«لم أصدق ما رأيتُ... بدت السائحتان القادمتان من الصين إلى دمشق أشبه بصورة هاربة من مجلة للفنون الشعبية، كل مَن رآهما في سوق الحميدية تمنى التقاط صورة معهما»، قال ذلك صاحب محل شرقيات في مدينة دمشق القديمة لدى سؤاله إن كان السياح الأوروبيون قد عادوا إلى شوارع دمشق الأثرية.
وبينما أكد قدوم سياح أوروبيين «لكن الأعداد لا تزال خجولة جداً»، لفت إلى أن تجول سائحتين من الصين بالزي التقليدي تحول إلى تظاهرة في السوق «فمنذ 10 سنوات، لم نرَ مجموعات سياحية أوروبية كالتي كانت تفد إلى سوريا قبل الحرب». وقال إن أغلب الذين يأتون في السنة الأخيرة يتجولون لاستطلاع نمط الحياة في دمشق والاحتكاك بالناس «لا زيارة المواقع الأثرية أو تسوّق المنتجات التقليدية».
ويبدي صاحب محل الشرقيات فرحه بقدوم مجموعة سياحية أوروبية تضم أكثر من 20 سائحاً دخلوا محله وتفحصوا البضائع، إلا أنهم لم يشتروا سوى بطاقة بريدية واحدة على سبيل الذكرى، أو ربما «جبراً للخواطر». ومع أن محله يقع في منطقة سياحية يقصدها زوار الأماكن المقدسة، ودائماً هناك مجموعات منهم، فإنهم لا ينفقون في السوق ولا توجد حركة بيع.
وكان وزير السياحة في دمشق، رامي مرتيني، قد كشف، أول من أمس (الأربعاء)، في تصريحات إعلامية عن ازدياد أعداد القادمين إلى سوريا 385 ألفاً، خلال الربع الأول من عام 2023. منهم 345 ألفاً قادمون من العرب، و40 ألفاً من الأجانب، علماً بأنه خلال الفترة نفسها من عام 2022 كان عدد القادمين 236 ألفاً؛ 206 آلاف من العرب، و30 ألفاً من الأجانب.
ولم يكشف وزير السياحة عن جنسيات السياح الأجانب، بينما أكدت مصادر محلية أن غالبية الأجانب من الدول الحليفة (روسيا وإيران والصين)، وسوريون مغتربون يحملون جنسيات أجنبية. سيدة عربية قدمت لزيارة أهل زوجها السوري وحل مشكلات عالقة، وقبل السفر قصدت سوق الحميدية للتسوق، وعندما سألت أحد المارة عن مكان محل لبيع الإكسسوار، فوجئت بشخص روسي يتدخل بالحديث ليقول بعربية مكسرة: «مقام السيدة رقية من هنا». وتؤكد السيدة أن الشاب كان بلباس مدني، وكأنه سائح، ولم تفهم لماذا ظن أنها تسأل عن «مقام السيدة رقية»، ولا سبب تدخله في الحديث، وكأنه من أهل البلد، وأدرى بشعابها.
ومع أن دمشق تسعى بشكل حثيث لرفع عدد الزوار من روسيا والصين التي تصدر سنوياً 140 مليون سائح، فإن حصتها من هؤلاء السياح لا تزال لا تُذكر.
وتؤكد مصادر في السوق السياحية بدمشق القديمة أن الحكومة تبذل الوعود وتطرح الاستثمارات، على أمل أن يعود النشاط لقطاع السياحة، إلا أن السياحة الناشطة فقط هي السياحة «الدينية» إلى المراقد والمزارات الشيعية، وأغلبها من العراق وإيران، تليها السياحة العلاجية، وعادة تكون هي ذاتها مجموعات السياحة الدينية التي تستغل عروض أسعار حملات الحج الديني (نقل وإقامة لأسبوعين 700 دولار) لزيارة مراكز التجميل وعيادات الأسنان، لأنها الأقل تكلفة في المنطقة.
«ولا يزال الإنفاق السياحي مخيباً»، تتابع المصادر، «لولا المغتربون الذين يزورون البلاد في موسم الصيف، وهم الذين يحركون السوق»؛ فالمعوقات التي تواجه عودة النشاط السياحي كبيرة ومعقدة، أبرزها ارتفاع تكاليف التشغيل قياساً إلى الأسعار، علماً بأن الأسعار أيضاً مرتفعة قياساً إلى مستوى الدخل والجودة، إضافة إلى مشكلة آلية منح التأشيرات، وتقييد التداول بغير العملة المحلية، وصعوبة تحويل الأموال من وإلى سوريا، بسبب العقوبات الاقتصادية، وتفاوت أسعار الصرف بين السعر التأشيري للمصرف وسعر السوق الموازية.
وأشارت المصادر إلى أن وزارة السياحة سبق أن أعلنت تنسيقها مع «المصرف المركزي» و«اتحاد غرف السياحة»، لإصدار قرار خاص بمواقع العمل السياحي، وآلية تعاملها بالعملات الأجنبية، ووضع آليات مناسبة لتحويل قيم التذاكر وسداد الضرائب والرسوم بالعملات الأجنبية من قبل شركات الطيران ووكالاتها، إلا أن القرار لم يصدر، ولا تزال المكاتب السياحية تعاني من مداهمات الجهات المعنية، وإغلاقها بتهمة «التعامل بغير الليرة».
وكان وزير السياحة قد أكد أن وزارته «لم ولن تسمح بأن يكون القطع الأجنبي واجهة لأي عمل غير شرعي».
وكرر وزير السياحة مؤخراً الإعلان عن إحداث منصة استصدار سمات الدخول للسياح القادمين عن طريق مؤسسات السياحة والسفر، لتسهيل إجراءات القدوم السياحي، وبالتنسيق مع وزارة الداخلية - إدارة الهجرة والجوازات، متوقعاً أن يصل عدد القادمين إلى سوريا هذا العام إلى نحو 3 ملايين شخص، 25 في المائة منهم للسياحة العلاجية والسياحة الدينية وسياحة المؤتمرات وسياحة التسوق، بينما كان عدد القادمين العام الماضي مليوناً و750 ألف شخص، منهم 580 ألف سائح.
وتبدي دمشق تفاؤلها بفتح خطوط شركات طيران عربية إلى «مطار دمشق الدولي»، إضافة لخط أثينا - دمشق.
وحسب أرقام وزارة السياحة لهذا العام، بلغ عدد نزلاء الفنادق (عرباً وأجانب) 40 ألف نزيل قضوا 250 ألف ليلة فندقية، منهم 28 ألف نزيل من العرب، و12 ألف نزيل من الأجانب. كما تشير الأرقام الرسمية قبل الحرب عن تشكيل السياحة في سوريا 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ازدياد عدد السياح إلى سوريا... ومنصة لمنح التأشيرات
السياحة الدينية وعلاج الأسنان والتجميل أبرز الأسباب
ازدياد عدد السياح إلى سوريا... ومنصة لمنح التأشيرات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة