الوزير الأول الأسكوتلندي آسيوي آخر يلمع سياسياً في بريطانيا

حمزة يوسف من أسرة مسلمة باكستانية يتجاوز العوائق القومية

الوزير الأول الأسكوتلندي آسيوي آخر يلمع سياسياً في بريطانيا
TT

الوزير الأول الأسكوتلندي آسيوي آخر يلمع سياسياً في بريطانيا

الوزير الأول الأسكوتلندي آسيوي آخر يلمع سياسياً في بريطانيا

اختار أخيراً الحزب القومي الأسكوتلندي الحاكم في إقليم أسكوتلندا البريطاني السياسي الشاب الباكستاني الأصل حمزة يوسف زعيماً له، وبالتالي رئيساً لوزراء أسكوتلندا. بانتخاب يوسف لزعامة حزب الغالبية الحاكم في البرلمان الإقليمي، فإنه بات ثالث «رئيس وزراء» (المسمى الرسمي للمنصب هو «وزير أول») قومي أسكوتلندي، بعد «سلفيه» أليكس سالموند ونيكولا ستيرجن، يقود الإقليم، الذي هو ثاني أكبر الأقاليم الأربعة التي تشكل المملكة المتحدة (لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية). أكثر من هذا، أنه مع نجاح يوسف في بلوغ هذا الموقع السياسي البارز يتعزّز أكثر حضور البريطانيين المتحدّرين من أصول آسيوية مهاجرة في الواجهة السياسية على امتداد الجزر البريطانية. إذ سبق أن وصل الطبيب الهندي الأصل الدكتور ليو فارادكار إلى زعامة حزب «فين غايل» ورئاسة حكومة جمهورية آيرلندا (بين 2017 و2020) ثم استعاد المنصب منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022 وحتى اليوم. وتولى ريشي سوناك، وهو متحدر أيضاً من أصول هندية، رئاسة الحكومة البريطانية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022 في أعقاب انتزاعه زعامة حزب المحافظين. وقبله انتُخب صدّيق خان، الناشط والسياسي العمالي البارز، عمدة للعاصمة البريطانية لندن. ومنذ فترة، وحتى اليوم، شغل ويشغل أبناء مهاجرين من آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط - من الهندوس والمسلمين والبوذيين والمسيحيين - حقائب حكومية بارزة، بينها وزارات المالية والداخلية، كما أن وزير الخارجية الحالي جيمس كليفرلي ابن أم سيراليونية.
قبل انتخاب حمزة يوسف زعيماً للحزب القومي الاسكوتلندي، الحاكم في ثاني أكبر الأقاليم البريطانية من حيث عدد السكان بعد إنجلترا، كان الناشط السياسي الشاب من النجوم الصاعدة داخل الحزب. ومع أن قاعدة هذا الحزب بالذات «قومية اسكوتلندية» تؤيد بقوة استقلال اسكوتلندا، وسيادة الاسكوتلنديين على أرضهم التاريخية في شمال الجزر البريطانية، فإنها لم تجد ممانعة في أن يقودها زعيم من بيئة مسلمة مهاجرة من شبه القارة الهندية لا علاقة عرقية لها بالهوية الكلتية التي تنضوي تحت لوائها أبرز أقليات الجزر البريطانية (الاسكوتلنديون والآيرلنديون والويلزيون والكوورنووليون والمانكس). والدليل، أن جلّ استطلاعات الرأي التي أجريت بعيد إعلان رئيسة وزراء الإقليم نيكولا ستيرجن نيتها الاستقالة، بيّنت تقدم يوسف على منافسيه، ورجّحت فوزه بالتصويت على خلافتها بالمنصب، وهكذا كان.

النشأة والمسيرة
وُلد حمزة هارون يوسف في مدينة غلاسغو، كبرى المدن الاسكوتلندية من حيث عدد السكان، يوم 7 أبريل (نيسان) من عام 1985. وهو ابن مظفّر يوسف، المهاجر من إقليم البنجاب في باكستان إلى الجزر البريطانية خلال عقد الستينات من القرن الماضي. ولقد عمل مظفّر بعد استقراره في بريطانيا في مهنة المحاسبة. في حين كان والد مظفر (وجدّ حمزة) عاملاً بمصنع ماكينات «سينجر» للخياطة في مدينة كلايدبانك غربي غلاسغو. أما بالنسبة للأم، فإنها ولدت في مدينة نيروبي، عاصمة كينيا، لأسرة آسيوية مهاجرة أيضاً. ولمّا كانت أسرة الأم قد عانت في أفريقيا طويلاً من تكرار الاعتداءات العنصرية العنفية، قررت بعد فترة الهجرة إلى بريطانيا، وهناك استقرت في اسكوتلندا، حيث التقت أسرتا الأب والأم وحصل الزواج.
تلقى الطفل حمزة تعليمه في إحدى المدارس الابتدائية في ناحية أيست رينفروشاير، بالضواحي الغربية لغلاسغو. وفي مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية ألحقه أهله بمدرسة هتشيسون حيث تخرّج، وغير أنه بعدما تذوّق لأول مرة طعم السياسة وأخذ يهتم بالعمل السياسي. وكان يوم الاعتداء المزدوج على نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001 مفصلياً في حياته، ففي حينه طرح عليه اثنان من زملائه في المدرسة أسئلة... منها «لماذا يكره المسلمون أميركا؟».
إثر هذه التجربة، عزم حمزة يوسف على السير بخلاف رغبة والديه اللذين كانا يريدان له دراسة الطب أو الحقوق أو الصيدلة، فقرر دراسة العلوم السياسية في الجامعة. وبالفعل، درس العلوم السياسية في جامعة غلاسغو المرموقة، وأدى نشاطه السياسي الدؤوب إلى انتخابه رئيساً لرابطة الطلبة المسلمين في الجامعة، كما أنه برز على مسرح السياسة الطلابية في الجامعة قبل أن يتخرّج فيها بدرجة الماجستير عام 2007.

نشاط ما بعد الجامعة
في الواقع، اهتم يوسف منذ الصغر بالعمل الاجتماعي، وعمل لعدد من الجمعيات من منظمات الفتيان إلى جمع التبرعات للمبرّات الخيرية. ولبعض الوقت تطوّع للعمل ناطقاً إعلامياً مع منظمة «الإغاثة الإسلامية»، ونشط في مشروع لإطعام المشردين وطالبي اللجوء في غلاسغو. ولكن، في مجال السياسة، انضم يوسف عام 2005 إبّان سنوات دراسته الجامعية إلى الحزب القومي الأسكوتلندي. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تأثر كثيراً خلال تلك المرحلة بغزو العراق (عام 2003) في عهد حكومة توني بلير العمالية، فقد انجذب كثيراً لخطب أليكس سالموند زعيم القوميين الاسكوتلنديين (وأول «وزير أول» قومي اسكوتلندي في اسكوتلندا) المناهضة للحرب في العراق، كما تأثر بحماسة الناشطة السلمية روز جنتل ضد الحرب. ولقد أدرك في حينه أن استقلال اسكوتلندا هو الخيار الوحيد لانتهاجها سياسة مستقلة لا تُملى عليها إملاءً من لندن.
وهكذا، انطلق مشوار الشاب المتحمس مع الحزب القومي الاسكوتلندي، وساهم بهمّة وحماسة في حملات الحزب الانتخابية، بما فيها الانتخابات للبرلمان الاسكوتلندي الإقليمي عام 2007. وهي الانتخابات التي فاز بها الحزب، وتولّى بفضلها لأول مرة الحكم في الإقليم، كما أدت إلى شغله أول وظيفه له في هذا البرلمان. وحقاً، بعد الانتخابات، عمل يوسف مساعداً برلمانياً لبشير أحمد، الذي كان أول مسلم يدخل البرلمان الاسكوتلندي عام 2007. غير أن أحمد توفي بعد سنتين، فانتقل يوسف للعمل مساعداً برلمانياً لكل من سالموند، ثم نيكولا ستيرجن، التي خلفته في منصبيه في زعامة الحزب ومنصب «الوزير الأول» للإقليم عام 2014... وظلت فيه حتى خلفها يوسف نفسه قبل بضعة أسابيع.
في مكتب الحزب أسند إلى حمزة يوسف منصب مسؤول عن التواصل، قبل أن ينتخب عضواً في البرلمان الإقليمي للمقعد الإضافي عن منطقة غلاسغو الكبرى عام 2011، وهو في السادسة والعشرين من العمر... ويغدو أصغر نواب البرلمان الأسكوتلندي سناً. وللعلم، عندما أدى يوسف قسم الولاء الرسمي فإنه أداه باللغتين الإنجليزية والأوردية، وارتدى زيه الآسيوي التقليدي.
وفي العام التالي، 2012 عيّنه سالموند وزيراً مساعداً للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، فكان أول مسلم يدخل الحكومة في اسكوتلندا، واستمر في هذا المنصب حتى 2014، عندما استقال سالموند، وخلفته ستيرجن. ثم في حكومة ستيرجن عُيّن عام 2014 عُيّن وزيراً مساعداً للشؤون الأوروبية، ثم وزيراً للنقل وشؤون الجزر الاسكوتلندية عام 2016. وخلال هذا العام أعيد انتخابه لعضوية البرلمان الإقليمي نائباً عن دائرة غلاسغو - بولوك.
خلال هذا الفترة كان من أشهر كلمات يوسف في تعريفه لما يعنيه استقلال اسكوتلندا قوله «إنه سيضيف صوتاً تقدمياً إزاء القضايا العالمية، مروّجاً لمبادئ السلام والمساواة والإنصاف... هذا الاستقلال سيتحقق بالوسائل الديمقراطية السلمية من دون إراقة نقطة دم واحدة، وستتشارك فيه كل المكوّنات المتنوّعة التي تشكّل معاً نسيجنا الاسكوتلندي الثري».

وزيراً للعدل ثم الصحة
جاءت القفزة الأهم، في العام 2018، عندما رُقّي يوسف مجدّداً داخل حكومة ستيرجن؛ إذ دخل مجلس الوزراء هذه المرة وزيراً للعدل خلفاً للوزير السابق مايكل ماثيسون. وخلال هذه الفترة، قدّم مشروع القانون المثير للجدل حول «جرائم الكراهية». وكان مشروع القانون هذا يخفف من التشريعات الموجودة، ومع أنه يبقي على حرية التعبير فإنه يعزز في المقابل حماية الأقليات المضطهدة. بيد أن المشروع لاقى انتقادات من جهات عدة، بينها الكنيسة الكاثوليكية والجمعية الوطنية العلمانية ومجموعة من الكتّاب. وفي سبتمبر 2020 عدّل مشروع القانون هذا وأزيلت منه بنود مختلف عليها.
وسجّلت فترة شغله وزارة العدل انخفاضاً لافتاً لمعدلات الجريمة. ولكن، بعد 3 سنوات، عام 2021، أعيد انتخابه عن دائرة غلاسغو - بولوك البرلمانية، في انتخابات أخفق فيها القوميون الاسكوتلنديون في الاحتفاظ بغالبيتهم المطلقة بفارق مقعدين، لكنهم ظلوا الحزب الأكبر في المجلس بأكثر من ضعفي عدد مقاعد حزب المحافظين صاحب المرتبة الثانية. وبعدها، انتقل داخل الحكومة ليتولى منصب وزير الصحة خلفاً للوزيرة السابقة جين فريمان، في أواخر فترة جائحة «كوفيد - 19». وكان بحكم مسؤولياته مشرفاً وبفاعلية كبيرة على دعم عمل «خدمة الصحة الوطنية» وتعزيز عمليات التلقيح ضد الفيروس، التي كانت قد انطلقت في عهد فريمان.
ولكن، في مطلع العام الحالي، بعد إعلان ستيرجن يوم 15 فبراير (شباط) اعتزامها الاستقالة من منصبها كزعيمة للحزب القومي الاسكوتلندي و«وزيرة أولى» لاسكوتلندا، أعلن حمزة يوسف دخوله حلبة الترشح لخلافتها. وبالفعل، فاز في التصويت الداخلي للحزب وأصبح من ثم زعيماً له يوم 27 مارس (آذار) الماضي.

بعض مواقفه السياسية
في 15 فبراير الفائت، لدى إعلان ستيرجن اعتزامها التنحي عن منصبيها الحزبي والوزاري، فتحت حلبة التنافس لخلافتها، وأعلن حمزة يوسف خلال 3 أيام ترشحه لخلافتها خلال لقاء صحافي. وأعلن سلسلة مواقف، بينها: مواجهة قرار الحكومة البريطانية برفض مشروع القانون الاسكوتلندي للتعريف الجندري (الجنسي)، العمل على زيادة التأييد لاستقلال اسكوتلندا قبل استفتاء على الأمر. ثم إنه طرحه نفسه كـ«مرشح استمرارية» لسياسات ستيرجن «التقدمية» والمؤسسة الحزبية القائمة. وبسرعة نال دعم العديد من قيادات الحزب.
بعدها قال خلال مهرجان انتخابي، إنه لا يعدّ نتيجة الانتخابات المقبلة في بريطانيا - أي نتيجة كانت - «استفتاءً» على استقلال اسكوتلندا. وفي مسألة أثارت بعض اللغط حول مشروع قانون زواج المثليين، تعرّض يوسف لانتقاد ضمني من كايت فوربز، المرشحة المنافسة على المنصب والمناهضة لزواج المثليين، لتغيبه في الجلسة الحاسمة عن التصويت على المشروع. إلا أن يوسف رد بأنه «لا يشرّع بناءً على أساس الدين والمعتقد». وأوضح، أنه إنما تغيب عن التصويت بسبب اجتماعه مع القنصل الباكستاني وإثارته معه حكم الإعدام الصادر في باكستان بحق مواطن اسكوتلندي بتهمة التجديف.
في أي حال، فاز حمزة يوسف في الانتخابات الحزبية على الزعامة يوم 27 مارس... ليغدو أول شخص غير أبيض، وأول مسلم، يُنتخَب «وزيراً أول» (رئيس وزراء) لاسكوتلندا منذ استحداث المنصب عام 1999. وتقبّل يوسف مقاليد المنصب في مراسم نظمت في ملعب مريفيلد الكبير في العاصمة إدنبره.


مقالات ذات صلة

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

العالم شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

شرطة لندن تقبض على «مسلّح» أمام قصر باكنغهام

أعلنت شرطة لندن، الثلاثاء، توقيف رجل «يشتبه بأنه مسلّح» اقترب من سياج قصر باكينغهام وألقى أغراضا يعتقد أنها خراطيش سلاح ناري إلى داخل حديقة القصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

شاشة لتوفير خصوصية خلال اللحظة الأهم في تتويج الملك تشارلز

قال قصر بكنغهام وصناع شاشة جديدة من المقرر استخدامها خلال مراسم تتويج الملك تشارلز الأسبوع المقبل إن الشاشة ستوفر «خصوصية مطلقة» للجزء الأكثر أهمية من المراسم، مما يضمن أن عيون العالم لن ترى الملك وهو يجري مسحه بزيت. فالشاشة ثلاثية الجوانب ستكون ساترا لتشارلز أثناء عملية المسح بالزيت المجلوب من القدس على يديه وصدره ورأسه قبل وقت قصير من تتويجه في كنيسة وستمنستر بلندن في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقال قصر بكنغهام إن هذه اللحظة تاريخيا كان ينظر إليها على أنها «لحظة بين الملك والله» مع وجود حاجز لحماية قدسيته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

استقالة رئيس هيئة «بي بي سي» على خلفية ترتيب قرض لجونسون

قدّم رئيس هيئة «بي بي سي» ريتشارد شارب، أمس الجمعة، استقالته بعد تحقيق وجد أنه انتهك القواعد لعدم الإفصاح عن دوره في ترتيب قرض لرئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون. وقال شارب، «أشعر أن هذا الأمر قد يصرف التركيز عن العمل الجيد الذي تقدّمه المؤسسة إذا بقيت في المنصب حتى نهاية فترة ولايتي». تأتي استقالة شارب في وقت يتزايد التدقيق السياسي في أوضاع «بي بي سي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»: على البريطانيين القبول بصعوباتهم المالية

أكد كبير الاقتصاديين في «بنك إنجلترا»، اليوم (الثلاثاء)، أنه يتعين على البريطانيين القبول بتراجع قدرتهم الشرائية في مواجهة أزمة تكاليف المعيشة التاريخية من أجل عدم تغذية التضخم. وقال هيو بيل، في «بودكاست»، إنه مع أن التضخم نجم عن الصدمات خارج المملكة المتحدة من وباء «كوفيد19» والحرب في أوكرانيا، فإن «ما يعززه أيضاً جهود يبذلها البريطانيون للحفاظ على مستوى معيشتهم، فيما تزيد الشركات أسعارها ويطالب الموظفون بزيادات في الرواتب». ووفق بيل؛ فإنه «بطريقة ما في المملكة المتحدة، يجب أن يقبل الناس بأن وضعهم ساء، والكف عن محاولة الحفاظ على قدرتهم الشرائية الحقيقية».

«الشرق الأوسط» (لندن)
«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

«التنمر» يطيح نائب رئيس الوزراء البريطاني

قدّم نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، استقالته، أمس، بعدما خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّه تنمّر على موظفين حكوميين. وفي نكسة جديدة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، خلص تحقيق مستقلّ إلى أنّ راب، الذي يشغل منصب وزير العدل أيضاً، تصرّف بطريقة ترقى إلى المضايقة المعنوية خلال تولّيه مناصب وزارية سابقة. ورغم نفيه المستمر لهذه الاتهامات، كتب راب في رسالة الاستقالة الموجّهة إلى سوناك: «لقد طلبتُ هذا التحقيق، وتعهدتُ الاستقالة إذا ثبتت وقائع التنمّر أياً تكن»، مؤكّداً: «أعتقد أنه من المهم احترام كلمتي». وقبِل سوناك هذه الاستقالة، معرباً في رسالة وجهها إلى وزيره السابق عن «حزنه الشديد»، ومشيداً بسنوات خدمة

«الشرق الأوسط» (لندن)

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.