ليال نعمة لـ«الشرق الأوسط»: على صنّاع الفن الراقي ألا يخافوا

قدّمت ترنيمة وحفلاً موسيقياً دينياً في الأردن

عائلة نعمة الفنية (حساب الفنانة)
عائلة نعمة الفنية (حساب الفنانة)
TT

ليال نعمة لـ«الشرق الأوسط»: على صنّاع الفن الراقي ألا يخافوا

عائلة نعمة الفنية (حساب الفنانة)
عائلة نعمة الفنية (حساب الفنانة)

مَن نشأوا على جوّ طربي في البيت، هم الشقيقات والأشقاء في عائلة نعمة، المؤلفة من تسعة أفراد يحرّكهم جميعاً الشغف الفني. ليال نعمة، رقم «اثنان» في الأسرة، بعد شقيقتها الفنانة عبير نعمة، تشعر بأنها تشرّبت الموسيقى في الرحم، بدل النشوء عليها، فالتحمت مع تكوينها. يلوح مشهد طفلة في الخامسة تتمرّن على العزف على البيانو، خلال حديثها مع «الشرق الأوسط». تمتنّ لأب دفعه جمال صوته إلى توجيه عائلة بكاملها نحو درب الفن الراقي.
هذّبت الموسيقى الغربية والشرقية الآذان، ودلّ الإصغاء المكثف لأغنيات وديع الصافي، وفيروز، وزكي ناصيف، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، والقدود الحلبية… على براعم تتفتّح في تربة ولّادة. حين تستعيد ليال نعمة البدايات، تعلم أنها قطعت شوطاً في التعلّم وإشباع الموهبة بالمعرفة. دراستها في علوم الموسيقى والغناء الشرقي وآلتي الكمان والعود؛ تأكيد بأنّ التحلّي بالموهبة لا يكفي دون الاجتهاد والتعب.
الخدمة في الكنيسة بالترتيل والمناجاة تشكل إضافة إلى مُسببات تهذيب الصوت وصقله: «علّمني الأداء المنفرد والجماعي للألحان الكنسية كيفية تهذيب صوتي، والتدريب على المساحات الصوتية، وتداخل الموسيقى مع الروح الخلّاقة. يسعدني ارتباط اسمي بصفتي مرنّمة، فالصلاة فرح، وتمجيد الله أشبه بامتنان أقابله به على موهبة أهداني إياها».
لم يكن «قراراً» الانغماس بالفن، بل قدَرَها: «كأنه من البديهي أن أصبح موسيقية!». فإضافة إلى اختصاصها في التنمية الاجتماعية، ونيلها دراسات معمّقة في علم الاجتماع السياسي، درست الموسيقى، على أنواعها واختلافاتها: «أنجذب إلى الموسيقى الكونية، ويحرّكني فضول التعرّف إلى لغات الأرض من خلال الفن، فلا أشعر بغربة الإنسان في العالم».
«أنا آرامية»، عنوان أغنيتها الخاصة الأولى، أطلقتها في عام 2015. يسحرها الغناء بالسريانية؛ «فهي ليست دخيلة علينا، تُكوّن جزءاً من موروثنا الثقافي». من الأغنية، وُلد آنذاك ألبوم «أحلام ملونة». تُشبّه رنّة اللغة الآرامية - السريانية بإيقاع اللغة الإيطالية والنغم الدافئ بين حروفها.

من حفل ليال نعمة الأخير في الأردن    -   ليال نعمة تدعو الفنانين الحقيقيين إلى عدم الخوف (الشرق الأوسط)

تُخرج نفسها من موقع المُنتقد للمشهد الفني المسيطر، وتُعنى بنشر «عدوى العمل اللائق». تتمسك بما تسميه قناعات وتربية، «فنقدّم ما يشبهنا». قد تبدو كلمة «رسالة» مستهلَكة، لكن العائلة تُسلّم بها: «نرفض غناء يسيء إلى الذوق والمكانة الموسيقية. ليس صحيحاً أنّ الجيل الشاب على مسافة من الأصالة والمستوى».
لا تحصر طغيان الرداءة بزمن القحط هذا وحده: «في التاريخ وجميع الأزمان، ثمة دائماً اليباس والزهر. هنا دور صنّاع الفن الراقي؛ أقول لهم أكملوا المشوار ولا تخافوا. لا ظلام يلغي الفجر». حقيقة أنّ المال والشهرة مغريان، تُسرّع - برأيها - انزلاق الفن وسائر المهن. هل من نجاة؟ «المسار صعب، لكن الجيد هو الذي يبقى».
غنّت والعائلة للأمل في عزّ اختناق البشرية بالوباء وعَبَقِ روائح الموت. كتبت أغنية «رح نرجع نتلاقى»، ولحّنها شقيقها الفنان جورج نعمة. تذكر أنّ الواقع كان ضاغطاً، وسط فيض الجنازات، «مع ذلك، اخترنا الأمل. هو الرسالة الأعظم». وبعد مأساة الرابع من أغسطس (آب)، حين هشّمت النيترات المدينة، كتبت كلمات أغنية «الوطن»، وغنّتها (ألحان وسيم ربيع)، ولحنت وغنت أغنية «بكرا إلنا» من كلمات الإعلامي رمزي عزام، التي حملت أملاً رغم المصاب الكبير: «دورنا بصفتنا عائلة أبعد من الترفيه بالموسيقى. ننتمي إلى المؤمنين بقدرة الفنان على تغيير المجتمع».
منذ «الكوفيد»، أعادت ليال نعمة حساباتها. تدرك عجز الإنسان عن التحكم بمستقبله، فقد يصادف ما يعرقل فيبدّل الخطط. تطلق نداء «عدوى الإيجابية»: «كما يتأثر المرء بالطاقة السلبية حوله، فتشلّه وتُحبطه؛ بإمكانه الإيمان بالضوء المستحيل إطفاؤه. هذه الشعلة الداخلية، إن أوقدناها بكتلة النور، فستجرّ نفوساً باتجاه الشمس، وإن أحبطها نواحٌ لا يهدأ، فلن يبقى منها سوى السواد والرماد».
أهو تعالٍ على الألم؟ بالنسبة إليها، المسألة ليست شعارات على مواقع التواصل: «الضعف لا يليق باللبنانيين. هو على النقيض من مثابرتهم وحبهم للحياة. نغني للتخلّص منه، وليكون الأمل قدراً، لا الإحباط».
تستعير من الأب صوته الجميل، ومن الأم قلمها الميّال إلى اللحظة الشعرية. تكتب منذ صغرها، وتُلقي الأوراق في الجارور. قصائد تنتظر تلحينها، وأخرى لحّنتها وتترقّب صدورها منفردة أو في ألبوم. لا تخفي أنّ النفق اللبناني مُنهك، و«الجريمة الجماعية»، وفق تسميتها، استنزفت أبناء الأرض. «نعيش بإشكالية، كشهود على توالي الصفعات والصدمات»، تقول؛ ومع ذلك، «التوق إلى السلام هو رجاء دائم وحاجة لن نكفّ عن مطاردتها».
في أسبوع الآلام، قدّمت ليال نعمة ترنيمة جديدة بعنوان «جراحك يا ابني» من كلماتها، ولحن ابنتها كلارا مطر؛ توزيع نبيل يوسف، وتوقيع المخرج شربل منصور. وقدّمت حفلاً موسيقياً دينياً في مدينة الفحيص في الأردن، حيث توافد المؤمنون من كل الأردن لحضورها.
تكشف الخبر السار: «على النار، عمل يجمع كل العائلة، ونحن نتحمّس له». هذه العائلة التي تربطها الألفة بجانب الأخوّة، وصداقة المهنة والحياة. تلتقي على وَقْع الغناء والعزف ونشر البهجة: «نتمسّك بجَمعتنا فهي أغلى ما نملك».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

بيع زوج نادر من الجرار يعود إلى عصر «مينغ» بـ12 مليون دولار

جرتان من الخزف تعودان إلى القرن السادس عشر (سوذبيز)
جرتان من الخزف تعودان إلى القرن السادس عشر (سوذبيز)
TT

بيع زوج نادر من الجرار يعود إلى عصر «مينغ» بـ12 مليون دولار

جرتان من الخزف تعودان إلى القرن السادس عشر (سوذبيز)
جرتان من الخزف تعودان إلى القرن السادس عشر (سوذبيز)

بيع زوج من جرار الأسماك النادرة، يعود إلى عصر سلالة مينغ بالقرن السادس عشر، بمبلغ 9.6 مليون جنيه إسترليني (12.5 مليون دولار) في مزاد، متجاوزاً تقدير الدار البالغ مليون جنيه إسترليني (1.3 مليون دولار).

وأشعلت الجرار الخزفية، التي صنعت خصيصاً للإمبراطور جياجينغ، حرب مزايدات استمرت 20 دقيقة بين أكثر من 10 من المهتمين بجمع التحف الفنية، قبل بيعها في النهاية إلى جامع خاص في آسيا، بحسب بيان من دار المزادات «سوذبيز»، الأربعاء.

وأعلنت الدار أن «هذه النتيجة الرائعة تجعل من هذه الجرار أغلى عمل فني صيني يباع في مزاد على مستوى العالم، العام الحالي». ويكمن جزء من قيمة المجموعة في حقيقة أن هذا كان أول ظهور على الإطلاق لزوج كامل من جرار الأسماك بغطائها في مزاد.

ويذكر أن الجرار التي صنعت بين عامي 1522 و1566 في عهد الإمبراطور جياجينغ، تعكس تقدماً ملحوظاً في إنتاج الخزف خلال هذه الفترة، وأبرزت «سوذبيز» أن الجرار تميزت بزخارف من أسماك الشبوط الذهبية التي تبدو كأنها تطفو في برك غنية بزهر اللوتس ونباتات أخرى.

وفي سياق متصل، أكد نيكولاس تشاو، رئيس قسم الأعمال الفنية الصينية في آسيا لدى «سوذبيز»، في مقابلة مع شبكة (سي إن إن) الأميركية عام 2017، أن سوق الخزف الصيني شهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار منذ ازدهار الاقتصاد الصيني أواخر تسعينات القرن الماضي.

وأوضح تشاو أن الأثرياء الجدد في الصين يسعون بشدة إلى استعادة تراثهم، مشدداً على أهمية صناعة الخزف في التاريخ الصيني.

وقال: «لطالما كانت صناعة الخزف جزءاً أساسياً من الثقافة الصينية، ورغم وجود تقاليد في الشرق الأوسط وأوروبا، فإن الصين طورت هذه التكنولوجيا على مدى آلاف السنين، ما جعلها فريدة لا مثيل لها عالمياً».