أثار روبوت المحادثة «تشات جي بي تي» كثيراً من المخاوف والتكهنات بشأن مصير الكم الهائل من المعلومات التي تتم مشاركتها معه أثناء المحادثات، في وقت يعتمد عليه كثيرون في أداء الفروض المدرسية، وكتابة رسائل البريد الإلكتروني، وتقديم المشورة بشأن كثير من أمور الحياة، وغيرها.
دفعت مثل هذه التخوفات إيطاليا، في نهاية مارس (آذار)، لتكون أول دولة تحظر «تشات جي بي تي» مؤقتاً، معللة موقفها بـ«عدم احترام البرنامج التشريعات المتعلقة بالبيانات الشخصية، وبعدم وجود نظام للتحقق من عمر المستخدمين القصَّر».
وبعد الخطوة الإيطالية، اتّسعت دائرة تحقيقات الاتحاد الأوروبي وإجراءاته بشأن احتمال انتهاك روبوت المحادثة، الذي طورته شركة «أوبن إيه آي» الأميركية، التشريعات المتعلقة بحماية البيانات؛ إذ شكلت هيئة أوروبية مختصة مجموعة عمل لتعزيز التعاون الأوروبي في هذا المجال، بينما انضمت اثنتان من الدول الأعضاء، هما إسبانيا وفرنسا، إلى إيطاليا في التحرك إزاء تقنية الذكاء الصناعي هذه.
وأعلن مجلس حماية البيانات الأوروبي المسؤول عن التنسيق بين السلطات المعنية بحماية الخصوصية في مختلف الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، عن إنشاء فريق عمل بهدف تعزيز تبادل المعلومات حول أي إجراءات يمكن اتخاذها تجاه الروبوت.
وأفاد المجلس في بيانه بأنه يؤيد «التقنيات المبتكرة مثل الذكاء الصناعي»، لكنه شدد على أنها يجب أن تكون دائماً «متوافقة مع حقوق الناس وحرياتهم».
وأعلنت هيئة حماية البيانات الإيطالية أنه سيتم منع شركة «أوبن إيه آي» الأميركية على الفور، من معالجة بيانات المستخدمين، وقالت إن التحقيقات قد بدأت.
ويتهم مسؤولو حماية البيانات في روما الشركة الناشئة بعدم الشفافية الكافية تجاه مستخدميها بشأن المعلومات التي تحفظها، واتهموها بعدم وجود أساس قانوني لديها لتخزين بيانات المستخدمين وجمعها.
وكان من بين أسباب القلق أيضاً عدم وجود فلاتر وحواجز على استخدام الأطفال دون سن 13 عاماً للبرنامج، والذين ليس من المفترض أن يستخدمونه على أي حال، وفقاً للشروط والأحكام.
وأشارت هيئة حماية البيانات إلى حدوث اختراق للبيانات مؤخراً، حيث تمكّن بعض مستخدمي «تشات جي بي تي» من الاطلاع على معلومات من ملفات تعريف شخصي خاصة بأفراد آخرين.
ومن جانبها، أفادت شركة «أوبن إيه آي» بأن المشكلة كانت ناتجة عن خطأ في البرنامج الذي يتم استخدامه في «تشات جي بي تي».
وتجدر الإشارة إلى أن الأعمال التي تقدمها خدمة روبوت الدردشة، ذائع الصيت، صارت ممكنة فقط من خلال الكم الهائل من المعلومات التي تمَّت معالجتها، والتي تسمح لها بصياغة جمل يتم تمريرها رداً على تلك التي كتبها شخص عادي.
تتزايد المخاوف بشأن «تشات جي بي تي» بمرور الوقت (أ.ب)
وترددت أصداء التقنية القائمة على الذكاء الصناعي بقوة خلال الأشهر الأخيرة، بسبب مستواها المتقدم في تقليد طريقة الحديث الخاصة بالبشر، إلا أن هناك مخاوف من سوء استخدامها لنشر معلومات كاذبة، على سبيل المثال.
في هذا السياق، حذَّر خبراء في أمن الشبكات المستخدمين من التفكير جيداً قبل مشاركة المعلومات التي يجب ألا يشاركوها مع الغرباء.
كما حذَّر معهد «هاسو بلاتنر إنستيتيوت» (إتش بي آي) الألماني المتخصص في تكنولوجيا المعلومات، من «الكشف عن البيانات الحساسة»، حيث إن كثيراً من المعلومات التي يشاركها المرء مع هذه التقنية، تستخدم للمساعدة في تدريب الأنظمة التي تقوم بتشغيلها، وبالتالي تجعلها أكثر ذكاء.
وأوضح المعهد أن أي مستخدم يشارك معلومات سرية مع تقنية من تقنيات الذكاء الصناعي، عُرضة لخطر التنازل عن خصوصيته، مشيراً إلى أن ذلك واضح من خلال الاطلاع على سياسة «تشات جي بي تي».
وشدد على ضرورة توخّي الموظفين الحذر بشأن إتاحة إمكانية الوصول إلى أي بيانات تخص الشركة إلى منصات الذكاء الصناعي.
خبراء يدعون لتوخي الحذر عند التعامل مع الذكاء الصناعي (أرشيفية)
فيما توضح شركة «أوبن إيه آي» أنه «في إطار التزامنا بـ(استخدام إحدى تقنيات) الذكاء الصناعي الآمن والمسؤول، فإننا نقوم بمراجعة المحادثات لتحسين أنظمتنا ولضمان توافق المحتوى مع سياساتنا ومتطلبات السلامة»، مؤكدة أن الموظفين يمكنهم رؤية ما يقوم المستخدم بكتابته. ومع ذلك، فإن الشركة لديها خاصية «حذف البيانات».
ومن الممكن لأي شخص يقوم بتحميل البيانات الخاصة بالموظفين العاملين داخل الشركة لإعداد عرض تقديمي، أو الحصول على مساعدة من «تشات جي بي تي» بغرض فهم إحصاءات مالية خاصة بالشركة، أن ينقل أسراراً تجارية.
من ناحية أخرى، حذرت شركة «سايبر هافن» لأبحاث أمن الشبكات، من أن كثيراً من الشركات تقوم بتسريب بيانات حساسة «مئات المرات أسبوعياً» بسبب الإفراط في مشاركة الموظفين لتلك البيانات مع «تشات جي بي تي».