الأناقة القادمة... فخامة مبطنة بالهدوء

الموضة تعود لصوابها وتتخفَف من أسلوب «الماكسيماليزم»

الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب  في تشكيلة «تودز» (خاص)
الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب في تشكيلة «تودز» (خاص)
TT

الأناقة القادمة... فخامة مبطنة بالهدوء

الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب  في تشكيلة «تودز» (خاص)
الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب في تشكيلة «تودز» (خاص)

إعلان دار «غوتشي» استغناءها عن مصممها أليساندرو ميكييلي كان إيذانا بنهاية «الماكسيماليزم» وكل ما هو صارخ بالألوان والنقشات المتضاربة. لسنوات نجح هذا الأسلوب في استقطاب شريحة معينة من الزبائن وتحقيق أرباح طائلة لمجموعة «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي»، إلا أنه أصاب السوق بالتُخمة في الأخير ما أدى إلى تراجع المبيعات لصالح بيوت أزياء أخرى تتبنى أسلوبا راقيا بلغة هادئة.

دار «بيربري» عادت إلى جذورها البريطانية لتكتب مرحلة جديدة في تاريخها (خاص)

الفخامة الهادئة... عنوان بدأ يُحدِد مسار الموضة منذ فترة، وحسب ما رأيناه في عروض الأزياء الأخيرة وكذلك أرقام مبيعات بيوت ارتبط اسمها بالكلاسيكية والترف، فإنه الأسلوب القادم. مجموعة «إيرمينغلدو زينيا» التي تخاطب رجلا أنيقا لا يحب استعراض نفسه أو جاهه سجلت أرباحا تفوق الـ1.5 مليار يور في نهاية العام الماضي. ومن بين ما أكدته المجموعة التي تملك، إلى جانب «زينيا»، ثوم براون واستحوذت مؤخرا على «توم فورد» أن قسم التفصيل الراقي، الذي يعتمد على جودة الأقمشة والألوان الحيادية، انتعش بصورة كبيرة في عام 2022 رغم عدم استقرار السوق الصينية. وتُشير المجموعة إلى أن هذا الانتعاش متزايد حيث يتوقع أن يتجاوز الملياري يورو بحلول 2025.

في عرض «إيترو» تنوعت القطع وبقيت بعيدة عن الصرعات (خاص)

رغم أن بيوت أزياء كبيرة لا تزال تعتمد على «اللوغو» لأنها تلمس شريحة معينة من الزبائن المتعطشين للانخراط في نادي الأناقة العالمية، فإن هذا لا يشمل الطبقات الراقية التي تنأى بنفسها عن كل ما يشي بأن ما تلبسه غالٍ أو يخضع لإملاءات الموضة الموسمية. الفخامة بالنسبة لهذه الشريحة تكمن في كل التفاصيل. في التبطين والخامات وطرق نسج الخيوط وغيرها. لهذا هي مستعدة لدفع أكثر من 1000 دولار لقاء كنزة من الكشمير أو2000 دولار لقاء قميص مبتكر، ناهيك عن بدلة رسمية أو شبابية مهما كلَفت.

«فندي» اعتمدت هذا الموسم ألواناً هادئة وقصات مبتكرة (خاص)

هذه الحركة التي تنضوي تحت عنوان الفخامة الهادئة، بدأت تتسلل إلى ساحة الموضة منذ سنوات. جاءت كرد فعل على أسلوب ثقافة الشارع السبور الذي ساد واستقوى خلال جائحة كوفيد وانتشر. وربما يمكن القول بأن بادرة التغيير الفعلي توضَحت إثر إعلان دار «غوتشي» استغناءها عن مصممها أليساندرو ميكييلي. فهذا الأخير رفع شعار «الماكسيماليزم» وكل ما هو صارخ وضاج بالألوان والنقشات المتضاربة لسنوات، واستقطب شريحة مهمة من الشباب محققا بذلك أرباحا طائلة لمجموعة «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي» و«سان لوران» و«سيلين» وغيرها. لكنه لم يعد مناسبا للوقت الحالي، بعد أن تبيَن أن بيوت الأزياء التي كانت تتبنى أسلوبا راقيا بلغة هادئة هي التي تخطف القلوب وتصل إلى الجيوب. الدليل أن إيرادات بيوت مثل «بوتيغا فينيتا» و«سان لوران» ارتفعت وإيرادات «غوتشي» تراجعت في عهد أليساندرو. ولأن هذا الأخير ظل متمسِكا بنظرته الفنية ولم يقبل التخفيف من مبالغاتها، كان الفراق هو الحل الوحيد.

السهل الممتنع كما طرحته «لورو بيانا» لربيع وصيف 2023 (خاص)

وسواء كانت أسباب انتعاش هذه الموجة أنها جاءت كرد فعل على أسلوب الماكسيماليزم أو ابتعادا عن موجة «اللوغوهات» التي تغطي الـ«تي - شيرتات» وغيرها، فإن الجميل فيها أنها تتماشى مع مفهوم الاستدامة السائد حاليا. فعُمر قطع تجذب الأنظار ببريقها وبهرجتها قصير، ينتهي بعد موسم واحد، أو بعد استعمالها لمرة واحدة أو اثنتين على الأكثر مقارنة بعُمر قطعة أنيقة وفخمة قد تكون أغلى لكن ثمنها فيها، حيث يمكن استعمالها لعدة مرات ولسنوات. في تصريح لهيذر كامينيتسكي، رئيسة موقع «مايتريزا» في أميركا، فإنها موجة تعكس الوضع الاقتصادي الحالي «فهناك أوقات يكون فيها كل شيء مقبولا وسهلا، لكن اضطراب الوضع الحالي لا يُشجع على ذلك، بقدر ما يُشجع على تبني موضة مضمونة تخفي بين طياتها معاني الترف من دون استعراض أو ابتذال».
اللافت أيضا أن هذا التوجه لا يقتصر على بيوت أزياء عالمية مثل «برونيللو كوتشينيللي» و«لورو بيانا» و«زينيا» و«ذي رو»، بل طال علامات تجارية شعبية مثل «بنانا ريبابليك». هذه الأخيرة مثلا طرحت مؤخرا منتجات من الجلد والكتان والكشمير بألوان حيادية، وتصاميم كلاسيكية تناسب كل زمان ومكان. وكانت النتيجة في صالحها، حيث حصدت ما زرعته أرباحا لا يستهان بها بعد سنوات عجاف.

منذ أكثر من شهرين تقريبا اختُتمت دورة الموضة العالمية لخريف 2023 وشتاء 2024. دورة بدأت في نيويورك وانتهت في باريس بعد أن مرّت على لندن وميلانو. وإذا كان هناك بُد من إعطاء الدورة عنوانا، فسيكون «ترويض الشطحات الجامحة». غابت الألوان والنقشات المتضاربة وحل محلها هدوء تطبعه أناقة راقية مُفصَله بشكل يتجنب كل ما يؤثر على المبيعات، بما في ذلك الجدل. فزمن حرية الإبداع والتعبير الفني من دون قيد أو شرط ولّى بسبب تنامي حركات شبابية جديدة ترفع شعارات طنانة ضد التمييز والظلم بكل أشكاله. حل محلها حذر أثَر على عملية الإبداع وقنّنها. والدليل أن بيوت أزياء حققت الكثير بخضِها المتعارف عليه في السابق، ارتأت هذا العام أن تسلك طريقا مضمونا، تجسَد في الابتعاد عن الصرعات وتبني كل ما هو كلاسيكي ومعاصر. لحسن الحظ، أن هذا الحذر كان في صالح المستهلك والموضة على حد سواء. ما تستشفه طوال أسابيع الموضة الأربعة أن المستهلك لم يعد ينبهر بالتقليعات. يمكن القول أيضا بأنه ملّ من الفرقعات التي كان الغرض الأول منها أن يتم تداولها على شبكات السوشيال ميديا من أجل الحصول على تغطيات مجانية. حتى استعمال مصممي دار «كوبرني» سيباستيان ماير وأرنو فايون هذا الموسم التكنولوجيا بشكل مثير لم يُحقق التأثير المطلوب على عكس محاولاتهما السابقة.
صحيح أن الجانب الترفيهي جزء مهم من أي عرض أزياء، إلا أنه لم يعد يلعب دور البطولة على حساب الأزياء. فزبون اليوم يحن إلى ماضٍ كان فيه عالم الموضة يستلهم من الفن ويقدم تحفا تحاكيه من دون أي تعقيدات. من جهتهم، انتبه صُنَاع الموضة إلى أن جيل زي، قد يحرك مبيعات الصرعات، وربما يتمتع ببلاغة في التعبير عن رغباته وقضاياه، لكن في أرض الواقع، فإن القوة الشرائية الحقيقية ليست بيده وحده، بل بيد جيل الأمهات والجدات. فهن من يتمتعن بثروات لا بأس بها، وهن من يعملن في مناصب متنوعة يحتجن فيها لتغيير أزيائهن وإكسسواراتهن بما يتماشى مع المكان والمناسبات. على الأقل هذا ما قرأناه في كل العواصم العالمية الأربع مؤخرا.
الأجواء في العواصم العالمية:
في نيويورك كانت متفائلة نوعا ما، وفي لندن شابها نوع من الإحباط من الحالة الاقتصادية المزرية مع تمرُد هنا وهناك ذكرنا حينا بالراحلة فيفيان ويستوود التي جعلت قضايا اجتماعية وسياسية ومناخبة قضيتها، وحينا بنوستالجيا إلى الماضي جسدتها محاولات جادة للعودة إلى الجذور. دار «بيربري» كانت مثالا على هذا حيث بدأ المصمم دانييل لي مرحلة جديدة فيها. رموز قديمة غيَبها المصمم الإيطالي السابق ريكاردو تيشي برزت للواجهة مرة أخرى في أول عرض له للدار وسط ترحيب وتهليل الجميع.
في ميلانو كانت الأجواء هادئة وراقية. حتى تنوعها الذي خاطب كل الأذواق كان لذيذا يتراوح بين الوقار والإثارة. لم يعط الانطباع بأنه خضع لإلحاح المُسوقين أو أذعان لـ«ما يطلبه المستهلك».
أسبوع باريس لم يختلف عن سابقيه. هو أيضا توخى الحيطة والحسابات الدقيقة. صور عارضات «ميوميو» مثلا ورغم غرابتها تؤكد شيئا واحدا وهو أن الغرابة لم تطل الأزياء أو الإكسسوارات واقتصرت على الماكياج والشعر المنكوش. المصمم أوليفييه روستينغ الذي يعشق الإثارة ويدين بنجاحه للنجمات، اقتصر عرضه هذه المرة على قلة وفي مكان أصغر من المعتاد. تبريره أنه أراد العودة إلى ما أسسه بيير بالمان، إلا أنه كان بمثابة تمرد ضمني على السوشيال ميديا التي يتقنها جيدا واستعملها بحرفية عالية لحد الآن. في النهاية لا يصح إلا الصحيح حسب تصريحه «فلا بد من العودة إلى الجودة... لكي تفهم المستقبل عليك أن تفهم الماضي لهذا فإن هذه التشكيلة هي احتفاء بالدار التي أعمل فيها».
«الكسندر ماكوين» و«سان لوران» و«ديور» وغيرهم قدموا دروسا قيمة في التفصيل الرجالي وتأنيثه ليدخل خزانة المرأة بسهولة. هذا اللعب على الذكوري والأنثوي كان سمة مشتركة بين عدة بيوت. تجلت في التايورات المفصلة ذات الأكتاف الصارمة، والبنطلونات الواسعة كما في استعمال ربطة العنق التي استعملت بسخاء شديد لم نر له مثيلا من قبل. «فالنتينو» مثلا أطلق على تشكيلته عنوان «بلاك تاي»، وكان هذا الإكسسوار البطل فيها بلا منازع. ظهرت حينا بشكلها التقليدي وحينا آخر كانت بمثابة المشبك الذي يربط منطقة الصدر في فستان من دون رقبة أو أكتاف.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
TT

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون كشفها. هدفه أن يُشكِلها بأسلوب يمنح المرأة الثقة من دون أن يحرمها من إحساسها بأنوثتها. صحيح أن بعضها يتسم ببعض الجرأة، إلا أن ما يشفع له فيها أنه نجح في ضخها بحقنات مناسبة من العصرية والديناميكية من خلال فنية تظهر حيناً في الأكمام وحيناً آخر في التنورات والجوانب وغيرها.

لعب المصمم على الأنوثة ليرسم لوحة مفعمة بالأنوثة الطاغية والراقية في الوقت ذاته (خاص)

اللافت فيها أيضاً أنها بالرغم من تفاصيلها وكشاكشها وطياتها، مريحة. يشرح المصمم أنه راعى فيها أن تمنح المرأة حرية الحركة «فمن دون حركة وراحة لا يمكن للمرأة أن تبدو ساحرة وواثقة من نفسها» حسب رأيه. ويُبرر أن الجرأة التي اعتمدها محسوبة، بدليل أنها قد تقتصر على الأكمام ولا تركز على إبراز مفاتن الجسد بشكل واضح.

اعتمد المصمم على الألوان الأحادية المتوهجة وكأنه يريد استعمالها بوصفها مضاداً لرمادية الشتاء (خاص)

اختارها ألا تكون صادمة، بل فنية لإضفاء مزيد من الأناقة الفنية على كل قطعة. فكل قطعة في التشكيلة لها شخصيتها الخاصة. أرداها أن تتكلم بلغة تفهمها المرأة التي ستختارها، معتمداً كلياً على التفاصيل، سواء كانت هذه التفاصيل على شكل طيات من لون القماش، أو ثنايا تتلوى على جانب معين، أو فتحات تغازل العين.

يكمن جمال الفساتين في تفاصيلها وأنوثتها من دون أن تكشف الكثير من مفاتن الجسد (خاص)

هذه الرؤية، ينفذها المصمم فؤاد سركيس بألوان متوهجة وواضحة، تكسر الصورة النمطية التي ارتبطت بألوان الخريف والشتاء. بالنسبة له، فإن الألوان الغنية تلعب دوراً محورياً في ضخ التصاميم بالديناميكية التي ينشدها. «فكل لون هنا يضفي قيمته على الزي، سواء تلوّن بالأخضر الزمردي أو الفوشيا النابض بالحياة أو الأحمر الناري أو الأزرق النيلي أو الأسود وغيرها من الألوان الطبيعية الأخرى».