حكومة لبنان تغطّي رسمياً ضوابط «المركزي» للسحوبات من المصارف

رجل معلق بحبل مطاط في وسط بيروت خلال احتفالات عيد الفطر (أ.ف.ب)
رجل معلق بحبل مطاط في وسط بيروت خلال احتفالات عيد الفطر (أ.ف.ب)
TT

حكومة لبنان تغطّي رسمياً ضوابط «المركزي» للسحوبات من المصارف

رجل معلق بحبل مطاط في وسط بيروت خلال احتفالات عيد الفطر (أ.ف.ب)
رجل معلق بحبل مطاط في وسط بيروت خلال احتفالات عيد الفطر (أ.ف.ب)

شكّل حصول «البنك المركزي اللبناني» على تغطية السلطة التنفيذية، ممثلة في مجلس الوزراء مجتمعاً، الإجراءات الاستثنائية التي يعتمدها في إدارة السيولة النقدية وتنظيم السحوبات من المصارف، المخرج القانوني المتاح لفرض المساواة بين المودعين وتحت سقوف معايير تنظيمية موحدة في تنفيذ السحوبات والتحويلات.
ومن المرتقب أن يضع القرار الحكومي حداً للالتباسات المتفاقمة في توزيعات السيولة لصالح المودعين في البنوك، سواء منها المرتبطة بالاستنسابية في تحديد الحصص الشهرية المتاحة للسحب من الودائع، وتلك التي يتم فرضها بموجب أحكام صادرة من قبل مرجعيات قضائية محلية وخارجية، بناء على دعاوى مقامة من قبل عملاء مقيمين وغير مقيمين.
ويطلب القرار من «مصرف لبنان» اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحباً أو تحويلاً)، وفقاً للتعاميم ذات الصلة، والتعامل بشكل يساوي فيما بينهم، وعدم إعطاء أي أولوية لوديعة على أخرى أو على أي التزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه أو مصدره، والاستمرار في منح عملائها حرية التصرف في الأموال الجديدة (الفريش)».
وبذلك، تكتسب التعاميم الطارئة التي رافقت الأزمة النقدية والمتلاحقة منذ ربيع عام 2020 مشروعية رسمية إضافية، قد تكون بديلة لفترة مؤقتة أو مستمرة، وفق تقييم مسؤول مصرفي معني، عن ضرورة إقرار التشريع الملائم، والمتمثل في مشروع قانون وضع قيود استثنائية على السحوبات والتحويلات (الكابيتال كونترول)، والذي قطع مشواراً طويلاً بين الإعداد والتعديل بصياغات مختلفة، ولم يبلغ، حتى الساعة، محطة الإقرار النهائي من قبل الهيئة العامة في مجلس النواب.
ولوحظ أن القرار أكد ضمناً على قانونية التعاميم الصادرة، وبالتالي الاستمرار في سريان مفاعيلها، وبما يتمدّد إلى أي تعاميم لاحقة، وذلك وفقاً للصلاحيات المعطاة لـ«البنك المركزي» بموجب قانون النقد والتسليف، لا سيما المادة «70» التي تحدد مهامه بالمحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم، والحفاظ على سلامة أوضاع النظام المصرفي وتطوير السوق النقدية والمالية. كذلك المادة «71» التي تنص على أن «يتعاون (المصرف المركزي) مع الحكومة ويقدم لها كل مشورة تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية بغية تأمين الانسجام الأوفر بين مهمته وأهداف الحكومة».
ويشير المسؤول المصرفي إلى التماهي الواقعي للقرار الحكومي مع مقتضيات الأزمة النقدية والأوضاع الصعبة التي يعانيها القطاع المالي، من خلال الارتكاز على منطوق المادة «174» من قانون النقد ومندرجاتها، باعتبار أنها نصّت وبوضوح تام على أنه لـ«المصرف المركزي» صلاحية إعطاء التوصيات واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمن تسيير عمل مصرفي سليم.
ووفق النص، يمكن أن تكون هذه التوصيات والوسائل شاملة أو فردية. وأيضاً، للمصرف المركزي خاصة، وبعد استطلاع رأي جمعية المصارف، أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها. كما أن له أن يحدد ويعدل؛ كلما رأى ذلك ضرورياً، قواعد تسيير العمل التي على المصارف أن تتقيد بها حفاظاً على حالة سيولتها وملاءتها.
أما من الناحية الإجرائية، فمن المرتقب، وفقاً للمسؤول المصرفي، أن تشكل التغطية الحكومية حافزاً لتشديد الالتزام بمبدأ العدالة في توزيعات السيولة النقدية، وبما يشمل خصوصاً التعميم رقم «151» المتضمن آليات السحب بالليرة من الودائع الدولارية، والتعميم «158» الذي يحدد الإجراءات الاستثنائية للتسديد التدريجي للودائع بالعملات الأجنبية وفق حصص شهرية تبلغ 800 دولار يجري صرفها مناصفة بواقع 400 دولار نقداً، ومثلها بالليرة، إضافة إلى التعميم رقم «161» الذي ينظم المبادلات النقدية عبر منصة «صيرفة».
ويلفت إلى أن المساواة بين المودعين في السحوبات، تبقى قاصرة عن ضرورات إنصافهم، سواء لجهة زيادة المبالغ المحددة ضمن الحصص الشهرية، وعبر التقليص المتدرج من نسب الاقتطاع الكبيرة التي يجري فرضها على هذه العمليات، ربطاً بسعر الدولار المعتمد عبر المنصة أو بالسعر الواقعي للمبادلات النقدية في الأسواق الموازية.
فمن حيث المبالغ، يسمح لصاحب الحساب المصرفي بسحب 1600 دولار شهرياً، إنما محرّرة بالليرة بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار، مما يعني عملياً شطب المبلغ بكامله من حسابه بالدولار، لقاء حصوله على نحو 24 مليوناً، أي ما يساوي أقل من 250 دولاراً بسعر الصرف الساري على المنصة والخاضع لعمولات مصرفية تجعله أقرب إلى السعر المتداول أو في الأسواق الموازية. وبذلك تكون الخسارة جسيمة بحق المودع الذي يتكبد نسبة اقتطاع تناهز 85 في المائة من المبلغ الأساسي.
ويسري الاقتطاع عينه، رغم الاختلافات الرقمية، على المستفيدين من التعميم رقم «158» حيث يحصلون على حصة شهرية تبلغ 800 دولار، أي نصف المبلغ المتاح للسحوبات العادية. وهم يتميزون باستحواذ 400 دولار نقداً، إنما يخضعون للتصريف بالسعر عينه، أي 15 ألف ليرة للدولار، للنصف الثاني من الحصة، والخاضع أيضاً للتوزيع مناصفة بين «الكاش» والتحويل إلى البطاقة المصرفية. وبذلك يحصل المستفيد، والملزم مسبقاً بعدم سحب سيولة إضافية، على نحو 430 دولاراً نقداً ونحو 30 دولاراً تضاف إلى حساب البطاقة، أي ما يوازي 460 دولاراً لقاء شطب قيد 800 دولار من حسابه.
وفي الحالتين، فإن المبالغ المحققة التي تتراوح بين 24 و45 مليون ليرة، ليست مكافئة بتاتاً لتمكين المودعين، خصوصاً أصحاب المداخيل المتدنية والمتقاعدين، من تلبية متطلبات التكاليف المعيشية التي ارتفعت بحدة بالغة تعدّت نسبتها 200 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية، ليصل متوسطها إلى ما بين 40 و70 مليون ليرة شهرياً، وفق أحدث الاستطلاعات الميدانية الموثوقة.
ووفق معلومات مستقاة من مصادر معنية ومقربة، فإن البنك المركزي بصدد إقرار تعديلات وشيكة على سقوف المبالغ الشهرية وسعر التصريف لدولار السحوبات، بحيث يمكن رفع الإجمالي لحصص السحوبات الشهرية إلى نحو 40 مليون ليرة (نحو 400 دولار) وزيادة سعر الصرف إلى نحو 35 ألف ليرة، مع التأكيد على البنوك بالتزام الامتناع عن الاستنسابية، والمساواة بين المودعين كافة.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

لبنان يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن بعد «الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد» للجيش

عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
TT

لبنان يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن بعد «الاستهداف الإسرائيلي المتعمّد» للجيش

عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

قالت وزارة الخارجية اللبنانية، اليوم (الثلاثاء)، إن بيروت ستتقدم بشكوى جديدة ضد إسرائيل لمجلس الأمن، لمواجهة الاستهداف المتصاعد والمتعمد لقوات الجيش اللبناني.

وأضافت في بيان نشرته على منصة «إكس»، أن الاستهداف الإسرائيلي المتعمد لقوات الجيش اللبناني تصاعد بشكل ملحوظ في نوفمبر (تشرين الثاني)، وأن الهجمات الإسرائيلية المتعمدة على قوات الجيش اللبناني قتلت في أسبوع 10 أفراد وأصابت 35 بينهم حالات حرجة.

وأشارت «الخارجية» اللبنانية إلى أنها أوعزت لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، تقديم شكوى جديدة أمام مجلس الأمن الدولي، وفنّدت الشكوى «الاعتداءات الخطيرة على الجيش ومراكزه وآلياته التي سُجّلت في الفترة من 17 ولغاية 24 نوفمبر 2024 في قرية الماري، والصرفند، وطريق برج الملوك - القليعة، والعامرية في جنوب لبنان».

ودعا لبنان في شكواه، الدول الأعضاء في مجلس الأمن، إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجيش، وعدّها خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية، لا سيما القرار 1701.

وأوضح أن استهداف إسرائيل للجيش اللبناني «يُعدّ رسالة واضحة من إسرائيل برفضها أي مبادرات للحل، وإصرارها على التصعيد العسكري بدلاً من الدبلوماسية».