3 أيام، فركبت مع آخرين لمعبر أشكيت، في سيارة نقل مقابل دفع 30 ألف جنيه سوداني».
يأتي ذلك، وسط حالة من الهدوء في معبر «أرقين» الحدودي بعد انتقال الزحام إلى منفذ «أشكيت» الواقع في الجهة الشرقية من أرقين. وعدّ اللواء عمرو إسماعيل، رئيس هيئة الموانئ البرية والجافة بمصر، تراجع أعداد النازحين السودانيين إلى مصر عبر أرقين «أمراً طبيعياً»، بعد استقبال المعبر آلاف المواطنين المصريين والسودانيين والأجانب خلال الأيام الماضية. وأكد إسماعيل في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «التكدس موجود فقط بالجانب السوداني بمعبر أشكيت – قسطل»، مشيراً إلى أن «أعداد النازحين السودانيين إلى مصر تتجاوز 25 ألفاً منذ اندلاع الحرب في السودان».

عبور حافلات في المعديات المصرية ببحيرة ناصر (الشرق الأوسط)

ونوّهت مصر الأسبوع الماضي، إلى استقبالها أكثر من 14 ألف نازح سوداني، وأكثر من ألفي مواطن أجنبي من 50 دولة و6 منظمات دولية. وتشهد مدينة أبو سمبل في جنوب مصر نشاطاً مكثفاً من قِبل أعضاء السفارات الأجنبية في مصر؛ لتسهيل عمليات إجلاء مواطنيهم من السودان والعالقين في مدينة وادي حلفا السودانية. بحسب ما رصدته «الشرق الأوسط»، حيث اكتظت معظم الفنادق الموجودة بالمدينة السياحية، بأعضاء المنظمات الدولية والسفارات الأجنبية ووسائل الإعلام المختلفة.
ويتوقع متابعون تضاعف أعداد القادمين من السودان خلال الفترة المقبلة مع استمرار المعارك بالخرطوم، رغم الاتفاق على تمديد الهدنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وانتظار عدد كبير من الفارين من الحرب بمدينة حلفا السودانية؛ تمهيداً لعبورهم إلى مصر عبر ميناء «أشكيت - قسطل» بين مصر والسودان. واستمر تدفق النازحين من ميناء قسطل البري في الضفة الشرقية لبحيرة ناصر، خلال الساعات الماضية؛ إذ تعمل 4 معديات مصرية على نقل الحافلات والسيارات القادمة من السودان إلى مصر في رحلة تستغرق نحو ساعة داخل مياه بحيرة ناصر. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمعديات الكبيرة بمراسي أبو سمبل نحو 10 حافلات، بينما تحمل المعدية الصغيرة نحو 5 حافلات فقط.
ودخلت مجموعة من المصريين النازحين من السودان في مشادات مع مسؤولين سودانيين، للسماح لهم بالعبور إلى الجانب المصري من دون سيارة، بحسب ما رواه سائقو شاحنات مصرية لـ«الشرق الأوسط» بعدما ساهموا في نقل نازحين إلى الجانب المصري. ويستغل سائقو الحافلات الزحام الكبير بمعبر «أشكيت» ويطلبون مبالغ باهظة، بحسب شاب مصري يدعى وائل السيد، أحد أفراد الجالية المصرية القادمة من الخرطوم، والذي التقته «الشرق الأوسط» داخل مدينة أبو سمبل، خلال طريقه للقاهرة، موضحاً «رغم أن حمولة الحافلة الواحدة تبلغ 49 راكباً، فإنها تحمل 70 أو 80 راكباً، حيث يستغل سائقو الحافلات الزحام، ويطلبون مبلغاً قيمته 10 آلاف جنيه سوداني لعبور الفرد الواحد على متنها، من منفذ أشكيت إلى قسطل في مسافة قصيرة للغاية».
وأجلت مصر أكثر من 60 في المائة من مواطنيها بالسودان، حسب السفيرة سها جندي، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والتي قالت في تصريحات مساء الاثنين إنه «يجري التنسيق مع الأمم المتحدة من أجل الفارين من الحرب في السودان». واضطرت الكثير من الأسر السودانية إلى ركوب سيارات نقل مصرية للعبور إلى الجانب المصري؛ لعدم قدرتهم على دفع مئات الآلاف من الجنيهات السودانية للعبور إلى مدينة أسوان.
وبسبب اعتماد خط قسطل - أسوان البري، على العبور من مياه بحيرة ناصر، فإن حركة المرور تتوقف مع غروب الشمس؛ ما يدفع الحافلات إلى المبيت ليلا بجانب المراسي النهرية حتى صباح اليوم التالي. وأغرى عدد النازحين الكبير في وادي حلفا سائقي حافلات مصريين بالعبور إلى الجانب السوداني لنقلهم، بالإضافة إلى التوقف أمام ميناء قسطل.
في السياق نفسه، يشهد معبر أرقين البري في الناحية الغربية من معبر قسطل هدوءاً لافتاً في حركة النزوح، لليوم الثالث على التوالي بعد اتجاه الفارين السودانيين والجاليات الأخرى إلى معبر أشكيت - قسطل لتوفر الخدمات به، وقربه من مدينة حلفا السودانية. وافتتحت مصر والسودان في عام 2015، معبر «قسطل – أشكيت» البري، بهدف زيادة حركة التجارة بين البلدين؛ حيث تصل مساحته الإجمالية نحو 180 ألف متر مربع، بعد التوسعات الإضافية.
بدورها، دشنت جمعية الهلال الأحمر المصرية، حملة «دعم سلامة أولادنا بالسودان»، حيث قامت الجمعية بتقديم الخدمات الإغاثية والغذائية والطبية على الحدود المصرية - السودانية في معبري «أرقين» و«قسطل»، بالإضافة إلى خدمات الدعم النفسي وإعادة الروابط العائلية وتوزيع حقائب النظافة الشخصية وخدمات أخرى يحتاج إليها العابرون للوصول إلى منازلهم بأمان. وقالت الجمعية في بيان لها إنه تم تقديم نحو 3 آلاف وجبة جافة وحقائب نظافة، والمساعدة في 649 حالة دعم نفسي، و565 خدمة طبية للنازحين السودانيين خلال الأيام العشرة الماضية.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
TT

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

قال رئيس منظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، إن كثيراً من النساء وأطفالهن يعانون من صدمات نفسية سيئة جراء الحرب الدائرة في السودان، مشيراً إلى أن بعض الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم بضعة أشهر تعرضوا لإصابات بالذخيرة الحية في مناطق الرأس والصدر.

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أننا إزاء أسوأ أزمة إنسانية شهدتها المنظمة على الإطلاق... آلاف الأسر تفرقت، خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً، أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم، ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية، يبدو هذا الأمر مستحيلاً في بعض أجزاء البلد.

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم زمزم للنازحين (أ.ف.ب)

ورأى أن «الحرب تعد مشكلة حقيقية للنساء والأطفال تحديداً... أجرينا في أحد المستشفيات العاملة بالعاصمة الخرطوم فحوصات لنحو 4200 امرأة وطفل، ووجدنا أن ثلثهم يعاني من سوء التغذية الحاد، وهذا القياس يدل على أن كل الذين أجريت لهم فحوصات، يعانون من سوء التغذية المتوسط والحاد بدرجات متفاوتة».

وأوضح أن «واحداً من كل 6 جرحى يعالجون في المستشفى ذاته، يعاني من أمراض مصاحبة... لدينا أطفال لا تتعدى أعمارهم شهوراً تعرضوا لإصابات بالرصاص في الرأس أو الصدر، وللأسف في بعض الأحيان لا تتوفر المواد الطبية اللازمة لعلاجهم، في ظل حالة الحصار على المستشفى، ومنع وصول المعونات الطبية إليه».

الوضع في دارفور

وكشف الرئيس الدولي لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، عن ارتفاع نسبة حالات الإصابة بسوء التغذية وسط النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع في إقليم دارفور (غرب البلاد)، «وهو ما يتسبب في الوفيات لأسباب بسيطة يمكن علاجها لو توفرت الإمدادات الطبية».

امرأة وطفلها في مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وقال إن «نسبة انتشار أمراض سوء التغذية وفقر الدم أعلى بكثير من قدرة فرقنا على علاجها».

وأضاف كريستو: «في أغسطس (آب) الماضي، أجرينا فحوصات لنحو 30 ألف طفل في عمر سنتين وأقل، حيث أثبتت أن ثلث هذا العدد يعاني من سوء تغذية حاد».

وكشف تقرير سابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» في فبراير (شباط) الماضي عن وفاة طفل كل ساعتين في «مخيم زمزم» للنازحين في ولاية شمال دارفور.

ووفقاً للمنظمة، فإن الصراع في إقليم دارفور «أخذ طابعاً عرقياً، وعلى وجه الخصوص أحداث العنف التي جرت في ولاية غرب دارفور، وأدت إلى مقتل الآلاف ولجوء أكثر من 500 ألف شخص إلى تشاد».

وتجاوزت نسبة وفيات الأمهات في جنوب دارفور منذ مطلع العام الحالي التي سجلتها مرافق «أطباء بلا حدود»، 7 في المائة، وبينت الفحوصات التي أُجريت لرصد سوء التغذية بين الأطفال، معدلات هائلة تتجاوز عتبات الطوارئ.

وحض كريستو المجتمع الدولي «على بذل مزيد من الجهود للضغط على الأطراف المتحاربة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية العاجلة؛ لتوفير الغذاء والدواء للآلاف من المدنيين في السودان».

وعالجت فرق «أطباء بلا حدود» أكثر من 4214 إصابة ناجمة عن العنف، بما في ذلك الأعيرة النارية وانفجارات القنابل، وشكلت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، 16 في المائة منهم.