حقبة تاريخية جديدة في مسيرة فنلندا «غير محايدة»

بعد الانتخابات العامة الأخيرة التي سلّمت السلطة إلى اليمين

مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)
مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)
TT

حقبة تاريخية جديدة في مسيرة فنلندا «غير محايدة»

مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)
مبنى البرلمان الفنلندي في هلسنكي (أ.ب)

خلال يومين فقط، شهدت فنلندا تغيرات محورية في سياستها. التغير الأول تمثل باتجاهها من اليسار إلى اليمين بعدما خسر الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) بزعامة رئيسة الحكومة سانا مارين الانتخابات يوم الأحد الماضي؛ إذ اختار الناخبون عوضاً عنه، حزبي يمين الوسط واليمين المتطرف اللذين حصل كل منهما على أصوات أكثر من الاشتراكيين. وعلى الرغم من شعبية مارين على الساحة العالمية، وقيادتها فنلندا بكفاءة إبان أزمة «كوفيد - 19»، والحرب في أوكرانيا - وقرارها التاريخي بإنهاء عقود من الحيادية لصالح الانضمام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» - فإنها لم تستطع الحفاظ على منصبها في وجه أزمة اقتصادية متصاعدة يبدو أنها ما دفع الناخبين للابتعاد عن معسكر يسار الوسط. ولكن التغير الأهم الذي طرأ على توجهات هذه الدولة الأوروبية الشمالية المحاذية لروسيا، يبقى تخلّيها رسمياً عن عقود من الحيادية، وانضمامها إلى «ناتو» في خطوة تاريخية يوم الثلاثاء الماضي، لتغدو الدولة العضو الـ31 في الحلف. وهكذا، لم تعد فنلندا «الدولة الوسيط» بين روسيا والولايات المتحدة، كما فعلت في الماضي، خصوصاً عندما استضافت عاصمتها هلسنكي عام 2018 القمة الشهيرة التي جمعت بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أوج التوتر بين الدولتين العظميين على خلفية اتهام واشنطن لموسكو بالتدخل في الانتخابات.
في وسط العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبالذات، في ساحة كزارميتوري أمام مقر وزارة الدفاع، يقف نصب تذكاري لـ«حرب الشتاء»، التي خاضتها فنلندا مع الاتحاد السوفياتي عام 1939.
لم تدم تلك الحرب طويلاً؛ ذلك أنها انتهت بعد 105 أيام فقط، غير أن آثارها كانت كبيرة وطويلة الأمد، والحقيقة أن نتائج تلك الحرب شكلت أساساً لسياسة الحياد التي اعتمدتها البلاد منذ ذلك الحين.

الزعيم اليميني المنتصر أوربو يحيي مناصريه (أ.ب)

الحرب التي اندلعت يوم 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1939 كانت شرسة ودموية للطرفين، ولقد خاضها الجيشان الفنلندي والسوفياتي في درجات حرارة وصلت إلى ناقص 43 درجة مئوية، وانتهت بعد قرابة ثلاثة أشهر في منتصف مارس (آذار) من عام 1940. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي ألحقتها الجيش الفنلندي بغريمه السوفياتي القوي، فإن القيادة الفنلندية في العاصمة هلسنكي اضطرت في نهايتها إلى التخلي عما يقارب الـ10 في المائة من مساحة أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي.
ومنذ ذلك الحين، ظلت آثار هذه الحرب حاضرة في فنلندا، ليس فقط في سياستها الخارجية بل أيضاً الدفاعية؛ فلدى فنلندا جيش احتياط ضخم من القوات القادرة على الدفاع عن أراضيها، أنشئ من خلال التجنيد الإلزامي العام وعقيدة الدفاع عن الأرض المزروعة في أذهان الفنلنديين. وراهناً لدى فنلندا جيش نظامي قوامه 280 ألف عنصر، تضاف إليهم قوات الاحتياط التي تضم قرابة الـ900 ألف فرد مدربين على القتال، ما يجعله بالتالي واحداً من أكبر جيوش دول التحالف الغربي.
ومن جهة ثانية، امتدت هذه العقيدة الدفاعية أيضاً إلى البنية التحتية للبلاد الجاهزة لحماية السكان في حال تعرض البلاد لضربة نووية؛ فقد أنشأت الحكومات الفنلندية المتعاقبة منذ نهاية «حرب الشتاء» نظام ملاجئ ضخماً يمكنه تأمين حماية قرابة الـ4 ملايين شخص من أصل 5 ملايين ونصف المليون، يشكلون عدد سكان فنلندا. ويمكن لهذه الملاجئ التي تمتد تحت المدن الكبيرة وتستخدم حالياً إما كمحطات مترو، وإما صالات رياضية ومتاحف وغيرها، أن تؤمن حماية من أسلحة نووية تصل زنتها إلى 100 كيلوطن.
- سياسة الحياد
ومقابل تعميق دفاعاتها، بقيت فنلندا معتمدة في السنوات التي تلت خسارتها للحرب، على سياسة الحياد وعدم الانحياز، ونجحت في الحفاظ عليها طوال «الحرب الباردة». ومع مطلع الستينات، باتت فنلندا «دولة موثوقاً بها» لدى الغرب والاتحاد السوفياتي على أنها دولة حيادية فعلاً وعملاً. ويُعد الرئيس الفنلندي الأسبق جوهو كوستي باسيكيفي «عرّاب» سياسة الحياد تلك، التي عمل عليها منذ عام 1946. ولاحقاً، طور السياسة تلك خليفته الرئيس الأسبق أورهو كيكوكن عند تسلمه منصبه عام 1956، الذي وقّع مع الاتحاد السوفياتي اتفاقاً عام 1948 ثبّت حياد فنلندا رسمياً، واستحق كيكوكن بذلك «جائزة لينين للسلام»، التي منحه إياها الاتحاد السوفياتي عام 1979. وعبر السنوات، ربطت فنلندا بين حيادها والسلام في أوروبا، وعملت على الترويج لذلك طوال العقود الماضية التي بقيت ملتزمة فيها بمبدأ الحياد والتعامل السلمي.

رئيسة الحكومة الاشتراكية الخاسرة سانا مارين (أ.ف.ب)  -   زعيمة اليمين المتطرف رييكا بورا (أ.ب)

هذه كانت الحال طوال السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، ومعه ترسخت كاملة قناعة في هلسنكي بضرورة المحافظة على مبدأ الحياد كوسيلة مثلى للتعايش مع جار أكبر وأقوى منها للحفاظ على استقلالها، بل إن سياستها تلك بات لها تعبير هو «الفلدنة» أو «الفنلدة»، الذي صار يطلقه البعض بشكل ازدرائي على ممارسة الدول التي ترفض اتخاذ مواقف سياسية من جارتها الأقوى مقابل الحفاظ على استقلالها. ولكن بالتوازي، رغم حفاظ فنلندا على مبدأ الحياد، بدأ نقاش حقيقي حول مدى استمرار هذا الحياد وجدواه فعلاً منتصف التسعينات، بعد توقيع هلسنكي على اتفاق تعاون مع حلف شمال الأطلسي في عام 1994، وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في العام الذي تلاه أي عام 1995. وسمح اتفاق التعاون مع الحلف آنذاك، بتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مع دول «ناتو» على الحدود مع روسيا.
غير أنه مع انهيار عقد السلام في أوروبا خلال فبراير الماضي على إثر غزو روسيا لأوكرانيا، انهارت كذلك مسوّغات الحياد الفنلندي التي كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلام بين روسيا وجيرانها، ونابعة من ثقتها بأن حيادها سيحميها.
لقد غيّرت الحرب الروسية في أوكرانيا هذه الذهنية، والصدمة التي شكلتها الحرب لدى الفنلنديين دفعتهم، بشكل واسع لتأييد دعوة حكومتهم للانضمام لـ«ناتو»؛ فالحرب أعادت مخاوف تكرار «حرب الشتاء»، ودفعت بالسياسيين للاستنتاج سريعاً خلال مايو (أيار) الماضي، بأن فنلندا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها في وجه أي اعتداء روسي شبيه لما حصل لأوكرانيا. وأنها، بالتالي، لا تستطيع أن تحافظ على حيادها في وجه ما رأته تهديداً متزايداً من روسيا. وهكذا، اتخذت القيادة الفنلندية القرار التاريخي بالتخلي عن حيادها على ضوء العملية العسكرية الروسية، والانضمام إلى الحلف الغربي. وهكذا بات الحلف هو المرجعية المسؤولة عن حماية استقلال فنلندا في مواجهة أي تهديد من روسيا التي تشاركها حدوداً طويلة جداً، تمتد على مسافة 1340 كيلومتراً. وغدت فنلندا تتمتع بحق الحماية من جميع دول «ناتو» في حال تعرضها لأي اعتداء خارجي بموجب المادة الخامسة من آلية الدفاع الجماعي للتحالف.
- عضوية «ناتو» والمتاعب المرتقبة
مع هذا، فإن هذا الانضمام الذي أصبح رسمياً خلال الأسبوع الماضي يحمل معه متاعب جديدة لفنلندا ولـ«ناتو» أيضاً. تلك الحدود بين دول «ناتو» وروسيا توسعت بشكل كبير، وبات على الحلف تأمين هذه الحدود الجديدة مع روسيا. وبالنسبة لفنلندا، ستوجب العضوية عليها مراجعة سياستها النووية بشكل سريع بعد انضمامها رسمياً لحلف هو نووي بالأساس. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت فنلندا لإنشاء «منطقة خالية من الأسلحة النووية» في شمال القارة الأوروبية، بيد أن طموحها اصطدم في ذلك الوقت بانضمام كل من الدنمارك والنرويج إلى «ناتو» الذي يعد المظلة النووية أساسية في منظومته الدفاعية. وفي النتيجة، بقيت فنلندا إلى جانب السويد - التي اعتمدت نفس سياسة جارتها بالحياد وعدم الانحياز - مصرة على خلق هذه المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. وكانت، في الواقع، الدولة الأولى التي توقع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968. وحسب قوانين فنلندا الوطنية، فهي تمنع أيضاً حيازة وتجربة الأسلحة النووية على أراضيها.
ومن ناحية ثانية، قبل الانضمام رسمياً إلى «ناتو»، رفضت فنلندا إعطاء موقف واضح حول إمكانية نشر أسلحة نووية للحلف على أراضيها، بل حتى بُعيد تقديم فنلندا طلب الانضمام للحلف قبل سنة، اكتفى الرئيس الفنلندي سولي نينستو بالقول عندما سئل عن ذلك، إن فنلندا ستنضم إلى «ناتو» بناءً على شروطه و«إن الوقت مبكر للبحث بمسألة نشر أسلحة نووية على أراضيها». ولكنه عاد لاحقاً لينفي وجود أي نية لدى الحلف أو لدى دولته لاتخاذ خطوة مماثلة.
وبالفعل، قد يكون النقاش حول نشر أسلحة نووية في فنلندا لا يزال بعيداً، لا سيما أن الحلف لا ينشر أسلحة نووية على حدوده مع روسيا، بل يبقيها محصورة في الدول الأوروبية الغربية (ألمانيا وبلجيكا وهولندا) ومعها تركيا. ولقد أكد ذلك تقرير نشره الحلف عن طريق الخطأ قبل سنتين؛ كون موضوع أماكن نشر الأسلحة النووية يُعد موضوعاً سرياً، وليس من المعتاد الكشف عنه. ولكن، مع ذلك، فإن العقيدة الدفاعية المتعلقة بالأسلحة النووية في فنلندا يجب أن تتغير بعد انضمامها الآن إلى حلف نووي بالأساس. وهي منذ انتمائها رسمياً، بات لديها مجال الوصول إلى معلومات نووية لم تكن متاحة لها في السابق، كما أنها أصبحت جزءاً من القرار الذي تتخذه دول الحلف حول دفاعاتها النووية. وإن كانت عقيدتها حول الأسلحة النووية تتعارض مع كل ذلك لغاية الآن.
- التحوّل إلى اليمين
في خضم كل هذا التغيير الدفاعي الذي تشهده فنلندا، اختار ناخبوها خلال الانتخابات العامة الأخيرة إقصاء حكومتهم الاشتراكية والرهان على اليمين بديلاً حاكماً؛ فقد خسرت رئيسة الحكومة سانا مارين، التي كانت حكومتها الائتلافية الاشتراكية قد تقدمت بطلب عضوية الانضمام إلى «ناتو»، الانتخابات التي شهدتها البلاد الأحد الماضي. وحل الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي قادته في المرتبة الثالثة بعدما حصل على 19.9 في المائة فقط من أصوات الناخبين. إذ جاء في المرتبة الأولى خلال المعركة الانتخابية حزب «الائتلاف الوطني» اليميني الوسطي بزعامة بيتيري أوروبو بحصوله على 20.8 في المائة من نسبة الأصوات، بينما حل ثانيا حزب «فينز» (الفنلنديون) اليميني المتطرف بـ20.1 في المائة من الأصوات.
وفي ضوء هذه الحصيلة، يتعيّن الآن على الحزب المتصدر اتخاذ قراره حول الحزب الثاني الذي يريد أن يشكل حكومة ائتلافية معه، ثم الدخول في مفاوضات لتشكيل هذه الحكومة. حتى الآن ما زال غير واضح أي من الحزبين سيقرر أوروبو التفاوض معه، وإن كانت ثمة ترجيحات إلى أنه ينوي التحالف مع حزب «فينز» اليميني المتطرف والشعبوي الذي تتزعمه رييكا بورا، والذي حل ثانياً. خطوة كهذه تعني أن الحكومة المقبلة ستحمل نزعة يمينية خالصة في تناقض كبير مع حكومة مارين اليسارية المعتدلة التي قادت البلاد في السنوات الأربع الماضية. وللعلم، فإن الحزبين اليمينيين يتشاركان نظرة اقتصادية موحدة تدعم تخفيض الإنفاق الحكومي، وتتناقض مع نظرة الاشتراكيين التي تؤمن بزيادته.
وفي الحقيقة، كان الملف الاقتصادي طاغياً في الحملة الانتخابية الأخيرة، وبدا بوضوح أن الهموم المالية هي التي تشغل - أكثر من غيرها - بال الناخبين وسط أزمة اقتصادية عالمية، وارتفاع كبير في أسعار الطاقة، وتضخم غير مسبوق بسبب الحرب في أوكرانيا. وفي حين روّج الاشتراكيون للإبقاء على سياسة الإنفاق ما يعني زيادة الدَّين العام الذي ارتفع بنسبة 75 في المائة إبان جائحة «كوفيد - 19»، روّج اليمينيون لتخفيض الإنفاق عبر تقليص النفقات والإعانات. وكانت هذه السياسة اليمينية هي التي اختارها الناخبون القلقون من زيادة الدَّين العام، واستمرار ارتفاعه أكثر في حال بقي الاشتراكيون في السلطة.
أما حيال مسألتي انضمام فنلندا لعضوية «ناتو» وسياستها المستقبلية تجاه روسيا، فقد كان لافتاً أن النقاشات كانت شبه غائبة عن البرامج والشعارات والطروحات المقدمة من الأحزاب. وهنا بالذات، قد لا يكون في الأمر غرابة، إذا ما تذكرنا أن الأحزاب الفنلندية كلها أجمعت في السابق على ضرورة تقديم طلب عضوية إلى «ناتو»، ومن ثم التخلي نهائياً عن سياسة عدم الانحياز. وهذا يعني أن حزب «فينز» اليميني المتطرف، على عكس الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تميل إلى الدفاع عن مواقف القيادة الروسية والتقارب معها، لا يتعاطف مع موسكو. وفي المقابل، يركز هذا الحزب الشعبوي المتطرف على مهاجمة المهاجرين، ويعتمد سياسات تشكك في الاتحاد الأوروبي والسياسات المناخية.
- لا تغيير مرتقباً في السياسة الدفاعية
في أي حال، وبغض النظر عن الحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة، والأحزاب التي ستشارك في الائتلاف الحاكم، فإن السياسات الدفاعية لفنلندا ستبقى نفسها، ولن تتغير بتغير الحزب الحاكم. ثم إنه سيتوجب على أي حكومة جديدة تُشكل - وهو ما قد يستغرق أشهراً - أن تراجع السياسة الدفاعية المتعلقة بالأسلحة النووية، وأن تتخذ أيضاً قرارات تتعلّق بالإنفاق الدفاعي المرتفع أصلاً، الذي زاد العام الماضي على الـ2 في المائة، وهي النسبة التي يوصي بها «ناتو» الدول الأعضاء. ولكن يرى كثيرون أن حكومة يمينية صرفاً ستواجه صعوبة أكبر في البحث عن مصادر لتمويل الإنفاق الدفاعي، في حين تعتمد سياسة خفض النفقات بهدف تقليص الدين العام.
وبالتالي، بانتظار تشكيل الحكومة الفنلندية الجديدة وبدئها بالعمل على سياسات مهمة ستحتاج إليها لدعم انضمامها إلى «ناتو»، يبدأ الحلف كذلك مراجعة لسياساته الدفاعية بعد توسيعه حدوده مع روسيا. وهنا قد يعرقل خطط الحلف في الشمال، استمرار بقاء السويد خارج الحلف، لتكون الدول الشمالية الوحيدة التي ما زالت غير منضمة إلى أسرته.
الجدير بالذكر، أن السويد التي كانت قد قدمت طلب انضمامها مع فنلندا، لا تزال تنتظر موافقة كل من تركيا والمجر على ضمها. ولكن حتى الآن ما زالت تركيا تعرقل ضم السويد لرفض الأخيرة تسليم مشتبه بهم تطالب بهم أنقرة على أساس أنهم إرهابيون أكراد. ولقد تسبب حرق مصحف أمام مقر السفارة التركية في ستوكهولم قبل أسابيع، بزيادة توتر العلاقات الثنائية، وتمسُك تركيا بعرقلة ضم السويد. ومع أن ينس شتولتنبرغ، أمين عام «ناتو»، ما زال يكرّر الإعراب عن ثقته بأن العملية ستؤدي في النهاية إلى تفاهمات لضم السويد، فإن تأخير ضمها قد يؤخر حقاً خطوات الحلف لدمج الدولتين الشماليتين المرتبطين باتفاقات دفاعية مشتركة، في سياسته الدفاعية.
وفي انتظار ضم السويد وبدء تطبيق «سياسة شمالية دفاعية» كاملة تحت مظلة «ناتو»، تبدأ فنلندا رحلة جديدة تتهيأ فيها لمرحلة سياسية ودفاعية مختلفة، تنفض خلالها عنها صيت «الفلدنة»، وتتخلى نهائياً عن سياسة عدم الانحياز بعدما اختارت، مرغمة، الغرب على الشرق.

فنلندا... في سطور

> فنلندا جمهورية تقع في شمال أوروبا، تعد فعلياً دولة «شمالية» (نوردية)، لكنها ليست جزءاً من إسكندينافيا، التي تضم السويد والنرويج والدنمارك.
> الشعب الفنلندي، من الناحية الإثنية اللغوية من الشعوب الفينو - أوغرية وليس كجيرانه الإسكندينافيين الذين يعودون إلى أصول جرمانية، وأقرب الشعوب إليه إثنو - لغوياً الإستونيون والكاريليون (في أقصى شمال غربي روسيا على حدود فنلندا الشرقية).
> في البلاد لغتان رسميتان هما الفنلندية (يتكلمها 87.3 في المائة من السكان)، والسويدية (5.2 في المائة من السكان). ومعهما لغة شعب السامي (اللابيون).
> الفنلنديون يطلقون على بلادهم اسم «سوومي»، ويبلغ تعداد الشعب الفنلندي نحو 5.5 ملايين نسمة، وتتركز غالبيتها في المناطق الجنوبية من البلاد.
> تبلغ مساحة البلاد، التي تحدها من الشرق روسيا، ومن الشمال النرويج، ومن الغرب السويد، وفصلها عن إستونيا جنوباً خليج فنلندا، نحو 339 ألف كلم مربع. وهي بالتالي الثامنة من حيث المساحة في أوروبا، وأقل دول الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية.
> عاصمة البلاد مدينة هلسنكي، وهي أكبر مدنها، تليها مدن تامبيري وأوبو (توركو) ويوفاسكولا ولاهتي وكووبيو.
> فنلندا جمهورية برلمانية ذات حكومة مركزية مقرها العاصمة هلسنكي، وحكومات محلية في 336 بلدية.
> يدين معظم الفنلنديين بالمسيحية البروتستانتية اللوثرية (68.7 في المائة)، ويدين نحو 1.1 في المائة بالأرثوذكسية. ومن الناحية العملية، تغلب العلمانية على المجتمع الفنلندي.
> كانت فنلندا تاريخياً جزءاً من السويد، ولكنها منذ عام 1809 تحولت إلى دوقية ذاتية الحكم ضمن الإمبراطورية الروسية. وعقب إعلان الاستقلال الفنلندي عن روسيا في 1917 حرب أهلية، وحروب ضد الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية، وثم فترة من الحياد الرسمي خلال الحرب الباردة.
> انضمت فنلندا إلى الأمم المتحدة عام 1955، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عام 1969، والاتحاد الأوروبي عام 1995، ومنطقة اليورو منذ إنشائها.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان
TT

مسعود بزشكيان جرّاح القلب البراغماتي... يجد نفسه معالجاً لأزمات إيران المزمنة

بزشكيان
بزشكيان

لا يُعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي سيبلغ السبعين من العمر الأحد المقبل، من ساسة الرعيل الأول الذين شاركوا في ثورة الخميني عام 1979 أو قادة الأحزاب السياسية، بما في ذلك التيار الإصلاحي، الذي ينتمي إليه. ثم إنه ليس من المحسوبين على الجهازين الأمني والعسكري، رغم حضوره في المشهد السياسي الإيراني، وتدرجه البطيء في المناصب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وكان بزشكيان، الذي أطل على العالم بالأمس من منبر «الأمم المتحدة»، قد فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المبكرة مدعوماً من الإصلاحيين، وفيها تغلب على المرشح المحافظ المتشدد سعيد جليلي، وحصل على أقل عدد من أصوات الناخبين بعد ثورة 1979، نظراً للمقاطعة التي وصلت إلى مستويات قياسية rnغير مسبوقة.

ولد مسعود بزشكيان في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، لأب آذري تركي وأم كردية في مدينة مهاباد، بمحافظة أذربيجان الغربية، ثم انتقل إلى مدينة أورمية حيث أكمل دراسته الثانوية. والتحق بالتجنيد الإلزامي وأمضى سنتين في محافظة بلوشستان بجنوب شرقي البلاد، قبل أن ينتقل إلى طهران لدراسة الطب، وهناك توقفت دراسته في السنة الأولى بسبب أحداث الثورة التي أطاحت بنظام الشاه. وخلال سنتين من تعطل الجامعات الإيرانية بسبب ما يعرف بـ«الثورة الثقافية»، تزوّج بزشكيان ورزق بـ4 أبناء، لكنه فقد زوجته وأحد أبنائه في حادث سير مؤلم في 1993، ورفض الزواج ثانية.

الحرب العراقية الإيرانية

تزامنت عودة بزشكيان للدراسة في السنة الجامعية الثانية مع بداية الحرب الإيرانية - العراقية، وكذلك المعارك بين «الحرس الثوري» والأحزاب الكردية المعارضة. وانضم إلى الطاقم الطبي في جبهات الحرب، بمحافظة كردستان، قبل أن يتوجه جنوباً إلى مدينة عبادان التي شهدت معارك شرسة وأصبح مسؤولاً عن الفرق الطبية في جبهات الحرب. وبعد سنوات قليلة، عاد لإكمال دراسته في 1985.

ساهم سجلّ الرجل في جبهات الحرب بتسهيل مشواره العلمي، مستفيداً من الامتيازات الخاصة التي تمنحها السلطات للعسكريين في الحرب. وبالفعل، حصل عام 1990 على شهادة الاختصاص في الجراحة العامة، واستغرق الأمر 3 سنوات لحصوله على الاختصاص في جراحة القلب. ومن ثم، التحق بمستشفى أمراض القلب في مدينة تبريز، وأصبح رئيساً له، وصار أستاذاً جامعياً بقسم القلب والشرايين في جامعة تبريز للعلوم الطبية، لكنه لم يُقبل في المجمع الطبي الإيراني إلا عام 2010.

المسار السياسي

أداء بزشكيان المهني، وخصوصاً رئاسة جامعة العلوم الطبية في تبريز، أسهم بشقّ طريق جراح القلب الناجح، نحو المناصب السياسية، فصار نائباً لوزير الصحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي الأولى. وبعد فوز خاتمي، بفترة رئاسية ثانية عام 2001، تولى منصب وزير الصحة وبقي في المنصب لنهاية فترة خاتمي عام 2005.

خاتمي وصف بزشكيان عندما قدّمه إلى البرلمان بأنه «قوي التصميم وعلمي وحازم» وأن «اختياره جاء بسبب التزامه وإيمانه وإدارته المقبولة خلال السنوات الماضية». ومنذ دخوله الوزارة كان من صفاته البارزة أنه «عفوي وصادق، ويتحلى بالتواضع وروح الخدمة»، لكن بعد سنتين كاد يفقد منصبه، إثر استجوابه في البرلمان بسبب زياراته الخارجية وقفزة أسعار الخدمات الطبية والأدوية، وهي من المشاكل التي رآها الإصلاحيون متجذرة في المؤسسة الطبية الإيرانية. كذلك، اهتزت صورته وزيراً بعض الشيء بعد قضية المصوّرة الصحافية الكندية - الإيرانية زهراء كاظمي، التي توفيت في ظروف غامضة داخل سجن إيفين عام 2003 بعد 17 يوماً من اعتقالها، وذلك بسبب تقرير قدّمه عن أسباب الوفاة.

تجربة برلمانية غنية

بزشكيان ترشّح للانتخابات البرلمانية عن مدينة تبريز (كبرى المدن الآذرية في إيران) بعد سنتين من انتهاء مهمته الوزارية، وفاز ليغدو نائباً في البرلمان الثامن. وأعيد انتخابه في البرلمانات التاسع والعاشر والحادي عشر. ثم ترشح للمرة الخامسة في الانتخابات البرلمانية، قبل أن يترشح للرئاسة في الانتخابات المبكرة إثر مقتل الرئيس المتشدّد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة خلال مايو (أيار) الماضي.

هذا، ورغم اعتباره نائباً إصلاحياً عبر 5 دورات برلمانية، نأى بزشكيان بنفسه عن المواجهات الحادة بين الإصلاحيين والسلطة، وخصوصاً بعد الصدام الكبير في أعقاب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في 2009، ورفض المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي الاعتراف بنتائج الانتخابات. وباستثناء حالات نادرة، فإن مواقفه لم تتعارض كثيراً مع النواب المعروفين بولائهم الشديد للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ثم تحوّل تدريجياً إلى أحد النواب الأكثر نفوذاً في البرلمان.

الاتفاق النووي

تزامن إعادة انتخاب بزشكيان في البرلمان العاشر، مع حكومة حسن روحاني والتوصّل للاتفاق النووي. ويومذاك حصد الإصلاحيون غالبية المقاعد في العاصمة طهران وشكّلوا كتلة باسم «الأمل»، وحصل بزشكيان على الأصوات المطلوبة لتولي منصب نائب الرئيس الأول، لمدة 3 سنوات متتالية. وكان رئيس كتلة، نائبه الأول حالياً، محمد رضا عارف.

إجمالاً، دعم الرجل الاتفاق النووي قبل وبعد توقيعه في 2015، وأيضاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وعدّه السبيل الضروري لحل مشاكل إيران الاقتصادية والسياسية الناتجة عن العقوبات والعزلة الدولية، وآمن بأن الاتفاق «فرصة تاريخية» للعودة إلى الاقتصاد الدولي. كذلك أيّد بقوة قبول إيران قواعد «قوة مهمات العمل المالي» (فاتف)، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وحينها، اقترح أن يقصر «الحرس الثوري» أنشطته المالية مع بنوك تابعة له للالتفاف على قوانين «فاتف»، منتقداً تدخل «الحرس» في بعض المجالات الاقتصادية. وفي المقابل، أشاد أكثر من مرة بدور الجهاز العسكري في الأمن الإيراني، ورأى أن البلاد لا يمكن أن تستمر من دون «الحرس الثوري»، ودعا إلى التركيز على هذا الدور، وارتدى الزي الرسمي لـ«الحرس الثوري» كغيره من النواب بعدما صنّفت الولايات المتحدة «الحرس» منظمة إرهابية. وبخلاف بعض النواب الإصلاحيين، كان بزشكيان من المؤيدين للتعاون العسكري الإيراني - الروسي في سوريا.

مع الإصغاء للناسإبان الاحتجاجات التي هزّت إيران أعوام 2017، و2019، و2021، كان بزشكيان جريئاً في طرح المشاكل، منتقداً تجاهل مطالب الشعب، خصوصاً حل الأزمة المعيشية. وأكد على ضرورة الاستماع إلى صوت الناس والاستجابة لاحتياجاتهم. ورأى أن قمع الاحتجاجات وحده ليس الحل، بل يجب معالجة الأسباب الجذرية للاستياء العام، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والبطالة والتمييز. وأشار مراراً إلى أن الفساد الإداري على مختلف المستويات قد فاقم الأزمات.

وبشكل عام، يؤمن بزشكيان بالحوار الوطني والإصلاحات التدريجية من خلال الآليات القانونية والسياسية، ومع التأكيد على احترام الحقوق المدنية، فإنه يسعى إلى إيجاد حلول سلمية للأزمات الداخلية. وحقاً، انتقد عدة مرات غياب لغة الحوار في الداخل الإيراني، لكنه نأى بنفسه عن الدعوات الإصلاحية لإجراء استفتاء لحل القضايا العالقة، ولا سيما السياسة الخارجية، ومنها تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.

رئاسته وتحدياته

مواقف وقاموس بزشكيان النائب لا تختلف اليوم عن تطلعات بزشكيان الرئيس بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مع استبعاد أن يؤدي انتخابه إلى تغيير في موازين القوى بإيران. ويُذكر أن انتخابه أتى بعد 3 سنوات من رفض طلبه الترشّح للانتخابات الرئاسية في 2021، «لعدم أهليته السياسية» حسب «مجلس صيانة الدستور» حينذاك.

هذا، وكان قد ترشح لأول مرة لانتخابات الرئاسة عام 2013، لكنه انسحب لصالح حسن روحاني. ولكن في المرة الأخيرة، حصل على موافقة «مجلس صيانة الدستور»، في خطوة مفاجئة. وأدى القسم الدستورية يوم 27 مايو بعد أسبوع من مقتل رئيسي. وبعد 63 يوماً، وقف أمام البرلمان (30 يوليو - تموز) لأداء القسم رئيساً للجمهورية.

التوازن بين الولاء والإصلاح

حاول بزشكيان سواء في الانتخابات الرئاسية أو بعد تشكيل الحكومة، تقديم نفسه على أنه يؤمن بالحوار الداخلي، ويدافع عن حقوق المرأة، وعبّر عن انتقاد واضح للتدخلات الحكومية في الحياة الشخصية، والسياسات القمعية، مع التركيز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. وتعهّد أيضاً بإخراج إيران من العزلة الدولية، ورفع العقوبات عبر حلّ الأزمة النووية مع الغرب، كما تعهد بإصلاحات هيكلية في الاقتصاد، وإعادة انخراط شبكة البنوك الإيرانية بالأسواق المالية العالمية، عبر قبول قواعد «فاتف». وأظهرت مواقفه أنه يتبنى نهجاً متوازناً يعتمد على الدبلوماسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع العقوبات. وفي المقابل، دأب على انتقاد السياسات القائمة على الشعارات التي لا تقدم حلولاً عملية.

لكن بزشكيان واجه انتقادات بأنه لم يقدم حتى الآن أي برنامج أو حلول للقضايا التي أثارها في الانتخابات الرئاسية. ورداً على الانتقادات، تعهد بتعزيز موقع الخبراء في فريقه التنفيذي، وأن يكون أداء حكومته متماشياً مع رؤية خطة التنمية السابعة، وهو برنامج لـ5 سنوات يغطي المجالات كافة، أقرّه البرلمان العام الماضي.

من جهة ثانية، خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه، حرص بزشكيان على إظهار تواضع كبير، سواء في مظهره أو خطابه المعتدل. وحاول تعزيز صورته رئيساً من خلال تبنيه للبساطة والابتعاد عن المغالاة في وعوده، ما يجعل أسلوبه مختلفاً عن كثير من السياسيين الإيرانيين الذين يفضلون التوجهات النخبوية أو الثورية.

أيضاً، اتخذ بزشكيان من «الوفاق الوطني» شعاراً لحكومته، وحذّر من خلافات داخلية تعرقل التآزر الوطني، حتى بعد انتخابه واصل التحذير من عواقب الخلافات على الاستقرار الداخلي، إذ يرى أن الصراعات الداخلية ستقود البلاد إلى مزيد من الفقر والمعاناة تحت العقوبات.

في أي حال، يواجه بزشكيان تحديات داخلية كبيرة، لأن المعسكر الإصلاحي المهمش يسعى لاستعادة تأثيره في الحياة السياسية، رغم خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين بعد فترات حكمهم السابقة. وهو حتى الآن يدفع باتجاه التوازن بين الولاء الشديد للمرشد علي خامنئي ودعواته للتغيير والإصلاح. وبينما يظهر تمسكاً شديداً بمسار المؤسسة الحاكمة، ويؤكد أهمية المرشد ودوره، يزعم تبني أجندة إصلاحية تهدف إلى معالجة الفجوة بين الشعب والحكام، ما يعكس رغبته في التغيير ضمن إطار النظام الحالي، لا عبر مواجهته المباشرة.

هذه الازدواجية من رئيس يدرك حدود صلاحيات الرئاسة، تحت حكم المرشد، تعكس استراتيجيته للبقاء في المشهد السياسي الإيراني. ومن ثم إحداث تغييرات تدريجية، من دون التعرض للمصالح الاستراتيجية الأساسية التي تسيطر عليها السلطة العليا في إيران.