أكثر الأفلام الجديدة التي نالت إعجاب النقاد البريطانيين هذا الأسبوع هو «عشيقة أميركية» لنوا بومباك (أو بومباخ لو أرجعنا الكلمة إلى أصول جرمانية). خمسة نجوم أمام الفيلم لدى كل من نقاد «ذا غارديان» و«ذا تايمز» و«تايم أوت» وأربع نجوم من معظم الصحف والمجلات الأخرى وهو يستحق ذلك التقدير عمومًا.
حكاية الفتاة ترايسي (لولا كيرك) التي طلبت منها أمها الاتصال بابنة الرجل الذي ستتزوّج الأم منه واسمها بروك (غريتا غرويغ). ترايسي تفعل ما تطلبه أمها منها وتجد نفسها في مواجهة فتاة تصغرها باثنتي عشرة سنة تمثّل ما لم تستطع هي تحقيقه، فبروك سعيدة وصاحبة إنجازات مهنية وصداقات متعددة وتشعر بالراحة العاطفية والاستقرار وجميعها الصفات التي تفتقدها ترايسي. ما يحدث بعد ذلك هو رحلة كوميدية اجتماعية تكشف عن أن الظاهر ليس هو الباطن وأن نيات كل واحدة تتضارب، خصوصًا وأن بروك قد تكون متوهمة بخصوص ما تعتقد أنها أنجزته من نجاح.
كتبت غرويغ الدور لنفسها مع شريكها المخرج بومباك الذي يذكر بوودي ألن ليس من ناحية تخصصه في الكوميديات العاطفية - الاجتماعية فقط، بل من حيث كثرة أعماله. لم أشاهد كل أفلامه (التي من بينها في العامين الأخيرين «فرانسيس ها» و«بينما نحن شبان») لكنه ماض في سبيل إعادة القيمة للفيلم الكوميدي، تلك التي لم نعد نراها إلا في أفلام قليلة من بينها أفلام ألن نفسه. يغيب عن الفيلم وحدة سياقه. في نصف ساعته الأولى، ينضح بالجديد والحيوية. بعد ذلك، ينضح بالمشاهد التي تطول وتشرح وتتعثر بعض الشيء خلال شرحها.
«نو رومانس»
الفيلم الجديد الآخر «أعده إلى المرسل»، وكان يستطيع الاستفادة من بعض ذلك المديح الذي خطفه «عشيقة أميركية» من نقاده. مثل الفيلم السابق هنا، يعتمد على تمثيل جيّد توفره روزاموند بايك، تلك التي شاهدناها في فيلم ديفيد فينشر الأخير «فتاة مختفية». إنها ما يجعل الفيلم مثيرًا وفيه عمق كون الحكاية ليس فيها الكثير مما يمكن أن يتعامل المخرج فؤاد ميقاتي معه.
المخرج الصيداوي الأصل لديه عناية خاصة حيال الشخصيات النسائية تتبدّى هنا من خلال حكاية ممرضة تتعرض لاعتداء جنسي في منزلها. البوليس يلقي القبض على الفاعل، لكن الضحية تتواصل معه في سجنه. تبعًا لحالتها النفسية يصدّق المشاهد، إلى حد، أنها قد تقدم على محاولة طمر ما حدث لها بالسعي لمصاحبة الجاني. بعد خروجه من السجن هو معها شاعر بالراحة التي لا يشعر بها المشاهد كونه يتوقع حدثًا يهز هذا الشكل الظاهري للعلاقة. وما يتوقعه يحدث إذ هي تسعى للانتقام من المغتصب نتيجة فعلته.
المخرج اللبناني حقق فيلمه الأول قبل بضع سنوات وهو «العملية: إندغايم» Operation: Endgame وهو ترفيه مسل لحكاية تجمع بين التشويق والجاسوسية وقدر من الكوميديا. لفيلمه الثاني اختار إلغاء الكوميديا والتركيز على التشويق وحده مانحًا الممثلة فرصة ثانية لسبر غور الداكن من شخصيتها (كما حالها في فيلم فينشر).
مثل «عشيقة أميركية» ومجموعة كبيرة من الأفلام المعروضة حاليًا، من بينها «المهمّة: مستحيلة - أمّة سافلة» و«بلدة من ورق» و«الهدية» و«ريكي وذا فلاش»، كما «فانتاستيك فور» و«الرجل من U.N.C.L.E»، يخلو هذان الفيلمان من العاطفة. لا رومانسية ولا حياة طبيعية وحقيقة أن «عشيقة أميركية» خال من العنف ويتحلّى بمعالجة كوميدية لا تعني مطلقًا أنه رومانسي، مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت الرومانسية، كنوع قصصي، ينقرض من السينما على نحو سريع.
في «الملكة الأفريقية» لجون هيوستون (1951) لم يمنع التوتر الذي يصاحب الرحلة المائية في أحد أنهار أفريقيا من أن تشهد تحوّل التضاد بين همفري بوغارت وكاثرين هيبورن إلى عاطفة واهتمام كل منهما بسلامة الآخر. لكن الحال منتفى تمامًا من جوهر اهتمامات الأفلام التشويقية الجديدة.
حضور وغياب
«عشيقة أميركية» يحشد مجابهات بين النساء والرجال وتشتت نيات، في حين أن المرأة توهم الرجل بحبها في «أعده إلى المرسل». وفي أفلام تشويقية حالية نجد أن الرحلة التي يتكوّن منها فيلم «ماد ماكس: طريق الغضب»، التي تتضمن - مثل «الملكة الأفريقية» - قصّة رجل وامرأة يتعاونان في مهمّة واحدة، لا تنص على أي جاذبية عاطفية بين بطلي الفيلم تشارليز ثيرون وتوم هاردي.
ولا يوجد تجاذب عاطفي بين توم كروز وربيكا فرغوسون في «المهمّة: مستحيلة 5».
هناك لمسة عاطفية بين سكارلت جوهانسن ومارك روفالو في «ذا أفنجرز: عصر ألترون» لكن مارك يتحوّل إلى عملاق كبير الحجم أقرب إلى وحش على هيئة آدمية ما يتعذر معه تطوير العاطفة إلى حب. والمرأة في «ريكي وذا فلاش» التي تؤديها ميريل ستريب هي في ذواتها أنانية، وتلك التي تؤديها مامي غومر (ابنتها في الواقع وابنتها في الفيلم) تائهة وغير متوازنة.
والمنحى الحالي لم يبدأ مع أفلام الموسم الحاضر بل انطلق قبل سنوات وتزايد حدّة هذا العام. في «فوكاس» فإن العلاقة بين ول سميث ومارغوت روبي تقوم على تعاونهما على السرقة. صحيح أن هناك علاقة واستلطاف ثم انقطاع وعودة تواصل، لكنك لن تجد في الفيلم مشهدًا رومانسيًا واحدًا. وفي أفلام آل باتشينو الثلاثة هذا العام (اثنان منها أنتجا في العام الماضي وعرضا تجاريًا في الأشهر الستة الأولى من هذه السنة) وهي «داني كولينز» و«مانغلهورن» و«الإذلال» ليس فيها ما هو رومانسي.
«الإذلال» يدور حول ممثل يبحث عن دوره المقبل متجنبًا علاقة مع فتاة شابّة، ويتمحور «مانغلهورن» حول رجل يعيش في حب ماض ولا يرى استعداد امرأة حاضرة منحه حبًا بديلاً. أما «داني كولينز» فهو يؤدي دور مغن سابق يحاول ترميم العلاقة العائلية المفقودة بينه وبين ابنته. خلال ذلك لا رقّة في العلاقة المحتملة بينه وبين مديرة الفندق الذي يسكن فيه (أنيت بانينغ) ولا بين ابنته (جنيفر غارنر) وزوجها (بوبي كانافال).
وفي حين أنه من غير المتوقع أن تحتوي أفلام التشويق والحركة مثل «المهمّة: مستحيلة» و«ذا أفنجرز» و«فانتاستيك فور» و«سريع وغاضب» و«ذ ترميناتور» الناحية الرومانسية (ولو أن ذلك ممكنًا في السيناريو الجيّد على نحو ما فعله سام بكنباه في «الفرار» قبل عقود)، إلا أنه من المتوقع، تقليديًا، للفيلم الكوميدي أو الاجتماعي أن يتضمن تصوير العلاقات الرجالية - النسائية على نحو رقيق وإيجابي. أمر بات غيابه أكثر من حضوره وقد يكون ذلك تمهيدًا لاندثاره.