«مذبحة الجوعى» في صنعاء شاهد على مأساة يمنية أوجدها الحوثيون

الميليشيات فرضت الجبايات واستولت على الموارد وقطعت الرواتب

تظهر الصورة التي وزعها الحوثيون ملابس متناثرة في موقع حادث التدافع بصنعاء (أ.ف.ب)
تظهر الصورة التي وزعها الحوثيون ملابس متناثرة في موقع حادث التدافع بصنعاء (أ.ف.ب)
TT
20

«مذبحة الجوعى» في صنعاء شاهد على مأساة يمنية أوجدها الحوثيون

تظهر الصورة التي وزعها الحوثيون ملابس متناثرة في موقع حادث التدافع بصنعاء (أ.ف.ب)
تظهر الصورة التي وزعها الحوثيون ملابس متناثرة في موقع حادث التدافع بصنعاء (أ.ف.ب)

بصمت، وارت عشرات الأسر اليمنية جثامين أبنائها الذين قضوا في حادثة التدافع التي شهدتها صنعاء منذ أيام أثناء احتشاد المئات في إحدى المدارس للحصول على مساعدة نقدية توزعها إحدى المجموعات التجارية، ومن بين هؤلاء فاطمة وهي في الستين من العمر حيث فقدت ثلاثة من أبنائها كانوا يأملون الحصول على ما أمكن من الأموال لمساعدتهم على الاحتفال بعيد الفطر.
ورغم مقتل نحو 85 شخصاً وإصابة أكثر من 150 آخرين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدة نقدية لا تزيد على 9 دولارات أميركية، قررت العائلات المكلومة دفن الضحايا دون انتظار نتائج التحقيق الذي وعدت به سلطات الحوثيين، والاكتفاء بمنح كل عائلة مبلغاً يساوي 2000 دولار أميركي تعويضاً من عائدات الزكاة، بينما قرر اتحاد الغرف التجارية منح كل أسرة مبلغ خمسة آلاف دولار «جبراً للضرر».
يقول محمد، وهو جار المرأة الستينية فاطمة، إنها ومنذ قيام الحوثيين قبل 7 أعوام بقطع الرواتب عن الموظفين فقدت راتب زوجها المتوفى، وحرصت على ألا يذهب أبناؤها إلى القتال مع الحوثيين بعد أن أصبح الالتحاق بمعسكراتهم المصدر الوحيد للحصول على راتب شهري وحصص غذائية شهرية.
ويضيف أن المرأة كانت تكافح وتعمل في بيع مشغولات يدوية وفي صناعة البخور، وعندما علمت أن المجموعة التجارية ستوزع 9 دولارات لكل شخص في تلك الليلة المشؤومة شجعت أبناءها الثلاثة على الحضور للحصول على مبلغ سيساعد في تغطية نفقات عيد الفطر، لكنها خسرت الأبناء الثلاثة.
وفي قصة أخرى، يظهر اسم شاب يدعى محمد يبلغ من العمر 25 عاماً، وهو أصم وأبكم من سكان حي سعوان في شرق صنعاء، يتحدث معارفه باستفاضة عن طيبته وابتسامة التي لا تفارقه، وأنه يساعد والده، وعمل في أكثر من مجال رغم إعاقة فقد السمع والنطق، وفي تلك الليلة غادر المنزل باكراً حتى يضمن الحصول على موقع في مقدمة الصفوف ليكون من أوائل من يحصلون على مبلغ المساعدة لكنه كان في مقدمة ضحايا التدافع.
ومع تأكيد مصادر طبية أن 11 معلماً كانوا بين ضحايا التدافع فإن قصة المعلم عدنان الصعفاني، وهو في بداية العقد السادس من العمر، تلخص المأساة التي يعيشها الموظفون العموميون في مناطق سيطرة الحوثيين بعد 7 أعوام من قطع رواتبهم وتوجيه كل عائدات الدولة لصالح مقاتلي الجماعة، وأعضاء حكومتها التي لا يعترف بها أحد وأعضاء ما يسمى مجلسي النواب والشورى وغيرهم، حيث يحصل هؤلاء على رواتب شهرية تتراوح بين 2000 وأربعة آلاف دولار شهرياً، فضلاً عن الامتيازات الأخرى والمكافآت.
هذا المعلم، وفق أبناء منطقته يعول زوجة و7 أولاد بينهم 5 إناث، رفض مراراً مساعي نقله إلى مسقط رأسه أو العاصمة صنعاء للعمل وتمسك بأن يؤدي رسالته في أقصى الريف، لكن أوضاعه المعيشية تدهورت بشكلٍ كبير مع قطع رواتبه، ودفع حياته في حادث التدافع، حيث كان يسعى بعد أن سدت أمامه الطرق للحصول على أي مبلغ يساعده على توفير أبسط متطلبات العيش لهذه الأسرة.
ومع أن الحوثيين حاولوا استغلال الحادثة التي لا تزال تحيط بها الكثير من الشكوك لمهاجمة المجموعة التجارية التي كانت توزع مبالغ المساعدات واقتحمت مكاتبها واعتقلت اثنين من مالكيها، فإن ردة فعل الشارع اليمني حمّلت الجماعة الحوثية المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد، منذ الانقلاب مروراً بمصادرة رواتب الموظفين والاستيلاء على عائدات الدولة، وانتهاء بفرض الجبايات المتعددة ومضاعفة مبالغ الزكاة وجني مليارات الريالات وتخصيصها لقادتها ومشرفيها.
ويسخر عبد الوهاب، وهو ناشط حقوقي، من محاولة الحوثيين التنصل من المسؤولية، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن كل هذا الخراب والجوع والقتل وانحسار قيمة المواطن، كان له ذريعة واحدة هو إسقاط الدولة تحت مبرر إلغاء الزيادة في أسعار المشتقات النفطية، في إشارة إلى المبرر الذي ساقه الحوثيون للانقلاب على الشرعية.
ويتحدث عبد الوهاب عما يصفه بـ«السلوك الأعوج»، حيث يسعى قادة الحوثي لتسويقه، ويقولون إن عليهم أن يحكموا اليمنيين بالغصب، وأن يفرضوا عليهم الجبايات والضرائب، والزكاة، ومن ثم يطلبون من خصومهم دفع رواتب للموظفين في مناطق سيطرة الجماعة.
من جهته، يرى النائب البرلماني المعروف أحمد سيف حاشد أن في طليعة الأسباب المسؤولة عمّا حدث، التي يتغاضى ويهرب المعنيون من مواجهتها، انقطاع الرواتب، وعدم شعور سلطات الأمر الواقع (الحوثيون) بأي مسؤولية تجاه الناس، وتحللها من أي التزامات أو واجبات اقتصادية أو خدمية، بينما هي تمعن في الجبايات التي تضاعفها وتمنح متحصليها نسبة مجزية منها تجعلهم يضاعفونها على حساب حياة الشعب الذي يعيش مزيداً من الفاقة والجوع والعوز، وفق تعبيره.


مقالات ذات صلة

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

العالم العربي غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

غروندبرغ يتحدث عن «نقاش جوهري» مع العليمي ويدعو لتقديم التنازلات

وصف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الخميس) اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في عدن بـ«المثمر والجوهري»، وذلك بعد نقاشات أجراها في صنعاء مع الحوثيين في سياق الجهود المعززة للتوصل إلى تسوية يمنية تطوي صفحة الصراع. تصريحات المبعوث الأممي جاءت في وقت أكدت فيه الحكومة اليمنية جاهزيتها للتعاون مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر لما وصفته بـ«بتصفير السجون» وإغلاق ملف الأسرى والمحتجزين مع الجماعة الحوثية. وأوضح المبعوث في بيان أنه أطلع العليمي على آخر المستجدات وسير المناقشات الجارية التي تهدف لبناء الثقة وخفض وطأة معاناة اليمنيين؛ تسهيلاً لاستئناف العملية السياسية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

الحوثيون يفرجون عن فيصل رجب بعد اعتقاله 8 سنوات

في خطوة أحادية أفرجت الجماعة الحوثية (الأحد) عن القائد العسكري اليمني المشمول بقرار مجلس الأمن 2216 فيصل رجب بعد ثماني سنوات من اعتقاله مع وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي شمال مدينة عدن، التي كان الحوثيون يحاولون احتلالها. وفي حين رحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بالخطوة الحوثية الأحادية، قابلتها الحكومة اليمنية بالارتياب، متهمة الجماعة الانقلابية بمحاولة تحسين صورتها، ومحاولة الإيقاع بين الأطراف المناهضة للجماعة. ومع زعم الجماعة أن الإفراج عن اللواء فيصل رجب جاء مكرمة من زعيمها عبد الملك الحوثي، دعا المبعوث الأممي في تغريدة على «تويتر» جميع الأطراف للبناء على التقدم الذي تم إنجازه

علي ربيع (عدن)
العالم العربي أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

أعداد اللاجئين الأفارقة إلى اليمن ترتفع لمعدلات ما قبل الجائحة

في مسكن متواضع في منطقة البساتين شرقي عدن العاصمة المؤقتة لليمن، تعيش الشابة الإثيوبية بيزا ووالدتها.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

كيانات الحوثيين المالية تتسبب في أزمة سيولة نقدية خانقة

فوجئ محمود ناجي حين ذهب لأحد متاجر الصرافة لتسلّم حوالة مالية برد الموظف بأن عليه تسلّمها بالريال اليمني؛ لأنهم لا يملكون سيولة نقدية بالعملة الأجنبية. لم يستوعب ما حصل إلا عندما طاف عبثاً على أربعة متاجر.

محمد ناصر (عدن)
العالم العربي تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

تحذيرات من فيضانات تضرب اليمن مع بدء الفصل الثاني من موسم الأمطار

يجزم خالد محسن صالح والبهجة تتسرب من صوته بأن هذا العام سيكون أفضل موسم زراعي، لأن البلاد وفقا للمزارع اليمني لم تشهد مثل هذه الأمطار الغزيرة والمتواصلة منذ سنين طويلة. لكن وعلى خلاف ذلك، فإنه مع دخول موسم هطول الأمطار على مختلف المحافظات في الفصل الثاني تزداد المخاطر التي تواجه النازحين في المخيمات وبخاصة في محافظتي مأرب وحجة وتعز؛ حيث تسببت الأمطار التي هطلت خلال الفصل الأول في مقتل 14 شخصا وإصابة 30 آخرين، كما تضرر ألف مسكن، وفقا لتقرير أصدرته جمعية الهلال الأحمر اليمني. ويقول صالح، وهو أحد سكان محافظة إب، لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب فإن الهطول ال

محمد ناصر (عدن)

​ضربات أميركية مركّزة على مخابئ الحوثيين في صنعاء وصعدة

حملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن دخلت يومها العاشر (رويترز)
حملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن دخلت يومها العاشر (رويترز)
TT
20

​ضربات أميركية مركّزة على مخابئ الحوثيين في صنعاء وصعدة

حملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن دخلت يومها العاشر (رويترز)
حملة ترمب ضد الحوثيين في اليمن دخلت يومها العاشر (رويترز)

دخلت الحملة الأميركية التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الحوثيين، يومها العاشر، غداة ضربات مركزة استهدفت صنعاء وصعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة التي تتكتم على خسائرها على مستوى قادتها المستهدفين وقدراتها العسكرية في مسعى منها لرفع معنويات أتباعها.

وكانت الجماعة المدعومة من إيران عادت للتصعيد ضد إسرائيل منذ تعثر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة في غزة بين «حركة حماس» وإسرائيل، فيما أمر الرئيس ترمب بحملة حاسمة ضد الجماعة، وتوعد بـ«القوة المميتة» للقضاء عليها، وسط شكوك يمنية في جدوى الضربات إذا ما سارت على وتيرة الضربات نفسها في عهد بايدن.

ودّوت ليل الأحد ضربات مركزة على مخابئ للحوثيين ومستودع للقدرات العسكرية في صنعاء غرب المدينة، وسط تكهنات باستهداف عناصر قياديين، في حين زعمت الجماعة أن الضربات استهدفت مبنى في حي سكني في منطقة عصر بمديرية معين، وتسببت في مقتل شخص وإصابة 15 آخرين بينهم أطفال ونساء.

وفي محافظة صعدة حيث معقل الجماعة الرئيس، اعترفت وسائل إعلامها باستقبال 4 غارات ليلية على محيط مدينة صعدة، قبل أن تتبعها غارتان على مديريتي سحار وساقين، تواصلا لضربات الأيام الماضية على المحافظة المعروفة بوعورة تضاريسها.

ولم تشر الجماعة الحوثية إلى طبيعة الأهداف المقصوفة ولا إلى الأضرار البشرية والمادية، لكنّ مراقبين يتوقعون أن تكون الضربات استهدفت مخابئ محصنة تضم قدرات عسكرية من قبيل الصواريخ والمسيرات، إضافة إلى خبراء مسؤولين عن الإطلاق.

ومنذ بدء الجيش الأميركي حملته الجديدة لم يكشف عن تفاصيل الأهداف الحوثية التي يضربها غير أنه أكد أن الحملة مستمرة على مدار الساعة، وأن الهدف هو حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر.

يشار إلى أن الجماعة تلقت في عهد بايدن نحو ألف غارة أميركية وبريطانية منذ 12 يناير (كانون الثاني) 2024 حتى سريان الهدنة في غزة، دون أن يؤدي ذلك إلى وقف هجماتهم التي تقول واشنطن إنها مدعومة من إيران.

100 ضربة

استقبلت الجماعة الحوثية أكثر من 100 غارة جوية وضربة بحرية منذ 15 مارس (آذار) الحالي، استهدفت مواقع وثكنات محصنة في صنعاء وصعدة ومأرب والجوف والبيضاء وذمار وحجة، إضافة إلى مناطق متفرقة من محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.

وإزاء ذلك أطلق الحوثيون خمسة صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل منذ الثلاثاء الماضي، وأعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضها جميعها دون أضرار، كما زعمت الجماعة أنها هاجمت بالصواريخ والمسيرات حاملة الطائرات «هاري ترومان» والقطع البحرية التابعة لها، نحو ست مرات منذ بدء الضربات، دون أن يعلق الجيش الأميركي على تلك المزاعم.

ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)
ألسنة لهب ودخان تتصاعد من موقع في صنعاء إثر غارة أميركية (أ.ف.ب)

ومع دخول الجماعة على خط التصعيد ضد إسرائيل بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أطلقت نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة، دون أن يكون لها أي تأثير عسكري باستثناء مقتل شخص واحد في 19 يونيو (حزيران) الماضي حينما انفجرت مسيرة في إحدى الشقق.

وتسود مخاوف يمنية من هجمات إسرائيلية انتقامية ضد المناطق الخاضعة للحوثيين على غرار 5 موجات شهدها العام الماضي استهدفت البنى التحتية في صنعاء والحديدة، بما فيها المطار والميناء ومحطات الكهرباء.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حتى هدنة غزة بين إسرائيل و«حركة حماس»، تبنى الحوثيون مهاجمة 211 سفينة، وأدّت الهجمات إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، ومقتل 4 بحارة.

وبعد دخول الهدنة بين إسرائيل و«حركة حماس» حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، كانت الجماعة أعلنت التوقف عن هجماتها البحرية وباتجاه إسرائيل، قبل أن تقفز مجدداً للانخراط في الصراع مع تعثر المرحلة الثانية من الهدنة.