البصرة المدينة العراقية الوحيدة المعتصمة رغم حزمة الإصلاحات المحلية

9 محافظات في وسط العراق وجنوبه تدعو للتظاهر الجمعة

البصرة المدينة العراقية الوحيدة المعتصمة رغم حزمة الإصلاحات المحلية
TT

البصرة المدينة العراقية الوحيدة المعتصمة رغم حزمة الإصلاحات المحلية

البصرة المدينة العراقية الوحيدة المعتصمة رغم حزمة الإصلاحات المحلية

ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي، المحرك الأكبر لتنسيق المظاهرات التي يشهدها العراق منذ مطلع الشهر الحالي، على سوء الخدمات ومحاسبة الفاسدين، التي تعد الأكبر إذ شملت تسع محافظات في الوسط والجنوب، بالإضافة إلى العاصمة بغداد، بدعوة المواطنين للنزول إلى الشارع احتجاجًا، وفي الوقت ذاته، وبجميع المدن العراقية، رغم حزمة الإصلاحات الاتحادية التي تبنتها حكومة حيدر العبادي، والمحلية التي قامت بها السلطات المدنية في تلك المحافظات.
وتشهد محافظة البصرة (550 كلم جنوب بغداد)، اعتصامًا مفتوحًا ومنذ بدء الاحتجاجات لتكون بذلك المحافظة العراقية الوحيدة التي طبقت العصيان المدني، بينما قامت الحكومات المحلية في محافظات وسط العراق وجنوبه بعدة إصلاحات، وذلك بتبديل مدراء الدوائر الخدمية وبالجملة إلغاء مناصب في هيكلياتها.
وقال صفاء الضاحي، أحد منظمي الاعتصام المفتوح في البصرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن: «اعتصامنا بدأ منذ الأيام الأولى للدعوة للتظاهرات في البصرة؛ حيث بنينا السرادق وبتنا أمام مقر الحكومة المحلية على نهر العشار، ولن ننهيه إلا بتحقيق مطالبنا كافة رغم الضغوط التي مورست علينا».
وأضاف أن «مطالبنا بدأت تتحقق، ومنها اعتبار منتظر الحلفي شهيدًا، الذي قتل في مظاهرات مدينة (المدينة)، وإعفاء جميع مدراء الدوائر الخدمية في البصرة. وقد تحقق ذلك لكن يبقى اعتصامنا مفتوحًا لحين تحقيق جميع المطالب البصرية».
إلى ذلك، قامت الحكومات المحلية في محافظات البصرة وذي قار وميسان والديوانية والمثنى، بحزمة من الإصلاحات الداخلية المحلية، ومنها إعفاء مدراء الدوائر من مناصبهم وبالجملة، إلا أن المتظاهرين دعوا إلى استمرار حملتهم حتى تحقيق العدالة ومحاسبة المفسدين وتصحيح مسار الديمقراطية في العراق.
وقال ماجد الإبراهيمي، أحد الداعين للمظاهرات في محافظة ذي قار، لـ«الشرق الأوسط»، إن: «المظاهرات ستستمر، وهذه الجمعة نتمنى أن تكون جمعة النصر بالقضاء على الفاسدين في مجلس القضاء الأعلى وحل البرلمان ومجالس المحافظات».
وأضاف أن «مطالبنا مشروعة وإصلاحاتهم جاءت متأخرة، وقد تكون لعبة للالتفاف علينا؛ لذا سنبقى مستمرين حتى تحقيق جميع ما نادينا به، لكن ليعلم الجميع أن مظاهراتنا سلمية ولن تكون غير ذلك».
من جهته، قال المحلل السياسي الدكتور محمد فيصل في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن: «مظاهرات تصحيح المسار التي انطلقت شرارتها من البصرة بمقتل الشاب منتظر الحلفي، لتنتقل إلى ذي قار ثم صعودًا إلى بغداد والمحافظات العراقية الأخرى، هي صحوة حقيقية قد تقوم حكومة العبادي باستغلالها بالشكل الصحيح، إن كان الرجل جادًا في الإصلاح وإلا ستسقط الجميع؛ لذا فإن العبث مع شباب لديهم الاستعداد للمبيت والموت في الشارع، خطأ كبير جدًا».
وأضاف أن «الإصلاحات المحلية التي قامت بها حكومات محافظات وسط العراق وجنوبه، قد تكون صحوة في الظاهر، لكن هناك تخوف من قبل المتظاهرين أن تغيير مدراء الدوائر الخدمة جاء بصفقة من قبل أحزاب الإسلام السياسي التي تسيطر على المناصب في تلك المحافظات. وإن صح هذا الأمر، ستكون هناك أحداث ربما دامية في المدن ومواجهات بين الجمهور الغاضب وتلك الأحزاب».
يذكر أن العراق يشهد حراكًا جماهيريًا واسعًا، وخلال الفترة الأخيرة احتجاجًا على تردي الخدمات وتفشي الفساد وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على معالجة ذلك، وخرجت أولى المظاهرات في البصرة لتعم بعد ذلك جميع المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة العراقية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.