تحليل: غياب الرقابة على تسليح أوكرانيا يهدد العالم بعد الحرب

منظومة «هيمارس» الأميركية (أرشيفية - رويترز)
منظومة «هيمارس» الأميركية (أرشيفية - رويترز)
TT

تحليل: غياب الرقابة على تسليح أوكرانيا يهدد العالم بعد الحرب

منظومة «هيمارس» الأميركية (أرشيفية - رويترز)
منظومة «هيمارس» الأميركية (أرشيفية - رويترز)

مع اكتمال العام الأول للحرب الروسية ضد أوكرانيا، ظهرت مؤشرات على احتمال الوصول إلى نهايتها قريباً. ففي تطور أشبه بمعجزات عيد الميلاد، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا «مستعدة للتفاوض على نتائج مقبولة» للحرب في أوكرانيا. وفي الشهر الماضي أعلنت الصين خطتها للسلام في أوكرانيا، وزار الرئيس الصيني شي جينبينغ موسكو لبحث تلك الخطة.
في الوقت نفسه دخلت روسيا وأوكرانيا مأزقاً مريراً في ظل العجز عن تحقيق أي تقدم حقيقي على أرض المعركة خلال الشهور الأخيرة. لذلك يبدو أن الوقت مناسباً للوصول إلى نوع من وقف إطلاق النار أو الهدنة أو شيء من هذا القبيل، بحسب ويسلي ساتروايت المحلل الاستراتيجي والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية.
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية قال ساتروايت الضابط السابق في المخابرات الأميركية، إن الوقت حان لكي تفكر الولايات المتحدة فيما يمكن أن يحدث بعد الحرب، وبخاصة مصير الأسلحة والمعدات المقدرة بمليارات الدولارات التي أرسلتها إلى أوكرانيا عندما تخرج من الحرب بمؤسسات ضعيفة وتحتاج لإعادة البناء، مع وجود جيوب للتمرد الموالي لروسيا ومساحات من الأراضي تحتلها قوات روسية.
وحتى الآن قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 34 مليار دولار، منها 12.7 مليار دولار في صورة أسلحة ومعدات من مخزونات وزارة الدفاع الأميركية حالياً، إلى جانب 1.3 مليار دولار كمنح وقروض لتمويل شراء أسلحة ومعدات إضافية.
ويضيف ساتروايت، الذي خدم في صفوف القوات الأميركية بأوروبا خلال عامي 2019 و2020 إن الدعم الأميركي لأوكرانيا صواب وعادل. فالحرب العدوانية التي شنها بوتين ضد أوكرانيا كانت اختيارية، عكس أي صراع نشب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. لذلك فالولايات المتحدة ملزمة بدعم الحرية والديمقراطية في أي مكان تواجه فيه الخطر. في الوقت نفسه على الولايات المتحدة إخضاع الأسلحة التي يتم إرسالها إلى كييف للرقابة والمحاسبة، وهو ما يدعو إليه الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس.
ويقول ساتروايت إنه يتعين على الولايات المتحدة تجنب تكرار أخطاء تسليح الأفغان في مواجهة الغزو السوفياتي لبلادهم في ثمانينات القرن العشرين. فقد كانت تلك الحرب اختيارية، ودعمت واشنطن المتطرفين الأفغان. في ذلك الصراع نجحت الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف ستينغر في إسقاط الكثير من المروحيات السوفياتية وساهمت في هزيمة الاتحاد السوفياتي.
وفي ذلك الوقت كانت هذه الصواريخ تعتبر تكنولوجيا حساسة، وكانت الولايات المتحدة تشترط على المجاهدين إعادة فوارغ الذخيرة المستنفدة مقابل إرسال كميات جديدة منها إليهم.
وبعد إتمام انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان في فبراير (شباط) 1989. أطلقت الولايات المتحدة برنامجاً بقيمة 65 مليون دولار لإعادة شراء صواريخ «ستينغر» من الأفغان، لكن البرنامج فشل بنسبة كبيرة. وسرعان ما عرفت هذه الصواريخ طريقها إلى كوريا الشمالية وإيران وطاجيكستان. والآن يتكرر السيناريو الأفغاني، حيث تلعب الصواريخ الأميركية طراز «إف جي إم 148 - جافلين» المضادة للدبابات دوراً كبيراً في التصدي للمدرعات الروسية بنسب إصابة تبلغ 93 في المائة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قال كولين كال مساعد وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسة، إن الروس فقدوا حوالي نصف دباباتهم الرئيسية بفضل الصواريخ جافلين، حيث تم تزويد أوكرانيا بأكثر من 8500 صاروخ «إف جي إم 148 - جافلين» وأكثر من 1650 صاروخ ستينغر المضاد للطائرات و1800 طائرة مسيرة طراز فونيكس جوست و2500 منظومة صواريخ متنوعة.
والحقيقة أن هناك قصوراً شديداً في الرقابة الأميركية على هذه الأسلحة حتى الآن. فالسفارة الأميركية بكييف المعنية أساساً بمتابعة استخدام هذه الأسلحة لا تمتلك القدرات البشرية ولا المادية الكافية للقيام بهذه المهمة بسبب الحرب. كما أن أميركا لا تفرض على الأوكرانيين إعادة فوارغ صواريخ غافلين، مقابل الحصول على صواريخ جديدة من الطراز نفسه، كما فعلت مع صواريخ ستينغر في أفغانستان خلال الثمانينات.
ويقول ساتروايت إن أوكرانيا هي أفضل دولة في أوروبا وثاني أكبر دولة فاسدة فيها بعد روسيا، وتحتل المركز 122 على مؤشر الفساد في العالم. وبعد نهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن العشرين كانت أوكرانيا مركزاً دولياً للتجارة غير المشروعة للأسلحة، بسبب المخزونات الضخمة التي خلفها تفكك الاتحاد السوفياتي. وخلال الفترة من 1992 إلى 1998 فقدت أوكرانيا أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 32 مليار دولار نتيجة عمليات السرقة وغياب الرقابة والبيع بأسعار رخيصة.
وفي تقرير صادر عن منظمة الشرطة الأوروبية (يوروبول) حذرت المنظمة من أن انتشار الأسلحة والمتفجرات في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة عمليات تهريب الأسلحة والذخائر إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط التهريب القائمة ومنصات التجارة غير المشروعة على الإنترنت. وأضافت أن الخطر قد يزداد عند انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية. وبالفعل عرفت بعض الأسلحة التي حصلت عليها أوكرانيا طريقها عبر شبكات سرية إلى فنلندا والسويد والدنمارك وهولندا.
لذلك على الولايات المتحدة تكثيف الرقابة والتفتيش الفعلي على تداول الأسلحة التي تقدمها أوكرانيا. فمنذ بدء وصول المساعدات الأميركية إلى أوكرانيا، لم يخضع سوى 10 في المائة من المعدات والأسلحة شديدة الحساسية لمثل هذه الرقابة. تتم هذه الرقابة من خلال مكتب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بكييف.
وفي حالة خطورة إجراء مثل هذا التفتيش، على الولايات المتحدة إلزام الأوكرانيين برد فوارغ الذخيرة والمعدات المستخدمة إليها. كما يجب وضع صور الأرقام المسلسلة وعلامات التتبع الجغرافي لهذه الأسلحة في قاعدة بيانات تشترك فيها حكومتا الولايات المتحدة وأوكرانيا.
وأخيراً على الولايات المتحدة التعامل بمنتهى الجدية مع ملف الأسلحة المقدمة لأوكرانيا ورسم سيناريوهات التعامل معها بعد انتهاء الحرب، التي ستنتهي إن عاجلاً أو آجلاً حتى تجنب أوروبا والعالم مخاطر أكبر.


مقالات ذات صلة

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)

شولتس في كييف بعد طول غياب... واتهامات باستغلاله الزيارة لأغراض انتخابية

زار المستشار الألماني أوكرانيا بعد عامين ونصف العام من الغياب وفي وقت تستعد فيه بلاده لانتخاب عامة مبكرة، واتهمته المعارضة باستغلال الزيارة لأغراض انتخابية.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله إلى أوكرانيا (حسابه عبر منصة إكس)

شولتس في زيارة مفاجئة لأوكرانيا... ويعلن عن مساعدات عسكرية جديدة

وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أوكرانيا، الاثنين، في زيارة لم تكن معلنة مسبقاً للتأكيد على دعم برلين لكييف في حربها ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

«الجمعية العامة»: حل الدولتين هو السبيل الوحيد إلى السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين

الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)
الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)
TT

«الجمعية العامة»: حل الدولتين هو السبيل الوحيد إلى السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين

الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)
الجمعية العامة للأمم المتحدة (صورة من الحساب الرسمي على إكس)

قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيلمون يانغ، الثلاثاء، إن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للتوصل إلى سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وأضاف على منصة «إكس»، بعدما ألقى كلمة أمام الجمعية العامة حول الشرق الأوسط: «لا يزال حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم، الذي يوفر للإسرائيليين والفلسطينيين فرصة العيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن وكرامة».

وأكد يانغ أن «السلام والأمن لن يتحققا أبداً بالقوة أو الاحتلال»، وأن الحوار والاعتراف المتبادل والقانون الدولي هي الوسائل الوحيدة للتوصل إلى سلام عادل ودائم.