أحيت إسرائيل، الأربعاء، الذكرى السنوية لتأسيسها، حسب التقويم العبري، في سلسلة نشاطات مشروخة؛ فمن جهة، راح قادتها يناشدون الشعب الحرص على «الوحدة الوطنية» و«أخوة السلاح» و«مواجهة العدو الخارجي»، ومن جهة ثانية عبّر الغالبية الساحقة من المواطنين عن القلق الشديد من الشرخ الداخلي المتفاقم، ومن المستقبل الذي ينتظرهم جراء ذلك، معتبرين هذا الشرخ، العدو الأكبر، الذي يتفوق في خطورته على التهديد الإيراني الوجودي وتهديد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعربي.
لقد حاول المسؤولون بكل قوتهم الحديث عن «يوم الاستقلال الخامس والسبعين» على أنه محطة تاريخية، تبلغ فيها الإنجازات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية أوجاً جديداً، وتوجد لإسرائيل إنجازات كبيرة حقاً، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلا أن الصراع القائم على مضامين الحكم فيها يغطي على كل شيء. ويبلغ درجة تجعل رئيساً سابقاً لأركان الجيش، الذي شغل منصب قائد سلاح الجو في الماضي، يقول: «في هذه السنة أستمع للكثيرين من رفاق السلاح يتساءلون: هل هذا هو يوم استقلال لي حقاً؟».
«الأخ الأكبر» من واشنطن، الرئيس الأميركي جو بايدن، يصدر بياناً خاصاً لهذه المناسبة يهنئ فيه الإسرائيليين، قائلاً إنه «صديق وداعم مدى الحياة لإسرائيل». ويضيف: «كشركاء أقوياء، نعمل معاً لبناء تحالفات جديدة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، مثل تغير المناخ والصحة العالمية». ويقول: «سابقاً أعلن الرئيس الأميركي هاري ترومان أن الولايات المتحدة ستكون الدولة الأولى التي تعترف بحكومة إسرائيل، واليوم، ما زلنا فخورين بأن نكون من أوائل أصدقاء وحلفاء إسرائيل». لكنه يلمح إلى أنه منزعج من خطة الحكومة للانقلاب على الحكم، وقلق على الديمقراطية: «الولايات المتحدة تعترف بمرونة الديمقراطية الإسرائيلية، وهي أساس علاقتنا القوية والخاصة».
والرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ يعلن أن اختلاف المواقف حيال خطة الحكومة «يعبر عن قوة إسرائيل وليس عن ضعفها». ويضيف: «إسرائيل دولة قوية. وعشية إقامة الدولة، قال ديفيد بن غوريون إن الشعب منقسم. لكن بعد قيام الدولة نشأت وحدة مذهلة. وفي هذه الفترة أيضاً، التي تتميز بخلافات، علينا أن نتذكر أن الفسيفساء الإسرائيلي ليس ضعفاً. الفسيفساء الإسرائيلي الرائع هو القوة التي تميزنا وهو المعجزة التي تميزنا».
أما نتنياهو فيقول: «نختلف كإخوة وأخوات». ويعلن أن «المعنى الحقيقي للاستقلال هو أن يتجذر في الأرض. أن نكون مسؤولين عن مصيرنا. إنشاء قوة دفاع قوية لصد تهديدات أعدائنا. لتعزيز مجتمع رائع، واقتصاد مزدهر، ومتقدم في التكنولوجيا والثقافة المتنوعة، ولتحقيق السلام مع الدول العربية». ويضيف: «دعونا نوقف كل هذا التوتر للحظة. كأمة واحدة، نهضنا من رماد المحرقة إلى ذروة النهضة. كأمة واحدة، ربحنا حروب إسرائيل. كأمة واحدة، استوعبنا الملايين من المهاجرين الجدد».
لكن الإسرائيليين يثبتون أنهم في واد آخر. ولا نتحدث فقط عن أولئك الذين يخرجون بمئات ألوفهم إلى الشوارع سبتاً وراء سبت، يتظاهرون 16 أسبوعاً بلا توقف، وبنفس الزخم، يحذرون من خطة نتنياهو لفرض نظام ديكتاتوري جديد. حركة «بنيما» بقيادة وزير التعليم الأسبق الرباي شاي بيرون، تنشر نتائج بحث معمق يدل على أن 54 في المائة من المواطنين يشعرون بالمحنة والقلق في «يوم الاستقلال» هذه السنة، وأن 75 في المائة من الإسرائيليين قلقون من المستقبل (قبل سنة كانت نسبة القلقين 49 في المائة).
وتنشر صحيفة «معريب» بحثاً آخر يدل على أن أخطر تهديد يراه الإسرائيليون اليوم هو ذلك الشرخ القائم بسبب خطة الحكومة الانقلابية والرد عليها (22 في المائة)، والخطر الثاني هو غلاء المعيشة (19 في المائة) وبعدها يأتي «الإرهاب الفلسطيني» (16 في المائة) والتهديد الإيراني (13 في المائة). وبقية التهديدات تبدو مقلقة بدرجة أقل بكثير: انتشار الجريمة والفوارق الاجتماعية والتعامل السيئ مع المسنين وغيرها (لا تزيد على 4 – 6 في المائة). وفي التفاصيل المتعلقة بالشرخ الداخلي يتضح من البحث أن الشرخ ما بين مؤيدي الخطة الحكومية ومعارضيها يشكل مصدر الإزعاج الأكبر (26 في المائة)، يليه الشرخ القائم بين اليمين واليسار (23 في المائة)، ثم الشرخ القائم بين المواطنين اليهود والعرب (22 في المائة)، ثم الشرخ بين المتدينين والعلمانيين (15 في المائة)، وأخيراً بين الأشكناز والشرقيين (4 في المائة). وتأتي هذه النتائج في ظل تحذير الكثير من المسؤولين والخبراء من خطر حرب أهلية.
وعندما تسأل الصحيفة الجمهور إن كانوا ما زالوا يفتخرون لكونهم إسرائيليين، يجيب 81 في المائة بالإيجاب، ويقول 68 في المائة لأن إسرائيل مكان يحلو العيش فيه، 55 في المائة منهم متشائمون إزاء المستقبل في موضوع الفوارق الاجتماعية و45 في المائة متشائمون من إمكانية تحسن وضعهم الأمني، والنسبة مشابهة إزاء وضعهم الاقتصادي. وأكثر من نصف المواطنين يعطون علامة «غير كاف» (أقل من 41 من مائة) لرئيس الحكومة ووزرائه في أدائهم في القيادة.
من العدو الأكبر لإسرائيل في عيدها الـ75؟
(تحليل إخباري)
من العدو الأكبر لإسرائيل في عيدها الـ75؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة