متى يصاب «تشات جي بي تي» بـ«الهلوسة»؟

دراسة أشارت إلى أن إجاباته عن الأسئلة الطبية المُعقدة «غير متسقة»

«تشات جي بي تي» لا يعطي إجابات دقيقة دائماً (stock.adobe)
«تشات جي بي تي» لا يعطي إجابات دقيقة دائماً (stock.adobe)
TT
20

متى يصاب «تشات جي بي تي» بـ«الهلوسة»؟

«تشات جي بي تي» لا يعطي إجابات دقيقة دائماً (stock.adobe)
«تشات جي بي تي» لا يعطي إجابات دقيقة دائماً (stock.adobe)

على الرغم من القدرات التي يتمتع بها روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»، من حيث المعرفة الواسعة وسرعة الاستجابة، فإن هناك مشكلة قد تعوق توظيفه في مجالات مختلفة، حيث يصاب أحيانا بـ«الهلوسة».
و«هلوسة النماذج اللغوية الكبيرة»، هو مفهوم روج له باحثو الذكاء الصناعي في «غوغل» عام 2018، ويشير في هذا السياق إلى أن النص المنشأ قد يكون صحيحاً لغوياً ونحوياً، لكنه في الواقع غير منطقي، و«تشات جي بي تي» ليس استثناء، إذ أكد كثير من الدراسات والتجارب، أنه «غير معفى من الهلوسة».
أحدث هذه الدراسات كانت لباحثين من جامعة ميريلاند الأميركية، أرادوا معرفة مدى نجاح «تشات جي بي تي»، في تقديم إجابات موثوقة على الأسئلة المتعلقة بسرطان الثدي.
ووجد الباحثون في الدراسة المنشورة 4 أبريل (نيسان) الحالي بدورية «راديولوجي»، أن «تشات جي بي تي»، وعلى الرغم من نجاحه في تقديم إجابات مناسبة بنسبة 88 في المائة، فإن النسبة المتبقية وهي الـ12 في المائة، تمثلت في إجابات بعضها أقرب إلى «الهلوسة»، وبعضها الآخر إجابات «منحازة».
وتمثلت الإجابة المتحيزة لـ«تشات جي بي تي»، عندما سأله الباحثون عن فحص سرطان الثدي، فتم الرد بتوصيات جمعية السرطان الأميركية فقط، مع حذف توصيات المجموعات الطبية الأخرى، التي تختلف في بعض الحالات.
وعندما تم سؤاله «كيف أمنع سرطان الثدي؟»، جاءت إجابته أقرب إلى الهلوسة «غير متسقة»، وهي مشكلة تواجه النماذج اللغوية الكبيرة مثل «تشات جي بي تي»، عندما يكون كثير من المعلومات (الواقعية وغير الواقعية) منتشرة عبر الإنترنت في موضوع ما.
ويقول سوبودا كومار، أستاذ الإحصاء والعمليات وعلوم البيانات، وأحد المشاركين بالدراسة في تقرير نشرته، الاثنين، شبكة «هيلث داي»، إنه «مع نماذج الذكاء الصناعي مثل (تشات جي بي تي)، كلما كان السؤال أكثر دقة، كانت الإجابة أكثر موثوقية، وعندما يكون الموضوع معقداً، وتكون مصادر البيانات وفيرة، وتكون في بعض الحالات مشكوكاً فيها، ستكون الردود أقل جدارة بالثقة، ومن المحتمل أن تكون أكثر تحيزاً، وكلما كان الموضوع أكثر تعقيداً، زاد احتمال أن تكون الإجابات أقرب إلى (الهلوسة)، حيث يقوم البرنامج حينها باختلاق إجابات».
واكتشف أيضا تقرير لـ«مركز العلوم في المصلحة العامة»، وهو منظمة أميركية مستقلة قائمة على العلم للدفاع عن المستهلك، هذا الجانب السلبي في أداء «تشات جي بي تي»، حيث أكد التقرير المنشور في 20 مارس (آذار) الماضي، أنه أجاب عن كثير من الأسئلة بدقة ووضوح، لكنه تعثر عندما تحول الموضوع إلى الطفرات الجينية (BRCA1) و(BRCA2)، التي يمكن أن تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والبروستاتا وسرطانات أخرى. فعندما تم سؤاله: «هل هناك تفاوتات عرقية في امتلاك طفرات في الجين (BRCA)»، أجاب أن هناك دراسة أجريت في الولايات المتحدة، أشارت إلى أن النساء الأميركيات من أصل أفريقي المصابات بسرطان الثدي كن أكثر عُرضة لطفرات (BRCA1) من النساء البيض المصابات بسرطان الثدي. وعندما تم سؤاله عن مصدر الدراسة، أجاب الروبوت بشكل مفاجئ: «لم يكن بياني السابق دقيقاً، ولا توجد دراسة محددة أجريت في الولايات المتحدة في هذا الشأن».
ما فعلته المنظمة الأميركية في تجربتها، قد لا يستطيع المستخدم العادي القيام به، لأنه لا يعرف ما يكفي لطرح أسئلة متابعة أو معرفة كيفية التحقق مما إذا كانت الاستجابة دقيقة على الإطلاق.
ويقول مايكل بالاس، الباحث بكلية الطب بجامعة «تورونتو» في كندا، الذي قاد فريقاً لدراسة استخدام البرنامج في تشخيص أمراض العيون لـ«الشرق الأوسط»، إن «طبيعة المحادثة في (تشات جي بي تي) هي ميزة للتكنولوجيا الجديدة، في مقابل البحث على الإنترنت القديم، ولكن الجانب السلبي يتمثل في أن المستخدم العادي قد لا يستطيع إدارة الحوار، الذي يقود للإجابة الدقيقة، عندما يتعلق الأمر ببعض الأمور ذات الأهمية البالغة مثل الاستشارات الصحية».
ومن جهته، يقول إيليا سوتسكيفر، كبير علماء «أوبن إيه آي» وأحد مؤسسي «تشات جي بي تي»، إنه «واثق من أن هذه المشكلة سيتم علاجها بواسطة أسلوب رائد ابتكرته الشركة، يسمى (التعلم المعزز مع ردود الفعل البشرية)».
ويضيف سوتسكيفر أنه «تم تطوير هذا الأسلوب كوسيلة لتحسين التعلم المعزز، عندما تتضمن المهمة أهدافاً معقدة أو سيئة التحديد، حيث ستسمح الزيارات المختلفة للتطبيق في تعلمه من الأخطاء، لتقديم إجابات أكثر موثوقية لاحقا».
لكن يان ليكون، وهو عالم حاسوب فرنسي يعمل بشكل أساسي في مجالات التعلم الآلي، يعتقد أن «هناك عيباً أساسياً يؤدي إلى الهلوسة، قد لا يحله هذا الأسلوب، وهو أن النماذج اللغوية الكبيرة ليست لديها فكرة عن الواقع الأساسي الذي تصفه اللغة». ويقول ليكون في التقرير نفسه إن «معظم المعرفة البشرية غير لغوية، بينما هذه الأنظمة للذكاء الصناعي تولد نصاً يبدو جيداً نحوياً ولغوياً».
ويعمل البشر على كثير من المعرفة التي لا يتم تدوينها أبداً، مثل العادات أو المعتقدات أو الممارسات داخل المجتمع التي يتم اكتسابها من خلال الملاحظة أو الخبرة، وقد «يكون لدى الحرفي الماهر معرفة ضمنية بمهنته لا يتم تدوينها أبداً»؛ وفق ليكون، الذي يعتقد أن «أجهزة الكومبيوتر تحتاج إلى التعلم عن طريق الملاحظة لاكتساب هذا النوع من المعرفة غير اللغوية».
وما بين إمكانية الحل، كما يقول إيليا سوتسكيفر، واستحالته، كما يعتقد ليكون، يرى مايكل بالاس، أن «الذكاء الصناعي يمكن أن يكون مساعداً للبشر، لكنه لا يغنيهم بأي حال من الأحوال عن الحل التقليدي، وهو في مجال الطب سيكون الذهاب للطبيب».


مقالات ذات صلة

«دِل» تعزز التحول الرقمي في السعودية عبر 3 عقود من الابتكار والشراكة

خاص تلتزم شركة «دِل» بدعم التحول الرقمي للمملكة وتشكيل مستقبل الاقتصاد الرقمي في المنطقة (شاترستوك)

«دِل» تعزز التحول الرقمي في السعودية عبر 3 عقود من الابتكار والشراكة

«دِل» تدعم تحول المملكة الرقمي عبر استثمارات جديدة تشمل مركزاً لوجيستياً في الدمام وبرامج تدريبية تعزز الكفاءات المحلية وتدفع نحو اقتصاد رقمي متقدم.

نسيم رمضان (الرياض)
تكنولوجيا يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في مجالات متنوعة بما في ذلك اللياقة البدنية والرعاية الصحية والعمليات العسكرية وحتى في البيئات القاسية (MIT)

ملابس تراقب صحتك... ألياف كمبيوتر مرنة داخل الأقمشة لجمع وتحليل البيانات

يمكن للألياف الذكية التواصل بعضها مع بعض داخل قطعة الملابس ما يخلق شبكة نسيجية قادرة على إجراء حسابات معقدة دون الحاجة إلى أسلاك.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يبين التقرير أن 86% من الحوادث الإلكترونية الكبرى في 2024 أدت إلى توقف تشغيلي أو تلف سمعة أو خسائر مالية (شاترستوك)

الهجمات الإلكترونية في 2024... أسرع وأذكى وأكثر تدميراً

يظهر التقرير أن الهجمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها سرقة البيانات في 25 دقيقة فقط؛ ما يجعل الاكتشاف أصعب.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الأمراض ما يحسن نتائج العلاج ويقلل التكاليف (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية؟

يجعل الذكاء الاصطناعي الرعاية الصحية أكثر تخصيصاً وإتاحة وكفاءة بدءاً من التشخيص والعلاج وصولاً إلى تفاعل المرضى وتحسين العمليات التشغيلية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تؤدي واحدة من كل أربع عشرة إصابة ببرامج سرقة المعلومات إلى سرقة بيانات بطاقات الائتمان (شاترستوك)

تسريب بيانات أكثر من مليوني بطاقة مصرفية عبر الإنترنت المظلم

تقرير «كاسبرسكي» يؤكد على ضرورة تحسين الأمن السيبراني لمواجهة برامج سرقة المعلومات المتطورة والمنتشرة بشكل متزايد.

نسيم رمضان (لندن)

روبوت بحجم راحة اليد ينفذ مهام دقيقة في البيئات القاسية

الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)
الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)
TT
20

روبوت بحجم راحة اليد ينفذ مهام دقيقة في البيئات القاسية

الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)
الروبوت الجديد يعتبر أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة (جامعة يوكوهاما الوطنية)

طوّر مهندسون من جامعة يوكوهاما الوطنية في اليابان روبوتاً بحجم راحة اليد، قادراً على العمل بدقة فائقة في جميع الاتجاهات، حتى في أكثر البيئات قسوةً وتطرفاً.

وأوضحت النتائج، التي نشرت الجمعة، بدورية «Advanced Intelligent Systems» أن الروبوت الجديد يمكنه العمل في البيئات المعزولة، والمختبرات عالية الأمان، وحتى البيئات الفضائية، حيث يصعب على البشر التدخل.

واستلهم الباحثون تصميم الروبوت (HB-3) من خنافس وحيد القرن، وهي حشرات معروفة بحركتها القوية والمتعددة الاتجاهات، ما جعلها نموذجاً مثالياً لتطوير روبوت صغير يتمتع بالاستقلالية والدقة الفائقة. ويبلغ وزن الروبوت، الملقّب بـ«الخنفساء الآلية»، 515 غراماً فقط، وحجمه لا يتجاوز 10 سنتيمترات مكعبة، وهذا يجعله أحد أصغر الروبوتات القادرة على العمل في بيئات معقدة.

ويتميز الروبوت بقدرة فريدة على التحرك في جميع الاتجاهات بدقة عالية، معتمداً على مشغلات كهروضغطية (Piezoelectric Actuators)، وهي تقنية تحول الطاقة الكهربائية إلى حركة ميكانيكية دقيقة للغاية. وتعمل هذه المشغلات بطريقة تشبه العضلات الصناعية، حيث تتمدد أو تنكمش عند تطبيق مجال كهربائي، مما يمنح الروبوت قدرة غير مسبوقة على التحرك بدقة تصل إلى مستوى النانومتر.

ووفق الباحثين، يتم التحكم بحركات الروبوت عبر دائرة قيادة مدمجة تعمل بمعالج متقدم، ما يتيح له تنفيذ مهام معقدة دون الحاجة إلى كابلات خارجية. كما زُوّد بكاميرا داخلية وتقنيات تعلم آلي، وهذا يسمح له بالتعرف على الأجسام وضبط حركاته في الوقت الفعلي وفقاً للبيئة المحيطة به.

بالإضافة إلى ذلك، يمكنه استخدام أدوات مختلفة، مثل ملقط دقيق لالتقاط وتجميع المكونات، وحاقن صغير لوضع قطرات دقيقة من المواد، كما يمكن تحويل أدواته إلى مجسات قياس، أو مكواة لحام، أو مفكات براغي، مما يمنحه مرونة واسعة للاستخدام في نطاقات مختلفة.

وأظهرت الاختبارات كفاءة عالية للروبوت في تنفيذ مهام متعددة داخل بيئات مغلقة، باستخدام أدوات دقيقة مثل ملقاط تجميع الشرائح الدقيقة أو محاقن لتطبيق كميات متناهية الصغر من السوائل، حيث حقق دقة فائقة مع معدل نجاح بلغ 87 في المائة.

بيئات صعبة

ووفق الباحثين، صُمم الروبوت للعمل في بيئات يصعب فيها التدخل البشري، حيث يمكن استخدامه في الجراحة الدقيقة ودراسة الخلايا، إضافة إلى تحليل المواد النانوية داخل البيئات المعقمة، ما يجعله أداة مهمة في مختبرات التكنولوجيا الحيوية والفيزياء المتقدمة.

وفي الصناعة الدقيقة، يساهم الروبوت في تصنيع المكونات الإلكترونية الصغيرة مثل رقائق أشباه الموصلات، مع القدرة على العمل في البيئات القاسية مثل الفراغ أو الغرف ذات الضغط العالي.

وخلص الباحثون إلى أن هذا الابتكار يمثل خطوة نحو روبوتات دقيقة مستقلة، مع إمكانات ثورية في المجالات الطبية والصناعية والبحثية. ورغم إنجازاته، يسعى الفريق إلى تحسين سرعة المعالجة وتطوير كاميرات إضافية لتعزيز دقة التوجيه مستقبلاً.