عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

جهد شارك في جمع مادته فريق من الباحثين المساعدين والمصورين

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر
TT

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة.
ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية. فاز تصميم الشاهد لجناح مصر في بينالي لندن عام 2018 بجائزة البينالي الأولى، كما فار بجائزة الدولة التشجيعية عام 2021 عن كتابه الصادر بالإنجليزية عن دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة «القاهرة منذ 1900... دليل معماري CAIRO SINCE 1900 AN ARCHITECTURAL».
الكتاب جهد بحثي كبير شارك في جمع مادته فريق الباحثين المساعدين والمصورين يزيد على العشرين شخصاً يشكرهم المؤلف في مقدمته، وقد ساهموا في اختيار النماذج المعمارية التي تضمنها الكتاب لتمثيل مختلف أحياء القاهرة وقاموا بتصويرها والبحث عن وثائقها، في ظل الإهمال وضعف التوثيق المزمن، وصعوبة التصوير المستحدثة أمنيّاً.
قدمت للكتاب الدكتورة مرسيدس فيوليت، التي تتذكر دهشتها عندما سمعت لأول مرة عام 1984 بمجلة العمارة، وبدأت تتصفح أعدادها في دار الكتب. كانت المجلة الأولى في مجالها، التي تصدر باللغة العربية عام 1939، وقدمت نافذة استثنائية لأعمال المعماريين المصريين، وعززت مقترحاتهم العربية والمصرية عندما كانوا في قلب دوائر الحداثة الدولية، وتأسف لأن طلاب كليات الهندسة الكثيرة في مصر لم يسمعوا بوجود تلك المجلة ذات يوم. وتصف كتاب الشاهد بأنه «إعادة بناء قصة الحداثة المعمارية المفقودة في القاهرة». وتلاحظ أن عمارة الخمسينات والستينات أقرب إلى قلب المؤلف من أمثلة أوائل القرن العشرين، لكنه غطى باختياراته عمارة القاهرة على مدار القرن، دون أن يحاول إجبار المدينة على اعتناق عقيدة العمارة الطليعية.
من جانبه، اعتبر الشاهد القاهرة مدينة ملهمة ومقلقة له شخصيّاً، ويقول في مقدمته إنه أقدم على البدء في تأليف الكتاب الذي نشر عام 2020. في فترة عصيبة عليه شخصيّاً، حيث فقد والديه بفارق بضعة أشهر بينهما، في وقت عصيب على القاهرة ذاتها حيث تتخلص بسرعة من طبقات العمارة والعمران، التي بناها وسكنها جيل والديه، آملاً أن ينجح الكتاب في إلهام السكان والزوار نظرة مختلفة إلى عمارة القاهرة الحديثة التي صنعت شخصيتها.
الأثر العاطفي لرحيل الوالدين لم يجعل من دليل القاهرة كتاباً عاطفياً دافعه الفقد والحنين، بل كتاباً معرفياً توثيقيّاً يعيد بناء قصة من المجد المعماري لأكبر مدن الشرق الأوسط، ولم تكن عمارتها منفصلة عن عمارة العالم من الهند إلى البرازيل، ولم تكن منعزلة عن الأحداث العالمية الكبرى، مثل الحربين العالميتين، وإن اختلف تأثيرهما على القاهرة عن الأثر الذي تركتاه على مدن تعرضت للتدمير الكامل، وأتاحت للمعماريين حرية إعادة بنائها بالكامل.
يلتزم الكتاب بتغطية المائة عام الأخيرة، ويقدم صوراً وتحليلات لنماذج من العمارة تُمثل دليلاً على حقبتها التاريخية ومكانها، حيث يتتبع الكتاب أحياء القاهرة من الفاطمية إلى الخديوية الحديثة ومن برجوازية مصر الجديدة والزمالك وجاردن سيتي إلى حي إمبابة الشعبي ومدينة نصر.
يُنبه الشاهد: «لا ينبغي الاستخفاف بعبء اختيار 226 مبنى لتمثيل ما يقرب من 120 عاماً من التطورات المعمارية في واحدة من أكبر مدن العالم وأكثرها كثافة حضرية». يؤكد أن كتابه - دليله لم يسعَ إلى تقديم مسح شامل، بل إبراز عينات تمثيلية من جميع أنحاء المدينة، لذلك فالمباني المدرجة بالكتاب ليست بالضرورة من الروائع، بعكس ما جرت عليه العادة في اختيار المباني بمثل هذه الأدلة، كما يأخذ على المؤرخين والمرشدين السياحيين أنهم يرسخون بشكل تعسفي القيمة التراثية لهذا المبنى أو ذاك.
ويشير إلى خطورة قانون التراث المعمول به إلى اليوم، إذ لا يعتبر المبنى أثراً إلا عندما يتجاوز عمره المائة عام. هذا الارتكان إلى العمر ليس ظالماً لمبانٍ ذات قيمة لم تبلغ المائة فحسب، بل يجده المؤلف مدمراً كذلك، حيث يمكن فهم التوقيت باعتباره موعداً نهائيّاً للملاك لإتلاف منشآتهم السليمة.
في مقابل ذلك، لا يحقق إدراج المبنى في قائمة التراث أي نفع مادي للملاك، لهذا يعمل الكثير منهم على تسريع انهيار مبانيهم القديمة عمداً قبل أن تكمل المائة عام، سواء بتركها لتتآكل بفعل تسرب المياه أو حقن هياكلها الخرسانية بالأحماض لتفتيتها، وقد أدى ذلك إلى نشوء نشاط تجاري قائم على هذا الإتلاف واستخراج تصاريح الهدم.
كما يشير المؤلف إلى ثغرة إجرائية مهمة، فالتصريح بالهدم بيد السلطات المحلية سريعة الحركة، بينما يتم تسجيل الآثار مركزياً على المستوى الوطني ويشوبه البطء البيروقراطي، الذي لا يستطيع ملاحقة التلاعب.
ويبدو حضور تقاليد العمارة وغناها وحيوية المجتمع المعماري خطاً بيانياً صاعداً من بداية القرن حتى الستينات، وبعد ذلك بدت تقاليد العمارة وكأنها تبخرت!
يشترك في صنع قصة المجد في العمارة القاهرية مهندسون من أحفاد المهاجرين السوريين واللبنانيين، ويهود أوروبا الشرقية، وإيطاليون، وفرنسيون، بالإضافة إلى أبناء البلد الذين سافروا إلى ليفربول وإلينوي وروتردام وزيوريخ وروما لإكمال تعليمهم، وشاركوا بنشاط ضمن الثقافات المعمارية في تلك المناطق ثم عادوا بخبراتهم إلى القاهرة، فلم يكونوا مجرد وكلاء لاستيراد الطرز المعمارية. وبحلول الثلاثينات كانت جامعة القاهرة توفر تعليماً معمارياً بالغ التميز.
نادراً ما كان العمل الذي ينتجه المصريون ملتزماً بأسلوب معماري نقي. كان المهندس الواحد قادراً على الانتقال بمرونة بين الخطوط الفنية والأساليب. وقد عكس هذا المزج مكانة مصر في شرق البحر الأبيض المتوسط كمفترق طرق، جعل منها إسفنجة تمتص النفوذ وتجدده بأشكال جديدة.
ينوه الشاهد بأن الحالة المعمارية الحالية للمباني المختارة في الكتاب هي نتاج سنوات عديدة من الرعاية أو الإهمال، والصيانة للأصل أو التعديلات المقحمة التي تصل أحياناً إلى حد إخفاء الطراز الأصلي للمبنى، مثل تغيير المساحات الداخلية وطمس الطراز من خلال إجراءات مثل تلبيس الأعمدة لإخفاء التيجان الكورنثية من أجل إضفاء طابع حداثة على المبنى، أو بإضافة زخارف على الواجهة كما حدث في تجديد مبنى نادي السيارات.
بالنسبة للقاهريين فإن الاحتياجات الوظيفية وتحولاتها تتقدم قدسية التصميم، لهذا تستمر تحولات العمارة، وكان من الضروري بذل جهد مضاعف لفرز طبقات تغييراتها للوصول إلى إعادة هيكلة المبنى ذهنياً، وصولاً إلى السردية التي قدَّمها الكتاب.
دخل التطوير العقاري القرن العشرين مزدهراً حتى عام 1907. وظهرت عمارة تستعير خطوط العمارة الأوروبية كالروكوكو والكلاسيكية الجديدة وغيرها، بالإضافة إلى خطوط العمارة الإسلامية الحديثة «الفاطمي الجديد» كمبنى وزارة الأوقاف بوسط القاهرة (1898 - 1929 تصميم صابر صبري ومحمود فهمي). وبعد الحرب العالمية الأولى جاءت ثورة 1919 الشعبية فظهرت سمات تناسب طبقة تشكلت في تلك الثورة وتريد إبراز مفاهيم جديدة للطبقة والهوية والحداثة في مساكنها، وفي المنشآت العامة ذهب معماريون إلى ما قبل العمارة الإسلامية وبرز اسم مصطفى فهمي بمحاولاته الصريحة لإحياء أصول العمارة الفرعونية مع تجديد الخامات، مثال ذلك ضريح سعد زغلول (1931) ومحطة قطار الجيزة (نحو 1932) واستراحة الملك فاروق بالهرم عام 1937.
وسيتمثل أثر الحربين العالميتين على عمارة القاهرة في إبعاد وتجميد أموال المهندسين المنتمين لأعداء الإنجليز؛ رعايا الإمبراطورية النمساوية المجرية في الحرب الأولى، والإيطاليون في الثانية.
وقد شهدت الفترة بين الثلاثينات والخمسينات ازدهاراً كبيراً، وبرزت فيها أسماء عملاقة مثل سيد كريم، الذي أصدر مجلة العمارة، وظل فاعلاً حتى أواخر الخمسينات بتخطيط مدينة نصر، التي أصدر عبد الناصر قراراً بإنشائها، لكن النظام الناصري هو الذي سيضع النهاية المهنية لسيد كريم بعد ذلك بسنوات قليلة.
بلغ عدد المهندسين المدربين في قاهرة الستينات، ثمانية عشر ألف مهندس معماري، معظمهم يمارسون العمل كجزء من جهاز الدولة التنموي وليس بأسمائهم كأعلام. وبعد ذلك سيبدو الوضع كأن هذه المدينة لم تعرف التقاليد المعمارية مطلقاً، وكأن المهندسين المصريين الذين كانوا معروفين في العالم ولهم بصماتهم في مدن المنطقة العربية قد تبخروا في الهواء، ورغم وجود ميراثهم المعماري في المدينة فإنه مغيب عن الصورة تماماً. ومنذ ذلك الحين يتعرض التراث المعماري للمدينة لخسائر كبيرة، وخاصة الإنشاءات الحديثة، التي يُنظر إليها على أنها تمتلك القليل من القيمة الثقافية، مقابل محو العديد من المباني دون توثيق.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق «تقنيات الكتابة الروائية»

«تقنيات الكتابة الروائية»

صدر حديثاً عن «دار كنعان» كتاب «تقنيات الكتابة الروائية»، من إعداد الناقد الأميركي أبراهام شاول بوراك. نقلته إلى العربية إيفا شاهين، وصمم غلافه باسم صباغ. يقدم الكتاب، وفقاً للناشر: «نهوجاً مختلفة في كتابة الرواية لدى أربعين روائياً ناجحاً، جمعيهم يبرهنون أنه لا يوجد نهج واحد لكتابة الرواية. ففي الحقيقة، كل روائي من هؤلاء يستخدم تقنية مختلفة. بعضهم يبدأ روايته بشخصية أو مكان، فيما يميل بعض آخر إلى بدئها بحبكة، أو موضوع، بينما يقدّم آخرون موجزاً عاماً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي
TT

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

عرض مسرحي
عرض مسرحي

نثر مهرجان للمسرح، أقيم في درنة الليبية بعضاً من الفرح على المدينة المكلومة التي ضربها فيضان عارم قبل أكثر من عام.

ومع حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة وفنانين وممثلين ليبيين وغيرهم من الضيوف الفنانين من بعض الدول العربية، أبرزها سوريا والأردن ومصر وتونس.

الفنان صابر الرباعي

واختتم، مساء الخميس، المهرجان الذي استهل أعماله بحفل غنائي أحياه الفنان صابر الرباعي، على مسرح المدينة الرياضية، وسط حضور جماهيري وفني، محلي ومن دول عربية من بينها مصر وتونس.

وتحت شعار «درنة عادت، درنة الأمل»، دعا المهرجان سبع فرق: خمساً من ليبيا، وفرقةً من مصر، وأخرى من تونس.

أحد العروض

وعُرضت أعمال عديدة من بينها مسرحية «خرف» لفرقة الركح الدولي من بنغازي، التي أثنى عليها الجمهور، من حيث الأداء المميز لجميع الفنانين المشاركين، كما عرضت مسرحية «صاحب الخطوة» لفرقة المسرح القوريني من مدينة شحات، وجاء العرض مليئاً بالرسائل العميقة، وقد نال إعجاب الحضور.

وأعلنت إدارة المهرجان عن توزيع جوائز للأعمال المشاركة، بالإضافة لتكريم عدد من نجوم الفن في ليبيا ودول عربية.

وحاز جائزة أفضل نص دنيا مناصرية من تونس، عن مسرحية «البوابة 52»، بينما حصلت الفنانة عبير الصميدي من تونس على جائز أفضل ممثلة عن العمل نفسه.

ومن ليبيا حاز الفنان إبراهيم خير الله، من «المسرح الوطني» بمدينة الخمس، جائزة أفضل ممثل عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع»، وذهبت جائزة أفضل إخراج للمخرج منير باعور، من المسرح الوطني الخمس عن مسرحية «عرض مسرحي للبيع».

عرض مسرحي

كما كرمت إدارة المهرجان الفنان المصري أحمد سلامة، والفنانة عبير عيسى، والإعلامية صفاء البيلي؛ تقديراً «لإسهاماتهم القيمة في مجال الفن والمسرح». وقالت إدارة المهرجان إن هذا التكريم «يعكس التقدير والاحترام للفنانين الذين ساهموا في إثراء الثقافة والفنون، ويعزّز من أهمية دعم المواهب الفنية في المجتمع».

وكانت الدورة السادسة لمهرجان «درنة الزاهرة»، وهو اللقب الذي يُطلق على هذه المدينة المعروفة بأشجار الياسمين والورد، قد ألغيت العام الماضي بسبب الدمار الذي طال معظم مبانيها التاريخية جراء الكارثة.

في ليلة 10 إلى 11 سبتمبر (أيلول) 2023، ضربت العاصفة «دانيال» الساحل الشرقي لليبيا، ما تسبّب في فيضانات مفاجئة تفاقمت بسبب انهيار سدين في أعلى مدينة درنة. وخلفت المأساة ما لا يقل عن 4 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وأكثر من 40 ألف نازح، حسب الأمم المتحدة.

مسرح جامعة درنة

وتقول الممثلة المسرحية التونسية عبير السميتي، التي حضرت لتقديم مسرحية «الباب 52»، لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، «هذه أول مرة آتي فيها إلى هنا. بالنسبة لي، درنة اكتشاف. كنت متشوقة للمجيء. عندما نصل إلى هنا، نشعر بالألم، وفي الوقت نفسه، نشعر بالفرح وبأن الشعب كله لديه أمل».

بدورها، ترى الممثلة والمخرجة الليبية كريمان جبر أن درنة بعدما خيّم عليها الحزن، عادت إلى عهدها في «زمن قياسي».

جانب من تكريم الفنانين في مهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

ومن الكنوز المعمارية الشاهدة على الماضي الفني والأدبي الذي فقدته درنة في الفيضانات، «بيت الثقافة»، وخصوصاً «دار المسرح»، أول مسرح تم افتتاحه في ليبيا في بداية القرن العشرين.

وفي انتظار إعادة بنائه، اختارت الجهة المنظمة إقامة المهرجان على خشبات «المسرح الصغير» بجامعة درنة.

تكريم الفنانة خدوجة صبري بمهرجان للمسرح في درنة الليبية (إدارة المهرجان)

وقال المدير الفني للمهرجان نزار العنيد: «كلنا نعرف ما حدث في درنة العام الماضي، أصررنا على أن يقام المهرجان (هذا العام) حتى لو كان المسرح لا يزال قيد الإنشاء».

وأوضحت عضوة لجنة التحكيم، حنان الشويهدي، أنه على هامش المهرجان، «يُنظَّم العديد من الندوات وورش العمل التدريبية المهمة للممثلين والكتاب المسرحيين الشباب».

وتقول الشويهدي: «الصورة التي تقدمها درنة اليوم تُفرح القلب، رغم الموت والدمار»، معتبرة أن المدينة المنكوبة تظهر «بوجه جديد؛ درنة تستحق أن تكون جميلة كما يستحق سكانها أن يفرحوا».