«مذبحة الجوعى» في صنعاء تحصد أكثر من 200 قتيل وجريح

المبعوث الأممي يتعاطف... والحكومة تحمل الحوثيين المسؤولية

يمنيون في صنعاء بجوار المدرسة التي شهدت حادثة التدافع (رويترز)
يمنيون في صنعاء بجوار المدرسة التي شهدت حادثة التدافع (رويترز)
TT

«مذبحة الجوعى» في صنعاء تحصد أكثر من 200 قتيل وجريح

يمنيون في صنعاء بجوار المدرسة التي شهدت حادثة التدافع (رويترز)
يمنيون في صنعاء بجوار المدرسة التي شهدت حادثة التدافع (رويترز)

أفادت مصادر طبية في العاصمة اليمنية صنعاء بسقوط أكثر من 200 قتيل وجريح فيما بات يطلق عليه «مذبحة الجوعى»، حيث تدافع حشد ضخم من الفقراء للحصول على مساعدة من أحد التجار، وسط اتهامات حكومية للجماعة الحوثية بالتسبب في الحادثة التي لقيت تعاطفاً أممياً ودولياً.
وطبقا لما أفاد به شهود لـ«الشرق الأوسط» احتشد آلاف من الفقراء ليل الأربعاء في مدرسة بصنعاء للحصول على مساعدات يقدمها أحد التجار تقدر بنحو عشرة دولارات للشخص، قبل أن تحدث الكارثة ويقوم المحتشدون بالتدافع عقب إطلاق عناصر حوثيين الرصاص وانفجار محول كهربائي في الجوار.
وعلى الفور أكدت المصادر سقوط عشرات القتلى من الرجال والنساء والأطفال وإصابة أكثر من 150 آخرين، فيما أفادت الجهات الصحية الخاضعة للحوثيين بمقتل 78 شخصا ووجود 77 آخرين من المصابين في المستشفيات بينهم 13 في حالة حرجة بعد أن خرج غالبيتهم.
وعادة ما تجبر الميليشيات الحوثية التجار وفاعلي الخير على دفع الأموال لمصلحتها عبر الكيانات التي استحدثتها، حيث تقوم بجباية أموال الزكاة، بينما يفضل كبار التجار أن يقوموا بتوزيع جزء من الصدقات في رمضان عن طريقهم، بعد أن يدفعوا مبالغ لضمان سكوت كبار قادة الحوثيين.
وحاولت الجماعة الحوثية التنصل من المسؤولية وألقت باللائمة على التاجر، وزعمت أنها شكلت لجنة للتحقيق، في حين حملها وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني المسؤولية، بسبب تسببها في تفشي الجوع وتوقف الرواتب واتساع نطاق الفقر.
وقال الإرياني في تغريدة على «تويتر» إن المسؤول عن مذبحة صنعاء التي وقعت في أحد مراكز توزيع المساعدات التابعة لأحد التجار، هو من نهب الخزينة العامة والاحتياطي النقدي والإيرادات العامة للدولة، وأوقف صرف مرتبات الموظفين منذ 8 أعوام، ومن عطل القطاع الخاص، وقوض فرص العمل لعشرات الآلاف من العاملين، تاركا إياهم دون أي مصدر للدخل لإعالة أسرهم.
وفي إشارة إلى الحوثيين أضاف الإرياني أن من يتحمل مسؤولية الحادثة هو من «نهب الغذاء من أفواه الجوعى، ومارس التضييق على منظمات الإغاثة العالمية، ومنع التجار وفاعلي الخير من توزيع الصدقات على المحتاجين، ونهب الزكاة، وأموال الأوقاف، وفرض الرسوم والجبايات غير القانونية تاركا ملايين اليمنيين تحت مستوى خط الفقر، وبمعدلات هي الأعلى عالميا في البطالة والفقر والبؤس والمجاعة».
وقال وزير الإعلام اليمني إنه يحمل المسؤولية عن الحادثة من وصفهم بـ«القتلة المجرمين القادمين من كهوف صعدة، والذين أوصلوا الأوضاع لهذه النقطة المأساوية، وأحالوا حياة الملايين من اليمنيين إلى جحيم» وفق تعبيره.
ووفق تأكيد مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن من بين الضحايا كثيرا من الأطفال والنساء والمسنين. وأرجع سكان وناشطون في صنعاء الأسباب إلى حالة الجوع والفاقة التي أصابت غالبية الفقراء والمحتاجين والنازحين الذين تعج بهم العاصمة وبقية مدن سيطرة الميليشيات.
ويقول عاملون في المجال الإغاثي إن الحالة الإنسانية المزرية التي وصل إليها اليمنيون بفعل الفقر وانقطاع المرتبات وانعدام فرص العمل وتفشي فساد وعبث الميليشيات الحوثية دفعت المئات من الحالات الأشد فقرا إلى التزاحم والتدافع لغرض الحصول على بعض المساعدات.
وأظهرت مقاطع «فيديو» صادمة على مواقع التواصل الاجتماعي حشودا من الفقراء في مدرسة معين بصنعاء وهم يتدافعون بشدة للحصول على المساعدة من رجل الأعمال «الكبوس» قبل أن تقع الحادثة التي لا يستبعد ناشطون يمنيون أن يكون الحوثيون هم من خطط لوقوعها.
وعبر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ وسفراء غربيون في تغريدات على «تويتر» عن تعازيهم لعائلات الضحايا، بينما قال ناشطون يمنيون إن الحوثي يتحمل كافة ما أصاب اليمنيين من مآس منذ انقلابه على التوافق الوطني بقوة السلاح.
وفي حين تواصل الميليشيات تضييق الخناق على التجار والميسورين وفاعلي الخير لمنعهم من تقديم أي مساعدات نقدية أو غذائية لمصلحة الفقراء والنازحين في العاصمة وغيرها، سبق لقادة الجماعة أن سمحوا قبل فترة لمؤسسة «الكبوس الخيرية» بتوزيع تلك المساعدة شريطة التزامها بشروط عدة منها دفع مبالغ تقدر بأضعاف ما تسلمه للفقراء والمحتاجين.
وقال مغردون يمنيون إن سبب الحادثة قيام مسلحين يعتقد انتماؤهم للجماعة الحوثية بإطلاق أعيرة نارية كثيفة بشكل مفاجئ، الأمر الذي دفع مئات الفقراء والمحتاجين إلى التدافع لمغادرة المكان.
«الحادثة الأليمة» التي راح ضحيتها فقراء ومحتاجون أبرياء، تزامنت مع توالي مزيد من التحذيرات الأممية من أن نحو 25.5 مليون شخص في اليمن من إجمالي السكان البالغ 30 مليون باتوا يعيشون تحت خط الفقر، وبحاجة ماسة إلى الدعم أكثر من أي وقت مضى.
ورغم إعلان تقارير دولية أن نحو 19 مليون يمني سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال الستة الأشهر المقبلة، إضافة إلى نحو 2.2 مليون طفل من المحتمل أن يتعرضوا للهزال، فإن الجماعة الانقلابية لا تزال تواصل عدم اكتراثها لمعاناة ملايين السكان، حيث تقوم بتبديد أموال الزكاة والضرائب وموارد المؤسسات على أتباعها.
وتحدثت ثلاث منظمات أممية في تقرير سابق عن أن أزمة الجوع الشديدة في اليمن تتأرجح على حافة كارثة صريحة، حيث يحتاج ما يصل إلى 17.4 مليون شخص الآن إلى مساعدات غذائية، كما تتعامل نسبة زائدة من السكان مع مستويات طارئة من الجوع.
وقال برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة «فاو» و«يونيسيف» في تقرير مشترك إن الوضع الإنساني في اليمن يستعد لأن يزداد سوءاً، حيث من المحتمل أن يصل عدد الأشخاص الذين يحتمل ألا يتمكنوا من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية في اليمن إلى رقم قياسي يصل إلى 19 مليون شخص.


مقالات ذات صلة

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

تواصل الجماعة الحوثية إجراء تغييرات في المناهج التعليمية، بإضافة مواد تُمجِّد زعيمها ومؤسسها، بالتزامن مع اتهامات للغرب والمنظمات الدولية بالتآمر لتدمير التعليم

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي استعراض الجماعة الحوثية لقدراتها العسكرية في العاصمة صنعاء والتي تتضمن أسلحة نوعية (رويترز)

تقرير أُممي يتّهم الحوثيين بالتنسيق مع إرهابيين وجني عشرات الملايين بالقرصنة

تقرير جديد لفريق الخبراء الأُمميّين المعنيّ باليمن يكشف عن تعاون الحوثيين مع تنظيم «القاعدة»، و«حركة الشباب» الصومالية، وابتزاز وكالات الشحن الدولية.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

بدأت الجماعة الحوثية بإعداد آلية لدمج عدد من مؤسسات الدولة وتقليص الهيكل الإداري لها وتغيير مهامها في سبيل المزيد من السيطرة والنفوذ عليها وأدلجتها.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من لقاء وزير التخطيط اليمني مع مسؤولي البنك الدولي على هامش زيارته لواشنطن (سبأ)

اليمن يقدم رؤية شاملة للبنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات التنموية

قدمت الحكومة اليمنية إلى البنك الدولي رؤية شاملة لإعادة هيكلة المشروعات، في مسعى لزيادة المخصصات المالية للبلاد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».