من بين الألغاز العديدة حول ويليام شكسبير، تلك المتعلقة بحياته العاطفية وهي الأكثر إثارة للإعجاب. لماذا تزوج امرأة محلية، آن هاثاواي، ولديه ثلاثة أطفال منها، ومن ثمّ انتقاله إلى لندن لمباشرة حياته في المسرح؟ كيف كانت علاقتهما حقاً؟ ولماذا نعرف القليل للغاية عن السيدة آن نفسها، التي وصفها أحد العلماء بقوله «فراغ على شكل زوجة» في قصة الكاتب المسرحي؟
تصادف، هذه السنة، الذكرى الـ400 لوفاة آن، قد تكون السنة التي نسمع فيها أخيراً عن الجانب الآخر من شخصية شكسبير. وفي وقت لاحق من الشهر الحالي، يُنشر مجلد من القصائد الاحتفالية بعنوان «آن-ثولوجيا». وقد أميط اللثام عن تمثال نصفي صغير لها في كنيسة «الثالوث المقدس» في «ستراتفورد أبون أفون»، حيث ظل جسدها مسجى بجوار جثة زوجها منذ عام 1623. المدهش في الأمر أن مسرحية «فرقة شكسبير الملكية» المكرسة لقصتها ستُفتتح يوم الأربعاء المقبل في مسرح «سوان» التابع للفرقة في البلدة.
قالت إيريكا وايمان، مديرة العرض المسرحي، في مقابلة أجريت معها بعد بروفة حديثة: «لقد حان الوقت. هذه بلدتها، فقد ولدت خارج ستراتفورد وعاشت هنا طوال حياتها، على حد علمنا. إنها تستحق العودة إلى هنا».
حملت المسرحية، وهي عبارة عن مؤالفة لرواية «هامنت» الأكثر مبيعاً في عام 2020 والصادرة عن ماغي أوفاريل، اسم نجل شكسبير الوحيد، الذي توفي عن عمر ناهز 11 عاماً في سنة 1596، لأسباب مجهولة. يبدو أن والده بدأ العمل على رواية «هاملت» المفعمة بالمآسي إثر فترة وجيزة من وفاته، الأمر الذي دفع كُتّاب السيرة الذاتية إلى جنون التكهنات الفرويدية.
لكن في النص، الذي تولت مؤالفته لوليتا تشاكرابارتي، هناك شك طفيف في ماهية البطلة: زوجة شكسبير، والدة أطفاله وربة منزله، التي تنبض بالروح والذكاء العملي، متفوقة في كل شيء على شريك حياتها وعلى الجميع قاطبة. في المشهد الأول من المسرحية، نرى ويليام البالغ من العمر 17 عاماً، يحاول التودد إليها بحمق أثناء ما كانت تطيّر صقراً أليفاً. (وهي أيضاً لن تخضع للترويض أبداً، كما نخمن). في وقت لاحق، نراها تعمل بكد على صناعة الخبز والمزج بين العلاجات الشعبية بينما يحلم هو بالشعر والمسرح.
فرقة شكسبير: «إنها تملك كل هذه المعرفة، كل هذه المقدرة».
أوضحت أوفاريل في مقابلة هاتفية، أنها تعرفت على زوجة شكسبير أول الأمر في الكلية، بعد أن صارت فضولية بشأن عائلة الكاتب المسرحي، الأمر الذي غالباً ما أهمله المؤرخون. قالت أوفاريل: «إن حياة شكسبير المنزلية، إن أردت أن تسميها هكذا، لم تظهر أبداً إلى الواقع، لا سيما حياة آن. وكلما واصلت القراءة أكثر، انحرفت عن مساري بشأنها، وبشأن الطريقة التي عوملت بها. لقد كانت مُهمشة، وربما أسوأ من كونها مُهمشة، إذ كانت منبوذة».
كان شكسبير بعمر 18 سنة فقط، عندما تزوج آن سنة 1582؛ وكانت هي بعمر 26 سنة وحبلى. وقد تكهن المؤرخون بأن عرسهما أنجز على عجل، وأتمه شكسبير على مضض. وكونه ترك ستراتفورد أبون أفون، ليبدأ حياته المسرحية بعد ولادة هامنت وشقيقته التوأم جوديث، بعد سنوات قليلة، زاد من حدة التكهنات بأن شكسبير عانى من زواج بلا حب. ولم يتمكن الكاتب المسرحي من العودة إلى مسقط رأسه إلا في أحيان قليلة حتى آخر سنوات حياته. بعد أن وقّع وصيته بيده المرتعشة قبل وفاته سنة 1616، تاركاً لزوجته آن «ثاني أفضل فراش» في المنزل، الأمر الذي فُسر بأنه إهانة. قالت أوفاريل: «حتى بين كُتاب السيرة الذاتية المحترمين، فإن آن توصف كفلاحة أمّية غاوية، تلك التي أغرت ذلك الصبي العبقري بالزواج. غير أنني لم أجد أي دليل على ذلك». وأضافت أن الإشارة إليها غالباً باسمها قبل الزواج «هاثاواي»، يوحي بالكثير، «وكأننا لا نريد لاسمها أن يقترب من اسمه».
قالت أوفاريل، متحدثة عن الأسماء، قد لا يكون اسم «آن» هو الاسم الصحيح. ففي إحدى الوثائق التي بقيت على قيد الحياة، أشارت إلى «أغنيس»، الاسم الظاهر في الرواية والمسرحية. وأضافت أوفاريل: «إن حقيقة أننا قد نطلق عليها اسماً خاطئاً منذ ما يقرب من 500 عام، تبدو من أعراض نبذ شخصيتها تماماً».
قال بول إدموندسون، رئيس الأبحاث في مؤسسة «شكسبير بيرثبليس تراست»، إن قصة زوجة شكسبير كانت على الأرجح معقدة وآسرة. على الرغم من أن القليل من الأدلة على شخصيتها باق - لا يوجد لدينا حتى صورة لها - تشير الحقائق التي نعرفها إلى امرأة ذكية وقادرة تدير منزلاً كبيراً، وكانت مسؤولة عن مبالغ كبيرة من المال والأرض، وربما كانت تدير شركة للتخمير على الهامش. إضافة إلى ذلك، بطبيعة الحال، تولت تربية عائلة لزوج كان في الغالب يعمل بعيداً، كما كان الحال لدى الكثيرين من الرجال في إنجلترا في ذلك الوقت.
قال إدموندسون: «إنها تدير المنزل، وهي شريكة في كسب المال، كما تراقب استثماراته في المدينة. لقد كانت مساوية له في نواحٍ كثيرة».
فماذا عن «ثاني أفضل فراش» في المنزل؟ قال إدموندسون إنه كان من الممكن أن يكون فراش الزواج، مليئاً بالذكريات الحميمة؛ وذكره في الوصية «ربما كان أيضاً تفاهماً قانونياً»، ضماناً لحقوقها السكنية بعد وفاته.
في الرواية، «آن/أغنيس» قد لا تكون قادرة على الكتابة - النساء نادراً ما تلقين تعليماً رسمياً في ذلك الوقت - لكن زوجها يشجعها على القراءة. وبصورة حاسمة، فإن مغادرة ويليام بلدته إلى لندن لا يبدو بأنه هجران، وإنما فكرة زوجته. قالت الممثلة مانتوك: «إنها تدرك أنه يحتاج إلى المزيد. وهي تريد أن تشجعه لأن يكون كما يريد هو أن يكون».
في الواقع، فإن وفاة هامنت المبكرة، هي وحدها التي تهدد بتمزيق الزوجين؛ وفي المسرحية، يُترك لأغنيس مسؤولية التقاط القطع المتناثرة من حياتها ولمّ شمل الأسرة سوياً، بينما يهرب ويليام عائداً إلى لندن ويدفن نفسه في العمل. وفقط، عندما تحضر آغنيس عرضاً مبكراً لمسرحية «هاملت» تدرك أنه ترجم أحزانه إلى مسرحية درامية.
كان لنجاح الرواية بعض الآثار الواقعية في ستراتفورد أبون أفون أيضاً. في كنيسة الثالوث المقدس، قال متطوعون يعتنون بقبور عائلة شكسبير، إن زائرين كثيرين يسألون عنها، كما يسألون عنه. وفي الصيف الماضي، ترأست أوفاريل مراسم لغرس زوج من الأشجار في فناء الكنيسة، واحدة لإحياء ذكرى هامنت، والأخرى لجوديث.
وتابعت أوفاريل موضحة: «في الواقع، أجد هذا مؤثراً بصورة لا تُصدق. حقيقة أنها وأولادها يُعادون إلى الحياة على خشبة المسرح في البلدة».
بالنسبة للممثلة مانتوك، مجرد كونها في ستراتفورد، تسير في شوارعها وترى الأماكن التي عرفتها آن، يبعث في روحها أحاسيس شاعرية وقوية على حد سواء. تقول: «أعلم أن ما أفعله ليس حقيقياً. أعلم ذلك بالتأكيد. لكنني أشعر أن هناك تلك الشخصية الحقيقية في كل مكان أذهب إليه».