زيلينسكي يجري اتصالاً هاتفياً «طويلاً وبنّاءً» مع الرئيس الصيني

بكين «تحيط» موسكو علماً بالموضوع وترسل وفداً إلى كييف... وواشنطن ترحب

أول محادثة هاتفية بين شي وزيلينسكي منذ الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا قبل أكثر من عام (أ.ف.ب)
أول محادثة هاتفية بين شي وزيلينسكي منذ الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا قبل أكثر من عام (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي يجري اتصالاً هاتفياً «طويلاً وبنّاءً» مع الرئيس الصيني

أول محادثة هاتفية بين شي وزيلينسكي منذ الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا قبل أكثر من عام (أ.ف.ب)
أول محادثة هاتفية بين شي وزيلينسكي منذ الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا قبل أكثر من عام (أ.ف.ب)

أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ مع نظيره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الأربعاء، اتصالا هاتفيا «طويلا وبناء» رحبت به واشنطن، فيما اتهمت روسيا أوكرانيا بـ«تقويض مبادرات السلام» برفضها الحوار مع موسكو، بعد المحادثة بين حليفتها بكين وغريمتها كييف. وكتب الرئيس الأوكراني على «تويتر» «أجريت مكالمة هاتفية طويلة وبناءة مع الرئيس شي جينبينغ»، وتابع «أعتقد أن هذه المحادثة الهاتفية، وكذلك تعيين سفير أوكرانيا لدى الصين، سيعطيان دفعة قوية لتنمية العلاقات الثنائية بين البلدين»، وفقاً لما ذكرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء. وأضاف زيلينسكي أن المحادثة مع الرئيس الصيني كانت طويلة وذات مغزى. وذكر التلفزيون الصيني أن شي قال لزيلينسكي إن المفاوضات هي الحل الوحيد للحرب. وقال مسؤول بالخارجية الصينية إن بكين سترسل في المستقبل القريب وفدا إلى أوكرانيا ودول أخرى للمساهمة في التوصل لتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية.
وهذه هي أول محادثة هاتفية بين شي وزيلينسكي منذ الاجتياح الروسي الشامل لأوكرانيا قبل أكثر من عام.

وعلى الفور رحب البيت الأبيض بالاتصال بين بكين وكييف، لكنه قال إن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان ذلك سيفضي إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا. وقال جون كيربي المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض للصحافيين إن المكالمة كانت «أمرا جيدا»، مضيفا «نقول منذ وقت طويل إننا نرغب في أن تنتهي هذه الحرب... يمكن أن تنتهي فورا إذا غادر بوتين. ولا يبدو هذا في الأفق»، وأضاف «إذا جرى التوصل إلى سلام عبر التفاوض فسيحدث عندما يكون الرئيس زيلينسكي مستعدا له»، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة سترحب «بأي جهد للتوصل إلى سلام عادل ما دام كان السلام... مستداما وذا مصداقية»، وقال: إن «الولايات المتحدة لم يكن لديها علم مسبق بالمكالمة، ولا تتوقع ذلك بالضرورة»، وتابع «إنهما زعيما دولتين صاحبتي سيادة ويسعدنا أنهما تحدثا». وردا على ما إذا كانت ستؤدي إلى تحرك ذي مغزى نحو السلام، قال: «لا أعتقد أننا نعرف ذلك حاليا».
واتهمت روسيا أوكرانيا بـ«تقويض مبادرات السلام» برفضها الحوار مع موسكو. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن «السلطات الأوكرانية وداعميها الغربيين أظهروا قدرتهم على تقويض مبادرات السلام». وأكدت موسكو أيضا أنها «أحيطت علما» برغبة الصين في «السعي لإقامة عملية تفاوض» بين روسيا وأوكرانيا، ولكنها انتقدت كييف «لرفضها أي مبادرة معقولة تهدف إلى تسوية سياسية ودبلوماسية للأزمة». واعتبرت الوزارة الروسية أن أوكرانيا تقدّمت بـ«طلبات متنوعة غير واقعية عن قصد»، و«رفضت فجأة» خطط اتفاقات سلام في ربيع 2022 في أعقاب بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
في المقابل، اتهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي روسيا مراراً بوضع «عقبات». وقال إنه لن يتفاوض مع فلاديمير بوتين، مشدّداً على استعادة جميع الأراضي التي احتلها الجيش الروسي، وبينها شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014، وقالت الوزارة الروسية: «أي دعوة للسلام سيكون من الصعب أن تراها بشكل مناسب دمى تحرّكها واشنطن». وتقول الصين رسمياً إنها محايدة في النزاع، لكن شي جينبينغ لم يدن الاجتياح الروسي، وأظهر دعمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأعلن على الفور طبقا لمرسوم الموقع الرئاسي الإلكتروني الأوكراني تعيين بافلو ريابيكين سفيرا لدى الصين. وكان ريابيكين قد عمل سابقا في منصب وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني، وأيضا ترأس دائرة الجمارك الحكومية، وفق وكالة «بلومبرغ» للأنباء أمس الأربعاء. وكان سفير أوكرانيا السابق لدى الصين سيرهي كاميشيف قد توفي في عام 2021.
وأكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الأربعاء في مدريد أن «تحديد الطرف المحق» في النزاع بين روسيا وأوكرانيا «لا يفيد في شيء»، مؤكدا أن مفاوضات السلام لها الأولوية. وقال الرئيس البرازيلي الذي يزور إسبانيا في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز: «لا يفيد أبداً تحديد الطرف المحق والطرف الخاطئ (...) ما يجب القيام به هو إنهاء هذه الحرب»، وأضاف «لا أحد يمكنه الشك في أن البرازيليين يدينون انتهاك روسيا لأراضي أوكرانيا. وهذا الخطأ وقع وبدأت الحرب». من جانبه، رحب سانشيز الأربعاء بـ«انخراط» لولا من أجل السلام، ولكنه أكد أنه «في هذه الحرب كان هناك معتد وضحية للهجوم»، مشيرا إلى أن أوكرانيا «تقاتل من أجل سيادتها الوطنية وحريتها».
وجاء الاتصال بين شي وزيلينسكي بعد أيام من تصريحات للسفير الصيني في باريس أثارت تنديدات دولية بعد أن شكك في سيادة الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي بعد انهياره عام 1991، ونأت بكين بنفسها عن تصريحات سفيرها، وأكدت الاثنين أنها تعتبر كل الجمهوريات المنبثقة عن الاتحاد السوفياتي السابق «دولاً ذات سيادة». وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ لصحافيين: «تحترم الصين وضع دولة ذات سيادة في كل الجمهوريات المنبثقة عن تفكك الاتحاد السوفياتي».
وكان السفير الصيني لدى فرنسا لو شاي اعتبر، رداً على سؤال لمحطة «إل سي إي» الإخبارية الفرنسية مساء الجمعة حول شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها موسكو في 2014، أن الجمهوريات السوفياتية السابقة لا تتمتع بالسيادة. وقال إن هذه الدول «ليس لها وضع فعلي في القانون الدولي؛ لأنه لا يوجد أي اتفاق دولي يكرس وضعها بصفتها دولا ذات سيادة». وأثارت التصريحات انتقادات ليس فقط في أوكرانيا، بل أيضا في الجمهوريات السوفياتية السابقة التي أصبحت دولا مستقلة بعد عام 1991، وقالت الناطقة ماو نينغ: «تحترم الصين سيادة كل الدول واستقلالها وسلامة أراضيها، وتدعم أهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه». وأوضحت «بعد انهيار الاتحاد السوفياتي كانت الصين من بين أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الدول المعنية».
أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها استدعت الاثنين السفير الصيني في باريس، وطلبت منه أن «يلتزم بالمواقف الرسمية لبلده في تصريحاته العلنية». وأضافت الوزارة في بيان أنه تم إبلاغ السفير «بأنه من غير المقبول التشكيك في احترام السيادة والاستقلال والسلامة الإقليمية لجميع الدول، والمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة الملزمة للجميع».
واستدعت دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) الاثنين مبعوثي الصين لديها على خلفية تصريحات لو شاي. وسُيطلب من الدبلوماسيين تقديم تفسير حول ما إذا كان «الموقف الصيني بشأن الاستقلال تغيّر، ولتذكيرهم بأننا لسنا دولا سوفياتية سابقة، إنما الدول التي كانت محتلة من الاتحاد السوفياتي بشكل غير قانوني»، وفق وزير خارجية ليتوانيا غابرييليوس لاندسبيرغيس. وكتب لاندسبيرغيس على «تويتر»، «إذا كنتم ما زلتم تتساءلون عن سبب عدم ثقة دول البلطيق بالصين كوسيط في عملية السلام في أوكرانيا، ها هو سفير صيني يعتبر أن القرم روسية وأن حدود بلداننا ليس لها أي أساس قانوني». وقال نظيره الإستوني مارغوس تساكنا إنه يريد معرفة لماذا «تتخذ الصين موقفا أو تدلي بتصريحات كهذه بشأن دول البلطيق». وأقر لو في السابق بأنه ينتمي إلى فئة من الدبلوماسيين الصينيين تعرف باسم «الذئاب المحاربة»، وهو لقب يطلق على الذين يردّون بشراسة على منتقدين يعتبرونهم معادين للصين.
وأعلنت روسيا، أمس الأربعاء، إطلاق سراح 40 من جنودها بعد مفاوضات مع أوكرانيا. ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع الروسية تأكيدها أن الأسرى المطلق سراحهم سيصلون إلى موسكو «لتلقي العلاج الطبي والتأهيل النفسي».
واتهم وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالافتقار «للإرادة السياسية» للسماح لبلاده بالانضمام للحلف سريعا. وقال كوليبا، 42 عاما، في حوار مع شبكة «سي إن إن» الأميركية الثلاثاء: «كل شيء ممكن عندما تتوافر الإرادة السياسية». وأوضح كوليبا «ما دام بقيت أوكرانيا خارج الناتو، فسوف تكون هناك خطورة تكرار العدوان الروسي ضد أوكرانيا». ودعا كوليبا في مقال نشرته وزارة الخارجية دول الناتو «للتوقف عن خلق الأعذار، وبدء عملية الضم للحلف». وأشار كوليبا إلى قمة الناتو 2008، التي عقدت في بوخارست، والتي حصلت فيها أوكرانيا على صفة الدولة المرشحة لعضوية محتملة بالحلف. وفي القمة التالية التي عقدت في ليتوانيا في يوليو (تموز)، توقعت كييف الحصول على التزامات تتعلق بالعضوية من الحلف. مع ذلك، حتى الآن لا يوجد إطار زمني محدد لانضمام أوكرانيا، واتخاذ مثل هذه الخطوة قبل انتهاء الحرب أمر يبدو غير مرجح بصورة كبيرة.
وأرجعت موسكو غزوها لأوكرانيا منذ أكثر من 14 شهرا إلى رغبتها في منع انضمام أوكرانيا للناتو.


مقالات ذات صلة

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية في قرية سفيسا، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا بمنطقة سومي بأوكرانيا في 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك بغرب روسيا، حيث أفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟