غموض يحيط بمستقبل رئيس «النهضة» التونسية

بعد إيقافه في السجن... والتحقيق معه في قضايا عدة

راشد الغنوشي (رويترز)
راشد الغنوشي (رويترز)
TT

غموض يحيط بمستقبل رئيس «النهضة» التونسية

راشد الغنوشي (رويترز)
راشد الغنوشي (رويترز)

لا يزال الغموض يلف المستقبل السياسي لراشد الغنوشي، الذي يتزعم حركة «النهضة» التونسية منذ تأسيسها قبل خمسين عاماً، رغم مطالبات عدد من التونسيين بتنحيه عن الزعامة، وإدخال إصلاحات ديمقراطية داخل هياكل الحزب، وحدوث انقسامات واستقالات من قبل قيادات من الصف الأول، مثل عبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي، والأمين العام السابق حمادي الجبالي، والمحامي المعروف سمير ديلو.
وكان يُفترض طرح خلافة الغنوشي في المؤتمر العام للحزب، المؤجل منذ 2020، لكن بعد إيقافه في السجن والتحقيق معه في قضايا عدة أُرغمت الحركة على تعيين مساعده منذر الونيسي؛ لتسيير الحزب مؤقتاً، لا يبدو واضحاً الآن المستقبل السياسي للغنوشي الذي جاوز العقد الثامن من عمره. وبخصوص هذه المسألة الخلافية، قال رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة «النهضة»، لـ«وكالة الأنباء الألمانية» إن «الأستاذ راشد الغنوشي استوفى عهدتيه القانونيتين، وبالتالي فالمؤتمر المقبل سيفتح المجال لتغيير على رأس الحركة. لكن في ظل الظرفين السياسي والأمني الحاليين، سيكون ذلك غير ممكن؛ لأن أولويات الحركة تغيرت، وانعقاد مؤتمرها أصبح محفوفاً بالمخاطر».
وفي ظل الظروف الحالية التي يعيشها الحزب، استبعد الشعيبي حصول انقسامات جديدة في الحركة، مؤكداً أن «روح التضامن والتكاتف أمام التهديدات والانتهاكات تطغى على كل المواقف الشخصية. أما بالنسبة لمستقبل الأستاذ راشد الغنوشي السياسي بعد المؤتمر المقبل، فهذا أمر سابق لأوانه، خصوصاً في ظل وضعية الاعتقال الحالية».
وأضاف الشعيبي أن الحركة «ليست لديها مخاوف من عودة مناخ التسعينات، وستتمسك بحقها في التعبير، كما ستستمر في المقاومة من كل المواقع المتاحة في حال حظر أنشطتها».
وتواجه حركة «النهضة» الإسلامية، التي تسيّدت السلطة في أغلب الفترات بعد ثورة 2011، التي أنهت حكم خصمها السابق في تسعينات القرن الماضي، زين العابدين بن علي، أخطر مرحلة في نزاعها المتجدد مع النظام الذي يقوده اليوم الرئيس قيس سعيد بصلاحيات واسعة. وتجري مقارنات على نطاق واسع مع مآل صراع حركة «الإخوان المسلمين» مع النظام في مصر، لا سيما بعد إيقاف الغنوشي، الذي طالما اعتبره أنصاره «خطاً أحمر»، وغلق مقرات الحزب وحظر اجتماعاته حتى الآن.
ومع ذلك، يرفض المستشار السياسي للغنوشي هذه المقارنات؛ لأنها «مغايرة تماماً للواقع»، ويقول إن حركة النهضة «تحررت من رواسب الاستهداف الآيديولوجي، وترى نفسها حزباً مدنياً ديمقراطياً بخلفية إسلامية، الأمر الذي جعل عديداً من القوى الديمقراطية تتحالف معها ضمن (جبهة الخلاص الوطني)، وهو ما جعل العالم الحر يتضامن معها ومع رئيسها، دون أن يصطدم بعقدة الإسلام السياسي».
وتابع المستشار موضحاً: «نحن متمسكون بوضعينا السياسي والقانوني، وسنتوخى كل وسائل الضغط السياسية والقانونية للدفاع عن حقنا في التعبير والتنظيم، وفق مقتضيات القانون التونسي». وينظر مراقبون إلى الصدام الحالي بين «النهضة» والنظام القائم، على أنه تكرار لما حصل بالماضي، مع مغادرة قيادات من الحركة تونس، وفي ظل تكهنات بحظر نشاط الحزب من جديد، بعد قرار السلطات غلق مقراته ومنع اجتماعاته. لكن الشعيبي يرى أنه «لا مجال للمقارنة بين وضع البلاد والحركة اليوم، وما كان حاصلاً في بداية التسعينات... اليوم ومع ما يعيشه المجتمع السياسي التونسي من حركية، وفي ظل مشهد إعلامي متنوع، وبعد المسار الذي قطعته البلاد في القطع مع ممارسات القمع والتنكيل بالمعارضين... بالنظر إلى كل ذلك لا نخشى من تخييم مناخات التسعينات من جديد، رغم الاعتقالات التي طالت عديداً من السياسيين؛ لأن المجتمع اكتسب حصانة لا بأس بها ضد انتهاك حقوقه، والتعدي على كرامته».
وبشأن إمكانية حظر نشاط الحزب مرة أخرى، قال الشعيبي: «إن حصل ذلك فلن يغير من سياساتنا لأننا سنستمر في المقاومة... من كل المواقع المتاحة، وحتى من داخل زنزانات الاعتقال». أما بخصوص مآل «الحوار الوطني» وإن كان لا يزال ممكناً، فقد أبرز الشعيبي أن الحركة طالبت مع «جبهة الخلاص الوطني»، التجمع السياسي لأطياف المعارضة، بحوار وطني في بداية الأزمة مع الرئيس قيس سعيد، لكن مع مضي الرئيس في تطبيق خريطة طريق بديلة من جانب واحد، أصبحت مطالب المعارضة هي تنحيه عن الحكم والمرور إلى مرحلة انتقالية جديدة.


مقالات ذات صلة

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

شمال افريقيا تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على  أمن الدولة»

تونس تحقق مع 4 محامين في قضية «التآمر على أمن الدولة»

وجه القطب القضائي لمكافحة الإرهاب طلبا رسميا إلى رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس لبدء تحقيق ضدّ المحامين بشرى بلحاج حميدة، والعيّاشي الهمّامي، وأحمد نجيب الشابي، ونور الدين البحيري، الموقوف على ذمة قضايا أخرى، وذلك في إطار التحقيقات الجارية في ملف «التآمر على أمن الدولة». وخلفت هذه الدعوة ردود فعل متباينة حول الهدف منها، خاصة أن معظم التحقيقات التي انطلقت منذ فبراير (شباط) الماضي، لم تفض إلى اتهامات جدية. وفي هذا الشأن، قال أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، وأحد أهم رموز النضال السياسي ضد نظام بن علي، خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الجبهة، المدعومة من قبل حركة النهضة، إنّه لن

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

الرئيس التونسي يؤكد «احترام حرية التعبير»

أعلنت نقابة الصحافيين التونسيين أمس رصد مزيد من الانتهاكات ضد حرية التعبير، مع تعزيز الرئيس قيس سعيد لسلطاته في الحكم، وذلك ردا على نفي الرئيس أول من أمس مصادرة كتب، وتأكيده أن «الحريات لن تهدد أبدا»، معتبرا أن الادعاءات مجرد «عمليات لتشويه تونس». وكان سحب كتاب «فرانكشتاين تونس» للروائي كمال الرياحي من معرض تونس الدولي للكتاب قد أثار جدلا واسعا في تونس، وسط مخاوف من التضييق على حرية الإبداع. لكن الرئيس سعيد فند ذلك خلال زيارة إلى مكتبة الكتاب بشارع الحبيب بورقيبة وسط تونس العاصمة قائلا: «يقولون إن الكتاب تم منعه، لكنه يباع في مكتبة الكتاب في تونس...

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

بعد مصادقة البرلمان التونسي المنبثق عن انتخابات 2022، وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي البرلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي، يسعى 154 نائباً لتشكيل كتل برلمانية بهدف خلق توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الذي يرأسه إبراهيم بودربالة، خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة». ومن المنتظر حسب النظام الداخلي لعمل البرلمان الجديد، تشكيل كتل برلمانية قبل

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

تونس: الشركاء الأجانب أصدقاؤنا... لكن الاستقرار خط أحمر

أكد وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار أمس، الاثنين، أنه لا مجال لإرساء ديكتاتورية في تونس في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن التونسيين «لن ينتظروا أي شخص أو شريك للدفاع عن حرياتهم»، وفق ما جاء في تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي». وأشار التقرير إلى أن عمار أبلغ «وكالة تونس أفريقيا للأنباء» الرسمية قائلاً: «إذا اعتبروا أنهم مهددون، فسوف يخرجون إلى الشوارع بإرادتهم الحرة للدفاع عن تلك الحريات». وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيد بوضع مشروع للحكم الفردي، وهدم مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن أقر إجراءات استثنائية في 25 يوليو (تموز) 2021 من بينها حل البرلمان.

المنجي السعيداني (تونس)

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
TT

تظاهرة في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعارضة عبير موسي

من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)
من المظاهرة التي نظمها أنصار الحزب «الحر الدستوري» في تونس العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي (إ.ب.أ)

تظاهر مئات من أنصار الحزب «الحر الدستوري» المعارض، اليوم (السبت)، في تونس العاصمة، للمطالبة بإطلاق سراح رئيسة الحزب عبير موسي. وتجمع 500 إلى 1000 متظاهر في وسط العاصمة التونسية، حسب صحافيي «وكالة الصحافة الفرنسية» للمطالبة بإطلاق سراح عبير موسي، ورفع العديد منهم أعلاماً تونسية وصوراً لرئيسة الحزب.

أوقفت موسي، النائبة السابقة البالغة 49 عاماً، في 3 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أمام القصر الرئاسي في قرطاج، عندما حضرت، وفقاً لحزبها، للاحتجاج على قرار اتخذه الرئيس قيس سعيّد. وتواجه عبير موسي تهماً خطيرة في عدة قضايا، من بينها «الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة». وقد قضت محكمة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتخفيف حكم قضائي استئنافي في حق المعارضة من السجن سنتين إلى سنة و4 أشهر، في قضية تتعلق بانتقادها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مطلع عام 2023. وأصدرت المحكمة حُكمها على عبير موسي بموجب «المرسوم 54»، الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد عام 2022 لمكافحة «الأخبار الكاذبة»، والذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة ونقابة الصحافيين.

وندد المتظاهرون بـ«المرسوم 54»، الذي أدى تفسيره الفضفاض إلى سجن عشرات السياسيين والمحامين والناشطين والصحافيين. وقال ثامر سعد، القيادي في الحزب «الحر الدستوري»، إن اعتقال عبير موسي لانتقادها الهيئة العليا للانتخابات «لا يليق ببلد يدعي الديمقراطية».

من جانبه، أكد كريم كريفة، العضو في لجنة الدفاع عن عبير موسي، أن «السجون التونسية أصبحت تمتلئ بضحايا (المرسوم 54)»، معتبراً أن هذا المرسوم يشكل «عبئاً ثقيلاً على المجتمع التونسي». وتقبع خلف القضبان شخصيات معارضة أخرى، مثل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وكذلك عصام الشابي، وغازي الشواشي المتهمَين بالتآمر على أمن الدولة، واللذين سبق أن أعلنا نيتهما الترشح للرئاسة قبل أن يتراجعا. وتنتقد المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان ومنظمات دولية وتونسية الرئيسَ التونسي، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي بأكثر من 90 في المئة من الأصوات، وتتهمه بـ«التضييق على الحريات».