أسراب من الأقمار الصناعية الصغيرة لتسريع مواجهة التغيّر المناخي

تجدد بياناتها البيئية المتدفقة كل ربع ساعة

أقمار «كيوب» الصناعية الصغيرة
أقمار «كيوب» الصناعية الصغيرة
TT

أسراب من الأقمار الصناعية الصغيرة لتسريع مواجهة التغيّر المناخي

أقمار «كيوب» الصناعية الصغيرة
أقمار «كيوب» الصناعية الصغيرة

يبدو القمر الصناعي على مكتب جو لاتريل صغيراً جداً، حيث إنّ طوله أقصر من زجاجة المياه الغازية، ويزن أقلّ من ثقالة حديد صغيرة (وزنه 1.24 كيلوغرام). وكان لاتريل قد شارك في تأسيس شركة بيانات، اسمها «كيوب (Quub)»، متخصصة في تصميم وتطوير أقمار صناعية صغيرة (تُعرف أيضاً باسم «سمول سات») ستحيط يوماً ما بالأرض... لقياس نبضها.
أقمار صغيرة
في إطار استعراضه مهمّة «كيوب»، قال لاتريل: «لنفترض أنّ حريقاً اندلع بإحدى الغابات في كاليفورنيا مثلاً، سنعلم به قبل الجميع؛ لأنّ نظام التحذير سيعمل».
انطلقت تصميمات «كيوب» من فكرة الأقمار الصناعية المتجانسة، التي كانت شائعة في الماضي، ولكنّها صديقة للبيئة، ومصنوعة من لوحة لدارة كهربائية، وبراغٍ فولاذية تحترق عند اقترابها من مدار الأرض الجوي؛ أي أنّه لا شيء منها يصل إلى كوكبنا. يصف لاتريل هذه الأقمار الصناعية بـ«ليغو الفضاء» (نسبة إلى لعبة ليغو)، التي يمكن وصلها ببعضها البعض لتشكيل سِرب من الأقمار الصناعية المصغّرة.
قبل عامٍ، كان رجل واحد يعمل في «كيوب»، ولكنّها، منذ ذلك الحين، توسّعت حتّى أصبحت تضمّ 20 موظّفاً، ومتعاقداً، ومستشاراً. وقّعت الشركة، حتّى اليوم، عقدين مع القوّات الجويّة الأميركية - لمراقبة الأرض واستكشاف الاتصالات البصرية - بانتظار استكمال نشر أقمارها الصناعية. ويدور، حول الأرض، اليوم، قمر «سمول سات» واحد، ولكنّ الهدف هو رفع العدد إلى 400، بحلول عام 2025، مع وعود بتوفير تدفّق بياني يتحدّث كلّ 15 دقيقة.
يعتقد لاتريل أنّ أقماره الصناعية ستعمل، يوماً ما، «وكأنها ساعة ذكية تلتفّ حول الأرض» لتعقّب عوامل؛ كنوعية الهواء، وتقطيع الأشجار، وتآكل السواحل، بالطريقة نفسها التي يراقب بها متعقّب الصحّة، الموجود في الساعة الذكية، معدّل ضربات القلب، ووقت النوم، فإذا تغيّرت درجة حرارة المياه مثلًا، تستطيع أقمار «سمول سات» رصد هذا التغيير، والمساعدة في تحديد ما إذا كان ناتجاً عن طفرة في غاز الميثان، أو عن مجمع صناعي أو مكبّ صرف صحّي. ويلفت لاتريل، الذي عمل سابقاً في مجال إدارة نوعية المياه، إلى أنّ هذا الأمر «يحصل أكثر بكثير ممّا قد يودّ الناس معرفته».
مراقبة التغير المناخي
يشكّل «كيوب» جزءاً من اتجاه واسع لنشر أقمار «سمول سات»، تقوده شركات عدّة؛ أبرزها «بلانيت لابز»، و«ستارلينك». تُستخدم هذه الأقمار (سُمّيت «سمول سات» نظراً لصغر حجمها وانخفاض تكلفتها) لمراقبة ومحاربة تأثيرات تغيّر المناخ والكوارث الطبيعية. تصنع «بلانيت لابز» قمر «سكاي سات»، الذي يزن 99 كيلوغراماً، بينما يوازي قمرها «دوف» الطابعة الصغيرة حجماً. يعمل القمران، في مدار الأرض المنخفض، منذ سنوات، في مراقبة حقول القمح بالهند لاختبار مراقبة فعالية وسائل نشر السماد. وكانت دراسة، قادها باحثون من جامعة ميشيغان، قد نجحت في معرفة كيف يمكن زيادة مكاسب المحاصيل، وأثبتت أيضاً كيف أنّ هذه الأقمار الصناعية القليلة التكلفة قادرة على إيجاد إجابات على أسئلة بيئية مُلحّة.
لتعويض محدوديتها في مجالي الطاقة والدفع، ترسل أقمار «سمول سات»، في مجموعات من مئات، أو حتّى آلاف الوحدات المعروفة بـ«كوكبات»، يمكن تعويض نقصها بسهولة، بمساعدة الإطلاقات الصاروخية القليلة التكلفة. تلتقط «سمول سات» صوراً أكثر من الأقمار الصناعية القديمة الأكبر حجماً. على سبيل المثال، يمرّ برنامج «لاند سات»، التّابع لوكالة «ناسا» و«هيئة المسح الجيولوجي» الأميركية، والذي يعمل، منذ فترة طويلة، بتحديث، كلّ 16 يوماً، بينما تعد «سكاي سات» بتحديثات عدّة، كلّ يوم. وهذه القدرة المتزايدة على التحديث تعني أنّ أقمار «سمول سات» قادرة على رصد كلّ شيء قبل البشر.
بدأ الاتجاه نحو الأقمار الصناعية الأصغر حجماً من الجامعات، حيث انطلق أول نموذج من نماذج الأقمار الصناعية الصغيرة من جامعة ستانفورد، وجامعة ولاية كاليفورنيا التطبيقية، بقيادة الأساتذة بوب تويغز وجوردي بويغ - سواري لفكرة «كيوب سات» أو الأقمار الصناعية الصغرى المخصصة للبحث والعمل في مدار الأرض المنخفض، فقد وجدوا أنّ دورة حياة البعثات العلمية، التي تمتدّ لسنوات، ليست مثمرة للطلّاب الذين يدرسون في الجامعة لبضع سنين. احتاجت الأقمار الصناعية البحثية لوقتٍ طويل من التطوير قبل الانطلاق، ولكنّها موجودة، اليوم، منذ 5 أو 10 سنوات.
استحوذت الشركات الخاصة على الإطلاقات، في السنوات الأخيرة؛ مدفوعة بصناعة فضائية تجارية ناشئة يُشار إليها باسم «الفضاء الجديد». وقد وصلت «سمول سات» إلى مواقعها، أكثر من مرّة، على متن صواريخ خاصة كـ«سبيس فالكون 9»، الذي استعانت به «كيوب» لإطلاق قمر صناعي تجريبي لزبون عام 2022.
الفضاء الجديد
تشهد إطلاقات أقمار «سمول سات» نمواً سريعاً، فقد أشارت شركة «برايس تك»، المتخصصة بالاستشارات التحليلية، إلى أنّ عام 2019 شهد إطلاق 400 سفينة فضائية، وأنّ الرقم ارتفع إلى أكثر من 1800 بحلول 2021. وكان 9 من أصل 10 من هذه المركبات من نوع «سمول سات»، ومعظمها يعود لـ«ستارلينك» - الكويكبة الهائلة والمتنامية التابعة لشركة «سبيس إكس»، التي تتألّف من أكثر من 3 آلاف قمر صناعي. وتؤمّن أقمار «ستارلينك» الصناعية خدمات الإنترنت لأوكرانيا، ويرصدها النّاس أحياناً تسير في خطّ مستقيم في السماء ليلاً.
ومن المتوقّع أن تستمرّ طفرة «سمول سات»، في ضوء خططٍ لإطلاق كويكبات إضافية من الصين والاتحاد الأوروبي. وكانت شركة «ستارلينك» قد حازت تصريحاً لإرسال 7500 قمر صناعي، العام الماضي، من «هيئة الاتصالات الفيدرالية»، ولكنّ «سبيس إكس» تطمح للمزيد، وتطلب السماح بإرسال 30 ألفاً.
قد تكون هذه التقنية محطّ اهتمام في مجال الدفاع الوطني، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالتغيّر المناخي والكوارث الطبيعية، تمثّل «سمول ساتس» تطوّراً واعداً سيزوّد البشرية بالمزيد من البيانات وبسرعةٍ أكبر. مع بحث البشر في المدار عن إجابات لمشكلاتهم على الأرض، يمكن القول إنّ المشكلات البيئية، التي تخّطت قدرات المراقبة البشرية، في الوقت الحقيقي، قد تصبح، قريباً، خاضعة لمراقبة أقرب.

• «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان
TT

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

​الذكاء الاصطناعي في علاج جذور الأسنان

حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً في اكتشاف وتوقع جوانب مختلفة في علاج جذور الأسنان المسماة من قِبل عامة الجمهور بـ«حشوات العصب» Endodontics.

الذكاء الاصطناعي يرصد جذر الأسنان

في مجال الاكتشاف، تم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الآفات والخراجات حول قمة جذور الأسنان، وكسر التاج والجذر، وتحديد طول الجذر، وكشف تشريح الجذور والقنوات. تشمل مهام التنبؤ تقدير الحاجة إلى إعادة العلاج. تُعد الخراجات حول قمة جذور الأسنان، شائعة وتُشكّل تحديات في التشخيص وتخطيط العلاج للأطباء. ويمكن أن يُحسّن التعرف المبكر على هذه الآفات من نتائج العلاج من خلال منع انتشار المرض إلى الأنسجة المحيطة.

إن علاج جذور الأسنان أو حشوات العصب، المعروف أيضاً باسم «علاج العصب»، فرع من فروع طب الأسنان يركز على تشخيص، ومعالجة أمراض لب الأسنان (العصب) والجذور.

يتضمن هذا العلاج إزالة اللب التالف أو المصاب داخل السن (لب السن المحتوي على العصب والشريان والوريد والأوعية اللمفاوية وكثير من الخلايا لكن الكل يسمي اللب بالعصب!)، وتنظيف وتعقيم القنوات الجذرية، ثم حشوها بمواد طبية خاصة لمنع العدوى المستقبلية، وحماية الأسنان من مزيد من التلف.

أهمية علاج جذور الأسنان

- تخفيف الألم: يساعد علاج الجذور في تخفيف الألم الشديد الناتج عن التهابات العصب، إذ قالت العرب: «لا ألم إلا ألم الضرس».

- إنقاذ الأسنان: يمكن أن يمنع العلاج الفقدان الكامل للسن المتضررة، مما يحافظ على الأسنان الطبيعية بدلاً من اللجوء إلى التعويضات الصناعية.

- منع العدوى: العلاج الفوري والعناية الجيدة تمنعان انتشار العدوى إلى الأنسجة المحيطة والعظام، وقد تم تسجيل بعض حالات الوفاة من انتقال الصديد من خراجات الأسنان إلى الدورة الدموية.

وحسب المكتب العربي في منظمة الصحة العالمية فإن هناك أكثر من 130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان، ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب.

الذكاء الاصطناعي يسابق جراحي الأسنان

* رصد الخراجات: أجرى العالم البريطاني أندرياس وزملاؤه دراسة مقارنة ما بين أداء خوارزمية الذكاء الاصطناعي و24 جراح فم ووجه في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان على الأشعة البانورامية. وخلصت الدراسة إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلم العميق تفوقت على بعض الجراحين. وبالمثل، أظهرت دراسة أخرى أن نماذج الشبكات العصبية التلافيفية CNN، (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي المستلهمة من العصب البصري لتحديد الأشكال)، أدت أداءً أفضل من ثلاثة أطباء استشاريي أشعة فم ووجه، في اكتشاف الخراجات حول قمة جذور الأسنان أثناء المحاكاة على الأشعة داخل الفم.

وفي دراسة أخرى نشرت في مجلة «طب الأسنان» البريطانية أخيراً، استخدم العالم أورهان وزملاؤه أكثر من 100 أشعة مقطعية للأسنان لاختبار نظام الذكاء الاصطناعي، وذكروا دقة اكتشاف عالية مقارنة باختصاصي الأشعة.

تشخيص كسور الجذور وأطوالها

* تشخيص كسور الجذور الأفقية والعمودية: وهو مهمة تتطلب الخبرة، ويفشل تقريباً 75 في المائة من الأطباء في تحديدها على الأشعة. تم تطوير نماذج من الذكاء الاصطناعي لاكتشاف كسور الجذور تلقائياً على الصور الشعاعية للأسنان ثنائية وثلاثية الأبعاد.

أظهرت دراسة لفوكودا وزملائه أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة واعدة لتشخيص الكسور الجذرية العمودية على الأشعة البانورامية. وأظهرت دراسة أخرى للدكتور جوهاري من «هارفارد» وزملائه أداءً ممتازاً باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكسور الجذرية العمودية بدقة 96.6 في المائة.

* تحديد طول الجذر بدقة: خطوة حاسمة لنجاح علاج قناة الجذر أو حشوات العصب، حيث إن 60 في المائة من فشل علاج حشوات العصب بسبب عدم الحساب الدقيق لطول قناة العصب، ما يؤدي إلى قصر أو زيادة الحشوة، ويؤدي بدوره إلى فشل العلاج، وتفاقم الخراج مع خطورة ذلك.

أظهرت الدراسات أن الشبكات العصبية الاصطناعية (وهي من مكونات الذكاء الاصطناعي) يمكن استخدامها لتحديد طول الجذر بدقة. أبلغ الدكتور ساغيري وزملاؤه في بحث منشور أخيراً في مجلة «طب الأسنان» الأميركية أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه أداة إضافية لتحديد موقع خروج العصب من قمة جذر الأسنان، وقد أثبت ذلك عدم وجود فروق في قياسات طول الجذر عند مقارنة الذكاء الاصطناعي مع القياسات الفعلية بعد إجراء القياسات الفعلية.

معدلات نجاح عالية

وهكذا فقد أظهرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي القائمة على CNN معدلات نجاح عالية في الكشف التلقائي عن الأسنان وتجزئتها على الأشعة ثنائية وثلاثية الأبعاد.

ويتمتع الذكاء الاصطناعي بمستوى عالٍ، مقارنة بالمراقبين البشريين، ولكن مع أوقات معالجة أسرع بكثير. وبما أن تحديد تشريح الجذور والقنوات هو أمر ضروري لنجاح علاج قناة الجذر، فإن لدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي القدرة على المساهمة في هذه المهام.

*رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان في الشرق الأوسط.

حقائق

130 مليون عربي بالغ يعانون من تسوس أو نخر الأسنان ونسبة كبيرة منهم ستحتاج إلى حشوات العصب