بعد 5 أيام، أعلنت مصر إتمام عملية «تأمين» جنودها في السودان بنجاح، وبين الحين والآخر تكشفت كواليس أحاطت بالملف وإدارته، ما بين اتصالات سياسية ودبلوماسية، وتحركات عسكرية وأمنية، وتنسيقات إقليمية ودولية، فضلاً عن خلية إدارة للأزمة ضمَّت «القوات المسلَّحة المصرية»، و«جهاز المخابرات المصرية»، وبمتابعة مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
والأزمة، التي تفجرت بعد بث «قوات الدعم السريع» في السودان، فيديو يُظهر عدداً من الجنود المصريين محتجَزين بصحبة جنود سودانيين آخرين، عقب سيطرة «قوات الدعم» على مطار مروي العسكري، استدعت تحركاً مصرياً عاجلاً لاحتواء الموقف.
بعض تفاصيل إدارة الملف شرحها مصدر مسؤول في تصريحات لقناة «القاهرة الإخبارية» التلفزيونية المصرية، مشيراً إلى أن سبب وجود الجنود المصريين في السودان كان «المشاركة في مهمة تدريبية، وليست قتالية، ضمن بروتوكول (نسور النيل)».
وسبق للقوات المسلَّحة المصرية أن أعلنت، في مارس (آذار) 2021، انطلاق التدريب الجوي المشترك مع السودان «نسور النيل 2»، من قاعدة «مروي» الجوية في شمال السودان، بمشاركة عناصر من القوات الجوية المصرية والسودانية، وعناصر من قوات الصاعقة لكلا البلدين.
وأوضح المصدر أن «تمركز الجنود المصريين كان بالأساس في قاعدة مروي، والمنطقة المحيطة بها، عند حدوث الاشتباكات بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم»، مشيراً إلى «تمكن 177 (عنصراً من قوات الجيش المصري) من إخلاء أنفسهم، وتبقَّى 27 (آخرون) احتجزتهم (الدعم السريع)»، وفق إفادة المصدر.
وشدَّد المصدر على أن الدولة المصرية «كانت تدير الملف بحكمة بالغة، دون التورط في الصراع، من خلال خلية إدارة للأزمة، بواسطة القوات المسلَّحة، وجهاز المخابرات العامة، وبمتابعة مباشرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي».
وشرح المصدر طريقة إجلاء الدفعة الأولى العائدة، والمكوَّنة من 177 عنصراً، مشيراً إلى أنه «جرى إجلاؤهم بتأمين طريق بري، بواسطة المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، حتى وصولهم إلى قاعدة دنقلة»، منوهاً بأنه جرى تشغيل القاعدة «خصيصاً لعميلة الإجلاء التي أُجريت بواسطة طائرات حربية مصرية».
وأشار المصدر، لقناة «القاهرة الإخبارية»، إلى أن «الدفعة الثانية ضمّت 27 عنصراً كانوا محتجَزين لدى (الدعم السريع)»، وجرى التنسيق مع «الصليب الأحمر»، لافتاً إلى أن مصر «قامت بعدد من الاتصالات مع أطراف وسيطة، وجرى إخلاؤهم من قاعدة مروي، وقطعوا مسافة 560 كيلومتراً، لكي يصلوا إلى الخرطوم، وتتسلمهم الملحقية العسكرية المصرية في الخرطوم».
ووصف المصدر عملية إجلاء الجنود المصريين بأنها «بالغة الدقة والتعقيد»، مشدداً على «نجاح مصر في تحقيق أهدافها، وحفظ سلامة أولادها، دون التورط في الصراع الدائر».
وفرضت القاهرة، خلال الأيام الماضية، إطاراً من التكتم على مساعي استعادة جنودها من السودان، وجاء بعض المعلومات عن طبيعة مهمة هؤلاء الجنود المصريين بالسودان، على لسان الرئيس المصري، الذي أكد، خلال ترؤسه اجتماعاً لـ«المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، مساء الاثنين، أن تلك القوات تمثل «قوة رمزية للتدريب مع الأشقّاء، وليس لدعم طرف على حساب طرف آخر».
وأشار السيسي إلى أن الدولة المصرية على اتصال متواصل مع الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»؛ بهدف تأكيد أمن وسلامة العناصر المصرية في السودان، التي كانت موجودة ضمن بروتوكول للتدريب المشترك.
وقبل إفادة الرئيس المصري، كانت القوات المسلَّحة قد أصدرت بياناً، بعد ساعات معدودة من اندلاع الاشتباكات في السودان، السبت، أكدت فيه أنها «تتابع، عن كثب، الأحداث الجارية في السودان». وأشار المتحدث العسكري المصري، على صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك»، إلى أنه «جارٍ التنسيق لضمان تأمين القوات المصرية الموجودة هناك، ضمن مهمات التدريب المشتركة».
بدوره أكد العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، المتحدث العسكري باسم «القوات المسلَّحة المصرية»، في تصريحات نشرتها «بوابة الأهرام» الإلكترونية المصرية، أن توقيت الإعلان عن أي تفاصيل، عبر إصدار بيانات رسمية للقوات المسلَّحة، «يتم حسابه بدقة، وفقاً للظرف الأمني والعملياتي والمستجدّات على مدار الساعة»، موضحاً أن الأولوية «ليست للإعلان، بل الأولوية دائماً لإتمام المهمة».
ونقلت «الأهرام» عن المتحدث العسكري إشادته بـ«حالة الوعي التي لمسها عند المواطنين، في مواجهة (الحملات المدفوعة التي قامت ببث فيديوهات، أو الدفع بالأمور لمسار مخالف)»، مؤكداً أن «الشعب المصري يساند قرارات قواته المسلَّحة، ويثق في إدارة أي موقف أو ظروف طارئة؛ لأن محددات مصر واضحة، وتتعامل بشرف وأمانة، وتراعي حقوق الآخرين، وتحمي أمن مواطنيها، وسلامة وسيادة أراضيها».
بدوره يعتبر الدكتور محمد مجاهد الزيات، المستشار الأكاديمي بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أن «مفتاح نجاح مصر في إدارة أزمة جنودها في السودان كان ضبط النفس وعدم الانسياق وراء (الإجراءات الاستفزازية)».
وأوضح الزيات، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، أن الفيديو، الذي بثّته «قوات الدعم السريع» لبعض الجنود المصريين الذين احتجزتهم عقب سيطرتها على مطار مروي (لم يكن لائقاً ولا يراعي الأعراف العسكرية)؛ لأن هؤلاء الجنود كانوا في مهمة تدريبية رسمية.
وأشار إلى أن مصر «تعاملت مع الموقف بهدوء وإدراك لقدرتها على إعادة الجنود، دون التورط في الصراع»، موضحاً أن الاتصالات، التي بدأت فور احتجاز الجنود، أسهمت في تغيير موقف «قوات الدعم السريع» بشكل كامل، إذ أعلنت قيادة تلك القوات حرصها على سلامة القوات وضمان أمنها، وهو تحول وصفه بـ«النوعي»، و«يُظهر حجم الاتصالات التي أُجريت وعمقها».
وأضاف الزيات أن مصر «تمتلك قدرات متراكمة على التعامل مع أزمات من هذا النوع، وخصوصاً في الأزمات التي تهيمن فيه الفوضى على المشهد»، مشيراً إلى نجاح القاهرة في التعامل مع أزمات مشابهة، في عدد من دول الجوار مثل فلسطين وليبيا، وهو ما أكسب الأجهزة المعنية قدرة كبيرة على التعامل تحت ضغط الأزمات، وإدارة الاتصالات الثنائية والإقليمية بفعالية.
كيف أدارت مصر ملف تأمين جنودها في السودان؟
177 عنصراً وصلوا إلى القاهرة... و27 آخرون في سفارتها بالخرطوم
كيف أدارت مصر ملف تأمين جنودها في السودان؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة