دراسة: فقر الدم كان شائعاً لدى الأطفال في مصر القديمة

إحدى المومياوات التي فحصها الباحثون (المجلة الدولية لعلم الآثار)
إحدى المومياوات التي فحصها الباحثون (المجلة الدولية لعلم الآثار)
TT

دراسة: فقر الدم كان شائعاً لدى الأطفال في مصر القديمة

إحدى المومياوات التي فحصها الباحثون (المجلة الدولية لعلم الآثار)
إحدى المومياوات التي فحصها الباحثون (المجلة الدولية لعلم الآثار)

اكتشف فريق من علماء الأمراض القديمة وخبراء طبيون من ألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا، أن فقر الدم (الأنيميا) كان شائعاً لدى أطفال المصريين القدماء الذين جرى تحنيطهم.
وفي دراستهم التي نُشرت بالعدد الأخير من دورية «المجلة الدولية لعلم الآثار» هذا الشهر، أخضع الباحثون بقايا مومياوات محنطة لأطفال من مصر القديمة، إلى التصوير المقطعي المحوسب؛ بهدف دراسة هياكلهم العظمية.
وركز أعضاء فريق البحث جهودهم على الأطفال الذين ماتوا قبل بلوغهم سن الرشد، والذين جرى تحنيطهم في ذلك الوقت، وهو الأمر الذي سمح بحفظ رفاتهم. ونظراً إلى أنه لا يسمح بفك الضمادات المستخدمة في عملية التحنيط، فقد قام الباحثون باستخدام الآلات الحديثة لمعرفة المزيد بخصوص ما بداخل الضمادات.
وأجرى الباحثون صوراً مقطعية لكامل الجسم على 21 مومياء لأطفال (تتراوح أعمارهم بين 1 و14 عاماً) من أجل دراسة الهيكل العظمي بأكمله، وبذلك وجدوا دليلاً على تضخم مرضي في قبو الجمجمة، وهو جزء من الجمجمة يحمل الدماغ، في 7 من الأطفال، وعادة ما يرتبط هذا التوسع بفقر الدم.
ووجد الفريق أيضاً طفلاً كان يعاني من مرض «الثلاسيميا»، وهو مرض يحدث عندما لا يستطيع الجسم إنتاج «الهيموغلوبين»، وكان لسانه متضخماً أيضاً، وعاش هذا الطفل أقل من عام. ومن شبه المؤكد أن هذا الطفل عانى من الكثير من الأعراض المرتبطة بهذا الاضطراب.
وتقول أماني بدوي، الباحثة في قسم الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة القاهرة، تعليقاً على هذه الدراسة: «إن نتائجها يجب ربطها في دراسات أخرى عن هذه الفترة التاريخية، التي تنتمي لها هذه المومياوات، وكذلك الطبقة الاجتماعية».
وتوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يجب البحث عن إمكانية أن تكون الفترة التي تنتمي لها المومياوات قد شهدت أزمات غذائية، كما يجب أيضاً، البحث في نوع التحنيط وجودته، والذي يكشف عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها الطفل، فإن كان ينتمي لطبقة النبلاء مثلاً، فقد تكون إصابته كاشفة عن أن الأمر ليست له علاقة بعدم توافر الغذاء، ولكن ربما تكون لها علاقة بالثقافة الغذائية».
ويحدث فقر الدم بشكل عام بسبب سوء التغذية، ويؤدي إلى انخفاض إنتاج خلايا الدم الحمراء، ما يعني أنه لا يمكن نقل كمية كافية من الأكسجين إلى الدماغ وأجزاء أخرى من الجسم، بما في ذلك العظام.
ويعاني المصابون بفقر الدم أيضاً من مشاكل أخرى، مثل نقص الحديد، وحدوث نزيف في الجهاز الهضمي، والالتهابات المزمنة بسبب ضعف جهاز المناعة.
ويقول الباحثون في مقدمة دراستهم، إنه لم يكن من الممكن معرفة ما إذا كان فقر الدم قد تسبب في وفاة الأطفال من خلال التصوير المقطعي المحوسب، لكنهم أشاروا إلى أنه كان، على الأقل، «عاملاً مساهماً».



«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
TT

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)

يقصد عيادةَ اختصاصية الطبّ الغذائي والتغذية العيادية، الدكتورة فيرا متّى، مواظبون على خطط غذائية تقي ويلات؛ منها السكّري. هؤلاء، في معظمهم، لم يغادروا المنازل نحو سقوف تتراءى آمنة من التوحّش المُعادي. في مقابلهم، يُفرِط كثيرون في تناول الطعام لسدّ حاجة إلى امتلاء تفرضه فراغات مؤلمة. لطالما تأكّدت العلاقة الشائكة بين المعدة والعالم الخارجي، وبدا وثيقاً الرابط بين الطعام والظرف. هذه أيامٌ مضطربة. جَرْفٌ من النزوح والخوف وفوضى الوقت. لذا تتدخّل الشهية في ترميم ما يتجوَّف. وتمنح بعض الأصناف اللذيذة شعوراً بالسكينة. فماذا يحدُث لدواخلنا، وهل النجاة حقاً بالأكل؟

اختصاصية الطبّ الغذائي والتغذية العيادية الدكتورة فيرا متّى (حسابها الشخصي)

ينطبق وَصْف «الأكل العاطفي» على ملتهمي الطعام الملوَّعين بالمآسي. تقول الدكتورة متّى، إنهم يشاءون مما يتناولونه الإحساس بواقع أفضل. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن وَقْع الاضطراب في الأجساد والنفوس، فتتصدّى له، عموماً، أصناف المأكولات وكمّياتها: «تاركو المنازل يتابعون النقل المباشر للحرب دون انقطاع. يتفاقم توتّرهم وينمو الشعور بعدم الأمان. ذلك يعزّز هرمونات تشتهي أنواع السكّر، وقد تتعدّى الرغبةُ الحلويات إلى الأملاح، دفعةً واحدة، دون فاصل أو استراحة أضراس».

تحسم تبدُّل العادات الغذائية أو تأثّرها في أقل تقدير. فغذاء النازح غالباً «غير صحّي»، ويُعمّق سوءه «النوم المتقطّع، والروتين المستجدّ». تشرح: «ضرر ذلك على الأطفال الحدّ من نموّهم الفكري والجسدي، بينما يمسُّ هرمون الكورتيزول المُسبِّب تكوُّن الدهون على بطن الكبار، فتتحقّق زيادة الوزن وإن قلَّ التهام الطعام جراء اضطراب النوم والتوتّر العالي. هنا، يتحوّل كل ما يدخل الفم إلى دهون لإصابة هذا الهرمون بالارتفاع اللافت مُحوطاً بعوامل تُصعِّب انخفاضه».

تستوقفها وضعية التغذية المستجدّة، لتراوحها بين القلّة والسوء: «قد يحضُر الطعام على شكل معلّبات مثلاً. هذه طافحة بالصوديوم والسكّر المُضاف، وتحتوي مواد كيميائية تُسبّب السرطان على المدى الطويل. بذلك، لا يعود نقصُ الطعام مُسبِّبَ المرض؛ وإنما سوءه».

غذاء النازح غالباً غير صحّي ويُعمّق سوءه النوم المتقطّع (أ.ف.ب)

ما يُفعِّل تناقُل الأمراض، وفق فيرا متّى، «الطعام غير المحفوظ جيداً». تتحدّث عن حالات بكتيرية تتمثّل في عوارض؛ منها التقيّؤ واضطراب الأمعاء، لغياب الثلاجات أو انقطاع الكهرباء. «ذلك يُخفّض المناعة وينشر الأوبئة، خصوصاً بين الأطفال. أما الكبار فيفاقمون مشكلات السكّري والشرايين والكولسترول وتشحُّم الكبد إنْ عانوها».

تعطي نسبة 20 في المائة فقط، من بين مَن تابعتْ حالتهم الغذائية، لمن لا يزالون يلتزمون نظامهم الصحّي. آخرون لوَّعهم السكّري، فازدادوا لوعة، وضخَّم تبدُّلُ غذائهم معاناتهم مع الأمراض. من دورها العيادي، تحاول إعادة أمور إلى نصابها: «نركّز اليوم على السلامة الغذائية، وكيفية تعامُل النازحين مع واقعهم الصحّي. دورنا توعوي. علينا الحدّ من التسمُّم، فأزمة الدواء لم تُحلّ، والمستشفيات توفّر استيعابها للجرحى. لا بدّ من تفادي تحميلها أعباء إضافية».

تفترض إخضاع اللبنانيين لفحص يختبر انجراف معظمهم خلف «الأكل العاطفي»، وتضمن النتيجة: «قلة فقط ستكون خارج القائمة». تصوغ معادلة هذه الأيام: «تلفزيون وبرادات. الالتهام فظيع للأخبار والمأكولات. لا شيء آخر. نحاول جَعْل هذا البراد صحّياً».

إنها الحرب؛ بشاعتها تفرض البحث عن ملاذ، ومطاردة لحظة تُحتَسب، والسعي خلف فسحة، فيتراءى الطعام تعويضاً رقيقاً. بالنسبة إلى الدكتورة متّى إنه «إحساس بالامتلاء وبأنّ مَن يتناوله لا يزال حياً». تحت قسوة هذه الأيام ومُرّها، لا يعود الإحساس بالذنب المُرافق للإفراط في تناوله، هو الغالب... «يتراجع ليتقدّم الشعور بالنجاة. مساعي البقاء تهزم فكرة الكيلوغرامات الزائدة. بإمكان الأكل العاطفي إتاحة المساحة للراحة والسعادة. ذلك يسبق تسبّبه في ثقل وزيادة الوزن. بتحقّقهما، يلوح الذنب، وإنما في مرحلة لاحقة، بعد بهجة الامتلاء الداخلي».

ضرر سوء الغذاء على الأطفال يمسّ بنموّهم الفكري والجسدي (د.ب.أ)

تتفهّم الحاجة إلى اللحاق بكل ما يُعزّي والتشبُّث به. الطعام يتقدَّم. ترى أن لا أحد مخوَّلاً تقديم نصيحة لنازح من نوع «اضبط شهيتك بينما القصف في جوارك». برأيها، «يكفي الخوف وحده شعوراً سيئاً». يهمّها «الحدّ من نتائج كارثية ستظهر بوضوح بعد الحرب»، مُفضِّلة الاستعانة بالتمر مثلاً بدل «القضاء على علبة شيكولاته» والقهوة البيضاء لتقليص ضخّ الكافيين.

وتنصح بالتنفُّس والرياضة، فهما «يهدّئان هرمون الأعصاب»، وبالنظافة بما «تشمل غلي الماء قبل استعماله حال الشكّ في مصدره». تضيف: «الاستغناء عن تناول دجاج ولحوم أُبقيت مدّة خارج الثلاجة، لاحتمال فسادها، على عكس الحمّص والصعتر، مثلاً، القابلَيْن لعمر أطول». أما الحصص الغذائية، فالمفيد منها «التونة والسردين والأرز والمعكرونة وزيت الزيتون، ولا بأس بمعلّبات البازلاء والذرة بديلاً للخضراوات. يُفضَّل استبعاد اللحوم المصنّعة. الحليب المجفَّف جيّد أيضاً لغياب الطبيعي».