عيد العمل في فرنسا: مظاهرات ضد قانون التقاعد الجديد

الشرطة تستخدم مدفع ماء ضد متظاهرين في باريس أمس (أ.ف.ب)
الشرطة تستخدم مدفع ماء ضد متظاهرين في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

عيد العمل في فرنسا: مظاهرات ضد قانون التقاعد الجديد

الشرطة تستخدم مدفع ماء ضد متظاهرين في باريس أمس (أ.ف.ب)
الشرطة تستخدم مدفع ماء ضد متظاهرين في باريس أمس (أ.ف.ب)

لم تشذ المسيرات والمظاهرات التي عرفتها فرنسا أمس، بمناسبة يوم «عيد العمل» عن أيام التعبئة الـ14 السابقة التي تلاحقت منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، رفضاً لخطة الحكومة لرفع سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً. وعلى الرغم من أن الخطة أقرت، وأن الرئيس إيمانويل ماكرون أصدر القانون الذي أصبح نافذاً، فإن النقابات الـ12 التي بقيت محافظة على وحدتها وأحزاب اليسار والخضر الداعمة لها، ما زالت تعرب عن معارضتها له، وعن دوام التعبئة للضغط على الحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري.
من هنا، فإن مظاهرات الأمس، تعد الأكبر منذ أن أعلن المجلس الدستوري مواءمة مواد القانون الجديد في غالبيتها مع النصوص الدستورية، بعد أن مرر القانون في البرلمان من غير التصويت عليه بموجب المادة 49 (الفقرة الثالثة) من الدستور التي تجيز مثل هذا الإجراء.
بيد أن يوم أمس الذي أرادته النقابات «تاريخياً»، معربة عن أملها في أن تكون المظاهرات «مليونية»، بحيث تعكس قوة الرفض التي ما زالت تعتمل المجتمع الفرنسي، وصرخة بوجه السلطات، لم يسلم من أعمال العنف التي تتكرر مرة بعد الأخرى.
ويوم أمس، حصلت اشتباكات عديدة، وتحولت بعض الشوارع في مدن كثيرة مثل نانت وتولوز وليون ومولوز، وخصوصاً باريس، إلى ساحات قتال بين مجموعات منظمة غالبيتها من المجموعة اليسارية المتطرفة «بلاك بلوك»، إضافة إلى بعض فلول «السترات الصفراء» ورجال الأمن من شرطة ودرك ووحدات مكافحة الشغب التي ردت باللجوء إلى القنابل الصوتية والأخرى الدخانية أو المسيلة للدموع التي ردت بالقنابل المسيلة للدموع. واستهدف المشاغبون والمنظمون في المدن المذكورة، وأخرى غيرها، المحلات التي حطموا بعض واجهاتها وأحرقوا سيارات كانت متوقفة على درب المظاهرات، ورموا المقذوفات المتوافرة على القوى الأمنية. وكان لافتاً «تكتيكهم» الهجومي، حيث تفتح مجموعة منهم المظلات بوجه القوى الأمنية، لمنعها من رؤية ما يحصل ثم تنقض على أهدافها.
وكما في كل مرة، عمدت القوى الأمنية إلى توقيف العشرات من المشاغبين الذين يساقون إلى مراكز الشرطة لاستجوابهم، وبعضهم تصدر بحقه مذكرات توقيف. وبالتوازي، تسمع الأناشيد المناهضة للحكومة ولماكرون وضد رجال الأمن. وجديد الأمس، أن قوى الأمن في باريس لجأت إلى سلاح إضافي؛ هو استخدام المسيرات لمراقبة ومواكبة المظاهرات. وبعكس ما حصل في مدينة روان، فإن المحكمة الإدارية في العاصمة أجازت لمديرية الشرطة استخدام المسيرات. وقالت صوفي بينيت، الأمينة العامة لـ«الاتحاد العمالي العام»، إن تسلل «البلاك بلوك» يعد «مشكلة». إلا أنها بالمقابل، عبرّت عن قلقها لاستخدام المسيرات، وهو ما رأت فيه «منزلقاً خطراً». وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة الإدارية في مدينة روان (شمال غربي فرنسا) علقت لجوء الشرطة للمسيرات. وتقدمت النقابات بطعن مماثل في باريس وبوردو. ولتلافي المفاجآت، عمدت وزارة الداخلية إلى تعبئة 12 رجل أمن ودرك، منهم 5 آلاف للعاصمة وحدها. وعبّرت مصادر أمنية عن تخوفها من أعمال شغب قد يقوم بها ما بين 1000 و2000 فرد ينتمون إلى مجموعات متطرفة، أبرزها «بلاك بلوك» اليسارية الفوضوية التي دأب أفرادها على ارتداء لباس أسود، ومن هنا تسميتهم. إضافة إلى ذلك، فقد توقعت مشاركة ما بين 1500 إلى 3 آلاف فرد من «السترات الصفراء» الذين لا يترددون عن مواجهة رجال الأمن.
ثمة رهانات متضاربة لطرفي النزاع: فمن جهة، تسعى النقابات ومعها الأحزاب اليسارية والخضر، لتسجيل موقف، واعتبار أن المظاهرات «الجرارة» بمثابة مؤشر على تواصل التعبئة ووسيلة الرد على الحكومة التي لم تتراجع عن السير بقانون تعديل نظام التقاعد رغم المعارضة الشديدة التي واجهتها من النقابات مجتمعة في الشارع، ومن أحزاب المعارضة في البرلمان. وتصر النقابات على أن حراكها أمس، جاء بتوافق كل مكوناتها الـ12 وبطلب من اللجنة النقابية المشتركة. ووحدة الموقف النقابي في الأول من مايو (أيار)، تتحقق للمرة الأولى منذ عام 2009.
وعلى الرغم من أن قانون التقاعد الجديد أصبح نافذاً بعد أن أصدره ماكرون، وأن هناك دعوة من رئيسة الحكومة للقادة النقابيين للالتقاء بها الأسبوع المقبل على الأرجح، لمناقشة مواضيع تتناول قوانين العمل والمرتبات، فإن المزاج العام ما زال رافضاً لأداء الحكومة. والدليل على ذلك، قرع الطناجر الذي يستقبل ماكرون ورئيسة الحكومة والوزراء ونواب الأكثرية، أينما يحلون. وفيما تشيع الحكومة أنها قلبت صفحة القانون الجديد، فإنه لا تزال أمامها عقبتان: الأولى قانونية والثانية سياسية. فمن جهة، ينتظر أن يصدر المجلس الدستوري يوم غد (الأربعاء)، فتواه بخصوص طلب نواب من المعارضة الموافقة على إجراء استفتاء بشأن رفع سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64، وهو الثاني من نوعه الذي قدم للمجلس الذي سبق له أن رفض الطلب الأول. ومن جهة ثانية، تقدمت المعارضة اليسارية باقتراح قانون إلى البرلمان ينص على الإبقاء على الـ62 عاماً كحد رسمي للتقاعد، ما يعطل القانون الجديد إذا حصل الاقتراح على الأكثرية النسبية. وسيتم التصويت عليه في البرلمان يوم 8 يونيو (حزيران) المقبل.
أما من الجانب الحكومي، فإن القراءة مختلفة. ويبدو ماكرون وإليزابيث بورن مقتنعين بأن «ما حصل قد حصل»، ولا مكان للتراجع على الرغم من تدهور شعبية الطرفين. وترفض الحكومة العودة إلى مناقشة بنود القانون الجديد، وهي واثقة من أن البرلمان لن يتجاوب مع المعارضة، فيما تبقى مسألة قرار مجلس الدستوري معلقة ليومين إضافيين.
ومن جانب آخر، تراهن الحكومة على «تعب» النقابات والرافضين، وهي تعمل على اجتذاب الشرائح الأكثر هشاشة من خلال توفير مساعدات مالية، إن بالنسبة للمحروقات أو بالنسبة للأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار وحث الشركات على رفع مرتبات العمال والموظفين، فيما التضخم يضرب أرقاماً قياسية.
ومن المقرر أن تعقد النقابات اجتماعاً اليوم (الثلاثاء)، للنظر في الخطوات اللاحقة. ويبدو منذ اليوم، أن هناك تشققات داخل الصف النقابي، الأمر الذي برز من خلال تفاوت الردود على دعوة رئيسة الحكومة للقاء المسؤولين النقابيين. فمن جهة، قال لوران بيرجيه، أمين عام الفيدرالية الديمقراطية للعمل، إن نقابته ستلبي الدعوة، بدا الاتحاد العام للشغل القريب من الحزب الشيوعي متردداً وأكثر ميلاً للرفض.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».