المخرج العراقي جمال أمين يحرز جائزة أفضل ممثل في مهرجان دولي

عن فيلم تناول الأيام الأخيرة من حكم صدام حسين

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم
TT

المخرج العراقي جمال أمين يحرز جائزة أفضل ممثل في مهرجان دولي

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم

أكثر من سبب حفز لجنة التحكيم الدولية في مهرجان ماك السينمائي في البرازيل على تفضيل الفيلم العراقي «الكعكة الصفراء» من بين العشرات من الأفلام المشاركة من مختلف بقاع العالم، وعلى منح مخرج وبطل العمل الفنان العراقي المغترب جمال أمين لقب أفضل ممثل في المهرجان الذي اختتم أيامه في التاسع من أغسطس (آب) الحالي.
من بين أهم أسباب فوز الفيلم الذي كتب قصته والسيناريو والحوار الفنان طارق الجبوري هو جرأته في الطرح كونه أول أفلام الأكشن في العراق، وتدور قصته حول الأيام الأخيرة لنظام صدام حسين وما لهذه المرحلة من خصوصية في حياة العراقيين.
يقول الناقد السينمائي مهدي عباس: «المهرجان يقام سنويًا في البرازيل، وهناك مهرجانان باسم ماك، والآخر لأفلام الرعب يقام في.. هذا المهرجان أقيم هذا الشهر بين الثالث والثامن من أغسطس، واشتركت فيه أفلام من مختلف دول العالم، وهو يعطي جوائز للأفلام الروائية الطويلة وللقصيرة والوثائقية وأفلام الرسوم المتحركة وكان العراق مشاركًا بفيلم (الكعكة الصفراء)، وقد أعطت لجنة التحكيم جائزة أفضل ممثل رجالي للفنان جمال أمين عن الفيلم».
وأضاف: «شاهدت الفيلم أكثر من مرة وقمت بترجمة حوار الفيلم من وإلى الإنجليزية، تم إنتاجه ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 ونفذته دائرة السينما والمسرح، وقد قدم الممثل المبدع جمال دور العميل الروسي (علييف) بشكل متميز ومقنع وبذل فيه جهدًا كبيرًا».
قصة الفيلم كما يقول بطل الفيلم ومخرجه الفنان جمال أمين: «تدور حول تاجر سلاح روسي وعميل للمخابرات الروسية من أصول طاجيكية يزور بغداد للاتفاق مع النظام السابق على بيع قنبلة نووية إلى العراق، وفي هذه الأثناء تقع البلاد تحت الاحتلال الأميركي ويسقط النظام ورغم ذلك يقرر التاجر البقاء في العراق». وأضاف أمين أن «الثيمة الرئيسة للفيلم تبدأ عندما تقرر أجهزة المخابرات الإيرانية والإسرائيلية، والأميركية، ملاحقة التاجر ببغداد في مسعى للحصول على القنبلة النووية المزعومة، لتكون المفاجأة الكبرى في نهاية الفيلم». وبين المخرج جمال أمين أن «الفكرة المحورية للفيلم، تقوم على أن العراقيين أناس بسطاء طيبون عاشقون للحياة، وأن الصراع الموجود في العراق، هو في حقيقته صراع قوى سياسية ودولية وهي من تختلق الأزمات فيه».
بدورها، قالت بطلة الفيلم ساندرا النعيمي (سويدية من أصل عراقي): «على الرغم من أن دراستي ليس لها علاقة بالفن، لكني أحب التمثيل منذ نعومة أظفاري، وكنت أمثّل مع الجالية العربية بالمناسبات، لكن أهلي منعوني حينها خوفًا من أن يؤثّر ذلك في دراستي، والآن حان الوقت لكي أحقق هذا الحلم بعد إتمام دراستي ولله الحمد». وأضافت: «فيلم (الكعكة الصفراء) هو أول عمل فني لي وعندما تسلمتُ نَص الفيلم وقرأته، استغربت كثيرًا من فكرته وطريقة كتابته، فهو غني بالأفكار والأحداث ومختلف عن الأفلام العراقية المألوفة، كونه يحفل بالمشاهد السريعة (الأكشن) بطريقة مشوقة». وتستكمل الحديث قائلة: «دوري في الفيلم هو دور جاسوسة اسمها داليا وهي بنفس الوقت عضوة نشطة في الاستخبارات الروسية الـKJB.. وهو دور تطلب مني قليلاً من الجرأة في الأداء واللبس، وقد قدمت تلك المشاهد بشكل لا يخدش الحياء ولن يخرج عن النطاق العام للعادات والتقاليد».
المخرج الإذاعي والتلفزيوني الدكتور صالح الصحن، رحب بالفوز وعده نصرًا يضاف لانتصارات السينما العراقية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مبارك لنا جميعًا هذا الإنجاز والفيلم والبطل يستحقان الفوز لما حمله من أسلوب طرح جديد وقصة جديرة بالمشاهدة»، مشيرًا إلى أن مشاركة العراق في المهرجان فرصة لتجدد الطاقات وتحفيزها لتقديم الأفضل.
يشار إلى أن الفيلم شارك فيه الممثل عبد الجبار الشرقاوي، وثائر الموسوي وفاضل عباس، وتم تصويره بين بغداد وأربيل، أما المشاهد الخارجية فقد تم تصويرها في أنطاليا التركية وجرى المونتاج في كندا. أما مؤلف وكاتب السيناريو الدكتور طارق الجبوري، فهو أحد مخرجي السينما والدراما التلفزيونية المعروفين، قدم عشرات المسلسلات والأفلام السينمائية الناجحة، في وقت ما زال يواصل فيه عمله التدريسي الأكاديمي في قسم السمعية والمرئية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)