«شركة «ألفابيت» الجديدة.. تتملك «غوغل»

بوابة الإنترنت العملاقة ستواصل الإشراف على محرك البحث و«يوتيوب» و«آندرويد»

«ساندار بيكاي» الرئيس التنفيذي الجديد لـ«غوغل»
«ساندار بيكاي» الرئيس التنفيذي الجديد لـ«غوغل»
TT

«شركة «ألفابيت» الجديدة.. تتملك «غوغل»

«ساندار بيكاي» الرئيس التنفيذي الجديد لـ«غوغل»
«ساندار بيكاي» الرئيس التنفيذي الجديد لـ«غوغل»

فاجأت «غوغل» مساء أول من أمس، الجميع بالإعلان عن إعادة هيكلة الشركة في الأشهر المقبلة، لتؤسس شركة قابضة جديدة اسمها «ألفابيت» Alphabet، وتصبح شركة «غوغل» شركة فرعية متخصصة بقطاع محرك البحث ونظام التشغيل «آندرويد» و«يوتيوب» والخرائط والإعلانات ومجموعة أخرى من الخدمات، تحت إشراف «ساندار بيكاي» Sundar Pichai، الرئيس التنفيذي الجديد لـ«غوغل».
وستنضم إلى «ألفابيت» الأقسام التي تركز على العلوم، مثل قسم الأبحاث على العدسات اللاصقة التي تقيس مستوى السكر، وشركة «كالكيو» التي تعنى بأبحاث الصحة، فيما ستكون «غوغل إكس» التي تتولى الأبحاث حول السيارات الذاتية القيادة ومناطيد الإنترنت، وحدةً مستقلةً أيضًا. ومن الوحدات الأخرى التي ستنفصل عن «غوغل»، مشروع «وينغ» لتسليم السلع بطائرات من دون طيار، و«غوغل فايبر» لخدمة الإنترنت السريع، ووحدة «نيست» لأتمتة المنازل.
وللوهلة الأولى، فإن هذا الأمر يعني تغيير الاسم فقط، ولكنه سيؤثر بالإيجاب على قطاع الأبحاث والتطوير والمشاريع المبتكرة الجديدة لـ«غوغل»، مثل تطوير السيارات ذاتية القيادة، حيث كان المستثمرون والمساهمون في السابق يشتكون من مغامرات قطاع الأبحاث والتطوير في «غوغل» وتجارب الشركة والتكاليف المرتبة جراء ذلك. ولكن الهيكلة الجديدة تعني أن مستثمري «ألفابيت» سيحصلون على العوائد من مشاريع مربحة كثيرة، مع تجربة الشركة لبعض المشاريع الجديدة التي يتوقع أن تصبح مربحة بعد بضعة أعوام.
ولا يجب التخوف من ابتعاد مؤسسي «غوغل» عن إدارة «غوغل» وتسليمها لشخص جديد، علمًا أن «لاري بيج» سيتولى منصب الرئيس التنفيذي لـ«ألفابيت» بينما سيتولى «سيرجي برين» منصب الرئيس للشركة، ذلك أنهما ابتعدا منذ فترة عن إدارة الأعمال اليومية لمحرك البحث و«يوتيوب» و«آندرويد» وغيرها من الخدمات الأخرى للشركة، وفضلا التركيز على الاستثمار في مشاريع رواد الأعمال والأفكار الجديدة. وكان هذا الأسلوب يخيف المستثمرين ويبعدهم عن الاستثمار في «غوغل» تخوفا من خسارة الأموال في المشاريع الجانبية، وبالتالي فقدان التمويل للشركة ككل، ولكن الهيكلة الجديدة تعني إمكانية الحصول على المزيد من الأموال لتطوير مستوى الخدمات الحالية وتقديم خدمات جديدة ذات قيمة عالية للمستخدمين وتعود بالأرباح على المستثمرين بمخاطر قليلة نسبيا.
وبناء على الهيكلة الجديدة، فإن الشخص المسؤول عن «نظارات غوغل» Google Glass، مثلا، قد يصبح مديرا لشركة منفصلة في المجموعة عوضا عن مدير قسم في «غوغل»، الأمر الذي يسمح باستقطاب المزيد من المهارات والحفاظ على المديرين الماهرين وتطويرهم وظيفيا، وبالتالي تقديم خدمات أفضل للمستخدمين. وتولي الرئيس التنفيذي الجديد لـ«غوغل» مسؤولية قيادة فريقي «آندرويد» و«كروم أو إس» Chrome OS في السابق، ولعب دورا محوريا في إدارة عمليات «غوغل» اليومية.
وتحولت «غوغل» التي يقع مقرها في مدينة «ماونتن فيو» بولاية كاليفورنيا والتي تأسست في عام 1998 من محرك للبحث على الإنترنت إلى مجموعة شركات يعمل فيها أكثر من 40 ألف شخص في مختلف أنحاء العالم. وستحل «ألفابيت» محل «غوغل» في أسواق التداول وستتحول كل أسهم «غوغل» تباعا إلى أسهم لـ«ألفابيت» بنفس العدد ونفس الحقوق. وتجدر الإشارة إلى أن عنوان Alphabet.com وصفحة Alphabet في «فيسبوك» واسم المستخدم Alphabet وAlphabetInc ليست ملكا لشركة Alphabet، بل تعود لأفراد وشركات أخرى.
وبالحديث عن «غوغل»، قالت الشركة مطلع الأسبوع الحالي إنها ملتزمة جدا بمشروع «آندرويد وان» Android One الذي يهدف إلى تقديم هواتف ذكية منخفضة التكلفة تعمل بنظام التشغيل «آندرويد»، والتي تستهدف الدول النامية بشكل رئيسي. وتهدف الشركة إلى تقديم هواتف ذكية جديدة بأسعار تقل عن 50 دولارا أميركيا. وليست «غوغل» الشركة الوحيدة إلى تطمح إلى ذلك، حيث ستطلق شركة «أوبي» Obi في 26 أغسطس (آب) الحالي «هاتف العالم» في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، والذي يعتبر مشروعا يهدف إلى توفير هواتف ذكية منخفضة التكاليف للجميع. ويشغل «جون سكالي» منصب الرئيس التنفيذي للشركة، والذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة «آبل» لمدة 10 أعوام.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)