«فيد».. عاصمة تاريخية وموطن قصر «خراش» الأثري في حائل

تبوأت مكانة خاصة في العصر العباسي وكانت ثالث أهم مدينة بعد بغداد ومكة

السور الحامي للمدينة الذي وضع لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق وما قد يحدث من غارات من قبل الأعداء وقد أعيد ترميمه
السور الحامي للمدينة الذي وضع لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق وما قد يحدث من غارات من قبل الأعداء وقد أعيد ترميمه
TT

«فيد».. عاصمة تاريخية وموطن قصر «خراش» الأثري في حائل

السور الحامي للمدينة الذي وضع لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق وما قد يحدث من غارات من قبل الأعداء وقد أعيد ترميمه
السور الحامي للمدينة الذي وضع لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق وما قد يحدث من غارات من قبل الأعداء وقد أعيد ترميمه

تعدّ «فيد» أحد المواقع الأثرية التاريخية المميزة في منطقة حائل، وذلك لما تحتوي من مخزون أثري كبير، منها قصر خراش الأثري، والمدينة السكنية، والبرك والآبار والقنوات المائية.
وتتركز الآثار لبلدة فيد شمال المدينة وعلى بعد 1.5 كيلومتر، وتصل مساحة الموقع الأثري إلى ما يزيد على 1.5 كيلومتر طولاً ومثله عرضًا. وتعتبر من المدن التاريخية والأثرية المليئة بمشاهد العصور التاريخية القديمة، ويرتادها السياح والمهتمون بالآثار، فهي مدينة تحمل قيمة سياحية وأثرية كبيرة.
وتقع بلدة «فيد» إلى الجنوب الشرقي من منطقة حائل، حيث تبعد عنها نحو 120 كيلومترًا، و160 كيلومترًا من القصيم. وأول ما يطالعك لدى وصولك إلى هذا الموقع هو السور الحامي للمدينة، الذي وضع لحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق وما قد يحدث من غارات من قبل الأعداء، وقد أعيد ترميمه ليكون معلمًا سياحيًّا. وتطالعك في الموقع أعمال الحفر والاكتشاف للأجزاء الشرقية من السور وكذا المباني الخارجية للسور وأبرزها البناء المكتشف حديثًا، الذي يشير بعض الدارسين إلى أنه جامع المدينة.
وتذهب بعض المصادر التاريخية إلى أن مدينة «فيد» تبوأت مكانة خاصة في العصر العباسي، وكانت تعتبر ثالث أهم مدينة بعد بغداد ومكة، حيث إنها تقع في منتصف الطريق بين مكة وبغداد على طريق الحج القديم، أو ما يعرف بدرب زبيدة، مما أسهم في ازدهارها لمرور الحجيج بها والتزود منها بما يحتاجون إليه.
وكان للانتعاش الذي شهده طريق الحج القديم انعكاس مباشر على الأماكن التي يمر بها، ومنها «فيد» التي تعد من المدن الأثرية ويعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وكانت من المدن التي تضاهي في قيمتها واتساعها الكوفة والبصرة في ذلك الوقت، وكانت تسمى «عاصمة الطريق»، يستريح بها الحجاج ويتزودون بما يحتاجون إليه من مؤن، فقد كانت بمثابة سوق مفتوحة، وقد وردت في كتابات كثير من المؤرخين من أمثال: ابن جبير، وابن بطوطة، وغيرهما من المؤرخين، وأيضًا وردت في مؤلفات عدد من الرحالة الغربيين.
ومن أهمّ معالمها الأثرية «الحصن»، ويتكون من سورين خارجي يتكون من أبراج المراقبة، وقد روعي في إنشائه اشتماله على عوامل دفاعيّة، والتصميم الداخلي محصن أيضًا بعدد من الأبراج يقع في وسطها قلعة الحصن التي تعدّ من القلاع المنيعة.
وكان الحصن يتصدى للأخطار التي تتعرض لها فيد، فيعتبر السد المنيع الذي يقف بوجه من يريد مكروهًا بالحجاج أو بالمدينة، وكان يقطن هذا الحصن ما يعرف بأمير الحج آنذاك. ويمكن للسائح تتبع تفاصيل بناء القصر والتعرف على مكوناته المعمارية، وتصاميمه الداخلية والمواد المستخدمة في أعمال البناء والتشييد، وأن يتتبع من الجهة الغربية والشمالية للحصن النسيج المعماري، حيث يمكن التعرف على شبكة الطرق المتقاطعة وعلى مكونات المنازل المطلة عليها وعلى آثار المسجد الكبير الذي يعود للفترة الإسلاميّة، وكذلك رؤية التخطيط الخارجي للمدينة والمشتمل على الآبار والبرك وقنوات المياه السطحية والأرضية والآبار الموجودة على أطراف الموقع.
ولا تزال بعض التفاصيل المعمارية لقصر خراش ظاهرة للعيان، وهو مشيّد ومبني من الحجارة السوداء، تعرف أيضًا باسم حجارة الحرة وأبعاده 120م×80م، ويشتمل على أبراج دائرية ونصف دائرية تقع في منتصف الحصن، أبرزها بقايا القلعة، تقع في الطرف الشمالي الشرقي من الحصن ومدخلها يقع على الأرجح في الجهة الجنوبية، وإلى الجنوب الغربي من القلعة، آثار أساسات لمبان تحيط بالقلعة أو القصر، بالإضافة إلى أساسات بنائية منتشرة في كل أرجاء الحصن. كما يحوي الحصن معالم بنائية مكتشفة، عبارة عن مجموعة من الحجرات الملاصقة للسور الجنوبي، ومعالم أبراج نصف دائرية، كذلك آثار لعدد من المباني في غرب وجنوب الحصن تبدو كأنها ملاحق للقصر، كما توجد آثار لبئرين تم شقهما في الجهة الشمالية والشرقية للحصن، وكانتا تستعملان في تزويد الحصن بالمياه.
ويتوسط قصر خراش المدينة القديمة، ويرى الباحثون أنه حصن مخصص لقصر حاكم المدينة، كما كشفت الحفريات الأثرية في المبنى وقرب سور الحصن في الجهة الجنوبية عثر على الكثير من الغرف ومرابط للخيل وسكن للحراس وإقامة للزوار، فيما تركز في الجهة الغربية من المدينة مساكن الأهالي في المدينة الأثرية التي كشفتها التنقيبات الأثرية عن طريق المجسات والحفريات التي أظهرت أن الأهالي كانوا يعتمدون على بركتين شمالية وجنوبية ورصد الباحثون عددًا من الآبار مطوية بالحجر وعميقة، ووصل قطر إحدى تلك الآبار إلى عشرة أمتار، وهناك أيضًا بركة القصر وهي بركة يقترب قطرها من السبعة أمتار وعمقها أكثر من مترين حفرت على شكل الحرف ثمانية وأوصلت بقناة توريد مياه لها من مصدر بعيد.
وحظيت «فيد» بالاهتمام والعناية من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار بالسعودية، فالموقع شهد عمليات بحث وتنقيب ودراسات منظمة، كما أنه يحتوي على لوحات إرشادية ولافتات تثقيفية، وكانت الجهود قد توالت في آثار مدينة «فيد» منذ سنوات من خلال دعم كبير لأجل اكتشاف هذه المدينة التاريخية، حيث أجرت فرق العمل أعمالهم لاكتشاف المزيد من التنقيب، كما تعمل الهيئة في مدينة فيد الأثرية بشكل مستمر ومتواصل وفق الخطط المرسومة والجداول الزمنية المعدة لاكتشاف المزيد من أسرار هذه المدينة العريقة.
ومن أبرز الأعمال التي جرى التنقيب عنها اكتشاف أقدم نقش إسلامي بمنطقة حائل بقرب المدينة، كما تم الكشف عن أقدم جامع في منطقة حائل يعود للفترة المبكرة من الإسلام، كذلك الكشف عن تحفة معمارية نادرة الوجود في الجزيرة العربية.
وتعود معظم المعثورات في المدينة إلى العصور الإسلامية ويصل عمرها إلى قرابة 1300 سنة، ومن المعثورات العملات المعدنية والأواني الخزفية والفخارية، كما تحتوي المدينة الأثرية على كثير من الوحدات المعمارية، متمثلة بأساسات مبان بعضها يشكّل وحدات معمارية متكاملة، إضافة إلى منشآت مائية، تظهر أساسات مبانيها على السطح مع آثار آبار قديمة، أما الرسوم الصخرية والنقوش والكتابات القديمة فقد رُصدت رسوم صخرية على واجهات الجبال عبارة عن رسوم لحيوانات مختلفة ونقوش قديمة وكتابات إسلامية مبكرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».