نقد المستعمَر... غياب النظريات المتماسكة

الكتابات العربية مليئة بالنقد الذاتي

راناجيت غوها    -   حميد دباشي
راناجيت غوها - حميد دباشي
TT

نقد المستعمَر... غياب النظريات المتماسكة

راناجيت غوها    -   حميد دباشي
راناجيت غوها - حميد دباشي

«غرب زاديغي» عنوان كتاب لباحث إيراني اسمه جلال الأحمد. العبارة تعني بالفارسية «الثمل بالغرب». يخبرنا عن ذلك الباحث الإيراني حامد دباشي في كتابه الصادر بالإنجليزية «أوروبا وظلالها»، فهو يترجم العبارة الفارسية إلى المفردة الإنجليزية المركبة «Westoxication» المشتقة من الجمع بين كلمتين، تعني الأولى «الغرب» والثانية «الثمل» أو السُكْر (Intoxication). أما جلال الأحمد فلم أسمع به قبل الاطلاع على كتاب دباشي الذي يعرّف بالكتاب ويناقش أهميته، والأرجح أن كثيراً من القراء العرب لم يسمعوا لا بالكتاب ولا بالمؤلف. ولا يلام القارئ العربي إن لم يعرف أياً منهما لأن الكتاب لم يترجم، كما يبدو، إلى لغة أوروبية فضلاً عن أن يترجم إلى العربية، وعدد من يعرف الفارسية بين المثقفين أو الباحثين العرب قليل جداً فيما أظن. إنها المشكلة التي تعيشها الشعوب والثقافات التي تركن في معارفها إلى ما يأتيها من الغرب: إن لم يترجم الكتاب إلى لغة غربية فحري به وبمؤلفه ألا يعرف عند غير أهله.
شد انتباهي عنوان كتاب جلال الأحمد، الذي صدر عام 1962 وما ذكره دباشي عنه لأنني تذكرت كتاباً حديثاً نسبياً لباحث هندي يتناغم معه في العنوان هو «إغراءات الغرب» صدر عام 2006، الباحث الهندي هو بانكاج مشرا الذي يختلف عن المؤلف الإيراني في أن كتابه مؤلف بالإنجليزية، الأمر الذي يزيد من احتمالات انتشاره، مع أن كون مؤلفه هندياً ليس مما يخدمه عند كثير من القراء غير الغربيين، فقد اعتدنا أن ننظر باحترام إلى ما يصدر عن أوروبا وأميركا أكثر مما يأتي من غيرهما من جهات العالم، أن نهتم بكتاب صادر في فرنسا أكثر من كتاب صادر في الصين أو أندونيسيا بغض النظر عما يمكن أن يحمله الكتاب أو يطرحه المؤلف.
تلك الفجوة هي ما يبدو أن الباحثين الإيراني والهندي معنيان بها، كما توحي بذلك العروض والمراجعات المتوفرة للكتابين، ففي العنوانين إشارة ضمنية إلى ما أشير إليه بـ«نقد المستعمَر» (بفتح الميم). أجل بفتح الميم لأننا اعتدنا أن نقرأ نقد المستعمِر بكسر الميم، والاعتياد ناجم عن كثرة النقد الموجه للدول الاستعمارية للكشف عن تاريخها المظلم والآثار المدمرة للاستعمار. النقد ما بعد الاستعماري معني بذلك النقد، كما هو معروف، فلا غرابة أن يتجه التفكير إلى القوى الاستعمارية بدلاً من المناطق التي وقع عليها الاستعمار. ومع ذلك فإن النقد ما بعد الاستعماري لم يتجاهل المجتمعات التي وقع عليها الاستعمار فهي موضع نقد أيضاً، وإن لم يكن بالكثافة التي انصبت على القوى الاستعمارية. على أن من الضروري فهم النقد هنا على أنه الكشف عن مواطن الخلل على اختلاف أشكاله في الخطاب الثقافي والسياسي، أي تقييم ذلك الخطاب وليس الاكتفاء بتحليله والكشف عن سماته أو تأريخه.
أحد النقود التي وجهت إلى كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد هي أنه لا يعرف الشرق الذي يدافع عنه في وجه التنميط الاستشراقي والتعسف أو العنف في التعامل معه. يقول بيرنارد لويس، المستشرق البريطاني - الأميركي، إن سعيد لا يعرف تاريخ المنطقة، ويخلط كثيراً من الأمور بشأن ما يسميه الشرق (ولويس، كما هو معروف، ممن اتهمهم سعيد بالتعاون مع القوى الغربية في سياساتها الإمبريالية). وما يقوله لويس في نقده ينطوي على مسائل وجيهة ويصعب إنكارها، منها اختصار سعيد الشرق كله في الشرق الأوسط، وعدم تحريه الدقة في بعض المعلومات التاريخية التي يوردها. ولويس، كما هو معروف، ومهما قيل في تحيزه يظل عالماً بتاريخ العالم الإسلامي وبعض الثقافات الشرقية ولغاتها على نحو لا يتوفر لباحث مثل سعيد أفنى جل عمره في دراسة الآداب والثقافات الغربية بوصفه متخصصاً فيها. ولكن بغض النظر عن أهمية نقد لويس وتأثيره على أطروحة سعيد بشأن الاستشراق، ما يبدو صحيحاً هو أن نقد الاستشراق نقد لخطاب غربي حول الشرق، وليس نقداً أو تحليلاً للبلاد التي تقع تحت ذلك المسمى، هو نقد للمستعمِر وليس للمستعمَر. ذلك أن سعيد عني بنقد ما عرف لاحقاً بالخطاب الاستعماري أكثر من عنايته بالثقافات أو المجتمعات التي وقع عليها الاستعمار، وهو ما انصب عليه اهتمام الحقل الذي تطور فيما بعد وعرف بنقد ما بعد الاستعمار، وهذا النقد جعل أوضاع البلاد المستعمرة ضمن اهتماماته وإن لم تكن في بؤرة تلك الاهتمامات.
النقد ما بعد الاستعماري تطور لدى باحثين عنوا بدراسة الجانبين معاً: ما يصدر في الغرب متضمناً رؤى ومواقف تجاه البلاد المستعمرة سابقاً ودراسة أوضاع تلك البلاد من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية في علاقة ذلك كله بالاستعمار. ومن أمثلة ذلك عناية المفكرة الهندية غاياتري سبيفاك، بدراسة خطاب التابع في الهند، أي الخطاب السياسي والاجتماعي المقاوم للاستعمار لدى فئة التابعين أو المهمشين. وكان ذلك الخطاب موضوع بحث وتحليل لعدد من المفكرين الهنود، لعل أشهرهم المؤرخ الهندي راناجيت غوها (Guha) الذي اشتهر بانتمائه إلى «مجموعة دراسات التابع» (سبالترن قروب) (وكلمة «سبالترن» subaltern اشتقت من استعمال الجيش البريطاني لها في الرتب العسكرية، فهي الرتبة الأقل من رتبة ضابط، التي تسمى في بعض الجيوش «ضابط صف»). تركزت تلك الدراسات على الطبقات الدنيا في المجتمع الهندي، لا سيما طبقة الفلاحين، الذين حفلت علاقتهم بالمستعمر البريطاني بالثورات الرافضة لوجوده. عبرت سبيفاك عن إعجابها بدراسات تلك المجموعة من الباحثين الهنود لكنها تحفظت على تجاهلهم للصوت النسائي، الصوت الذي قالت إنه محروم من القدرة على الكلام أو الاحتجاج. ذلك هو موضوع مقالة شهيرة لها بعنوان «هل يستطيع التابع أن يتكلم؟».
الروائية والناقدة المصرية رضوى عاشور، توقفت عند مسألة متصلة بالعلاقة بين الذات الثقافية والمهيمن الكولونيالي في دراستها لرواية «الساق على الساق» للشدياق التي اعتبرتها الرواية العربية الأولى، ضمن كتاب لها بعنوان «الحداثة الممكنة» (2009). وجدت عاشور أن بعض النقاد العرب يرون أن تحقيق الحداثة الغربية يقتضي اعترافاً بالانحطاط والقطيعة مع التراث، وترى أن ذلك لون من ألوان الاستشراق الذاتي: «النظرة الاستشراقية للذات نظرة ترى في الاعتراف بانحطاط الأنا وتخلفها شرطاً أساسياً من شروط حداثة تعتبرها علاجاً روحياً وعقلياً، ثم المفارقة العجيبة في السعي إلى التحرر والنهوض عبر هذه الحداثة رغم كونها هي نفسها ركيزة من ركائز الهيمنة الكولونيالية». هذا النقد للذات هو نقد للتابع حين لا يرى تبعيته، التبعية التي سبق لعاشور أن تتبعتها في كتابها السابق «التابع ينهض»، وهي أيضاً التي بدت لي واضحة في كتابي «استقبال الآخر: الغرب في النقد العربي الحديث» (2004).
يظل مالك بن نبي بطبيعة الحال رائداً لهذا اللون من النقد، وذلك من خلال مفهوم «القابلية للاستعمار». في كتابه «شروط النهضة» طرح بن نبي ذلك المفهوم شارحاً إياه بأنه لون من ألوان الخضوع للمستعمر يشعر فيه المستعمر الأفراد «المستَعمرين (الأهالي) بتفوقه عليهم وعدم قدرتهم على إدارة شؤون حياتهم من دونه، ودونيتهم في كل شيء». المفارقة هنا هي أن المفكر الجزائري ألف كتابه، الذي يتألف من مجموعة من المقالات ذات الطابع الصحافي، بالفرنسية ليترجم لاحقاً بعد وفاته. وهي مفارقة لا تدل بالطبع على خضوع بن نبي نفسه للقابلية للاستعمار، لكنها تؤكد عمق الإشكالية التي يتحدث عنها. لكن الأهم من ذلك هو أن أطروحة بن نبي لم تتطور فكرياً في صورة نظريات ومفاهيم تختط تياراً يمكن الإشارة إليه في دراسة العلاقة بالاستعمار.
تبقى أهميته في أنه وجه نقده ليس إلى القوى الاستعمارية وإنما إلى من وقع عليه الاستعمار. وواضح أن بن نبي يرى ذلك النقد خطوة أساسية للنهوض، وواضح أيضاً أن الثقافة العربية منذ بن نبي بل وقبله مليئة بالنقد الذاتي، وأن ذلك يشغل حيزاً واسعاً من الكتابات العربية منذ بدايات العصر الحديث، سواء لدى طه حسين أو غيره، لكن ذلك النقد لم يتبلور، حسب علمي، في نظريات أو فلسفات متماسكة أو ذات معالم واضحة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».