مع انتهاء هدنة الساعات الـ72 التي توسط فيها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان من جهة، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب «حميدتي» من الجهة الأخرى، سعى كبير الدبلوماسيين الأميركيين خلال اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وعبر اتصال منفصل مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، إلى وقف جديد للعمليات العدائية بين الطرفين المتحاربين، بما يسمح بإنجاز عمليات إجلاء الرعايا الأجانب، وبينهم آلاف ممن يحملون الجنسية الأميركية.
وتصاعدت حدة القتال حتى قبل انتهاء الهدنة ليل الخميس – الجمعة، بما أظهر أن هامش المناورة الذي تملكه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يبقى محدوداً على كل من البرهان و«حميدتي»، علماً أنه انتزع منهما الهدنة الهشة. وواصل الوزير الأميركي جهوده الشخصية أممياً وأفريقياً، فاستقبل غوتيريش في وزارة الخارجية في واشنطن. وعلى الأثر، قال بلينكن: «نحن نعمل معاً بشكل وثيق للغاية للتعامل مع الأزمة في السودان»، آملاً في أن «نعمل من أجل وقف نار أكثر استدامة، ووقف للأعمال العدائية، والمساعدة في إعادة السودان إلى المسار الصحيح الذي كان عليه في طريق حكومة يقودها مدنيون»، واصفاً الوضع الإنساني بأنه «يزداد صعوبة هناك».
ورد غوتيريش معبراً عن امتنانه وتقديره للتعاون مع الولايات المتحدة في السودان، موضحاً أنه والوزير بلينكن يحاولان «التوسط في وقف للنار - التوسط في وقف متواصل للنار». ولفت إلى «بعض النجاح» في المرتين السابقتين، ولكن «ليس النجاح الذي نرغب في تحقيقه». وعبر عن امتنانه «للدعم الأمني الأميركي لعملية النقل المهمة التي قمنا بها، لقافلة تضم 1200 موظف معظمهم من الأمم المتحدة، وكذلك من المنظمات غير الحكومية وبعثات مختلفة من الخرطوم إلى بورتسودان، وسط وضع صعب للغاية». وكرر أن التعاون مع الولايات المتحدة «كان ثميناً للغاية بالنسبة لنا».
- مع الجهد الأفريقي
وكذلك أفادت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، بأن بلينكن وفقي محمد تحادثا هاتفياً حول «التعاون» بين الطرفين من أجل «التوصل إلى وقف مستدام للعمليات العدائية والتوقف عن القتال في السودان»، موضحاً أنهما اتفقا على أن «القيادة المتواصلة للاتحاد الأفريقي لا تزال جوهرية في الضغط على القوات المسلحة السودانية و(قوات الدعم السريع) للوقف الفوري للعمليات العسكرية، والسماح بالوصول الإنساني من دون عراقيل». وربما تؤدي هذه المحادثات إلى زيارة قريبة يقوم بها وفد أفريقي بقيادة موسى فقي محمد للخرطوم من أجل تضخيم عملية الوساطة.
ومنذ بدء القتال قبل نحو 10 أيام في هذا البلد العربي الأفريقي الاستراتيجي، يحاول بلينكن تكريس وقف للعمليات العسكرية تمهيداً لإعادة كل من البرهان ودقلو إلى طاولة الحوار، ولتشكيل حكومة بقيادة مدنية. ولم تصمد الإعلانات السابقة عن وقف القتال إلا بشكل محدود بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع». ولكن جرى احترام وقف إطلاق النار الأخير جزئياً، الثلاثاء والأربعاء، في الخرطوم على الأقل، علماً بأن الطرفين تبادلا الاتهامات بانتهاكه. واتصل بلينكن مرتين على الأقل بالبرهان ومنافسه «حميدتي». وشارك في اجتماع وزاري مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وشركاء آخرين. ثم أشرف على إجلاء دبلوماسيي السفارة الأميركية في الخرطوم، في عملية جوية نفذتها قوات أميركية خاصة ليل السبت - الأحد الماضي.
وكان لسفير الولايات المتحدة في الخرطوم جون غودفري الذي تم إجلاؤه السبت، وكذلك وكيلة وزارة الخارجية لشؤون أفريقيا مولي في، دور فعال، خصوصاً في مفاوضات وقف إطلاق النار عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بسبب نفوذهما الكبير في السودان.
وعلى الرغم من هذه الجهود لم يكن لدى المسؤولين الأميركيين أوهام حول نتائج سريعة ودائمة في الوقت الراهن، لكنهم أملوا في أن تقرّب كل «خطوة صغيرة» من وقف دائم للمعارك بهدف نهائي هو المساعدة في التفاوض على عودة الحكم المدني. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل: «نأمل ألا يكون وقف إطلاق النار دائماً فقط، بل أن يتم احترامه وتوسيعه».
وقالت مديرة «برنامج أفريقيا في معهد السلام» بواشنطن سوزان ستيغانت، إن «القلق كان يساور البعض من احتمال أن تنكفئ الولايات المتحدة بعد إجلاء الموظفين الأميركيين». وإذ أشارت إلى صعوبة تطبيق وقف إطلاق النار الذي يجب التحقق منه «في كل حي تقريباً»، أشارت إلى اقتراح بلينكن إنشاء «لجنة» تفاوض «لا تزال معالمها غير محددة»، داعية إلى «توخي الحذر الشديد لتجنب خلق خيار بين الجنرالين فقط»، مؤكدة أنه «يجب أن يكون هناك طريق ثالث».
- عالقون
ولا يزال العديد من الأجانب عالقين في السودان، رغم النزوح الجماعي على مدى الأيام القليلة الماضية، في واحدة من أكبر عمليات الإجلاء منذ انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021. ودفعت الأزمة عدداً متزايداً من اللاجئين لعبور حدود السودان. وقدرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين أن 270 ألفاً ربما فروا إلى جنوب السودان وتشاد وحدهما. وينتظر الآلاف، وأكثرهم سودانيون، دورهم لعبور الحدود مع مصر.
وأعلنت فرنسا أنها أجلت المزيد من الأشخاص من السودان، مضيفة أنهم شملوا مواطنين من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وإثيوبيا وهولندا وإيطاليا والسويد. وقالت بريطانيا إنها قد لا تتمكن من إجلاء رعاياها بعد انتهاء وقف إطلاق النار، وحضتهم على ضرورة محاولة الوصول إلى طائرات بريطانية تغادر السودان على الفور.