انتشار الجريمة في الخرطوم وسط غياب للشرطة

«لجان المقاومة» الشعبية تسعى لتوفير الحماية للسكان

القتال خلف دماراً كبيراً في العاصمة السودانية (رويترز)
القتال خلف دماراً كبيراً في العاصمة السودانية (رويترز)
TT

انتشار الجريمة في الخرطوم وسط غياب للشرطة

القتال خلف دماراً كبيراً في العاصمة السودانية (رويترز)
القتال خلف دماراً كبيراً في العاصمة السودانية (رويترز)

تشهد العاصمة السودانية، بمدنها الثلاث، حالة من الانفلات الأمني وغياباً شبه كامل للشرطة، وفق ما يقول عدد من سكان المدينة التي تشهد اشتباكات مسلحة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منذ أكثر من أسبوعين، تصاعدت وتيرتها رغم موافقة الطرفين على هدنة لمدة 72 ساعة، انتهت مساء الخميس، وجرى تمديدها بموافقة الطرفين لثلاثة أيام إضافية بمبادرة سعودية - أميركية. لكن المدينة شهدت رغم الهدنة قصفاً بالمدفعية وسلاح الجو، وظلت أعمدة الدخان تتصاعد بها بشكل كثيف. ومع استمرار الصراع المسلح الذي تفجّر منذ أسبوعين، انطلقت مبادرات بالأحياء السكنية التي تقودها لجان المقاومة لتوفير الحماية للسكان.
استغلت هدى الماحي، التي تسكن بمدينة الخرطوم بحري، فترة الهدنة المعلنة لمدة 72 ساعة التي وافق عليها طرفا الصراع بالسودان، وتوجهت إلى منزل شقيقتها في أم درمان. ظلت هدى، وهي أم لأربعة أطفال، عالقة لأكثر من 10 أيام بمنزلها تحت نيران الرصاص، بلا ماء ولا زاد. وقالت لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «معظم سكان الحي، والمقتدرون مالياً مشوا خارج البلد، وأصبح الحي عبارة عن ثكنة عسكرية ومرتعاً لعصابات النهب والسلب التي نهبت بيوتاً غادرها أصحابها. حتى السكان دخلوا عليهم ونهبوهم، فقررتُ ترك البيت واللجوء إلى شقيقتي».
في رحلتها لبيت شقيقتها، تكلفت هدى أضعاف ما كانت تدفعه في العادة. فالانتقال من حي الصافية، حيث تسكن، إلى منزل شقيقتها بحي الثورة في أم درمان يكلف 4700 جنيه سوداني (نحو 9 دولارات) في الظروف الطبيعية، لكن الرحلة هذه المرة تكلفت 80 ألف جنيه (133 دولاراً). فتكلفة النقل الداخلية بالمركبات العامة وعربات الأجرة ارتفعت بنسب مبالغ فيها مع اختفاء الوقود من المحطات وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، حيث ارتفع سعر الغالون إلى 25 ألف جنيه، في حين أن سعره بمحطات الوقود 2500 جنيه. كما أن سائقي المركبات يقطعون مسافات طويلة للتنقل بين مدن العاصمة الثلاث؛ بسبب إغلاق بعض الجسور الرئيسية.
- مجموعات منفلتة
قصّ عوض القرياتي كيف قتلت مجموعة «منفلتة» شقيقه الأكبر، البالغ من العمر 38 عاماً، بأحد الشوارع جنوب الخرطوم، وكيف نهبت عربته، بينما كان يبحث عن وقود. وقال: «توجهنا إلى قسم الشرطة لمباشرة إجراءات فتح البلاغ. وجدنا عناصر الشرطة يرتدون زياً مدنياً ويجلسون أمام بوابة القسم كأنهم مواطنون عاديون. وعندما أخبرناهم بالحادثة قالوا: (ما في طريقة لفتح بلاغات جديدة، والنيابة ما شغالة)».
ويتخوف كثيرون من إطلاق سراح عشرات الآلاف من السجناء بالعاصمة ومدن أخرى، ويخشون أن يسهم ذلك في ارتفاع معدلات جرائم السلب والنهب في ظل غياب الشرطة، وبحث الكثيرين عن مال لشراء الغذاء. وتبادلت القوات المسلحة السودانية وقوات «الدعم السريع» الاتهامات باقتحام بعض السجون وإطلاق سراح النزلاء. وقالت القوات المسلحة، في بيان يوم الأربعاء الماضي، «شهدت بعض السجون اضطرابات خلال الأيام السابقة، بدأت باقتحام الميليشيا المتمردة سجون الهدى وسوبا والنساء بأم درمان، وإجبار شرطة السجون على إطلاق سراح النزلاء بعد قتل وجرح بعض منسوبي الشرطة». وأضاف البيان أن إدارة «سجن كوبر» أطلقت سراح نزلائه «بسبب انقطاع خدمات المياه والكهرباء والإعاشة، مما خلق تهديداً إضافياً على الأمن، والطمأنينة العامة بمدينة الخرطوم».
وقال: «هناك مخاوف من اتساع نطاق هذه الأحداث وامتدادها إلى ولايات أخرى، حيث بدأ نزلاء سجونها المطالبة بإطلاق سراحهم أسوة بما جرى ببعض سجون ولاية الخرطوم»، وأشار إلى «ما قد يترتب على ذلك من فوضى وانتشار للجرائم، خصوصاً أن بين هؤلاء النزلاء محكومين أو منتظرين بموجب جرائم جنائية خطيرة».
وعبر البيان عن «انزعاج القوات المسلحة من هذه الأحداث، وما قد يترتب عليها من خطر عظيم جراء انفراط عقد الأمن»، وناشد أخذ الحيطة والحذر.
من جانبها، اتهمت قوات «الدعم السريع» مَن أطلقت عليهم «قيادات الانقلابيين» بوضع خطط ورسم سيناريوهات لإشعال الحرب بوصفها غطاءً لخلق مبررات أمنية لإخراج قيادات النظام السابق من السجن تمهيداً للعودة مجدداً للسلطة.
وقالت، في بيان يوم الأربعاء الماضي، إن «هذا المخطط المكشوف... يستهدف تقويض ثورة الشعب التي ضحى من أجلها خيرة شباب أمتنا». وقبلها بيومين، قالت قوات «الدعم السريع» إنها رصدت عمليات تخريب واسعة وعمليات نهب لمنازل المواطنين ومقار الشركات والمصانع، تقف «وراءها خطة ماكرة... بمحاولة إلصاق التهم بقوات الدعم السريع عبر خطط مكشوفة».
- دوريات أهلية
من جهة أخرى، ومع يأس المدنيين وسكان العاصمة من الحصول على حماية من أي جهة رسمية، قال سليمان مجدد، عضو غرفة طوارئ منطقة كرري شمال مدينة أم درمان، إن المنطقة ظلت تشهد حوادث نهب وسلب من قبل «متفلتين» في الشوارع، مشيراً إلى إبلاغ أقسام الشرطة بالحوادث لكن دونما رد. وأضاف في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «مع تلكؤ قوات الشرطة في حمايتنا منذ بداية الحرب، قمنا بتشكيل دوريات من الشباب في الحي الذي نسكن فيه للتصدي لهذه التفلتات».
وأشار محمد أبو بكر، الذي يسكن في شرق مدينة بحري، إلى أن دوريات الأحياء بمنطقتهم أمسكت بثلاثة «متفلتين» حاولوا نهب أحد المنازل، وكيف أنها اقتادتهم لمركز الشرطة الذي رفض تسلمهم. وأردف: «لم يكن أمامنا خيار سوى تركهم يذهبون ليقوموا بعمليات نهب جديدة».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«الخوذ البيضاء» يطالب الأمم المتحدة بالحصول على خرائط «السجون السرية» من الأسد

لقطة جوية تظهر تجمع الناس في سجن صيدنايا (أ.ف.ب)
لقطة جوية تظهر تجمع الناس في سجن صيدنايا (أ.ف.ب)
TT

«الخوذ البيضاء» يطالب الأمم المتحدة بالحصول على خرائط «السجون السرية» من الأسد

لقطة جوية تظهر تجمع الناس في سجن صيدنايا (أ.ف.ب)
لقطة جوية تظهر تجمع الناس في سجن صيدنايا (أ.ف.ب)

أعلن جهاز «الخوذ البيضاء»، اليوم (الثلاثاء)، أنه قدم طلباً إلى الأمم المتحدة للحصول على خرائط بمواقع «السجون السرية» من الرئيس بشار الأسد الذي فرّ، الأحد، مع دخول فصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» دمشق، وإعلانها إسقاط حكمه، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في مقابلة مع شبكة أميركية، اليوم (الثلاثاء)، أن الأسد داخل روسيا، في أول تأكيد رسمي من موسكو لما سبق أن أوردته وكالات أنباء روسية.

وقال مدير جهاز «الخوذ البيضاء»، رائد الصالح، في منشور على منصة «إكس» اليوم: «أرسلنا (...) طلباً للأمم المتحدة عبر وسيط دولي لمطالبة روسيا بالضغط على المجرم (...) بشار الأسد لتسليمه خرائط بمواقع السجون السرية، وقوائم بأسماء المعتقلين، لنتمكن من الوصول إليهم بأسرع وقت ممكن».

ومنذ بداية الاحتجاجات التي تحوّلت إلى نزاع مسلّح في عام 2011، توفي أكثر من 100 ألف شخص في السجون خصوصاً تحت التعذيب، وفق تقديرات للمرصد السوري لحقوق الإنسان تعود إلى عام 2022.

وأفاد المرصد بأنّ الفترة ذاتها شهدت احتجاز نحو 30 ألف شخص في سجن صيدنايا الواقع على مسافة نحو 30 كيلومتراً من العاصمة دمشق، ولم يُطلق سراح سوى 6 آلاف منهم.

من جانبها، أحصت منظمة العفو الدولية آلاف عمليات الإعدام، مندّدة بـ«سياسة إبادة حقيقية» في سجن صيدنايا الذي وصفته بـ«المسلخ البشري».

وأعلنت فصائل المعارضة تحرير المحتجزين في السجون بما فيها سجن صيدنايا الذي يُعد من أكبر السجون السورية، وتفيد منظمات غير حكومية بتعرّض المساجين فيه للتعذيب.

وأعلن جهاز «الخوذ البيضاء»، اليوم، «انتهاء عمليات البحث عن معتقلين محتملين في زنازين وسراديب سريّة غير مكتشفة» داخل سجن صيدنايا «من دون العثور على أي زنازين وسراديب سرية لم تُفتح بعد».

غير أنّ الكثير من العائلات لا تزال مقتنعة بأنّ عدداً كبيراً من أقربائها محتجزون في سجون سرية تحت الأرض.

وقال رائد الصالح: «توحُّش وإجرام لا يمكن وصفه مارسه نظام الأسد البائد في قتل السوريين واعتقالهم وتعذيبهم».