ماركيز يتغلب على ثرفانتيس

أول خريطة للترجمات العالمية ناقشها المؤتمر التاسع للغة الإسبانية

ماركيز   -  ثرفانتيس
ماركيز - ثرفانتيس
TT

ماركيز يتغلب على ثرفانتيس

ماركيز   -  ثرفانتيس
ماركيز - ثرفانتيس

عندما صدرت الطبعة الأولى من رائعة غارسيّا ماركيز «مائة عام من العزلة» عام 1967، أحدثت ترددات واسعة في عالم الأدب جعلت من الكاتب الكولومبي الأكثر ترجمة من الإسبانية إلى اللغات الأخرى، خلال الفترة الممتدة من بداية هذا القرن حتى نهاية العام الماضي. هذا أحد الاستنتاجات التي تتضمنها أول خارطة كبرى للترجمات العالمية التي وضعها معهد «ثرفانتيس» الذي يعنى بنشر اللغة الإسبانية وآدابها في العالم، والتي ناقشها المؤتمر العالمي التاسع للغة الإسبانية الذي أنهى أعماله مؤخراً في مدينة قادش الأندلسية، بعد أن اعتذرت البيرو عن تنظيمه بسبب الظروف السياسية المضطربة التي تجتازها منذ فترة.
يستفاد من هذه الخارطة التي ترصد ترجمات الأعمال الأدبية الصادرة باللغة الإسبانية منذ بداية النصف الثاني من القرن الفائت حتى عام 2022، أن ميغيل دي ثرفانتيس، واضع «الكيخوتي» هو الأكثر ترجمة إلى اللغات العالمية، يليه غابرييل غارسيّا ماركيز، ثم الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. يتبعهم ماريو فارغاس يوسا والشاعران فيديريكو غارسيّا لوركا وبابلو نيرودا.
لكن المفاجأة الكبرى التي حملتها هذه الخارطة هي أنه بالنسبة للترجمات منذ مطلع هذا القرن، يأتي غارسيا ماركيز في المرتبة الأولى، تليه الليندي ثم بورخيس وفارغاس يوسا، وجميعهم من أميركا اللاتينية، فيما يحلّ ثرفانتيس في المرتبة السادسة، وبعده الإسبانيان كارلوس رويث ثافون وآرتورو بيريز ريفيرتي، ثم التشيليان لويس سيبولفيدا وروبرتو بولانيو والإسباني خافيير ماريّاس. وتركز خارطة الترجمات على لغات عشر، هي: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والبرتغالية والسويدية والروسية، ومن خارج أوروبا: العربية واليابانية والصينية.
يلفت الانتباه من هذه الخارطة عدد الأديبات في المراكز العشرين الأولى، تتقدمهم إيزابيل الليندي، والحضور الكثيف للأدب المخصص للأطفال. وتبرز في المرتبة الثانية عشرة الشاعرة والأديبة الصوفية القديسة تيريزا التي عاشت في القرن السادس عشر، وترجمت أعمالها إلى جميع اللغات تقريباً. وتقول راكيل كاليا مديرة الشؤون الثقافية في معهد ثرفانتيس، إن الخارطة تكشف مواضع الاهتمام بالثقافة الإسبانية في العالم، وفيها فائدة كبيرة للكتّاب والمترجمين والناشرين وأصحاب المكتبات والقرّاء، وهي تساعد على اتخاذ القرارات الفاعلة في مجال الأدب، على الصعيدين الرسمي والخاص. وتفيد الخارطة بأنه منذ مطلع هذا القرن تتصدر الإنجليزية قائمة اللغات التي يترجم إليها الأدب الإسباني، تليها على مسافة بعيدة الفرنسية ثم الألمانية والإيطالية والصينية. أما بالنسبة للعناوين، يبقى «الكيخوتي» في المقام الأول إذ تمّت ترجمة رائعة ثرفانتيس 1140 مرة منذ عام 1950، يليه بفارق بعيد «مائة عام من العزلة» لماركيز الذي ترجم 265 مرة ثم «الحب في زمن الكوليرا» للكاتب نفسه 158 مرة.
وعن الأعمال الأدبية الإسبانية المفضلة لدى الناطقين باللغات الأخرى، يأتي «الكيخوتي» في المرتبة الأولى بالنسبة للإنجليزية والألمانية، وأيضاً بالنسبة للناطقين بلغة الضاد والصينية والروسية، ويحتل «مائة عام من العزلة» المرتبة الثانية.
العقد الأخير من القرن الماضي كان الأخصب بالنسبة لعدد الترجمات من الإسبانية منذ عام 1950، مع الإنجليزية والفرنسية دائماً في المرتبتين الأولى والثانية، مع تطور لافت هو تضاعف الترجمات إلى الإيطالية أربع مرات في العقود الخمسة الأخيرة. وشهد عام 1968 أكبر عدد من الترجمات بفضل الرواج الذي لاقته رائعة ماركيز «مائة عام من العزلة» التي كانت قد صدرت في العام السابق. كما زاد عدد الترجمات من الإسبانية بنسبة 20 في المائة في عام 2003، بسبب انتشار النشر الرقمي في تلك السنة. ومن الاستنتاجات التي تتضمنها الخارطة أن الترجمات من الإسبانية كانت في غالبها عالية الجودة، ويبرز بين المترجمين اسمان إلى الإنجليزية، هما الكاتبة الإسبانية روزا زوبيزاريتا التي لها أيضاً مؤلفات عديدة للأطفال، والشاعر الأسترالي كريس أندروز الذي نقل معظم أعمال الأرجنتيني سيزار آيرا، والتشيلي روبرتو بولانيو.
أما بالنسبة للمدن التي نشرت أكبر عدد من الأعمال المترجمة من الإسبانية، فتأتي نيويورك بنسبة 15 في المائة، تليها باريس 11.4 في المائة وريو دي جانيرو 9.3 في المائة ولندن 6.7 في المائة.
وتفيد قاعدة بيانات منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (يونيسكو) بأن ماركيز هو الكاتب الوحيد باللغة الإسبانية بين الكُتاب الخمسين الأكثر ترجمة في العالم، ويحتل المرتبة التاسعة والأربعين على القائمة التي تضعها المنظمة منذ عقود، وتحيّنها سنوياً.
كان ماركيز شديد الاهتمام دائماً بالترجمة، وأذكر جيداً أول لقاء معه في منتجع كنكون المكسيكي، كم كان يمتدح مترجم أعماله إلى الإنجليزية غريغوري راباسّا الذي قال عنه إنه الوحيد من بين الذين ترجموا أعماله إلى 21 لغة والذي لم يستوضحه أبداً أي شيء ليضعه في حاشية أسفل الصفحة، الأمر الذي كان يزعجه كثيراً لاعتباره أن المترجم يحاول فيها أن يشرح أموراً ربما أن الكاتب لم تكن لديه رغبة في شرحها. وكان يردد أن الترجمة هي أفضل وسيلة للقراءة، وأن بين المترجم الجيّد والكاتب تقوم صلة وثيقة وتواطؤ جميل، وغالباً ما كان يشرف عن كثب على كل مراحل ترجمة أعماله إلى اللغات التي له بعض الإلمام بها، كما كان يشعر بإعجاب شديد نحو المترجمين، ويقول إن نقل رواية إلى لغة أخرى مهمة محفوفة بصعاب كثيرة؛ لأن المترجم مضطر دائماً لمحاكاة الكاتب في كل أفكاره ومواقفه، شاء أم أبى.
واعترف ماركيز في آخر أيامه بأنه كان طوال سنوات يترجم سراً ولمتعته الشخصية، أناشيد الكاتب الإيطالي جياكومو ليوباردي، وأنه كان على يقين من أن تلك الترجمات «لن تكون هي الطريق إلى المجد بالنسبة لليوباردي أو بالنسبة لي».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

معرض «الذهب والمجوهرات» المصري يستلهم الفنون الفرعونية

خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
TT

معرض «الذهب والمجوهرات» المصري يستلهم الفنون الفرعونية

خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)

افتتح وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الدكتور شريف فاروق، الأحد، فعاليات معرض «نبيو» للذهب والمجوهرات 2024، بالعاصمة المصرية القاهرة، الذي «يعد أكبر حدث سنوي في صناعة الذهب والمجوهرات بمصر، ويعكس تميز القاهرة في هذا المجال على المستويين الإقليمي والدولي»، بحسب بيان صحافي للوزارة.

ويستمر معرض «نبيو»، الذي يقام بقاعة المعارض الدولية بالقاهرة، حتى الثلاثاء المقبل، بمشاركة 80 عارضاً محلياً ودولياً، من بينهم 49 علامة تجارية مصرية، و31 عارضاً دولياً، بالإضافة إلى جناحين مخصصين لكل من تركيا وإيطاليا للمرة الأولى، بهدف «تعزيز البعد الدولي».

جانب من افتتاح المعرض (مجلس الوزراء المصري)

وتتضمن فعاليات «نبيو» معرضاً فنياً بعنوان «المجوهرات كانعكاس للهوية المصرية عبر التاريخ - الحقبة الفرعونية». وقال وزير التموين المصري، خلال الافتتاح، إن «المعرض يعكس الإرث الحضاري العريق لمصر في مجال الذهب والمجوهرات، ويمثل فرصة حقيقية لتعزيز الصناعات الوطنية وزيادة تنافسيتها في الأسواق العالمية».

وقال مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبد البصير: «الحلي والمجوهرات في مصر القديمة لم تكن مجرد زينة تجميلية، بل هي لغة معقدة مليئة بالرموز تعبر عن المكانة الاجتماعية، الروحانية، والصلات العميقة بالطبيعة والإلهية».

قطعة حلي فرعونية بالمتحف القومي للحضارة المصرية (الشرق الأوسط)

وأضاف عبد البصير لـ«الشرق الأوسط»: «المصريون القدماء استطاعوا بفضل مهارتهم الفنية وابتكارهم، صنع مجوهرات تحمل معاني وقيماً تفوق بكثير وظيفتها الجمالية»، مشيراً إلى أنهم «استخدموا الذهب في صناعة الحلي باعتباره رمزاً للخلود والنقاء، كما استخدموا أيضاً الفضة والنحاس وأحياناً البرونز، وزينوا المجوهرات بأحجار كريمة وشبه كريمة مثل اللازورد، والفيروز، والجمشت، والكارنيليان، والعقيق، والزجاج الملون».

ولفت عبد البصير إلى أن «المجوهرات كانت مؤشراً على الثراء والنفوذ، حيث اقتصر استخدام الذهب والأحجار الكريمة على الطبقة الحاكمة والنبلاء، بينما استخدمت الطبقات الأقل المواد البديلة مثل الزجاج».

وأشار إلى أن «هناك مجوهرات صنعت خصيصاً للموتى وكانت توضع بين الأثاث الجنائزي»، ضارباً المثل بالحلي التي اكتشفت في مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».

وأردف: «كانت المجوهرات جزءاً لا يتجزأ من حياة المصري القديم، حيث تعكس فلسفته وتصوره عن العالم، كما كانت رمزاً لفنون ذلك العصر».

المصريون القدماء أبدوا اهتماماً لافتاً بالحلي (الشرق الأوسط)

ويشير الخبراء إلى أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ، وكانوا يرتدونها للزينة ولأغراض دينية أيضاً، حيث كانت تستخدم مثل تميمة لحماية جسد المتوفى.

ويستضيف معرض «نبيو» أيضاً 166 مشاركاً من 19 دولة لـ«تعزيز التعاون التجاري وزيادة الصادرات»، إضافة إلى مسابقة لتصميم المجوهرات بمشاركة 13 دولة. وقال وزير التموين المصري إن «المعرض يجسد التعاون المثمر بين الدولة والقطاع الخاص، ويعكس رؤية القاهرة لأن تكون مركزاً عالمياً لصناعة الذهب والمجوهرات».