روبوت المحادثة «بارد» يناقش تحديات البيئة العربية

في إطار استخدام الذكاء الصناعي للتعامل مع متغيرات المناخ

شعار «بارد» (رويترز)
شعار «بارد» (رويترز)
TT

روبوت المحادثة «بارد» يناقش تحديات البيئة العربية

شعار «بارد» (رويترز)
شعار «بارد» (رويترز)

مع الاهتمام الكبير الذي رافق إطلاق روبوت المحادثة «شات جي بي تي» (ChatGPT) في نهاية العام الماضي، سارعت شركة «غوغل» إلى إطلاق إصدار تجريبي من روبوت المحادثة الخاص بها باسم «بارد» (Bard). هنا نحاور روبوت «بارد» حول تحديات البيئة في العالم العربي، في محاولة لاستكشاف ما تعلّمه الذكاء الصناعي الخاص بشركة «غوغل»، وتوقعاته حول مستقبل البيئة في المنطقة. وما تقرأونه ليس نتيجة أبحاث مرجعية موثّقة مثل بقية مقالات الصفحة البيئية في «الشرق الأوسط»، بل هو ملخّص لإجابات روبوت «بارد» حين سألناه عن البيئة العربية.
- تحديات المياه وتغيُّر المناخ
يصِف «بارد» نفسه بأنه نموذج لغوي كبير، يُعرف أيضاً باسم الذكاء الصناعي للمحادثة، أو روبوت الدردشة المدرّب ليكون مصدراً شاملاً للمعلومات. ويستطيع «بارد» التواصل وإنشاء نص بصياغة بشرية، كما يمكنه الاستجابة لمجموعة واسعة من الطلبات والأسئلة، مثل تقديم ملخّصات لموضوعات واقعية وابتكار القصص.
وعند سؤال «بارد» عن التحديات البيئية الكبرى التي تواجه العالم العربي، وضَعَ ندرة المياه على رأس قائمة هذه التحديات، حيث تحتوي المنطقة على واحد في المائة فقط من موارد المياه العذبة في العالم. ويُعدّ العالم العربي من أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم نتيجة مجموعة من العوامل، مثل قلّة هطول الأمطار، وارتفاع معدلات التبخُّر، والنمو السكاني.

من موقع «غوغل بارد» (أ.ب)

ويتوقع «بارد» أن يكون لتغيُّر المناخ تأثير مدمِّر على اقتصاد المنطقة والزراعة والبنية التحتية، لا سيما أن المنطقة تشهد بالفعل زيادةً في درجات الحرارة، ومزيداً من الظواهر الجويّة المتطرفة، وارتفاعاً في مستوى سطح البحر. كما أن التصحُّر مشكلة رئيسية في العالم العربي، حيث تشير التقديرات إلى أن ثلث أراضي المنطقة معرضة لخطر التصحُّر. ويرتبط التصحُّر بعدد من العوامل، بما فيها تغيُّر المناخ والرعي الجائر وإزالة الأشجار والممارسات الزراعية غير المستدامة.
ويُعدّ تلوُّث الهواء مشكلة رئيسية في العديد من الدول العربية، بسبب انبعاثات المركبات ومحطات الطاقة والأنشطة الصناعية. وغالباً ما تكون إدارة النفايات غير ذات كفاءة في الكثير من المدن العربية، مما يؤدي إلى تراكم النفايات في مدافن القمامة والمكبّات المفتوحة، وتهدد سلامة البيئة وصحة الأشخاص الذين يعيشون في الجوار.
ويقترح «بارد» لمواجهة الندرة المائية في العالم العربي مجموعة من الإجراءات، تشمل تحسين الكفاءة من خلال تبني طرق ري موفِّرة، وإصلاح التسربات في البنية التحتية لتخزين ونقل المياه، وتثقيف الناس حول أهمية الحفاظ على المياه. ورغم كلفتها المرتفعة، يعتبر «بارد» تحلية مياه البحر لجعلها صالحة للشرب أداة قيّمة للمناطق التي تعاني من ندرة المياه. كما أن تدوير المياه، من خلال معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها، طريقة مُجدية مالياً للحفاظ على المياه. ويمكن تدوير المياه لاستخدامها في الري والفعاليات الصناعية ولتلبية الحاجات المنزلية.
ويشير «بارد» إلى أن حصاد مياه الأمطار طريقة بسيطة وفعّالة لتجميع المياه في المناطق التي تشهد هطولات منتظمة. ومن المهم إدارة مستجمعات المياه لمنع التلوُّث وضمان توفُّر المياه لجميع الاستخدامات. ويؤكد «بارد» أن هذه الإجراءات وغيرها ضرورية للتغلُّب على ندرة المياه في المستقبل، حيث من المهم العمل الآن على معالجة هذه الأزمة؛ لأن الوضع سيزداد سوءاً في المستقبل.
وحول أفضل نهج عربي لمواجهة تغيُّر المناخ، من دون الإضرار بعوائد صادرات النفط، يقترح «بارد» الاستثمار في الطاقة المتجددة التي تنعم المنطقة بفائض منها، ويمكنها أن تساعد الدول العربية على تلبية احتياجاتها من الطاقة مع تقليل انبعاثات الكربون أيضاً.
ويمكن للدول العربية تحسين كفاءة الطاقة من خلال استخدام أجهزة تستهلك الطاقة على نحو أقل، وتنفيذ أبنية أفضل في عزل الحرارة والإفادة من الإنارة الطبيعية، وتشجيع الناس على حفظ الطاقة. وتساعد الزراعة المستدامة في تحسين إنتاج الغذاء وحماية البيئة من خلال تعزيز الممارسات الخضراء، مثل استخدام كميات أقل من المياه والمبيدات، مما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية.
وتوجد إجراءات أخرى لتقليل غازات الدفيئة في الجو مثل إعادة التشجير، وتثقيف الناس حول تغيُّر المناخ، والدعوة للعمل الدولي لتطوير وتنفيذ سياسات الحدّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث يمكن للدول العربية أن تلعب دوراً رائداً في هذا المجال. ويشير «بارد» إلى أنه من المهم اتخاذ إجراءات للتصدي لتغيُّر المناخ والتحديات البيئية الأخرى التي تواجه العالم، ذلك أن هذه التحديات تشكّل تهديداً لسكان المنطقة، وتضع اقتصادها وأمنها على المحك.
- مواجهة التصحُّر وأزمة الغذاء
وعمّا إذا كان هناك تقدم منجز عربياً في مواجهة التصحُّر، لم تكن الإجابة الأولى التي قدمها «بارد» محيطة بكامل السؤال، وإن كانت صحيحة نسبياً. ولذلك اخترنا الإجابة الثالثة، من بين ثلاث إجابات يقترحها «بارد» عن كل سؤال، حيث كانت أكثر شمولاً وثراءً بالمعلومات. ويوجِز «بارد» بأن الدول العربية تحرز تقدماً في مكافحة التصحُّر، ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به.
وتعمل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر (UNCCD) مع الدول العربية على تطوير وتنفيذ خطط عمل وطنية لمكافحة التصحُّر. وتشمل هذه الخطط تدابير لتحسين ممارسات إدارة الأراضي، وتعزيز الزراعة المستدامة، وحماية الموارد الطبيعية.
ورغم الإنجازات التي تحققت، تبقى مجموعة من التحديات التي تحتاج إلى معالجة من أجل مكافحة التصحُّر في الدول العربية، من بينها النمو السكاني السريع في المنطقة، وتزايد الطلب على الغذاء والماء، وتغيُّر المناخ، وقلّة الوعي بمسألة التصحُّر.
ويمكن للدول العربية أن تحقق تقدماً كبيراً في مكافحة التصحُّر وحماية مواردها الطبيعية من خلال زيادة الوعي بالتصحّر وآثاره، وتحسين ممارسات إدارة الأراضي، وتعزيز الزراعة المستدامة، وحماية الموارد الطبيعية، والاستثمار في البحث والتطوير، والتعاون مع الدول الأخرى لمكافحة التصحُّر.
وعند سؤال «بارد» عن عدم لحظه أزمة الغذاء والجوع ضمن التحديات البيئية الكبرى التي تواجه العالم العربي، اعتذر «بارد» عن ذلك، مشيراً إلى أنه «ما زال قيد التطوير، ويتعلم أشياء جديدة. وسيبذل قصارى جهده ليكون أكثر شمولاً في إجاباته مستقبلاً». لكنه استجاب لاحتجاجنا بإعطاء معلومات إضافية عن الموضوع؛ إذ أشار إلى أن تغيُّر المناخ يؤدي إلى زيادة مصاعب الزراعة في أجزاء كثيرة من المنطقة، مما يتسبب بالجوع وانعدام الأمن الغذائي. كما يساهم الصراع وعدم الاستقرار في بعض أجزاء العالم العربي في انعدام الأمن الغذائي. ويمكن القيام بعدد من المبادرات لمواجهة تحدي الغذاء وإطعام الجياع، من بينها الاستثمار في الزراعة من خلال تزويد المزارعين بالمستلزمات الضرورية مثل البذور والأسمدة ومياه الري.
وإلى جانب الزراعة المستدامة، يمكن للدول العربية توفير مزيد من الطعام عبر تقليل الهدر بتحسين تخزين الأغذية والبنية التحتية للنقل، وتثقيف الناس حول أهمية عدم إهدار الطعام. ويقترح «بارد» أن تقوم الدول العربية بتقديم مساعدات غذائية للأشخاص الذين يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الغذائية، وذلك عبر برامج متنوعة مثل قسائم الطعام والوجبات المدرسية وبنوك الطعام. ويخلص إلى أن أزمة الغذاء والجوع في المنطقة تمثّل تحدياً معقداً تجب مواجهته، فشعوب العالم العربي تستحق الحصول على طعام آمن ومغذٍّ.
وعلى الرغم من اللغة «الدبلوماسية» التي يتحلّى بها روبوت المحادثة «بارد»، لا يمكن إنكار أن مجمل المعلومات التي عرضها كانت دقيقة وشاملة. ويمكن اعتبار هذا الروبوت داعماً لنظم الذكاء الصناعي التي تساعد في حماية البيئة من خلال مراقبة التغيُّرات البيئية والتنبؤ بها، كما في حالة تتبع إزالة الغابات، وتحديد مناطق التلوُّث، وتوقع آثار تغيُّر المناخ.
وتعمل العديد من المؤسسات والشركات حول العالم على تطوير أنظمتها الخاصة باستخدام خوارزميات التعلُّم الآلي التي تقوم على جمع البيانات وتحضيرها ونمذجة إجراءات التنبؤات الدقيقة. وفيما يمثّل الذكاء الصناعي أداةً قويّةً لحل مجموعة متنوعة من المشكلات، تبقى صحة المعطيات ودقّتها العامل الأهم في الوصول إلى توقُّعات سليمة وغير متحيزة. فمحركات الذكاء الصناعي هذه لا تعمل من عدم، بل هي مبرمجة لجمع معلومات عن الموضوع المطروح من ملايين المصادر بلغات متعددة، وتنسيقها على نحو منطقي متناسق. لذا تُبنى صدقيتها على قدرة الاختيار من مصادر موثوقة والحكم على دقّتها. وقد أمكننا ربط معظم المعلومات التي أعطاها «بارد» عن البيئة العربية بتقارير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) التي تصدر سنوياً بالعربية والإنجليزية منذ عام 2008، وكذلك الربط بمقالات من مجلة «البيئة والتنمية». لكن كل هذا لا يغني عن العقل البشري؛ إذ إن الآلة لا تستطيع الحكم إذا ما زوِّدت بمعلومات غير صحيحة، عن قصد أو غير قصد.


مقالات ذات صلة

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

العالم العربي تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

تشكيل أول كتلة نيابية في البرلمان التونسي الجديد

أعلن النائب التونسي ثابت العابد، اليوم (الثلاثاء) تشكيل «الكتلة الوطنية من أجل الإصلاح والبناء»، لتصبح بذلك أول كتلة تضم أكثر من 30 نائباً في البرلمان من مجموع 151 نائباً، وهو ما يمثل نحو 19.8 في المائة من النواب. ويأتي هذا الإعلان، بعد المصادقة على النظام الداخلي للبرلمان المنبثق عمن انتخابات 2022 وما رافقها من جدل وقضايا خلافية، أبرزها اتهام أعضاء البرلمان بصياغة فصول قانونية تعزز مصالحهم الشخصية، وسعي برلمانيين لامتلاك الحصانة البرلمانية، لما تؤمِّنه لهم من صلاحيات، إضافة إلى الاستحواذ على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة النيابية الثانية)، وإسقاط صلاحية مراقبة العمل الحكومي. ومن المنت

المنجي السعيداني (تونس)
العالم العربي مصر تبدأ تحريكاً «تدريجياً» لأسعار سلع تموينية

مصر تبدأ تحريكاً «تدريجياً» لأسعار سلع تموينية

بدأت مصر في مايو (أيار) الحالي، تحريكا «تدريجيا» لأسعار سلع تموينية، وهي سلع غذائية تدعمها الحكومة، وذلك بهدف توفير السلع وإتاحتها في السوق، والقضاء على الخلل السعري، في ظل ارتفاعات كبيرة في معدلات التضخم. وتُصرف هذه السلع ضمن مقررات شهرية للمستحقين من أصحاب البطاقات التموينية، بما يعادل القيمة المخصصة لهم من الدعم، وتبلغ قيمتها 50 جنيهاً شهرياً لكل فرد مقيد بالبطاقة التموينية.

محمد عجم (القاهرة)
العالم العربي «الوطنية للنفط» في ليبيا تنفي «بشكل قاطع» دعمها أطراف الحرب السودانية

«الوطنية للنفط» في ليبيا تنفي «بشكل قاطع» دعمها أطراف الحرب السودانية

نفت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا «بشكل قاطع»، دعمها أياً من طرفي الحرب الدائرة في السودان، متوعدة بتحريك دعاوى قضائية محلياً ودولياً ضد من يروجون «أخباراً كاذبة»، وذلك بهدف «صون سمعتها». وأوضحت المؤسسة في بيان اليوم (الاثنين)، أنها «اطلعت على خبر نشره أحد النشطاء مفاده أن المؤسسة قد تتعرض لعقوبات دولية بسبب دعم أحد أطراف الصراع في دولة السودان الشقيقة عن طريق مصفاة السرير»، وقالت: إن هذا الخبر «عارٍ من الصحة». ونوهت المؤسسة بأن قدرة مصفاة «السرير» التكريرية «محدودة، ولا تتجاوز 10 آلاف برميل يومياً، ولا تكفي حتى الواحات المجاورة»، مؤكدة التزامها بـ«المعايير المهنية» في أداء عملها، وأن جُل ترك

جمال جوهر (القاهرة)
العالم العربي طرفا الصراع في السودان يوافقان على تمديد الهدنة

طرفا الصراع في السودان يوافقان على تمديد الهدنة

أعلن كلّ من الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» تمديد أجل الهدنة الإنسانية في السودان لمدة 72 ساعة إضافية اعتباراً من منتصف هذه الليلة، وذلك بهدف فتح ممرات إنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين. ولفت الجيش السوداني في بيان نشره على «فيسبوك» إلى أنه بناء على مساعي طلب الوساطة، «وافقت القوات المسلحة على تمديد الهدنة لمدة 72 ساعة، على أن تبدأ اعتباراً من انتهاء مدة الهدنة الحالية». وأضاف أن قوات الجيش «رصدت نوايا المتمردين بمحاولة الهجوم على بعض المواقع، إلا أننا نأمل أن يلتزم المتمردون بمتطلبات تنفيذ الهدنة، مع جاهزيتنا التامة للتعامل مع أي خروقات». من جهتها، أعلنت قوات «الدعم السريع» بقيادة م

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي «السفر عكس التيار»... سودانيون يعودون إلى الخرطوم رغم القتال

«السفر عكس التيار»... سودانيون يعودون إلى الخرطوم رغم القتال

في وقت يسارع سودانيون لمغادرة بلادهم في اتجاه مصر وغيرها من الدول، وذلك بسبب الظروف الأمنية والمعيشية المتردية بالخرطوم مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، يغادر عدد من السودانيين مصر، عائدين إلى الخرطوم. ورغم تباين أسباب الرجوع بين أبناء السودان العائدين، فإنهم لم يظهروا أي قلق أو خوف من العودة في أجواء الحرب السودانية الدائرة حالياً. ومن هؤلاء أحمد التيجاني، صاحب الـ45 عاماً، والذي غادر القاهرة مساء السبت، ووصل إلى أسوان في تمام التاسعة صباحاً. جلس طويلاً على أحد المقاهي في موقف حافلات وادي كركر بأسوان (جنوب مصر)، منتظراً عودة بعض الحافلات المتوقفة إلى الخرطوم.


الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.