الأناقة القادمة... فخامة مبطنة بالهدوء

الموضة تعود لصوابها وتتخفَف من أسلوب «الماكسيماليزم»

الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب  في تشكيلة «تودز» (خاص)
الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب في تشكيلة «تودز» (خاص)
TT

الأناقة القادمة... فخامة مبطنة بالهدوء

الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب  في تشكيلة «تودز» (خاص)
الأسلوب الإيطالي العصري كان الغالب في تشكيلة «تودز» (خاص)

إعلان دار «غوتشي» استغناءها عن مصممها أليساندرو ميكييلي كان إيذانا بنهاية «الماكسيماليزم» وكل ما هو صارخ بالألوان والنقشات المتضاربة. لسنوات نجح هذا الأسلوب في استقطاب شريحة معينة من الزبائن وتحقيق أرباح طائلة لمجموعة «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي»، إلا أنه أصاب السوق بالتُخمة في الأخير ما أدى إلى تراجع المبيعات لصالح بيوت أزياء أخرى تتبنى أسلوبا راقيا بلغة هادئة.

دار «بيربري» عادت إلى جذورها البريطانية لتكتب مرحلة جديدة في تاريخها (خاص)

الفخامة الهادئة... عنوان بدأ يُحدِد مسار الموضة منذ فترة، وحسب ما رأيناه في عروض الأزياء الأخيرة وكذلك أرقام مبيعات بيوت ارتبط اسمها بالكلاسيكية والترف، فإنه الأسلوب القادم. مجموعة «إيرمينغلدو زينيا» التي تخاطب رجلا أنيقا لا يحب استعراض نفسه أو جاهه سجلت أرباحا تفوق الـ1.5 مليار يور في نهاية العام الماضي. ومن بين ما أكدته المجموعة التي تملك، إلى جانب «زينيا»، ثوم براون واستحوذت مؤخرا على «توم فورد» أن قسم التفصيل الراقي، الذي يعتمد على جودة الأقمشة والألوان الحيادية، انتعش بصورة كبيرة في عام 2022 رغم عدم استقرار السوق الصينية. وتُشير المجموعة إلى أن هذا الانتعاش متزايد حيث يتوقع أن يتجاوز الملياري يورو بحلول 2025.

في عرض «إيترو» تنوعت القطع وبقيت بعيدة عن الصرعات (خاص)

رغم أن بيوت أزياء كبيرة لا تزال تعتمد على «اللوغو» لأنها تلمس شريحة معينة من الزبائن المتعطشين للانخراط في نادي الأناقة العالمية، فإن هذا لا يشمل الطبقات الراقية التي تنأى بنفسها عن كل ما يشي بأن ما تلبسه غالٍ أو يخضع لإملاءات الموضة الموسمية. الفخامة بالنسبة لهذه الشريحة تكمن في كل التفاصيل. في التبطين والخامات وطرق نسج الخيوط وغيرها. لهذا هي مستعدة لدفع أكثر من 1000 دولار لقاء كنزة من الكشمير أو2000 دولار لقاء قميص مبتكر، ناهيك عن بدلة رسمية أو شبابية مهما كلَفت.

«فندي» اعتمدت هذا الموسم ألواناً هادئة وقصات مبتكرة (خاص)

هذه الحركة التي تنضوي تحت عنوان الفخامة الهادئة، بدأت تتسلل إلى ساحة الموضة منذ سنوات. جاءت كرد فعل على أسلوب ثقافة الشارع السبور الذي ساد واستقوى خلال جائحة كوفيد وانتشر. وربما يمكن القول بأن بادرة التغيير الفعلي توضَحت إثر إعلان دار «غوتشي» استغناءها عن مصممها أليساندرو ميكييلي. فهذا الأخير رفع شعار «الماكسيماليزم» وكل ما هو صارخ وضاج بالألوان والنقشات المتضاربة لسنوات، واستقطب شريحة مهمة من الشباب محققا بذلك أرباحا طائلة لمجموعة «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي» و«سان لوران» و«سيلين» وغيرها. لكنه لم يعد مناسبا للوقت الحالي، بعد أن تبيَن أن بيوت الأزياء التي كانت تتبنى أسلوبا راقيا بلغة هادئة هي التي تخطف القلوب وتصل إلى الجيوب. الدليل أن إيرادات بيوت مثل «بوتيغا فينيتا» و«سان لوران» ارتفعت وإيرادات «غوتشي» تراجعت في عهد أليساندرو. ولأن هذا الأخير ظل متمسِكا بنظرته الفنية ولم يقبل التخفيف من مبالغاتها، كان الفراق هو الحل الوحيد.

السهل الممتنع كما طرحته «لورو بيانا» لربيع وصيف 2023 (خاص)

وسواء كانت أسباب انتعاش هذه الموجة أنها جاءت كرد فعل على أسلوب الماكسيماليزم أو ابتعادا عن موجة «اللوغوهات» التي تغطي الـ«تي - شيرتات» وغيرها، فإن الجميل فيها أنها تتماشى مع مفهوم الاستدامة السائد حاليا. فعُمر قطع تجذب الأنظار ببريقها وبهرجتها قصير، ينتهي بعد موسم واحد، أو بعد استعمالها لمرة واحدة أو اثنتين على الأكثر مقارنة بعُمر قطعة أنيقة وفخمة قد تكون أغلى لكن ثمنها فيها، حيث يمكن استعمالها لعدة مرات ولسنوات. في تصريح لهيذر كامينيتسكي، رئيسة موقع «مايتريزا» في أميركا، فإنها موجة تعكس الوضع الاقتصادي الحالي «فهناك أوقات يكون فيها كل شيء مقبولا وسهلا، لكن اضطراب الوضع الحالي لا يُشجع على ذلك، بقدر ما يُشجع على تبني موضة مضمونة تخفي بين طياتها معاني الترف من دون استعراض أو ابتذال».
اللافت أيضا أن هذا التوجه لا يقتصر على بيوت أزياء عالمية مثل «برونيللو كوتشينيللي» و«لورو بيانا» و«زينيا» و«ذي رو»، بل طال علامات تجارية شعبية مثل «بنانا ريبابليك». هذه الأخيرة مثلا طرحت مؤخرا منتجات من الجلد والكتان والكشمير بألوان حيادية، وتصاميم كلاسيكية تناسب كل زمان ومكان. وكانت النتيجة في صالحها، حيث حصدت ما زرعته أرباحا لا يستهان بها بعد سنوات عجاف.

منذ أكثر من شهرين تقريبا اختُتمت دورة الموضة العالمية لخريف 2023 وشتاء 2024. دورة بدأت في نيويورك وانتهت في باريس بعد أن مرّت على لندن وميلانو. وإذا كان هناك بُد من إعطاء الدورة عنوانا، فسيكون «ترويض الشطحات الجامحة». غابت الألوان والنقشات المتضاربة وحل محلها هدوء تطبعه أناقة راقية مُفصَله بشكل يتجنب كل ما يؤثر على المبيعات، بما في ذلك الجدل. فزمن حرية الإبداع والتعبير الفني من دون قيد أو شرط ولّى بسبب تنامي حركات شبابية جديدة ترفع شعارات طنانة ضد التمييز والظلم بكل أشكاله. حل محلها حذر أثَر على عملية الإبداع وقنّنها. والدليل أن بيوت أزياء حققت الكثير بخضِها المتعارف عليه في السابق، ارتأت هذا العام أن تسلك طريقا مضمونا، تجسَد في الابتعاد عن الصرعات وتبني كل ما هو كلاسيكي ومعاصر. لحسن الحظ، أن هذا الحذر كان في صالح المستهلك والموضة على حد سواء. ما تستشفه طوال أسابيع الموضة الأربعة أن المستهلك لم يعد ينبهر بالتقليعات. يمكن القول أيضا بأنه ملّ من الفرقعات التي كان الغرض الأول منها أن يتم تداولها على شبكات السوشيال ميديا من أجل الحصول على تغطيات مجانية. حتى استعمال مصممي دار «كوبرني» سيباستيان ماير وأرنو فايون هذا الموسم التكنولوجيا بشكل مثير لم يُحقق التأثير المطلوب على عكس محاولاتهما السابقة.
صحيح أن الجانب الترفيهي جزء مهم من أي عرض أزياء، إلا أنه لم يعد يلعب دور البطولة على حساب الأزياء. فزبون اليوم يحن إلى ماضٍ كان فيه عالم الموضة يستلهم من الفن ويقدم تحفا تحاكيه من دون أي تعقيدات. من جهتهم، انتبه صُنَاع الموضة إلى أن جيل زي، قد يحرك مبيعات الصرعات، وربما يتمتع ببلاغة في التعبير عن رغباته وقضاياه، لكن في أرض الواقع، فإن القوة الشرائية الحقيقية ليست بيده وحده، بل بيد جيل الأمهات والجدات. فهن من يتمتعن بثروات لا بأس بها، وهن من يعملن في مناصب متنوعة يحتجن فيها لتغيير أزيائهن وإكسسواراتهن بما يتماشى مع المكان والمناسبات. على الأقل هذا ما قرأناه في كل العواصم العالمية الأربع مؤخرا.
الأجواء في العواصم العالمية:
في نيويورك كانت متفائلة نوعا ما، وفي لندن شابها نوع من الإحباط من الحالة الاقتصادية المزرية مع تمرُد هنا وهناك ذكرنا حينا بالراحلة فيفيان ويستوود التي جعلت قضايا اجتماعية وسياسية ومناخبة قضيتها، وحينا بنوستالجيا إلى الماضي جسدتها محاولات جادة للعودة إلى الجذور. دار «بيربري» كانت مثالا على هذا حيث بدأ المصمم دانييل لي مرحلة جديدة فيها. رموز قديمة غيَبها المصمم الإيطالي السابق ريكاردو تيشي برزت للواجهة مرة أخرى في أول عرض له للدار وسط ترحيب وتهليل الجميع.
في ميلانو كانت الأجواء هادئة وراقية. حتى تنوعها الذي خاطب كل الأذواق كان لذيذا يتراوح بين الوقار والإثارة. لم يعط الانطباع بأنه خضع لإلحاح المُسوقين أو أذعان لـ«ما يطلبه المستهلك».
أسبوع باريس لم يختلف عن سابقيه. هو أيضا توخى الحيطة والحسابات الدقيقة. صور عارضات «ميوميو» مثلا ورغم غرابتها تؤكد شيئا واحدا وهو أن الغرابة لم تطل الأزياء أو الإكسسوارات واقتصرت على الماكياج والشعر المنكوش. المصمم أوليفييه روستينغ الذي يعشق الإثارة ويدين بنجاحه للنجمات، اقتصر عرضه هذه المرة على قلة وفي مكان أصغر من المعتاد. تبريره أنه أراد العودة إلى ما أسسه بيير بالمان، إلا أنه كان بمثابة تمرد ضمني على السوشيال ميديا التي يتقنها جيدا واستعملها بحرفية عالية لحد الآن. في النهاية لا يصح إلا الصحيح حسب تصريحه «فلا بد من العودة إلى الجودة... لكي تفهم المستقبل عليك أن تفهم الماضي لهذا فإن هذه التشكيلة هي احتفاء بالدار التي أعمل فيها».
«الكسندر ماكوين» و«سان لوران» و«ديور» وغيرهم قدموا دروسا قيمة في التفصيل الرجالي وتأنيثه ليدخل خزانة المرأة بسهولة. هذا اللعب على الذكوري والأنثوي كان سمة مشتركة بين عدة بيوت. تجلت في التايورات المفصلة ذات الأكتاف الصارمة، والبنطلونات الواسعة كما في استعمال ربطة العنق التي استعملت بسخاء شديد لم نر له مثيلا من قبل. «فالنتينو» مثلا أطلق على تشكيلته عنوان «بلاك تاي»، وكان هذا الإكسسوار البطل فيها بلا منازع. ظهرت حينا بشكلها التقليدي وحينا آخر كانت بمثابة المشبك الذي يربط منطقة الصدر في فستان من دون رقبة أو أكتاف.


مقالات ذات صلة

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

لمسات الموضة المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولاً مع تاريخها في صناعة التراث وثانياً مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء.

جميلة حلفيشي (القاهرة)
لمسات الموضة المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي) play-circle 02:28

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

دخول عزة فهمي عالم السينما ينسجم أولاً مع تاريخها في صناعة التراث وثانياً مع حركة عالمية لم تعد تكتفي برعاية المهرجانات أو الظهور على السجادة الحمراء.

جميلة حلفيشي (القاهرة)
لمسات الموضة «مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)

حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

في تسعينات القرن الماضي، بلغت حقيبة اليد أوجها. حققت لمصمميها النجاح التجاري والشهرة. هذا الوهج هو ما تأمل بيوت أزياء كثيرة في استعادته

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
TT

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرة للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

قد تظن أنك تعرف كل شيء عن أم كلثوم. ولِمَ لا؟ فقد كبرنا على أغانيها وتشبعنا بالحديث عنها وبسيرها الذاتية. لكن «فيلم «الست» يفاجئنا؛ لأنه يأخذنا إلى منطقة لم تتطرق إليها السيرة من قبل. منطقة تتناول حياة امرأة تعيش بين المجد والوحدة. محاطة طوال الوقت برجال، شعراء وموسيقيين، لكنها بذكاء الأنثى، وبعد تجربة فارقة في بدايتها، ظهرت فيها منى زكي بطلة الفيلم مع الممثلة أمينة خليل في لقطة سريعة، تعلمت أن المظهر جزء من النجاح. في قلب هذه الرحلة تشارك عزة فهمي بمجوهرات تُجسّد بشكل أو بآخر طبقات نفسية وزمنية عاشتها الأسطورة.

منى زكي ولقطة من دورها في «الست» أثارت جدلاً كبيراً (المقطع الترويجي للفيلم)

لم يكن «الست» مجرد فيلم عن أم كلثوم، بل نافذة واسعة أعاد فيها المخرج مروان حامد كشف جانب إنساني كان مخفياً وراء الصورة الأيقونية المهيبة. ومن بين كل العناصر التي أشركها في صناعة هذه الحكاية، تألقت مجوهرات عزة فهمي لغةً سرديةً موازية، تضيء لحظات ومواقف، وتُعزز ملامح الشخصية كما تستحضر زمناً جميلاً بكل وهجه وعنفوانه. تخرج بعد مشاهدة الفيلم وصورة لا تفارقك لكوكب الشرق، أعمق وأكثر إنسانية. فالفيلم لم يركز على الأسطورة. فهذه تم استنزافها وأصبح الكل يحفظها عن ظهر قلب، بل كشف لنا عن جانب إنساني تجسّده وحدتها النفسية رغم كل النجاحات وحب الملايين.

منى زكي في افتتاح فيلم «الست» بالقاهرة (عزة فهمي)

إشادات بعد انتقادات

غني عن القول أن فيلم «الست» أثار موجة واسعة من الجدل قبل عرضه، وصلت حدّ التنمر على بطلته منى زكي. والسبب لا يتعدى حكماً مسبقاً على إعلان ترويجي قصير.

ثم عُرض الفيلم في الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ونال استحساناً كبيراً من قِبل النقاد والجمهور على حد سواء، ثم عُرض في القاهرة فتبدّل المزاج العام، وانهالت الإشادات. فالإخراج محكم، كذلك الموسيقى وباقي المؤثرات السينمائية، بما فيها الماكياج والأزياء والمجوهرات التي شكَلت لغة بصرية آسرة.

أما منى زكي، فتألَقت على مدى ساعتين ونصف الساعة تقريباً، وهي تؤدي مشاهد عدة من دون أن تنبس بكلمة، مكتفية بعيونها للتعبير عما بداخلها، بينما نجحت الأزياء والمجوهرات التي ظهرت بها، في رسم انتقالها من فتاة قروية، بسيطة ومحافِظة إلى امرأة واثقة تكتسح الساحة المصرية ثم العالم. خلعت ملابس القروية البسيطة وارتدت أزياء من دور فرنسية مثل «ديور» و«شانيل»، ومجوهرات من «كارتييه» و«فان كليف أند آربلز» وغيرهم. أو هذا ما يبدو للوهلة الأولى.

المخرج مروان حامد وعزة فهمي يتوسطان أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

لم تفت المخرج مروان حامد أهمية الأزياء والمجوهرات، فكبار المخرجين العالميين يوظفونها في أدوار مهمة منذ عقود طويلة. يكفي استحضار أفلام مثل «إفطار في تيفاني»، حيث تحوّلت مجوهرات «تيفاني آند كو» جزءاً من ذاكرة السينما، أو «الرجال يفضلون الشقراوات»، حيث ارتبطت مارلين مونرو بالألماس من هاري وينستون ارتباطاً أيقونياً. لكن خصوصية «الست» أنه أعاد هذا التقليد إلى القاهرة، وجعله جزءاً من سردية محلية، متجذرة في الثقافة، لا مستوردة من هوليوود. مروان حامد هو الآخر استعملها هنا عنصراً سردياً درامياً لا مجرد إكسسوارات زينة. يزداد بريقها مع تصاعد الأحداث ويخفت وهجها عند الانكسار وجرح القلب، ويتوهّج ويتراقص في لحظات المجد والتألق.

سِوار من مجموعة «سومة» التي استوحتها المصممة من أم كلثوم منذ سنوات ولا تزال تلقى نجاحاً (عزة فهمي)

خيار حامد على عزة فهمي لكي تشاركه هذه التحفة الفنية لم يكن من باب الصدفة أو من باب المجاملة والمحاباة. كان خياره محسوباً؛ كونه يعرف أنها جزء من التراث الثقافي المصري الأصيل، فضلاً عن علاقة فنية متينة تربط الفنانة عزة فهمي نفسها بأم كلثوم؛ إذ استلهمت من أغانيها الشهيرة الكثير مما جسدته في خواتم وعقود وأساور وبروشات، مثل «أنت عمري» و«من أجل عينيك عشقت الهوى» وغيرهما من الأشعار. في عام 2014، طرحت مجموعة كاملة بعنوان «سومة» كرَّست فيها عزة حبها وإعجابها بإرث كوكب الشرق بشكل واضح.

عزة فهمي والسينما

إلى جانب كل هذا، فإن عزة فهمي نفسها، تحمل قصة كفاح تشبه قصص النساء اللواتي يتمردن على القوالب التقليدية لبناء أنفسهن، فضلاً عن أن تجاربها في السينما ليست جديدة. تعاونت سابقاً مع الراحل يوسف شاهين في فيلميه «المهاجر» و«المصير»، مقدمة مجوهرات تعكس طبيعة حقبتين مختلفتين وشخصياتهما. عملت أيضاً مع المخرج علي بدرخان في فيلم «شفيقة ومتولي»، حيث قدمت لسعاد حسني حلياً تميزت بالطابعين الغجري والفلاحي.

لهذا؛ جاءت مشاركتها في فيلم «الست» امتداداً لمسيرتها في صون التراث من جهة، ولحركة عالمية باتت فيها العلامات الفاخرة تستعمل الصورة وسيلةً لاكتساب مصداقية أكبر بصفتها رموزاً ثقافية.

عزة فهمي الأم مع بنتيها أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

فاطمة غالي، ابنة عزة فهمي الكبرى والرئيس التنفيذي للشركة، تكشف عن أن المشاركة في الفيلم جاءت بشكل عضوي، حين عرض عليها مروان حامد، صديق الطفولة ورفيق المدرسة، التفكير في المشروع. تقول: «لم أتردد لأني معجبة برؤيته الفنية، وكنت على ثقة بأنه سيُوظف هذه القطع بشكل يليق بها». وهذا ما تحقق فعلاً.

لكن الجزء الأكبر من العمل وقع على عاتق أمينة غالي، الابنة الصغرى ورئيسة قسم التصميم. هي من حملت على كتفيها مهمة ترجمة سيرة شبه ملحمية إلى لغة فنية. تستعيد أمينة التجربة وتقول إنها بقدر ما كانت ممتعة وملهمة لم تكن سهلة. لكنها ولحسن الحظ نجحت في الإمساك بروح أم كلثوم وكل حقبة عاشت فيها، من خلال تصميمات حملت تطورات اجتماعية وثقافية، وأحياناً نفسية.

حفلاتها الشهرية كانت حدثاً كبيراً (مشروع القاهرة عنواني)

التحدي والنجاح

تروي أمينة أن التجربة استغرقت عامين من البحث والعمل: «لم يكن مطروحاً بالنسبة لنا تقديم قطعة أنيقة فحسب. كان علينا درس كل حقبة وكل شخصية حسب مكانتها الاجتماعية وتطورها». فالفيلم يتتبع رحلة أم كلثوم من البدايات في كفر السنبلاوين إلى ذروة المجد، وكان لا بد من هوية بصرية تُجسد عصراً وثقافة وهالة. تستشهد أمينة بلقطة قصيرة ومتسارعة في بداية الفيلم تظهر فيها عائلة أم كلثوم في القطار وهم متجهون إلى القاهرة لأول مرة. يجلسون في الدرجة الثالثة، لكن يقررون النزول من باب الدرجة الأولى «بين الدرجة والدرجة تمر الكاميرا على وجوه نساء يضعن حلياً صغيرة وأبسط مما قد يُرى على الشاشة عادة، تتغير الصورة في الدرجتين الثانية والأولى». تشرح أمينة: «هذه اللقطة وحدها أخذت وقتاً طويلاً لنتأكد أن كل قطعة، مهما صغرت، تنطبق على الشخصية والطبقة التي تنتمي إليها».

تصاميم راعت فيها أمينة غالي محاكاة مجوهرات ظهرت بها أم كلثوم سابقاً بلغة عصرية (عزة فهمي)

مع تقدم الفيلم، تظهر المجوهرات وكأنها لغة قائمة بذاتها. الأقراط تتراقص وتتمايل مع طبقات الصوت، والعقود المرصعة بالأحجار الكريمة تتحدّث لغة القوة أو تروي وجعاً دفيناً، بينما تلمع أخرى مستلهمة من «الآرت ديكو» إيذاناً بولادة الأسطورة. كل تفصيلة كانت محسوبة. قارنت أمينة بين صور أرشيفية ومقتنيات من متاحف وصور حفلات الست وتسجيلات نادرة، محاولة فهم زمن لم تعشه، لكنه يسكن وجدانها من خلال أغانٍ عابرة للأجيال.

كانت المجوهرات مؤشراً على فترة زمنية أو حالة نفسية (عزة فهمي + وزارة الثقافة المصرية)

ما يُحسب لها أنها لم تستهدف استنساخ الأصل، سواء كان من «فان كليف أند آربلز» أو «كارتييه» أو «شوميه»، بل تقديم صياغة تحاكيه بأسلوب معاصر يعكس إرث عزة فهمي ولا يُشعِر المشاهد بالغربة التاريخية.

الهدف كان واضحاً ومتفقاً عليه منذ عام 2023، عندما بدأ الحديث عن الفيلم، أن تكون المجوهرات جزءاً من الحبكة وليس فقط للإبهار والزينة.

كانت أم كلثوم كأي امرأة تهتم بأدق تفاصيل أناقتها (عزة فهمي)

أم كلثوم وكوكو شانيل

فأم كلثوم، كما يكشف لنا حسن عبد الموجود في كتابه «أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة»، كانت امرأة وإنسانة قبل أن تكون أيقونة، وهذا يعني أنها كانت تهتم بأناقتها اهتماماً بالغاً. يروي الكاتب حكاية لقاء جرى بينها وبين كوكو شانيل في باريس، حيث كان الإعجاب بين أم كلثوم و كوكو شانيل متبادلاً، حسب ما جاء في الكتاب. استمعت شانيل لأم كلثوم باهتمام شديد، وعرفت أنها تفضل التصاميم المحتشمة والطويلة والأقمشة المرنة التي تتيح لها الحركة على المسرح، وكذلك ألوانها المفضلة من الزهري والأحمر والأبيض والأخضر بكل تدرجاتها.

كانت أم كلثوم تميل لألوان الزهري والأحمر والأخضر بكل تدرجاتها (الشرق الأوسط)

أخذت مقاساتها وأوكلت لمشغلها تفصيل مجموعة على المقاس، ترسلها لها بعد شهر. بيد أن الست لم تعد خالية اليدين، فقد أخذتها كوكو شانيل في جولة في المحل اختارت منه ما يروق لها من فساتين جاهزة ومعاطف بتصاميم بسيطة وعطور ومستحضرات تجميل.

تخرج من الفيلم وأنت مشبع بصرياً بالجمال، سواء من حيث المجوهرات أو الصوت والموسيقى وباقي المؤثرات، وفي الوقت ذاته بشعور غامر بأنك تحتاج إلى مشاهدته مرة ثانية لتستوعب كل الأحداث والمشاهد.


كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

TT

كيف صنعت مجوهرات عزة فهمي لغة فيلم أم كلثوم «الست»

المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)
المجوهرات كانت ضمن الحبكة السردية والبصرية للفيلم ونجحت أمينة غالي في تحقيق رؤية مروان حامد (عزة فهمي)

قد تظن أنك تعرف كل شيء عن أم كلثوم. ولِمَ لا؟ فقد كبرنا على أغانيها وتشبعنا بالحديث عنها وبسيرها الذاتية. لكن «فيلم «الست» يفاجئنا؛ لأنه يأخذنا إلى منطقة لم تتطرق إليها السيرة من قبل. منطقة تتناول حياة امرأة تعيش بين المجد والوحدة. محاطة طوال الوقت برجال، شعراء وموسيقيين، لكنها بذكاء الأنثى، وبعد تجربة فارقة في بدايتها، ظهرت فيها منى زكي بطلة الفيلم مع الممثلة أمينة خليل في لقطة سريعة، تعلمت أن المظهر جزء من النجاح. في قلب هذه الرحلة تشارك عزة فهمي بمجوهرات تُجسّد بشكل أو بآخر طبقات نفسية وزمنية عاشتها الأسطورة.

منى زكي ولقطة من دورها في «الست» أثارت جدلاً كبيراً (المقطع الترويجي للفيلم)

لم يكن «الست» مجرد فيلم عن أم كلثوم، بل نافذة واسعة أعاد فيها المخرج مروان حامد كشف جانب إنساني كان مخفياً وراء الصورة الأيقونية المهيبة. ومن بين كل العناصر التي أشركها في صناعة هذه الحكاية، تألقت مجوهرات عزة فهمي لغةً سرديةً موازية، تضيء لحظات ومواقف، وتُعزز ملامح الشخصية كما تستحضر زمناً جميلاً بكل وهجه وعنفوانه. تخرج بعد مشاهدة الفيلم وصورة لا تفارقك لكوكب الشرق، أعمق وأكثر إنسانية. فالفيلم لم يركز على الأسطورة. فهذه تم استنزافها وأصبح الكل يحفظها عن ظهر قلب، بل كشف لنا عن جانب إنساني تجسّده وحدتها النفسية رغم كل النجاحات وحب الملايين.

منى زكي في افتتاح فيلم «الست» بالقاهرة (عزة فهمي)

إشادات بعد انتقادات

غني عن القول أن فيلم «الست» أثار موجة واسعة من الجدل قبل عرضه، وصلت حدّ التنمر على بطلته منى زكي. والسبب لا يتعدى حكماً مسبقاً على إعلان ترويجي قصير.

ثم عُرض الفيلم في الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ونال استحساناً كبيراً من قِبل النقاد والجمهور على حد سواء، ثم عُرض في القاهرة فتبدّل المزاج العام، وانهالت الإشادات. فالإخراج محكم، كذلك الموسيقى وباقي المؤثرات السينمائية، بما فيها الماكياج والأزياء والمجوهرات التي شكَلت لغة بصرية آسرة.

أما منى زكي، فتألَقت على مدى ساعتين ونصف الساعة تقريباً، وهي تؤدي مشاهد عدة من دون أن تنبس بكلمة، مكتفية بعيونها للتعبير عما بداخلها، بينما نجحت الأزياء والمجوهرات التي ظهرت بها، في رسم انتقالها من فتاة قروية، بسيطة ومحافِظة إلى امرأة واثقة تكتسح الساحة المصرية ثم العالم. خلعت ملابس القروية البسيطة وارتدت أزياء من دور فرنسية مثل «ديور» و«شانيل»، ومجوهرات من «كارتييه» و«فان كليف أند آربلز» وغيرهم. أو هذا ما يبدو للوهلة الأولى.

المخرج مروان حامد وعزة فهمي يتوسطان أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

لم تفت المخرج مروان حامد أهمية الأزياء والمجوهرات، فكبار المخرجين العالميين يوظفونها في أدوار مهمة منذ عقود طويلة. يكفي استحضار أفلام مثل «إفطار في تيفاني»، حيث تحوّلت مجوهرات «تيفاني آند كو» جزءاً من ذاكرة السينما، أو «الرجال يفضلون الشقراوات»، حيث ارتبطت مارلين مونرو بالألماس من هاري وينستون ارتباطاً أيقونياً. لكن خصوصية «الست» أنه أعاد هذا التقليد إلى القاهرة، وجعله جزءاً من سردية محلية، متجذرة في الثقافة، لا مستوردة من هوليوود. مروان حامد هو الآخر استعملها هنا عنصراً سردياً درامياً لا مجرد إكسسوارات زينة. يزداد بريقها مع تصاعد الأحداث ويخفت وهجها عند الانكسار وجرح القلب، ويتوهّج ويتراقص في لحظات المجد والتألق.

سِوار من مجموعة «سومة» التي استوحتها المصممة من أم كلثوم منذ سنوات ولا تزال تلقى نجاحاً (عزة فهمي)

خيار حامد على عزة فهمي لكي تشاركه هذه التحفة الفنية لم يكن من باب الصدفة أو من باب المجاملة والمحاباة. كان خياره محسوباً؛ كونه يعرف أنها جزء من التراث الثقافي المصري الأصيل، فضلاً عن علاقة فنية متينة تربط الفنانة عزة فهمي نفسها بأم كلثوم؛ إذ استلهمت من أغانيها الشهيرة الكثير مما جسدته في خواتم وعقود وأساور وبروشات، مثل «أنت عمري» و«من أجل عينيك عشقت الهوى» وغيرهما من الأشعار. في عام 2014، طرحت مجموعة كاملة بعنوان «سومة» كرَّست فيها عزة حبها وإعجابها بإرث كوكب الشرق بشكل واضح.

عزة فهمي والسينما

إلى جانب كل هذا، فإن عزة فهمي نفسها، تحمل قصة كفاح تشبه قصص النساء اللواتي يتمردن على القوالب التقليدية لبناء أنفسهن، فضلاً عن أن تجاربها في السينما ليست جديدة. تعاونت سابقاً مع الراحل يوسف شاهين في فيلميه «المهاجر» و«المصير»، مقدمة مجوهرات تعكس طبيعة حقبتين مختلفتين وشخصياتهما. عملت أيضاً مع المخرج علي بدرخان في فيلم «شفيقة ومتولي»، حيث قدمت لسعاد حسني حلياً تميزت بالطابعين الغجري والفلاحي.

لهذا؛ جاءت مشاركتها في فيلم «الست» امتداداً لمسيرتها في صون التراث من جهة، ولحركة عالمية باتت فيها العلامات الفاخرة تستعمل الصورة وسيلةً لاكتساب مصداقية أكبر بصفتها رموزاً ثقافية.

عزة فهمي الأم مع بنتيها أمينة وفاطمة غالي (عزة فهمي)

فاطمة غالي، ابنة عزة فهمي الكبرى والرئيس التنفيذي للشركة، تكشف عن أن المشاركة في الفيلم جاءت بشكل عضوي، حين عرض عليها مروان حامد، صديق الطفولة ورفيق المدرسة، التفكير في المشروع. تقول: «لم أتردد لأني معجبة برؤيته الفنية، وكنت على ثقة بأنه سيُوظف هذه القطع بشكل يليق بها». وهذا ما تحقق فعلاً.

لكن الجزء الأكبر من العمل وقع على عاتق أمينة غالي، الابنة الصغرى ورئيسة قسم التصميم. هي من حملت على كتفيها مهمة ترجمة سيرة شبه ملحمية إلى لغة فنية. تستعيد أمينة التجربة وتقول إنها بقدر ما كانت ممتعة وملهمة لم تكن سهلة. لكنها ولحسن الحظ نجحت في الإمساك بروح أم كلثوم وكل حقبة عاشت فيها، من خلال تصميمات حملت تطورات اجتماعية وثقافية، وأحياناً نفسية.

حفلاتها الشهرية كانت حدثاً كبيراً (مشروع القاهرة عنواني)

التحدي والنجاح

تروي أمينة أن التجربة استغرقت عامين من البحث والعمل: «لم يكن مطروحاً بالنسبة لنا تقديم قطعة أنيقة فحسب. كان علينا درس كل حقبة وكل شخصية حسب مكانتها الاجتماعية وتطورها». فالفيلم يتتبع رحلة أم كلثوم من البدايات في كفر السنبلاوين إلى ذروة المجد، وكان لا بد من هوية بصرية تُجسد عصراً وثقافة وهالة. تستشهد أمينة بلقطة قصيرة ومتسارعة في بداية الفيلم تظهر فيها عائلة أم كلثوم في القطار وهم متجهون إلى القاهرة لأول مرة. يجلسون في الدرجة الثالثة، لكن يقررون النزول من باب الدرجة الأولى «بين الدرجة والدرجة تمر الكاميرا على وجوه نساء يضعن حلياً صغيرة وأبسط مما قد يُرى على الشاشة عادة، تتغير الصورة في الدرجتين الثانية والأولى». تشرح أمينة: «هذه اللقطة وحدها أخذت وقتاً طويلاً لنتأكد أن كل قطعة، مهما صغرت، تنطبق على الشخصية والطبقة التي تنتمي إليها».

تصاميم راعت فيها أمينة غالي محاكاة مجوهرات ظهرت بها أم كلثوم سابقاً بلغة عصرية (عزة فهمي)

مع تقدم الفيلم، تظهر المجوهرات وكأنها لغة قائمة بذاتها. الأقراط تتراقص وتتمايل مع طبقات الصوت، والعقود المرصعة بالأحجار الكريمة تتحدّث لغة القوة أو تروي وجعاً دفيناً، بينما تلمع أخرى مستلهمة من «الآرت ديكو» إيذاناً بولادة الأسطورة. كل تفصيلة كانت محسوبة. قارنت أمينة بين صور أرشيفية ومقتنيات من متاحف وصور حفلات الست وتسجيلات نادرة، محاولة فهم زمن لم تعشه، لكنه يسكن وجدانها من خلال أغانٍ عابرة للأجيال.

كانت المجوهرات مؤشراً على فترة زمنية أو حالة نفسية (عزة فهمي + وزارة الثقافة المصرية)

ما يُحسب لها أنها لم تستهدف استنساخ الأصل، سواء كان من «فان كليف أند آربلز» أو «كارتييه» أو «شوميه»، بل تقديم صياغة تحاكيه بأسلوب معاصر يعكس إرث عزة فهمي ولا يُشعِر المشاهد بالغربة التاريخية.

الهدف كان واضحاً ومتفقاً عليه منذ عام 2023، عندما بدأ الحديث عن الفيلم، أن تكون المجوهرات جزءاً من الحبكة وليس فقط للإبهار والزينة.

كانت أم كلثوم كأي امرأة تهتم بأدق تفاصيل أناقتها (عزة فهمي)

أم كلثوم وكوكو شانيل

فأم كلثوم، كما يكشف لنا حسن عبد الموجود في كتابه «أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة»، كانت امرأة وإنسانة قبل أن تكون أيقونة، وهذا يعني أنها كانت تهتم بأناقتها اهتماماً بالغاً. يروي الكاتب حكاية لقاء جرى بينها وبين كوكو شانيل في باريس، حيث كان الإعجاب بين أم كلثوم و كوكو شانيل متبادلاً، حسب ما جاء في الكتاب. استمعت شانيل لأم كلثوم باهتمام شديد، وعرفت أنها تفضل التصاميم المحتشمة والطويلة والأقمشة المرنة التي تتيح لها الحركة على المسرح، وكذلك ألوانها المفضلة من الزهري والأحمر والأبيض والأخضر بكل تدرجاتها.

كانت أم كلثوم تميل لألوان الزهري والأحمر والأخضر بكل تدرجاتها (الشرق الأوسط)

أخذت مقاساتها وأوكلت لمشغلها تفصيل مجموعة على المقاس، ترسلها لها بعد شهر. بيد أن الست لم تعد خالية اليدين، فقد أخذتها كوكو شانيل في جولة في المحل اختارت منه ما يروق لها من فساتين جاهزة ومعاطف بتصاميم بسيطة وعطور ومستحضرات تجميل.

تخرج من الفيلم وأنت مشبع بصرياً بالجمال، سواء من حيث المجوهرات أو الصوت والموسيقى وباقي المؤثرات، وفي الوقت ذاته بشعور غامر بأنك تحتاج إلى مشاهدته مرة ثانية لتستوعب كل الأحداث والمشاهد.


حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)
«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)
TT

حقائب اليد لهذا الموسم... بين النوستالجيا والتجديد

«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)
«مي بولسا» حقائب تدمج الدفء الإسباني بالكلاسيكية البريطانية (مي بولسا)

إذا كان هناك شيء واحد يمكن أن يجدد إطلالتك، فهو حقيبة اليد. إكسسوار يُثبت منذ تسعينات القرن الماضي قدرته العجيبة على الارتقاء بأي إطلالة مهما كانت بسيطة. منذ ذلك الحين وهو استثمار لا يخيب، على شرط اختياره بمواصفات معينة، تبدأ بمصدر الخامات وطريقة دباغتها إلى التصميم المبتكر، مروراً بجودة الخامة نفسها. فقط عندما تتوافر فيها هذه العناصر، تحافظ على قيمتها وقدرتها على شد الانتباه في الوقت ذاته.

الليدي إليزا وتوأمها الليدي أميليا سبنسر وحقائب للمساء والسهرة من «أسبينال» (أسبينال)

علاقة تجارية أولاً

الجدير بالذكر أنها لم تكتسب روح الاستثمار في التسعينات. فهذه الحقبة كانت المساحة التي بنت عليها سمعتها بوصفها إكسسواراً مهماً. شكّلت بالنسبة لصناع الموضة فرصة ذهبية لإغراء المرأة بشراء في كل موسم بجديد، ومن ثم تحقيق الربح. وسرعان ما أصبحت الترموميتر الذي تقاس به قدرة المصممين وتحدِّد نجاحهم وبقاءهم. كل هذا جعل المنافسة على أشدها بين كبار بيوت الأزياء لابتكار «حقيبة الموسم». وهذا يعني زيادة الضغوطات على المصممين الذين تسابقوا على طرح أشكال وألوان كثيرة منها، حتى إذا خابت واحدة تصيب أخرى. وطبعاً ساهمت المرأة في نشر هذه الثقافة الاستهلاكية بشرائها حقيبة أو أكثر في كل موسم.

بطلة السباحة يسرى مارديني وحقيبة من دار «سالفاتوري فيراغامو» (فيراغامو)

الأمر يختلف حالياً؛ إذ أصيب الجيل الجديد بنوع من التخمة من كثرة التصاميم الموسمية. عقليته وسلوكياته الشرائية أيضاً تختلف عن الجيل السابق. لم تعد منتجات تفقد وهجها بعد أشهر أو سنة تثيره، كما بدأ يبتعد عن كل ما يحمل «لوغو» صارخاً. الأناقة الحقيقية بالنسبة للغالبية هي تلك التي تقوم على الاستدامة والجودة العالية والابتكار، وهذا يعني الاستثمار في حقيبة يمكن أن تبقى معه طويلاً. تصرخ بالرقي من دون صوت أو ضجيج، بفضل شكلها وخاماتها. هذا التوجه كان له تأثير السحر على علامات معينة مثل «لورو بيانا» و«ذي رو» للأختين ماري كايت وآشلي أولسن، وعلامة «أسبينال»، التي تربطها خيوط متينة بالعائلات الأرستقراطية.

في حملتها الأخيرة، استعانت العلامة الإنجليزية بالليدي إليزا وأختها الليدي أميليا سبنسر، ابنتَيْ إيرل تشارلز سبنسر، شقيق الأميرة الراحلة ديانا لتسويق مجموعتها الجديدة. فهما سفيرتان للدار منذ سنوات، وتُجسدان روحها الإنجليزية الراقية. بينما بقيت التصاميم كلاسيكية، تنوعت أحجامها وتلونت بألوان الأحجار الكريمة، وكأنها تقول إنها لا تقل قيمة عنها. تشير الدار إلى أن الأختين ستظهران في كل مناسبات الأعياد بحقائب من هذه المجموعة؛ لأنها وبكل بساطة «تليق بالأميرات والملكات»، وتتنوع في أشكال تغطي كل المناسبات.

الليدي أميليا سبنسر وحقيبة «توت» لمناسبات النهار وأماكن العمل (أسبينال)

العودة إلى القديم

المشكلة المطروحة أن التنافس بين بيوت الأزياء والأسماء الكبيرة على خطف القلوب والوصول إلى الجيوب، خلق تنوعاً يُصيب بالحيرة، لا سيما أن جرعة الابتكار تضاعفت بدليل التصاميم التي طرحتها كل من «جيورجيو أرماني» و«ديور» و«بوتيغا فينيتا» و«سكياباريللي» و«فيراغامو» و«فندي» وغيرها. بعضهم تبنى فكرة أن تكون التصاميم جديدة بكل معنى الكلمة مثل «جيورجيو أرماني»، بينما عاد بعضهم الآخر إلى كلاسيكيات قديمة نجحت في عصرها باعتبارها مضمونة. في الحالتين، تستشعر رغبة محمومة في جعل حقيبة اليد تستعيد نفس النجومية التي حظيت بها في التسعينات وبداية الألفية، حين كان مجرد ظهور واحدة على كتف نجمة أو يد أخرى يجعلها، بين ليلة وضحاها، ظاهرة، تنفد من الأسواق، وتضاف إلى قوائم الانتظار لأشهر طويلة.

لشتاء 2025 شهدت حقيبة Paddington تطوراً دقيقاً مع الحفاظ على جوهرها (كلوي)

لم يكن هذا النجاح محض صدفة أو نتيجة تسويق ذكي، بل كان نابعاً من جاذبية التصميم. أكبر مثال على هذا، حقيبة «بادينغتون» التي تميزت بقفل كبير وجلد ناعم وتفاصيل مستوحاة من عالم الفروسية. حققت لدار «كلوي» نجاحاً منقطع النظير عندما أصدرتها أول مرة في عام 2005، وحلقت بفيبي فيلو، مصممتها آنذاك إلى العالمية. عيبها الوحيد كان وزنها الثقيل، وهو ما صححته «كلوي» هذا الموسم. استعملت معادن أخف وزناً، وجلداً أكثر نعومة ومرونة، وأضافت فتحة بسحاب واحد زاد من عمليتها. كل هذا من دون أن تغير بأساسيات هيكلها... فهو مكمن قوتها.

ولأنه من الصعب جداً ابتكار أشكال جديدة تماماً، فإن العديد من بيوت الأزياء الكبيرة عادت إلى قديمها بترجمات تقتصر على التفاصيل مثل المقابض والمشابك والتطريزات إضافة إلى إدخال مواد جديدة أو تطوير الخامات.

من بين هذا الكم الهائل من الحقائب المطروحة هذا الموسم والمواسم المقبلة، اخترنا التالي:

«لايدي ديور»

«لايدي ديور» النسخة الجديدة مزخرفة بحرفية وكأن قطرات ماء صافية تتدلى منها (ديور)

في كل موسم، يُعاد ابتكار حقيبة «لايدي ديور» بأسلوب يعكس روح الدار وحرفيّتها. وفي مجموعة «ديور كروز» لعام 2026، عادت بحلّة مصغّرة مصنوعة من الجلد الأبيض الناصع، تزينها تفاصيل شفافة وكأنها قطرات ماء صافية تؤكد مهارة حرفيي الدار في تقطيع الجلد، وصياغة المقابض وتثبيت كل جزئية بعناية مدروسة، بما في ذلك الأحرف التي نقش بها اسم «ديور». فهو ليس «لوغو» بقدر ما هو زخرفة تضاف لجمال الحقيبة.

من «جيورجيو أرماني»

دار «جيوجيو أرماني» استعارت تفاصيل من الأزياء في حقائب مفعمة بالأناقة والفخامة (جيورجيو أرماني)

تبرز مجموعة بجلود فاخرة وتفاصيل أنثوية دقيقة، منها الأيقونتان «لابريما» و«لابريما سوفت» إلى جانب تصاميم جديدة، تتميز بآليات إغلاف فريدة مستوحاة من السترات التي برع فيها المصمم الراحل وأصبحت مرادفاً لقدرة الدار على الإبداع. أما حقيبة توت الجديدة فتستحضر أشكالاً أرشيفية تم تجديد الجزء العلوي منها لتصبح أخف وأقرب إلى التصميم المفكك، ما يمنحها عملية وأناقة. فهي تحتوي على كيس داخلي وحزام كتف قابل للتفكيك. وتأتي بجلد العجل المحبب أو السويد. تضم التشكيلة أيضاً حقائب «كلاتش» لتلك المناسبات الخاصة من جلد النابا أو السويد مع تطريزات أنيقة، وحقائب كتف من جلد العجل المحبب أو السويد بشكل شبه منحرف وحواف معدنية.

من «فندي»

طرحت «فندي» نسخاً جديدة من أيقوناتها الناجحة (فندي)

ركّزت دار «فندي» في مجموعتها لربيع وصيف 2026 على إكسسوارات تلعب على نقش Falena (الفراشة) بأسلوب تجريدي، بدءاً من حقائب Baguette التي جاءت مطرّزة بأجنحة الفراشة أو مرصّعة بالترتر، إلى حقائب Peekaboo المصنوعة من صوف الشيرلينغ المجزوز أو بالأنماط الزخرفية المحبوكة. تمتد طبعات الفراشة أيضاً على حقيبة FENDI Spy الناعمة. وحقيبة FENDI Verse الجديدة متعددة الاستخدامات مع أحزمة كتف قابلة للتعديل ومزيّنة بقطع معدنية تحمل شعار FF، فيما تأتي حقيبة Baguette أيضاً بتصميم clutch مع مشبك إغلاق يحمل شعار FF.

إيكارنو من «سان لوران»

حقيبة «إيكارنو» من «سان لوران» أصبحت حقيبة معتمدة من قبل النجمات (سان لوران)

نسخة مصغرة أيضاً طرحتها دار «سان لوران» لخريف وشتاء 2025من تصميمها الشهير «إيكارنو». إضافة إلى حجمها الذي يراعى الموجة السائدة حالياً في عالم الحقائب، يمزج تصميمها الأناقة بالعملية الوظيفية، ما يجعلها مناسبة لكل الأوقات. فحجمها رغم صغره عملي بامتياز بفضل سحاب الإغلاق ونعومة الجلد، تحافظ على رموز الدار وشخصية «إيكارنو» من ناحية جلد العجل الناعم، والخياطة المضلعة ذات الشكل الماسي المسطح، فضلاً عن الألوان المتنوعة ما بين الأسود والرمادي والأخضر والبني الباهت والبرتقالي المطفي وغيرها من الألوان. اختيارها بلون كلاسيكي محايد يجعلها استثماراً بعيد المدى.

«نيو لاغيج» من «سيلين»

حقيبة «نيو لاغيج» من سيلين ربما تكون الأكبر حجماً لتستوفي كل عناصر الأناقة والعملية (سيلين)

يبدو أن «سيلين» Celine أيضاً عادت إلى قديمها لتجدده. رسا الاختيار هذه المرة على حقيبة «نيو لاغيج» NEW LUGGAGE المستوحاة من حقيبة «فانثوم لاغيج» Phantom Luggage التي صممتها مديرتها الإبداعية السابقة، فيبي فيلو، وحققت نجاحاً كبيراً في 2010 بتفاصيل تستحضر حقيبة «ميسترال» التي صُممت أول مرة في عام 1969 على يد سيلين فيبيانا، مؤسسة الدار سيلين.

النسخة الجديدة تتميز بحجم أكبر، ومن جلد الحمل الناعم واللامع، فيما تم تحسين هيكل الحقيبة باستعمال خياطة عكسية مع حواف مخيطة وسحاب. تفاصيل تزيد من نعومتها وخفة وزنها وفي الوقت ذاته من عمليتها. فهي مطروحة بأحجام متنوعة وباستخدامات متعددة. حجمها الصغير يتيح حملها على الكتف أو باليد بعد إزالة الحزام. وبحجمها المتوسط يمكن أن تحمل باليد أو على المرفق، وبحجمها الصغير على الكتف أو بمقبض اليد.

«مي بولسا» Mi Bolsa

رغم خاماتها المترفة مثل جلود العجل الناعم والتماسيح تؤمن «مي بولسا» بأن جمال الحقيبة في بنيتها لا في سعرها (مي بولسا)

تعني بالإسبانية «حقيبتي». عمرها لا يتعدى بضع سنوات، ومع ذلك أكدت أن لها رؤية مبتكرة تجمع الأسلوب الإسباني المنطلق والكلاسيكية البريطانية. تأسست على يد ميكايلا وشقيقها أليكس، اللذين يجمعان خلفيات وتجارب متنوعة. فميكايلا مثلاً كانت تعمل في قطاع المال بلندن، وبعدها في تطوير المنتجعات في كوريا الجنوبية لكن شغفها بالحقائب جعلها تتخلى عن مسيرة مهنية مضمونة لتدخل عالم المنافسة من خلال حقائب حرصت على أن تعكس شخصيتها، وكل ما تعنيه كلمة الفخامة من معانٍ، لكن بأسعار متوسطة. فهي ترى أن الفخامة لا تقاس بالسعر بقدر ما تقاس بتلك العلاقة التي تربطها بصاحبتها. والنتيجة أن العلامة تقدم مجموعة واسعة من التصاميم، تخاطب كل الأوقات والأذواق. لكن يبقى الجلد الناعم والخفة قاسمين مشتركين في كل هذه التصاميم، سواء تلك التي تُحمل باليد أو على الكتف.