الاغتيال يخطف صحافياً كل 4 أيام

المكسيك أخطر بلدان العالم... وأميركا اللاتينية والكاريبي أخطر المناطق

الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور (غيتي)
الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور (غيتي)
TT

الاغتيال يخطف صحافياً كل 4 أيام

الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور (غيتي)
الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور (غيتي)

فجر الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الفائت، عثرت الشرطة المكسيكية على المصوّر الصحافي خوسيه راميرو آراوخو أوشوا، جثة هامدة أمام منزله في مدينة إنسينادا، من أعمال مقاطعة كاليفورنيا السفلى (المتاخمة لولاية كاليفورنيا الأميركية)، وتبيّن بعد الكشف الطبي أنه توفي جراء إصابته بعشرات الطعنات التي شوّهت وجهه وجسده. وتمكّنت الأجهزة الأمنية، بعد ساعات من العثور على الجثة، من إلقاء القبض على شابين وجهت إليهما تهمة اغتيال آراوخو الذي كان يدير مجلة رقمية متخصصة في التحقيقات حول قضايا الفساد والجريمة المنظمة.
تلك كانت حادثة الاغتيال الثالثة التي يتعرّض لها صحافي منذ مطلع هذا العام في المكسيك التي تتصدّر منذ سنوات قائمة أخطر البلدان في العالم بالنسبة للعمل الصحافي، بينما تحتل منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي المرتبة الأولى بين المناطق التي تشهد أعمال العنف ضد الصحافيين. ومن المعروف أن المكسيك التي ليست في حالة حرب ولا تشهد نزاعات داخلية مسلحة، تعد من أعنف بلدان العالم. ذلك أن عدد الضحايا الذين يقعون نتيجة مختلف أعمال العنف يزيد عن 100 يومياً، بحيث تكاد تلك الأعمال أن تكون شبه مألوفة، لا يتوقّف عندها الرأي العام طويلاً، ويذهب معظمها من غير عقاب.
وتفيد المنظمات المتخصصة في متابعة أحداث العنف التي يتعرّض لها الصحافيون، مثل منظمة «المادة 19»، أن 147 صحافياً سقطوا ضحية الاغتيالات في المكسيك منذ بداية هذا القرن، أي ما يتجاوز عدد الذين قُتلوا في البلدان التي تشهد حروباً أو نزاعات مسلحة. ويتكرّر النمط ذاته بين الصحافيين المكسيكيين الذين يجازفون بحياتهم، فيحققون في حالات الفساد، ويكشفون الأواصر العميقة التي تربط المسؤولين السياسيين والإداريين بأصحاب المصالح الاقتصادية والتواطؤ بينهم. ويتابع هؤلاء، بالأخص، أنشطة المنظمات الإجرامية التي تتاجر بالمخدرات، وتمارس نفوذاً شبه مطلق في مناطق عدة من البلاد، غالباً تحت تغطية الأجهزة الأمنية أو تغاضيها.

خوان فازكيز (تويتر)

كان آخر الصحافيين الذين سقطوا قد خصّص الأشهر الأخيرة من أنشطته وتحقيقاته لكشف المخالفات في عدد من المشروعات الكبرى التي يجري تنفيذها في منطقته، على غرار زميله مارغاريتو مارتينيز الذي سقط رمياً بالرصاص على مدخل مرأب منزله أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد نشره سلسلة من التحقيقات حول التواطؤ بين إحدى المنظمات الإجرامية وعدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الذين تآمروا لتغطية عدد من حوادث الاغتيال، وعرقلة التحقيقات الجارية لكشف مرتكبيها ومحاسبتهم. وكان مارتينيز يتساءل: كيف يُمكن للضحية أن تطلب الحماية من الذي تعرف أنه متواطئ مع مرتكب الجريمة؟ وطالب بأن يتولى جهاز مستقل بإشراف دولي، متابعة الجرائم وأعمال العنف التي يتعرّض لها الصحافيون، وبعض الذين ينشطون في المنظمات غير الحكومية التي تدافع عن حقوق الإنسان.

مسؤولية الأجهزة المحلية
منظمة «المادة 19» تفيد بأن 40 في المائة من الاغتيالات التي يقع الصحافيون ضحيتها، تقع مسؤوليتها على عاتق المسؤولين في الأجهزة الرسمية المحلية، أي من رؤساء البلديات إلى القيادات الأمنية والشرطة والقوات المسلحة. وكان هذا هو السبب الذي استحدثت لأجله في العام الماضي هيئة فيدرالية يمكن التظلّم لديها، في حال تقاعست الأجهزة والسلطات المحلية عن القيام بواجبها لملاحقة مرتكبي أعمال العنف ضد الصحافيين ومحاسبتهم. ولكن، على الرغم من ذلك، تقول وسائل الإعلام المكسيكية إنها لا تتمتع بالحد الأدنى من الحماية اللازمة للصحافيين، كي يمارسوا مهامهم بعيداً عن الضغوط والتهديد.
في سياق متصل، من الحالات التي شغلت الرأي العام المكسيكي أخيراً، ما تعرّضت له الصحافية المعروفة لورديس مالدونادو التي كانت قد وصلت إلى منزلها بعدما شاركت في وقفة احتجاجية مع زملائها ضد اغتيال مارغاريتو مارتينيز في مدينة تيخوانا (الحدودية مع ولاية كاليفورنيا الأميركية)، عندما سقطت برصاصة في رأسها داخل سيارتها، بعد انتهاء مناوبة الحراس المكلفين حمايتها والسهر على أمنها. ولقد أثارت هذه الجريمة موجة من الاحتجاجات التي نظمها الصحافيون في جميع أنحاء المكسيك.
وكان الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور قد أبدى اهتماماً خاصاً بالقضية، وأمر بتكليف فريق خاص من المحققين متابعتها، لا سيما أن مالدونادو كانت قد شاركت في الندوات الصحافية اليومية التي يعقدها كل صباح، وطرحت أمامه هواجسها صراحة قبل أيام من اغتيالها، فقالت له: «أخاف على حياتي من التهديدات التي أتعرض لها».
وبالفعل، تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على اثنين من المتهمين بقتلها، إلا أن المنظمات الحقوقية تحذّر من أن القبض على المنفذّين ليس صعباً؛ لكن من النادر جداً اعتقال الذين يخططون لعملية الاغتيال ويقفون وراء التهديدات، وكذلك يندر أن يطولهم القانون أو تصل إليهم التحقيقات. وتفيد هذه المنظمات بأن 90 في المائة من جرائم الاغتيال العادية في المكسيك تبقى بلا عقاب، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 99.1 في المائة في الحالات التي يكون ضحاياها من الصحافيين، وأن كثيراً منها يبقى في أدراج النيابات العامة، بفعل الضغوط التي تمارسها جهات نافذة.
ويفيد التقرير الأخير الذي صدر عن «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (اليونيسكو) تحت عنوان «الاتجاهات العالمية لحرية التعبير» بأن عام 2022 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الاغتيالات التي تعرّض لها الصحافيون في أثناء أدائهم عملهم، وذلك بعد عدة سنوات متتالية من التراجع في هذا العدد. وقد بلغ عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال العام الماضي في العالم 68، أي بمعدل صحافي كل 4 أيام. و«هذا الأمر يكشف مدى خطورة ممارسة مهنة المتاعب في كثير من بلدان العالم»، وفق مديرة «اليونيسكو» أودري آزولاي التي دعت الحكومات إلى «تعزيز الأجهزة الرسمية المكلفة حماية الصحافيين، وملاحقة الذين يعتدون عليهم أو يمارسون التهديد ضدهم».

أودري آزولاي (اليونيسكو)

الصدارة لأميركا اللاتينية وحوض الكاريبي
أيضاً، يشير التقرير إلى أن حالات العنف وحوادث الاغتيال التي يتعرّض لها الصحافيون في أميركا اللاتينية وحوض الكاريبي، تزيد عن نصف الحالات العالمية، وأن معظمها يحصل بينما يكون الصحافيون خارج مقار عملهم، في بيوتهم أو في الأماكن العامة. أما الدوافع وراء هذه الأعمال فهي التحقيقات حول الجريمة المنظمة وعلاقاتها بالسلطة السياسية، وقضايا الفساد المالي، ومتابعة أنشطة الحركات المتطرفة، والجرائم ضد البيئة، وسوء استخدام السلطة. ومن أشكال العنف الأخرى التي يتعرض لها الصحافيون: الاختطاف، والاعتقالات الاعتباطية في بعض البلدان، والتهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وأن هذه قد ازدادت بنسبة 19 في المائة في عام 2022 الذي شهد تحطيم جميع الأرقام القياسية السابقة في هذا المجال.
في هذه الأثناء، تشكو بعض الجهات الإعلامية المستقلة في المكسيك من تداعيات ما وصفتها بأنها «حملة صليبية» يشنها الرئيس لوبيز أوبرادور ضد الصحافة، وخصوصاً أنه درج خلال ظهوره اليومي أمام وسائل الإعلام على توجيه انتقادات قاسية ضد بعض الصحافيين الذين يعتبرهم مناهضين لمشروعه السياسي، في حين يكيل بالمقابل المدائح لمن يناصره.
وهنا يقول خوان فازكيز، من منظمة «المادة 19»، إن المناخ السائد لا يساعد على حماية الصحافيين المستقلين الذين يعملون عادة في ظروف سيئة، وغالباً ما يضطرون إلى ممارسة نشاط آخر لتأمين الدخل الكافي. ويضيف فازكيز: «الدولة تضع نفسها في موقع الضحية، بدل أن تكون في موقع المسؤول عن هذا العنف الذي يتنامى بشكل مطرد.
ولا بد من تدابير أمنية وقضائية متكاملة، وعقوبات قاسية ضد الذين يرتكبون هذه الأفعال ويحرضون عليها ويخططون لها».
ويضيف فازكيز: «لا يمكن أن تبقى وسائل الإعلام مكتوفة الأيدي ومقيّدة الحرية أمام مشهد العنف الذي تعيشه البلاد؛ حيث تقتل 10 نساء كل يوم، ويسقط شرطي وعشرات الشبان برصاص المنظمات الإجرامية التي يعرف الجميع صلاتها بمراكز السلطة السياسية».



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».