جنوب أفريقيا: الفساد والاقتصاد المتردّي يهددان شعبية «المؤتمر»

جددت تصريحات مسؤول سابق في شركة «الكهرباء الوطنية» الحديث حول تفشي الفساد في جنوب أفريقيا، وسط «تراجع في شعبية» حزب المؤتمر الحاكم، بحسب مراقبين، ما قد يهدد حظوظه في الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها العام القادم.
وفي تقرير قدمه إلى اللجنة الدائمة للحسابات العامة بالبرلمان (SCOPA)، قال الرئيس التنفيذي السابق لشركة الطاقة المملوكة للدولة في جنوب أفريقيا، أندريه دي رويتر، (الأربعاء)، إن مليار راند (55 مليون دولار) تسرق من شركة الكهرباء الحكومية الوطنية «إسكوم» كل شهر.
ورفض دي رويتر، تسمية الساسة الضالعين في اتهاماته بسبب «عدم امتلاكه وثائق ومواد أخرى بقيت في حوزة إدارة الشركة وهيئات إنفاذ القانون». وأضاف أن بعض المصادر الذين علم من خلالهم بأنشطة إجرامية وغير قانونية مزعومة «لديهم مخاوف مشروعة على سلامتهم».
من جانبه، رفض الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي فيكيل مبالولا، «مزاعم الفساد» التي وجهها دي رويتر ضد الحزب ووصفه بـ«الفاشل» كرئيس تنفيذي. وقال الحزب في بيان (الأربعاء) أن دي رويتر «أراد تشويه صورة الحزب الحاكم في الانتخابات الوطنية».
وكانت منظمة المجتمع المدني الجنوب أفريقية Corruption Watch (مراقبة الفساد) وجدت في تقريرها السنوي لعام 2022، أن البلاد «تعيش في واحدة من أدنى النقاط في تاريخ ما بعد الفصل العنصري»، حيث إن «ثقة الجمهور في القادة شبه معدومة، لأسباب على رأسها الفساد والفشل في التعامل مع أزمة الطاقة».
وقال التقرير إن «الفساد في البلاد يأخذ أشكالاً مختلفة، على رأسها استغلال السلطة والمناصب والسرقة الصريحة للموارد». وقالت المنظمة إنها تلقت أكثر من 38000 ادعاء بالفساد منذ إطلاقها في عام 2012، منها 2168 تقريراً عن الفساد عام 2022.
ويعاني الرئيس والحزب الحاكم من أزمة شعبية كبرى، حيث وجد استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي أن زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم انخفضت شعبيته بمعدل ثمانية في المائة في تسعة أشهر. وخلص الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة البحوث الاجتماعية Social Research Foundation إلى أن سيريل رامافوزا «ينظر بشكل إيجابي 40.7٪ من المستطلعين، بانخفاض عن 49٪ في الاستطلاع السابق».
وكان استطلاع للرأي أجري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خلص إلى أنه «من غير المرجح أن يحصل أي حزب على أغلبية في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام القادم». ووجد الاستطلاع، الذي شمل 2000 ناخب مسجل، وأجرته مؤسسة Rivonia Circle ومقرها جوهانسبورغ، أن معدل دعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سينخفض إلى 41 في المائة من نسبة 57.5 في المائة حصل عليها في الانتخابات السابقة، الاستطلاع وجد كذلك «أن 74 في المائة من مواطني جنوب أفريقيا يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ».
وأعيد انتخاب رامافوزا زعيما لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب أفريقيا بعد رفض أغلبية برلمانية تقرير لجنة مستقلة أوصت ببدء إجراءات عزله بعد أن وجدت أن الرئيس ربما يكون قد انتهك الدستور على خلفية قضية فساد اتهم فيها «بعدم الإبلاغ عن سرقة مبالغ مالية وجدت في مزرعته الخاصة عام 2020، فيما عرف إعلامياً بقضية (فضيحة المزرعة)».
والشهر الماضي حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد في جنوب أفريقيا مهدد بالركود، متوقعاً أن يتباطأ النمو بشكل حاد هذا العام على خلفية أزمة الطاقة. وشهدت جنوب أفريقيا انقطاعاً للكهرباء ساعات عدة يومياً على مدار 200 يوم خلال العام الماضي، ومن المتوقع أن يحدث ذلك طوال أيام عام 2023. وأدت أزمة الكهرباء إلى العديد من الاحتجاجات وإعلان حالة الكارثة الوطنية في البلاد.
ويرى سعيد عبد الله، الصحافي المقيم في جوهانسبورغ، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «معدلات شعبية الحزب الحاكم مستمرة في التراجع بسبب الظروف الاقتصادية السيئة وأزمة الطاقة المتفاقمة والافتقار للموارد الأساسية والقناعة الشعبية بعدم الجدية في مكافحة الفساد سواء داخل أروقة الحزب الحاكم أو في مؤسسات البلاد».
بدوره، قال الإعلامي المقيم في جنوب أفريقيا، عبد العزيز أبو بكر إن «فضائح الفساد أدت إلى تآكل شعبية حزب المؤتمر الوطني، خاصة بين الشباب»، لكنه اعتقد «أن الحزب لا يزال يتمتع بقاعدة دعم قوية، خاصة في المناطق الريفية وبين الناخبين الأكبر سناً الذين لديهم ارتباط عميق بالحزب وتاريخه».
وأضاف أبو بكر لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المحتمل أن يفكر الحزب في تشكيل ائتلاف مع أحزاب أخرى»، لكنه رجح أن ذلك سيكون عملية معقدة وصعبة، وقد تعارض بعض الفصائل داخل الحزب ذلك، حيث يمكن اعتبار الأمر بمثابة «تضحية بقيم الحزب ومبادئه». وتابع: «جنوب أفريقيا لم يكن لديها العديد من الأمثلة الناجحة للحكومات الائتلافية، حيث للبلاد تاريخ من الاستقطاب السياسي والانقسامات الآيديولوجية العميقة».