نداءات التهدئة المتلاحقة تصطدم باستمرار القتال في السودان

مطالبات أممية وإقليمية متجددة بـ«الوقف الفوري للمعارك»

قوات تابعة لـ«الدعم السريع» في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
قوات تابعة لـ«الدعم السريع» في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

نداءات التهدئة المتلاحقة تصطدم باستمرار القتال في السودان

قوات تابعة لـ«الدعم السريع» في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
قوات تابعة لـ«الدعم السريع» في أحد شوارع الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

اصطدمت الدعوات والنداءات الأممية والإقليمية المتلاحقة للتهدئة في السودان، بتواصل المعارك في ثالث أيام القتال بين «القوات المسلحة السودانية»، و«قوات الدعم السريع»، وفيما يستعد قادة 3 دول أفريقية للوصول إلى الخرطوم «في أقرب وقت» لمحاولة إقرار وقف القتال، شددت الأمم المتحدة وهيئات دولية وإقليمية مجدداً، على ضرورة «الوقف الفوري للأعمال العدائية، وإعادة إرساء الهدوء، والانخراط في حوار لحلّ الأزمة».
ويعتزم رؤساء 3 دول في شرق أفريقيا التوجه إلى السودان كوسطاء، في محاولة لوقف القتال بين المعسكرين المتنافسين في الجيش، وقالت الحكومة الكينية إن الرئيس ويليام روتو، ورئيس جنوب السودان سلفا كير، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، سيصلون إلى العاصمة السودانية الخرطوم «في أقرب وقت ممكن».
بدوره، دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش أمس، إلى «وقف فوري للأعمال العدائية، وإعادة إرساء الهدوء، والانخراط في حوار لحلّ الأزمة» بالسودان. وقال غوتيريش: «أدين بشدّة اندلاع المعارك الدائرة في السودان»، محذّراً من أنّ «أيّ تصعيد إضافي» للنزاع بين الجيش والقوات شبه العسكرية «قد يكون مدمّراً للبلاد والمنطقة».
وكذلك جدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، حسين إبراهيم طه، دعوته للوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، وذلك بعد أن دعا في بيان سابق، قيادة القوات المسلحة والدعم السريع إلى وقف الاقتتال واللجوء إلى الحوار والتفاوض. وأعرب إبراهيم، في بيان عن «عميق انشغاله إزاء تواصل الاقتتال وأعمال العنف، التي أدت إلى سقوط كثير من الضحايا والمصابين»، منبهاً إلى أن «تصعيد الاقتتال سيخلف آثاراً وخيمة على المدنيين، وعلى الوضع الإنساني في السودان، خصوصاً أن المعارك تُخاض داخل المدن السودانية». وأكد دعم منظمة التعاون الإسلامي للجهود الدولية الرامية إلى عقد هدنة بهدف إيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل إخلاء الجرحى والعالقين من المناطق القريبة للاشتباكات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. وشدد على ضرورة «العودة للمسار السلمي والتفاوض من أجل تجاوز الأزمة الخطيرة التي تهدد أمن وسلامة ووحدة السودان».
وفي بيان ثنائي، دعت بريطانيا والولايات المتحدة إلى «وقف فوري للقتال في السودان، والعودة إلى المفاوضات بشأن دور مدني». وحث البلدان أطراف الصراع في السودان على العودة إلى طاولة المفاوضات، ودعا وزيرا الخارجية؛ الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني جيمس كليفرلي، في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع، في كارويزاوا باليابان، «جنرالات السودان إلى وقف القتال». وقال الوزيران إنهما يتشاوران عن كثب بشأن القضية، بينما قال بلينكن إن «شعب السودان يريد عودة الجيش إلى الثكنات، ويريد الديمقراطية وحكومة يقودها مدنيون، ويجب أن يعود السودان إلى ذلك المسار».
وكذلك قال كليفرلي إن «المستقبل القريب في نهاية المطاف بأيدي الجنرالات المنخرطين في هذا الصراع، وندعوهم إلى إعطاء السلام أولوية، لإنهاء هذا القتال، والعودة إلى المفاوضات»، مضيفاً: «ندعو إلى وقف فوري لأعمال العنف، والعودة إلى مفاوضات تقود إلى تشكيل حكومة مدنية، وبالطبع هذه هي النتيجة النهائية المرغوبة». وأوضح بلينكن أن بلاده «على اتصال وثيق بشركاء في العالم العربي، وفي أفريقيا، وفي المنظمات الدولية»، مشيراً إلى أن «هناك قلقاً بالغاً مشتركاً بشأن القتال والعنف الجاري في السودان والتهديد الذي يشكله على المدنيين والذي يفرضه على الأمة السودانية، وربما حتى على المنطقة».
من جهة أخرى، أجرى أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية، الاثنين، اتصالاً هاتفياً مع عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان السابق، تبادلا خلاله وجهات النظر حول الأزمة الجارية وسُبل وقف المواجهات العسكرية. وأوضح جمال رشدي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية، في بيان صحافي، أن «أبو الغيط عبر لحمدوك عن اقتناعه بأن الخروج من الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد يتطلب من كل مكونات الطيف السياسي، من المدنيين أو العسكريين، التكاتف والعمل معاً، وأن المرحلة الدقيقة الحالية تقتضي إعلاء المصلحة العامة للبلاد، والترفع فوق المكاسب السياسية الضيقة». وأضاف المتحدث أن «أبو الغيط حرص على الاستماع لرؤية حمدوك لتطورات الأوضاع، واتفق معه في أولوية وقف التصعيد والوقف الفوري للاشتباكات المُسلحة وضمان أمن السكان المدنيين واستعادة الهدوء، مع التأكيد على أن كل المُشكلات يُمكن معالجتها من خلال الحوار».
وجدد الاتحاد الأوروبي دعوته لجميع الأطراف في السودان إلى «وقف إطلاق النار، وتجاوز الخلافات عبر الحوار». وقالت المتحدثة باسم خدمة العمل الخارجي في بروكسل، نبيلة مصرالي، إن «الاتحاد الأوروبي يدعو الأطراف السودانية إلى تحمل المسؤولية والالتزام بوقف إطلاق النار وتجاوز الخلافات عبر الحوار»، مضيفة أن «مختلف القوى السودانية بذلت جهوداً لتحضير وإرساء حكومة مدنية، وأن كل ما يجري حالياً من شأنه إعاقة ذلك». وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي أجرى اتصالات مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية حول الموقف في السودان، وأن الاتحاد يرى ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار وخفض التصعيد والعمل على حماية المدنيين، والالتزام بالهدنة الإنسانية اليومية وبذل كل جهد للحوار والوساطة.
وفي السياق ذاته، بحث رئيس «المجلس الأوروبي»، شارل ميشال يوم الاثنين، مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الوضع في السودان، واتفقا خلال اتصال هاتفي على «الحاجة الماسة لخفض التصعيد». وأضاف ميشال عبر حسابه على «تويتر»، أن «الأولوية لوقف إطلاق النار والعودة للعملية السياسية». وفي العراق، أعلن الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، عن استعداد بلاده لـ«بذل الجهود والمساعدة في تأمين فرص الحوار البنّاء بالسودان، وبما يسهم في تغليب منطق السلام ويعزز التوجه الديمقراطي». وقال الرئيس العراقي، في بيان: «نتابع بألم التطورات المؤسفة في جمهورية السودان التي راح ضحيتها مواطنون وتضررت مؤسسات وتعطلت فرص لمواصلة البناء والتقدم في المسار الديمقراطي والسلمي في البلد». وأضاف: «إن ثقتنا الأكيدة بحكمة الإخوة في السودان وقدرتهم على الحوار السلمي الديمقراطي كفيلة بأن نطمئن على تجاوز هذه الأزمة بالوقف الفوري للقتال والأعمال المسلحة، بما يحفظ حرمة الدم والعودة إلى مسارات الديمقراطية والسلام».
وعلى الصعيد الميداني، أعرب موفد الأمم المتحدة الى السودان فولكر بيرتيس، أمس (الاثنين)، عن «خيبة أمله الشديدة» من انتهاكات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للهدنة الإنسانية التي وافق عليها الطرفان أول من أمس (الأحد). وقال في بيان، إن «وقف الأعمال العدائية لأغراض إنسانية الذي التزم به الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لم يتم الوفاء به إلا جزئياً أمس (الأحد). كما أن الاشتباكات اشتدت صباح يوم الاثنين».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

TT

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

الجيش السوداني يشن هجوماً لاستعادة السيطرة على العاصمة

عاش سكان العاصمة السوداني الخرطوم شللاً مفاجئاً، فيما قال شهود ومصادر عسكرية إن الجيش السوداني شن قصفاً مدفعياً وجوياً في العاصمة السودانية الخرطوم يوم الخميس، في أكبر عملية لاستعادة العاصمة منذ بداية الحرب المستمرة لنحو17 شهراً بينه وبين «قوات الدعم السريع». وتركز الصراع، يوم الخميس، على ثلاثة جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا». وجاء هجوم الجيش، الذي فقد السيطرة على معظم أنحاء العاصمة في بداية الصراع، قبل كلمة من المقرر أن يلقيها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ومنذ اندلاع الحرب في البلاد أبريل (نيسان) 2023 تسيطر «قوات الدعم السريع» بالكامل على مدينة الخرطوم، بما في ذلك المواقع العسكرية والسيادية، وتحاصر مقر القيادة العامة للجيش الواقع شرق المدينة. وذكر شهود أن قصفاً عنيفاً واشتباكات اندلعت عندما حاولت قوات من الجيش عبور جسور فوق نهر النيل تربط المدن الثلاث المتجاورة التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى، وهي الخرطوم وأم درمان وبحري. والجسور الثلاثة التي تركز حولها القصف هي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا».

تحليق الطيران

وقال سكان إن الجيش يقوم بقصف مدفعي عنيف وقصف جوي على منطقتَي الحلفايا وشمبات، في حين يحلق الطيران بكثافة، خاصة في مناطق المزارع المحيطة بجسر الحلفايا من جهة بحري. كما أظهرت مقاطع فيديو دخاناً أسود اللون يتصاعد في سماء العاصمة، وسط دوي أصوات المعارك في الخلفية. وقالت مصادر عسكرية لوكالة «رويترز» إن قوات الجيش عبرت جسوراً في الخرطوم وبحري، في حين قالت «قوات الدعم السريع» إنها أحبطت محاولة الجيش عبور جسرين إلى الخرطوم.

وتأتي الاشتباكات المتجددة في وقت يحتل ملف النزاع المتواصل في السودان مرتبة متقدمة على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية وأزمة اللاجئين.

واستعاد الجيش بعض الأراضي في أم درمان في وقت سابق من هذا العام، لكنه يعتمد في الغالب على المدفعية والغارات الجوية، ولم يتمكن من طرد «قوات الدعم السريع» التي هي أكثر كفاءة على الأرض، من مناطق أخرى من العاصمة.

مستشفى الفاشر من الخارج (صفحة حاكم إقليم دارفور في «فيسبوك»)

مخاوف في دارفور

في غضون ذلك، واصلت «قوات الدعم السريع» إحراز تقدم في أجزاء أخرى من السودان في الأشهر القليلة الماضية في صراع تسبب في أزمة إنسانية واسعة النطاق، ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص، ودفع مناطق من البلاد إلى الجوع الشديد أو المجاعة. وتعثرت جهود دبلوماسية تبذلها الولايات المتحدة وقوى أخرى، ورفض الجيش حضور محادثات كانت مقررة الشهر الماضي في سويسرا.

واشتدت المعركة هذا الشهر للسيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في غرب السودان. وتحاول «قوات الدعم السريع» التقدم من مواقع تحيط بالمدينة لمواجهة الجيش وجماعات متمردة سابقاً متحالفة معه. والفاشر هي آخر معاقل الجيش في دارفور حيث تقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان إن الوضع الإنساني حرج جداً، وهي واحدة من 5 عواصم ولايات في إقليم دارفور والوحيدة التي لم تسقط في أيدي «قوات الدعم السريع». وطالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للمنظمة أيضاً بإنهاء حصار الفاشر، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون من السكان والنازحين. وفي سبتمبر (أيلول) أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدد القتلى لا يقل عن 20 ألف شخص منذ بداية الصراع، لكن بعض التقديرات تصل إلى 150 ألف ضحية، وفقاً للمبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو. كما نزح أكثر من 10 ملايين شخص؛ أي نحو 20 في المائة من السكان، بسبب القتال، أو أُجبروا على اللجوء إلى دول مجاورة. وتسبّب النزاع في أزمة إنسانية هي من الأسوأ في التاريخ الحديث، بحسب الأمم المتحدة.

الدخان يتصاعد قرب جسر الحلفايا في العاصمة السودانية (أرشيفية -رويترز)

جسور العاصمة المثلثة

يقسّم نهر النيل ورافداه؛ النيل الأزرق والنيل الأبيض، العاصمة السودانية الخرطوم إلى ثلاث مدن؛ الخرطوم وتقع إلى الجنوب بين نهرَي النيل الأزرق والنيل الأبيض، وملتقى النهرين عند منطقة المقرن، ليكونا بداية نهر النيل، وهي العاصمة الإدارية ومقر الحكومة والمركز التجاري والاستثماري، بينما تنحصر مدينة أم درمان بين نهر النيل والنيل الأبيض من جهتَي الشرق والغرب، وتمثل العاصمة الوطنية القديمة، أما مدينة الخرطوم بحري فتنحصر بين نهر النيل ونهر النيل الأزرق من جهتي الجنوب والخرطوم، وهي المدينة الصناعية. وترتبط مدن الخرطوم الثلاث بعشرة جسور، تَعبر الأنهر الثلاثة وتشكل وسائط التواصل؛ ليس بين مدن العاصمة فحسب، بل ببقية أنحاء السودان.

ومنذ بدأت الحرب تَقاسم كل من الجيش وقوات «الدعم السريع» السيطرة على الجسور والتحكم فيها، كلياً أو جزئياً. وفقَدَ الجيش السيطرة من الجهتين على كل جسور المدينة، ما عدا جسر النيل الأزرق، الذي يربط بين الخرطوم والخرطوم بحري، بينما سيطرت قوات «الدعم السريع» على جسور سوبا، والمنشية، والمك نمر، وخزان جبل أولياء، وتوتي.

ويتقاسم الطرفان السيطرة على جسور الفتيحاب والنيل الأبيض، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم. وأيضاً جسر الحلفايا، الجيش من جهة أم درمان، وقوات «الدعم السريع» من جهة الخرطوم بحري. أما جسر شمبات فقد خرج من الخدمة على أثر تفجيره في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وكان وقتها تحت سيطرة قوات «الدعم السريع»، وتبادل الطرفان الاتهامات بتفجيره.

كذلك جسر خزان جبل أولياء، الذي قصفه طيران الجيش، لكن قوات «الدعم السريع» أفلحت في إعادته للخدمة مجدداً، وهو الجسر الوحيد الذي يربط بين قواتها من أم درمان حتى دارفور، وهو بطبيعته جسراً على السد، فإن تدميره كلياً قد يتطلب تدمير السد الذي يُنظم جريان المياه لصالح السد العالي في مصر.