صدام: إذا سقط العراق سيمتد نفوذ إيران حتى المغرب

شاهد يروي لـ«الشرق الأوسط» مجريات موعدين مع «السيد الرئيس» في ظل الاحتلال

صدام يُطلق النار من بندقيته في الهواء من على شرفة ببغداد يوم 31 ديسمبر 2000 (غيتي)
صدام يُطلق النار من بندقيته في الهواء من على شرفة ببغداد يوم 31 ديسمبر 2000 (غيتي)
TT

صدام: إذا سقط العراق سيمتد نفوذ إيران حتى المغرب

صدام يُطلق النار من بندقيته في الهواء من على شرفة ببغداد يوم 31 ديسمبر 2000 (غيتي)
صدام يُطلق النار من بندقيته في الهواء من على شرفة ببغداد يوم 31 ديسمبر 2000 (غيتي)

عشية ذكرى سقوط بغداد التي تصادف اليوم، كشف متقاعد عراقي ربطته بالرئيس صدام حسين «علاقة عمل ومودة»، أنه التقى الأخير مرتين بعد سقوط العاصمة العراقية. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن اللقاء الأول كان في الفلوجة في 11 أبريل (نيسان)، أي بعد يومين من احتلال بغداد، في حين كان اللقاء الثاني في العاصمة العراقية نفسها في 19 يوليو (تموز)، أي بعد أربعة أشهر من سقوط المدينة، مؤكداً أن صدام كان يجول لتعزيز عمليات المقاومة ضد الاحتلال الأميركي.

قال المتقاعد، الذي طلب بإلحاح عدم ذكر اسمه «لأسباب أمنية»، إن صدام كان قريباً من ساحة الفردوس في بغداد يوم أسقطت مدرعة أميركية تمثاله. وأضاف أن الرئيس العراقي قاد ليلاً من موقع قريب انطلاق أول عملية للمقاومة، وهي استهدفت مواقع أميركية في محيط مسجد أبو حنيفة النعمان في الأعظمية. شارك في الهجوم شبان من «حزب البعث العربي الاشتراكي» و«فدائيي صدام» ومقاتلين من جنسيات عربية، وسقط منهم عدد من القتلى. وحين اشتدت المعركة فوجئ مساعدو صدام بإمساكه قاذفة من طراز «آر بي جي» محاولاً الاقتراب من مكان الاشتباك، فطوّقه المرافقون ومنعوه قائلين «نريدك أن تستمر في قيادتنا»، وقد استنتج بعضهم «أن رغبة في الاستشهاد راودته في تلك الليلة».

استمرت المعركة حتى فجر العاشر من أبريل. وفي اليوم نفسه، توجّه صدام إلى هيت وأمضى ليلته هناك في منزل أحد أعضاء حزب البعث، وغادر في اليوم التالي إلى محيط الفلوجة. وقال المصدر، «في 11 أبريل استدعى مرافقو الرئيس خمسة أشخاص كنت بينهم. شارك في اللقاء مع الرئيس في مكان ملاصق لمحطة وقود عند أطراف الفلوجة نجله قصي وعدد من المسؤولين الأمنيين والحزبيين، لكن سكرتيره الفريق عبد حمود لم يكن حاضراً».

كان صدام يرتدي بزة عادية وبدا هادئاً ومتماسكاً. استفسر عن الوضع داخل الفلوجة وعن انتشار الأميركيين في الأنبار. وحين قيل له إن الجنود الأميركيين توغّلوا بين المنازل في الفلوجة، رد حازماً «أخرجوهم»، وكان ذلك بمثابة أمر ببدء العمليات. قال صدام: «علينا أن نصبر. المعركة طويلة. واجبنا أن نستنزف العدو، وأن نفتح جبهات في كل مكان لضمان عدم استقرارهم على أرض العراق. انصبوا لهم الكمائن في الطرق الرئيسية، وعليهم أن يعرفوا أن العراق لقمة صعبة وليكن ذلك درساً لهم». وعندما قال أحد الحاضرين إن الشيعة بدأوا في قتل «الفدائيين» العرب الذين جاءوا للقتال ضد الأميركيين، قاطعه قائلاً: «الشيعة هم شعبنا، وهذا الكلام لا ينطبق عليهم، بل على الفئة المغرر بها منهم». وبعد توجيهات أخرى «غادر صدام قبلنا لأسباب أمنية».

مدير المخابرات العراقية الفريق طاهر جليل الحبوش يعرض صوراً لأسلحة وحقائب عُثر عليها في شقة القيادي الفلسطيني أبو نضال الذي «انتحر» في بغداد 21 أغسطس 2002 (غيتي)

قبل ظهر اليوم التالي، التقى صدام في أطراف منطقة الدورة جنوب بغداد، محاسبي ديوان الرئاسة، وحصل منهم على مبلغ لدعم المقاومة. أصر على توقيع ورقة كتب فيها: «أنا صدام حسين رئيس جمهورية العراق أسجّل عليّ ذمة في رقبتي مبلغ مليون و250 ألف دولار لإدامة عمليات المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، وعليّ إعادتها في أقرب الآجلين. عاش العراق. عاشت الأمة العربية».

رسالة صدام للفريق طاهر الحبوش (الشرق الأوسط)

في 18 يوليو (تموز) كان المتقاعد العراقي في بغداد فجاءه شاب وأعطاه موعداً بعد صلاة الفجر في مقر سريّ بمنطقة الأعظمية. فجر اليوم التالي وجد نفسه أمام صدام حسين وبصحبة أربعة من المرافقين الجدد. كان صدام يرتدي الدشداشة التقليدية ومسدسه معه. عبّر كلامه عن شعور بالحزن والخيبة «لأن محافظات في العراق ارتضت أن لا تقاوم المحتل بعدما كانت وعدت بذلك. كيف يرتضي بعض الناس أن يكونوا مطية للمحتلين؟ علينا أن نقرأ شعبنا جيداً. هذه المسؤولية يتحملها رجال الدين وشيوخ العشائر والمرجعيات التي أرسلت سابقاً ووعدت بإصدار فتوى قوية ضد الاحتلال فور عبور قواته خط حدود الكويت مع العراق. في معركة القادسية (الحرب ضد إيران) كنا شعباً واحداً. كيف يرتضون هذه النقطة السوداء في عباءاتهم؟».

وقال صدام أيضاً، «العراق هو السد الأخير، فإذا سقط هذا الحائط ستتعرض دول عربية لاحتلال مباشر وأخرى لاحتلال غير مباشر. إذا سقط العراق ستفتح كل الأبواب أمام إيران وسيمتد نفوذها حتى المغرب». وانتقد الموقف العربي وعبّر عن خيبته من موقف سوريا، قائلاً: «أنا أخذت من بشار الأسد وعداً بأن تقف سوريا مع العراق فور انطلاق الطلقة الأولى. خلته مختلفاً لكن الابن سر أبيه. فليتذكروا أن العراق ليس صدام حسين، إنه ملك العراقيين والعرب، وسيدفع كثيرون ثمن ترك العراق يسقط».

كانت القصة بدأت في السادس من أبريل (نيسان) 2003، وكانت الساعة العاشرة والنصف مساء بتوقيت بغداد. حفنة من الدبابات الأميركية بلغت القصر الجمهوري وفندق الرشيد في العاصمة العراقية. رن جرس هاتف مدير المخابرات الفريق طاهر جليل الحبوش، وكان على الخط الفريق عبد حمود سكرتير الرئيس صدام حسين. كان الود غائباً بين الفريقين، لكن عبد حمود كان ممراً إلزامياً وحيداً لتلقي أوامر «السيد الرئيس» وإيصال الرسائل إليه. ألقى عبد حمود جملة تعادل قنبلة. قال لمدير المخابرات «أريد منك تأمين طريق بغداد - صلاح الدين وطريق بغداد - ديالى». رد الحبوش: «هل تعتقد أنني أقود فيلقاً عسكرياً لكي أجعل هذين الطريقين آمنين؟». فكان الجواب: «أنا لا أقصد تأمينهما بقدر ما أعني استطلاعهما ومعرفة أيهما أكثر أمناً للخروج من بغداد في حال الطوارئ». وأرفق عبد حمود كلامه بما يشبه التهديد: «توكل على الله ولكن ضع في بالك يا أبا همام أن الوجوه تلتقي»، وأقفل هاتفه.

ناقش الحبوش هذا الطلب الغريب مع مدير مكتبه في المقر البديل للمخابرات، وكان الرأي متفقاً «وهو أن السيد الرئيس سيخرج من بغداد لإدارة عملية مواجهة العدوان العسكري من خارجها».

حين تأتي الأوامر من صدام حسين لا يبقى إلا خيار التنفيذ مهما كانت الصعوبات أو المجازفات. نتيجة أي إخلال بالواجب معروفة ومدير المخابرات لا يحتاج إلى من يذكّره بالثمن الذي يرتبه إغضاب الرئيس. قرر الحبوش القيام شخصياً بعملية الاستطلاع، وانطلق ليلاً. توجه إلى ناحية الطارمية ووجد الطريق آمناً. كانت الاتصالات قد قُطعت في بغداد، فطلب من مرافقه العقيد محمود العودة إلى العاصمة واستخدام الهاتف الخاص في مكتبه لإبلاغ عبد حمود بأن طريق ديالى سالكة وآمنة، وأنه شخصياً سيرجع في غضون ساعات. خلال محاولة استطلاع الطريق الأخرى، شاهد الحبوش قوافل من السيارات، وتبيّن أن الطائرات الأميركية ألقت قنابل شديدة المفعول على الطريق، وأن الاستمرار بالسير نحو بغداد شديد الخطورة. في الثانية بعد منتصف الليل اتخذ الحبوش قراره. لن يعود إلى بغداد ما دام الرئيس سيغادرها. أغلق الحبوش هاتفه وقرر الانخراط في المقاومة. لاحقاً تمكّن الحبوش من الاتصال بصدام، وشرح له ما طلبه عبد حمود وتلقى منه رسالة خطية. انخرط الحبوش في المقاومة وواجه صدام لاحقاً مصيره المعروف.


مقالات ذات صلة

قيس الخزعلي: تحليل الحمض النووي لصدام حسين أثبت أنه هندي

العالم العربي قيس الخزعلي: تحليل الحمض النووي لصدام حسين أثبت أنه هندي

قيس الخزعلي: تحليل الحمض النووي لصدام حسين أثبت أنه هندي

دون مقدمات أو صلة بالحدث السياسي في العراق، قال أمين حركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، إن تحليلاً للحمض النووي «دي إن إيه» لرئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، أثبت أنه من الهند. وكان الخزعلي يتحدث في خطبة بمناسبة عيد الفطر، السبت، في بغداد، وشن هجوماً لاذعاً على من وصفهم بـ«أشباه المثقفين» الذين ينخرطون في «مؤامرات ومشاريع لزعزعة الاستقرار». وقال الخزعلي، إن «صدام حسين كان ينشر أقواله عن أن الشعب العراقي أصله من الهند، وقد تبين بعد تحليل (دي إن إيه) أنه هو من الهند».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي العقل السياسي العراقي لا يزال ينبش «ذاكرة نيسان»

العقل السياسي العراقي لا يزال ينبش «ذاكرة نيسان»

مع أن العراقيين الذين ولدوا يوم 9 أبريل (نيسان) عام 2003 أصبحت أعمارهم الآن 20 سنة، ودخل قسم كبير منهم في سوق العمل، وانخرط معظمهم في مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 باحثين عن وطن، فإن أياً منهم ربما لم يشهد عصر صدام حسين إلا سويعات، هي المدة اللازمة بين ولادتهم في المستشفى وإسقاط دبابة الأبرامز الأميركية تمثاله في ساحة الفردوس في قلب بغداد. أما البعثيون ممن كانوا جزءاً من آلية النظام، بمن فيهم من تسلم مواقع قيادية كبيرة في الحزب والدولة، فإن أعمار غالبيتهم العظمى تجاوزت الثمانين عاماً.

حمزة مصطفى (بغداد)
شاهد يروي لـ«الشرق الأوسط» وقائع اجتماعين مع صدام في ظل الاحتلال

شاهد يروي لـ«الشرق الأوسط» وقائع اجتماعين مع صدام في ظل الاحتلال

روى متقاعدٌ عراقي لـ«الشرق الأوسط»، مجريات لقاءين جمعاه بالرئيس صدام حسين، بعد سقوط بغداد الذي تصادف ذكراه اليوم. وقال المتحدث، الذي تعذَّر ذكر اسمِه لأسباب أمنية، إنَّ اللقاء الأول عُقد على أطراف الفلوجة في 11 أبريل (نيسان) 2003، أي بعد يومين من سقوط بغداد، في حين عُقد اللقاء الثاني في 19 يوليو (تموز)، في بغداد التي احتلتها القوات الأميركية.

غسان شربل (لندن)
المشرق العربي «لا تثق أبداً في رجل له لحية مثل هذه»... صدام حسين يصف بن لادن

«لا تثق أبداً في رجل له لحية مثل هذه»... صدام حسين يصف بن لادن

ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية في تقرير لها، أنه عندما استجوب مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد أسره في العراق في ديسمبر (كانون الأول) 2003، كان للوكالة هدفان رئيسيان: كشف الحقيقة بشأن أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الرئيس العراقي، وتحديد علاقته بتنظيم «القاعدة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي يَختان في البصرة شاهدان على «بذخ» نظام صدّام

يَختان في البصرة شاهدان على «بذخ» نظام صدّام

في جنوب العراق، لا يزال يختا صدّام حسين بعد عشرين عاماً على سقوطه جراء الغزو الأميركي، الشاهد الأمثل على جنون العظمة لدى الرئيس العراقي الأسبق، فيطفو أحدهما صدئاً وسط النهر، بينما بات الثاني مفتوحاً أمام الزوار. في مدينة البصرة في أقصى جنوب العراق، تفصل مسافة نحو 500 متر فقط بين «المنصور»، يخت صدّام الذي أصابته غارات شنتها طائرات أميركية في عام 2003، ويخت «نسيم البصرة» الذي وُضع بتصرّف مركز دراسات بحرية. يرسو «نسيم البصرة» الذي لم يتسنَّ لصدّام الإبحار به أبداً، على أحد أرصفة «شط العرب»، ملتقى نهري دجلة والفرات.

«الشرق الأوسط» (البصرة)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.