«صداع الأدوية»... أحد الآثار الجانبية الشائعة لتناول العقاقير

اهتمام طبي متزايد بتداعياته

«صداع الأدوية»... أحد الآثار الجانبية الشائعة لتناول العقاقير
TT

«صداع الأدوية»... أحد الآثار الجانبية الشائعة لتناول العقاقير

«صداع الأدوية»... أحد الآثار الجانبية الشائعة لتناول العقاقير

العلاقة بين الصداع وتناول الأدوية من القضايا الطبية التي لا تزال تبحث عن الوضوح في فهم آليات حدوثها، وحصر قائمة الأدوية الشائعة المتسببة في الصداع، وتمييزها عن العوامل الأخرى التي تسبب الصداع، وما الذي يجدر فعله عندما تكون الأدوية العلاجية والضرورية سبباً في معاناة لا قُدرة للمريض على تحمل استمرارها وتكرارها.
وأهمية هذه العلاقة تأتي من 3 جوانب:
- إفادة المصادر الطبية بأن الصداع أحد الآثار الجانبية «الشائعة» لأنواع «كثيرة» من الأدوية.
- تشخيص سبب الإصابة بتكرار وشدة الصداع أمر مهم لدى الأعمار كافة. أي رصد السبب، وهل هو الدواء أم حالة مرضية أخرى.
- احتمالات تدني امتثال المريض لتناول الدواء العلاجي لحالة مرضية لديه إذا كان هو السبب في معاناته من الصداع.

- أنواع «صداع الدواء»
ولكن على الرغم مما تقدم، فإن من اللافت للنظر هو تكرار قول الباحثين الطبيين إن هناك تدنياً في «مستوى الاهتمام الطبي» بهذه المشكلة الصحية، وبالتالي احتمال تدني الاهتمام بشكوى المرضى منها والعمل على مساعدتهم في التخفيف منها.
وللتوضيح؛ قديماً، وتحديداً في عام 2009، قال باحثون إيطاليون في إحدى الدراسات الطبية (كما سيأتي): «الصداع بصفته من ردود الفعل السلبية للأدوية، قد حظي باهتمام محدود». وفي دراسة حديثة نسبياً، وتحديداً في عام 2021، قال باحثون برتغاليون (كما سيأتي أيضاً): «والصداع، بصفته من مظاهر التفاعلات الدوائية الضارة، يلقى اهتماماً محدوداً من (السلامة الدوائية)».
ولتبسيط تلك العلاقة المتشابكة بين الصداع وتناول الأدوية، فإن الأوساط الطبية تُصنفها إلى أنواع ثلاثة؛ هي:
- «الصداع الارتدادي (Rebound Headache): وهو الصداع الناتج عن تكرار وطول مدة تناول مجموعات من الأدوية المُسكّنة للألم، والتي تُستخدم في الأصل في علاج الصداع نفسه.
- أنواع الصداع الذي ينشأ مع بدء، أو نتيجة استمرار، تناول أدوية ضرورية لعلاج حالات مرضية حادة أو مزمنة، كالالتهابات الميكروبية، أو ارتفاع ضغط الدم، أو ضيق شرايين القلب، أو اضطرابات نفسية عدة، وغير ذلك... أي بصفته «أثراً جانبياً (Side Effect)» لتناول دواء ضروري.
- أنواع الأدوية التي تثير أو تفاقم نوبات «الصداع النصفي (الشقيقة) Migraine»، على وجه الخصوص.
ووفقاً للدكتور آندرو تشارلز، أستاذ علم الأعصاب ومدير أبحاث وعلاج الصداع في «كلية ديفيد جيفن للطب» بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، فإن الأدوية المتسببة في الصداع مشكلة شائعة يراها أطباء الصداع وأطباء غير الصداع على حد سواء. وقال، في جزء من عرض تقديمي خلال «القمة العالمية الافتراضية للصداع النصفي 2018Virtual 2018 World Migraine Summit) )»: «أي دواء مطروح على الطاولة مُسبب محتمل لتفاقم الصداع النصفي. عليك دائماً التفكير في شيء قد يبدو غير ضار بوصفه مساهماً محتملاً».

- تفاعلات دوائية
وفي دراسة بعنوان «الصداع بصفته رد فعل سلبياً على استخدام الأدوية لدى كبار السن: دراسة السلامة الدوائية»، نشرت في عدد 7 مارس (آذار) 2021 من «المجلة الدولية للبحوث البيئة والصحة العامة (Int J Environ Res Public Health)»، قال باحثون برتغاليون: «هناك إجماع على أن الأفراد المسنين معرضون تماماً للتفاعلات الدوائية العكسية (ADRs)، وأن الصداع يمكن أن يكون نتيجة للتفاعلات الدوائية العكسية». وقالوا في نتائجهم: «من المهم أن يولي اختصاصيو الرعاية الصحية مزيداً من الاهتمام بالصداع المبلغ عنه بصفته تفاعلات دوائية عكسية لدى كبار السن، والأدوية المشتبه فيها في تسببه، من أجل زيادة المعرفة حول هذا النوع من التفاعل والمساهمة في استخدام الأدوية بأمان في هذه الفئة العمرية».
وأضافوا: «والصداع، بصفته مظهراً من مظاهر التفاعلات الدوائية الضارة، يلقى اهتماماً محدوداً من (السلامة الدوائية). ومن الطبيعي أن يتناقص انتشار الصداع مع تقدم العمر، وتميل خصائصه لدى كبار السن إلى الاختلاف عن تلك الموجودة لدى الأشخاص الأصغر سناً. كما يعاني المرضى المسنون من عدد متزايد من الأمراض المصاحبة، وبالتالي، زيادة عدد الأدوية التي يجري تناولها. وأيضاً يعانون من التغيرات المرتبطة بالعمر في ديناميكا الدواء داخل الجسم.، مما يعني ارتفاع خطر التعرض للإصابة بالتفاعلات الدوائية الضارة»، والصداع أحد أهمها. واستطردوا في التوضيح بقولهم: «وهناك كثير من الأدوية المستخدمة في العلاج الحاد أو المزمن للأمراض المختلفة، والتي ترتبط بالصداع في رد فعل سلبي. والأدوية التي يشيع استخدامها لدى المرضى المسنين والتي يمكن أن تسبب الصداع تشمل: المضادات الحيوية، والأدوية المضادة للفيروسات، ومضادات الاكتئاب، وأدوية الكولسترول، والمسكنات التي تعمل بالجهاز العصبي المركزي (المهدئات والمنبهات)، والأمانتادين (Amantadine) وليفودوبا (Levodopa) لعلاج مرض باركنسون العصبي، وديبيريدامول (Dipyridamole) (مضاد لترسب الصفائح الدموية)، وحاصرات بيتا (Beta – Blockers)، وحاصرات قنوات الكالسيوم (Calcium - Channel Blockers) لعلاج ارتفاع ضغط الدم واضطرابات نبض القلب وحالات ضعف القلب وأمراض شرايين القلب، ومضادات اضطراب نبض القلب (Antiarrhythmics)، ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs)، وأدوية المعدة، وموسعات الشعب الهوائية، والعلاج الكيميائي، وأنواع من الهرمونات، وأدوية ضعف الانتصاب».
والواقع أن محاولات تركيز الاهتمام الطبي والدراسات الإكلينيكية على هذا الجانب بدأت منذ فترة قديمة. وفي إحدى الدراسات الطبية الإيطالية الصادرة قديماً بعنوان: «ركز على الصداع بصفته رد فعل سلبياً للأدوية»، والتي نشرت في عدد 25 يناير (كانون الثاني) عام 2009 من مجلة «ألم الصداع (J Headache Pain)»، قال الباحثون: «هناك عدد كبير من الأدوية التي تسبب الصداع بصفته رد فعل سلبياً. ومع ذلك، فإن الصداع بصفته أحد ردود الفعل السلبية للأدوية، قد حظي باهتمام محدود. وردود الفعل السلبية، مثل الصداع، مزعجة للغاية، ويمكن أن تؤثر على نوعية حياة المرضى وتساهم في عدم امتثالهم (لتناول الأدوية العلاجية). ويزداد عدد المرضى الذين يعانون من الصداع بصفته رد فعل سلبياً، مع الاستخدام المتزايد للأدوية». وأضافوا: «لم تجر دراسة الصداع بوصفه تفاعلات عكسية للأدوية كثيراً في مجال (السلامة الدوائية Pharmacovigilance)، أو من قبل أطباء وباحثي الصداع. والأدوية يمكن أن تسبب الصداع عند علاج الحالات الحادة أو المزمنة، أو بعد وقف تناول الدواء».

- الصداع الارتدادي... رد فعل غير متوقع
> أحد الأمور التي قد يستغربها البعض أن من أهم أنواع الأدوية التي تسبب الصداع، هي أدوية علاج الصداع ذاتها. كما أن نوعية الصداع الناجم عن تكرار وطول مدة تناول أدوية الصداع، أشد ازعاجاً من الصداع الأصلي.
ويقول أطباء الأعصاب في «مايو كلينك»: «الاستخدام المتكرر لأدوية الصداع يَزيد خطر الإصابة لديكَ إذا استعملتَ مجموعة من مسكِّنات الآلام أو الإرغوتامين أو التريبتانات لمدة 10 أيام أو أكثر في الشهر، أو عند استخدام مسكِّن الألم العادي لأكثر من 15 يوماً في الشهر، خصوصاً إذا استمرَ هذا الاستخدام المتكرِّر 3 أشهر أو أكثر».
ويُسمى هذا الصداع الناتج عن عدم انضباط تناول أدوية علاج الصداع بـ«الصداع الارتدادي Rebound Headache))».
ومن أمثلة الأدوية التي يمكن أن تسبب الصداع الارتدادي: الأسبرين، وأسِيتامينوفين (تايلينول)، وباراسيتامول (بانادول)، وإيبوبروفين (بروفين)، ونابروكسين، وديكلوفيناك (فولتارين)، ومسكنات الآلام المحتوية على الكوديين، ومسكنات الآلام المحتوية على الكافيين، والتريبتان من أدوية علاج الصداع النصفي (المياغرين).
والطريقة الفضلى لإزالة الصداع الارتدادي هي التوقف (تحت الإشراف الطبي) عن تناول الأدوية المُسكنّة للألم، التي تسببت في الصداع الارتدادي.
ولكن كما يوضح أطباء الأعصاب في «مايو كلينيك»؛ «ضع في حسبانك أنه عند التوقف فوراً عن تناول ذلك الدواء، فقد تصاب بـ(أعراض الانسحاب Withdrawal Symptoms)، مثل الغثيان أو مشكلات النوم أو الصداع الأسوأ. ولذا قد ينصح الطبيب بتقليل الجرعة تدريجياً، ثم التوقف التام».

- 5 أدوية شائعة تسبب نوبات الصداع
> إضافة إلى ما تقدم في كلام الباحثين البرتغاليين حول الأدوية، هناك مجموعة أخرى من الأدوية استخدامها أكثر شيوعاً وتسبب الصداع؛ منها:
1- حبوب منع الحمل: تقول «مؤسسة الصداع النصفي الأميركية (AMF)» في نشرتها الصحية: «يجب على النساء المصابات بالصداع النصفي التحدث إلى مقدم الرعاية الصحية قبل البدء في تلقي أدوية منع الحمل الهرمونية». ونقلت قول الدكتورة جيلينا بافلوفيتش، الأستاذة المساعدة في طب الأعصاب في «كلية ألبرت أينشتاين للطب»: «لدى النساء اللاتي عانين من الصداع النصفي سابقاً، واللاتي بدأن بعد ذلك تناول منتجات الإستروجين الخارجية (حبوب منع الحمل)، يمكن غالباً أن ينحسر صداعهن بوجود مستويات ثابتة من الإستروجين. ولكن في بعض الأحيان يمكن أن يتفاقم الصداع أو يصبح أكثر تكراراً. وبالنسبة إليهن؛ يجب حسبان ذلك علامة حمراء». وكذلك الأمر لدى النساء اللاتي يتلقين العلاج بالهرمونات البديلة (HRT)، لتخفيف أعراض انقطاع الطمث.
2- أدوية خفض حموضة المعدة: مثبطات مضخة البروتون (PPIs) من أفضل وأقوى ما يتوفر حالياً لخفض إنتاج المعدة للأحماض، وبالتالي تخفيف أعراض الارتداد المعدي المريئي (GERD) والتهابات المعدة (Gastritis) وقرحة المعدة (Peptic Ulcer). ووفقاً للدكتور آندرو تشارلز، فهناك بعض الأدلة على أن هذه الأدوية تدخل في الجهاز العصبي، ويكون المرضى أكثر عرضة للشكوى من الصداع. ويتساءل: «هل فائدة الدواء تستحق احتمال أن يؤدي تناوله إلى تفاقم الصداع النصفي؟».
3- بخاخات الأنف: بخاخات الكورتيزون الأنفية ومزيلات الاحتقان، تُستخدم لعلاج الحساسية المزمنة. ويقول الدكتور تشارلز: «لقد ثبت أن الاستخدام المنتظم طويل الأمد لهذه الأدوية، يمكن أن يكون محفزاً للصداع النصفي». والمشكلة، كما قال، أن «الناس يحصلون على دواء ويبقون عليه، حتى لو اختفت الأعراض. من الأفضل استخدام هذه الأدوية بشكل متقطع وفق الحاجة. ويمكن لمقدم الرعاية الصحية تقديم التوجيه».
4- أدوية توسيع شرايين القلب: أدوية النترات تُستخدم لتخفيف ألم الصدر لدى مرضى التضيق في شرايين القلب، مثل حبوب النتروغليسرين التي توضع تحت اللسان كي تعمل على توسيع شرايين القلب؛ لزيادة تدفق الدم بسهولة أكبر إلى عضلة القلب. وأحد الآثار الجانبية الشائعة لأدوية النترات هو الصداع. ووفق ما تشير إليه المصادر الطبية، يمكن أن يصاب المريض بصداع من خفيف إلى متوسط بعد فترة وجيزة من تلقي الدواء، أو قد يصاب بالصداع النصفي الشديد بعد ما بين 3 و6 ساعات. وقد يختفي الصداع عندما يعتاد الجسم الدواء. كذلك فإن الشخص الذي يتناول النترات وبدأ يشعر بالصداع، فعليه أن يستمر في تناول الدواء والتحدث إلى طبيب؛ لأن التوقف تماماً عن تناولها قد يضر بالقلب.
5- حبوب الفيتامينات: تناول حبوب مكملات الزنك ومكملات الحديد، قد يرتبط بالصداع في أثر جانبي للجرعات الزائدة منهما. كما تتضمن قائمة «الإفراط في تناول بعض أنواع الفيتامينات» التي رُبطت بالصداع بصفته أثراً جانبياً، كلاً من: فيتامين «إيه (A)»، وفيتامينات «بي (B)»، وفيتامين «سي (C)»، وفيتامين «دي (D)»، وفيتامين «إي (E)». ويشير أطباء «مايو كلينك» إلى أن تناول فيتامين «سي» بجرعات عالية، أكثر من 2000 مليغرام في اليوم، يمكن أن يتسبب في الصداع. والإفراط في تناول فيتامين «بي3 (نياسين Niacin)»، يسبب الصداع. وكذلك الحال مع الإفراط في تناول فيتامين «بي12».


مقالات ذات صلة

من بينها تجنُّب الخلافات الزوجية... 7 طرق لمكافحة تدهور الذاكرة

صحتك سيدة مصابة بالخرف (رويترز)

من بينها تجنُّب الخلافات الزوجية... 7 طرق لمكافحة تدهور الذاكرة

تشير الأدلة والأبحاث إلى أن أكثر من 40 في المائة من حالات الخرف وفقدان الذاكرة يمكن الوقاية منها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك طفل يعاني من مرض التوحد في الولايات المتحدة (أرشيفية - رويترز)

الإنفلونزا خلال الحمل قد تؤدي إلى إصابة الجنين بالتوحد

كشفت دراسة حديثة عن أن إصابة الحوامل بالإنفلونزا قد تؤدي إلى إصابة الأجنة بالتوحد الذي يستمر مدى الحياة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أشخاص يمارسون رياضة اليوغا (رويترز)

اكتشاف ثوري بالدماغ قد يساعد في تطوير دواء يحمل فوائد «اليوغا»

توصّل عدد من الباحثين إلى دائرة بالدماغ مسؤولة عن التنفس الطوعي والتنظيم العاطفي، في اكتشاف قد يؤدي إلى علاجات جديدة لاضطرابات القلق والتوتر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك يُعرف ألم الدورة الشهرية بعسر الطمث والذي يحدث في الحوض أو البطن لمدة تصل إلى ثلاثة أيام عادةً بمجرد بدء النزيف (أ.ب)

دراسة تربط بين الاكتئاب وآلام الدورة الشهرية

أشارت دراسة جديدة إلى أن الاكتئاب قد يكون سبباً لألم الدورة الشهرية عند النساء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
علوم الربو التحسسي يؤدي الى مضاعفات تنفسية

كيف يحفز عثُّ الغبار المنزلي الربوَ التحسسي؟

انهيار «التسامح المناعي» يتسبب فيه

د. وفا جاسم الرجب (جدة)

لقاح يخفض وفيات سرطان عنق الرحم

لقاح فيروس الورم الحليمي البشري يخفض وفيات سرطان عنق الرحم (جامعة ساوث كارولاينا)
لقاح فيروس الورم الحليمي البشري يخفض وفيات سرطان عنق الرحم (جامعة ساوث كارولاينا)
TT

لقاح يخفض وفيات سرطان عنق الرحم

لقاح فيروس الورم الحليمي البشري يخفض وفيات سرطان عنق الرحم (جامعة ساوث كارولاينا)
لقاح فيروس الورم الحليمي البشري يخفض وفيات سرطان عنق الرحم (جامعة ساوث كارولاينا)

أفادت دراسة أميركية بأن وفيات سرطان عنق الرحم بين الشابات تحت سن 25 في الولايات المتحدة، شهدت انخفاضاً ملحوظاً بعد تلقيهن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV).

وأوضح الباحثون في مركز هولينغز للسرطان التابع لجامعة ساوث كارولاينا أن هذه النتائج تُظهر الدور الحيوي للقاح في الحد من الإصابة بأنواع فيروس الورم الحليمي البشري التي تؤدي إلى تطور السرطان، ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «غاما».

ويُعد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) من الفيروسات المنقولة جنسياً، وهو السبب الرئيسي وراء معظم حالات سرطان عنق الرحم. ويمكن لبعض أنواع الفيروس أن تسبب تغييرات خلوية قد تتحول لاحقاً إلى سرطان. وقدمت الولايات المتحدة لقاح فيروس الورم الحليمي البشري منذ عام 2006 كإجراء وقائي ضد الأنواع المسببة للسرطان مثل سرطان عنق الرحم. ويُعطى اللقاح في مرحلة المراهقة، حيث يُظهر فاعليته العالية في الحماية من العدوى بالأنواع الخطيرة من الفيروس؛ مما يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالسرطان في المستقبل.

وعلى الرغم من أن سرطان عنق الرحم نادر بين النساء تحت سن 25، فإنه لا يزال يحدث. لذلك، استهدف الباحثون في دراستهم مراقبة تأثير تلقي اللقاح في سن مبكرة على معدلات الوفيات في هذه الفئة العمرية.

وقام الفريق البحثي بإجراء دراسة شملت تحليل معدل الوفيات بسرطان عنق الرحم بين النساء الأميركيات تحت سن 25 بين عامي 1992 و2021.

وأظهرت النتائج أن الوفيات بسبب هذا النوع من السرطان قد انخفضت بنسبة 62 في المائة في العقد الماضي، مقارنة بما كانت عليه في التسعينات، وهو ما يُعزى بشكل كبير إلى تطعيم الفتيات ضد فيروس الورم الحليمي البشري.

وأضاف الباحثون أنه منذ إدخال لقاح «HPV» في 2006، أظهرت الدراسات انخفاضاً ملحوظاً في حالات الإصابة بسرطان عنق الرحم؛ مما يعكس تأثير التطعيم الإيجابي. كما تم توسيع نطاق التطعيم ليشمل بعض البالغات حتى سن 45 عاماً.

ومع ذلك، يُحذر الباحثون من أن هناك تحديات مستمرة؛ إذ يشهد المجتمع الأميركي انخفاضاً في معدلات التطعيم ضد الفيروس بين المراهقات بعد جائحة «كوفيد-19».

وعلى الرغم من أن الهدف الوطني لعام 2030 هو الوصول إلى 80 في المائة من معدلات التطعيم، أظهرت تقارير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن نحو 60 في المائة فقط من المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عاماً قد حصلن على الجرعات الموصى بها.

ووفق الباحثين، يُعد هذا التراجع مصدر قلق بالغ؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى تقليص المكاسب الصحية المكتسبة في مكافحة السرطان، ويستدعي الأمر تكثيف الجهود لزيادة وعي المجتمع بأهمية التطعيم.