رفع الفائدة... هل سيضرم فتيل الاحتياج العالمي للسيولة؟

خبراء يرون في استمرار سياسة «الفيدرالي} الأميركي تعميقاً لرحلة الركود الاقتصادي

«الفيدرالي الأمريكي» يفضل خفض التضخم عبر زيادة جديدة في سعر الفائدة رغم حاجة القطاع المالي للسيولة (رويترز)
«الفيدرالي الأمريكي» يفضل خفض التضخم عبر زيادة جديدة في سعر الفائدة رغم حاجة القطاع المالي للسيولة (رويترز)
TT

رفع الفائدة... هل سيضرم فتيل الاحتياج العالمي للسيولة؟

«الفيدرالي الأمريكي» يفضل خفض التضخم عبر زيادة جديدة في سعر الفائدة رغم حاجة القطاع المالي للسيولة (رويترز)
«الفيدرالي الأمريكي» يفضل خفض التضخم عبر زيادة جديدة في سعر الفائدة رغم حاجة القطاع المالي للسيولة (رويترز)

في ظل تنامي المخاوف من أن تفرز سياسة «الفيدرالي الأميركي» المتوالية في رفع سعر الفائدة دعماً لكبح حالة «التضخم»، مخاطر اقتصادية مالية ومصرفية عالمية، شدد مختصون على ضرورة أن تستعد المصارف العالمية إلى التصدي لآثار السياسة النقدية الأميركية، مشيرين إلى أن السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي ستعمل على إضرام فتيل الاحتياج العالمي للسيولة وستدفع بمزيد من رحلة ركود الاقتصاد الدولي.

تاريخ من المصالح
ويرى الاقتصادي الأكاديمي الدكتور إبراهيم العمر أن «الفيدرالي الأميركي» دائماً وعبر التاريخ يتصرف من منطلق مصلحته البحتة، مشيراً إلى أن كثيراً من قراراته لا تُغلِّب حساب المجتمع الدولي، حتى لأقرب الحلفاء السياسيين والاقتصاديين والعسكريين لواشنطن، والشواهد برأيه كثيرة، منها «خطة مارشال» بعد الحرب العالمية الثانية، و«صدمة نيكسون» المتمثلة بفك ربط الدولار بالذهب عام 1971 و«التخفيض الكبير للدولار» عام 1985 وأخيراً الرفع المتتالي لأسعار الفائدة منذ عام.
وكل قرارات «الفيدرالي الأميركي»، وفق العمر، تتم لمصالح أميركية بحتة دون الاكتراث بتبعات قراراته على الحلفاء والاقتصاد العالمي، مبيناً أن ذلك أمر منطقي للأميركيين فحسب، لكنه يستلزم وعياً كاملاً من الطرف الآخر بأن تقابلها بإجراءات تخدم مصالحه أو على الأقل تحد من آثاره قرارات الفيدرالي الأميركي والسياسة النقدية له.

لا نمو عالمياً
وفي حين استبعد الدكتور أسامة بن غانم العبيدي، المستشار وأستاذ القانون التجاري الدولي بمعهد الإدارة العامة بالرياض، أن يكون لقرار «الفيدرالي الأميركي» تأثير مباشر على المصارف العربية، لضآلة انكشافها على الأزمات المصرفية في أوروبا، أقرّ بأن خطوة «الفيدرالي الأميركي» برفع أسعار الفائدة ذات كلفة، لا سيما أنها تأتي بعد الأزمة المصرفية، التي تعرضت لها عدة بنوك أميركية أبرزها «سيليكون فالي» و«سيغنتشر» التي أدت إلى إفلاسها.
وأضاف العبيدي: «قيام الفيدرالي الأميركي، بهذه الخطوة يزيد المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الاضطرابات المالية حول العالم، خصوصاً بعد حالات الفشل المصرفية العالمية التي بدأت مع إفلاس بنك (سيليكون فالي)»، مشيراً إلى أن الاضطرابات المصرفية ستؤدي إلى الإضرار بالنمو الاقتصادي العالمي خلال الفترة المقبلة مع زيادة تكاليف الاقتراض.

ضغوطات الإقراض
رفع أسعار الفائدة منذ العام الماضي وبشكل متوالٍ لتاسع مرة، وفق العمر، يزيد الضغوط على القطاع المصرفي مع ارتفاع تكلفة الحصول على قروض تجارية والحصول على القروض الاستهلاكية وارتفاع في تكلفة شراء المنازل.
وقال: «يهدف الأميركيون إلى خفض التضخم إلى 2 في المائة، عبر رفع سعر الفائدة وهو ما سينتج عنه حالة عدم اليقين في سعر الدولار ذاته بعد فترة بجانب ارتفاع سعر النفط والذهب والملاذات الآمنة الأخرى».

فك الارتباط
وبالنظر إلى التداعيات على المنطقة، يلفت العمر إلى تساؤل حول إمكانية توجه دول المنطقة على سبيل المثال نحو تحرك تاريخي بإعادة النظر بسياسة الربط مع الدولار والاستناد إلى قوة الاقتصادات الوطنية ونمو الناتج القومي والبحث عن تنويع سلة الاعتماد على العملات في العلاقات الخارجية.
ويستطرد العمر في أن وجاهة مطالبته بفك الارتباط بالدولار الأميركي تتمثل في أن العالم يتجه نحو أقطاب الاقتصاد العالمي الجدد، كالصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، التي أصبحت تنافس العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، في حين أن تلك العلاقات مع دول كلها غير مرتبطة عضوياً مع الدولار الأميركي.
واستند العمر إلى ربط العملة بالدولار في بلدان المنطقة يعني دفع فاتورة تضخم الاقتصاد الأميركي ركوداً داخلياً في القطاع المالي والعقاري والتوظيف والتشغيل، وهو ما يدعو للتفكير جدياً في وقت أكثر مما مضى للتعامل بندية، لكل ما يخدم اقتصادات الدول العربية.

سيناريوهات مستقبلية
من جهته، أكد الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية السعودية، أن استمرار «الفيدرالي الأميركي» في رفع الفائدة سيفرز تحديات هيكلية قد تعوق تعافيه، لا سيما تعميق هوة الركود الاقتصادي وعدم الوثوق بكفاءة العودة إلى الانتعاش في ظل الظروف الراهنة، هذا بجانب إحداث حالة من العجز لمواجهة زيادة احتياج القطاع المالي للسيولة ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في قنوات النظام المصرفي العالمي، مشيراً إلى أن ذلك سينعكس سلباً على القطاع المالي والمصرفي العالمي بما يؤكد زيادة تباطؤ النمو الاقتصادي.
ولفت باعشن، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الإجراءات التي يتخذها «الفيدرالي الأميركي»، برفع الفائدة في سبيل مواجهة تضخم الاقتصاد الأميركي، تخدم بالمقام الأول مصلحة واشنطن بعيداً عن مصالح دول العالم الآخر، لأنه برأيه يتسبب بشكل أو بآخر في تقلص سلاسل الإمداد، وبالتالي عرقلة سير حركة الصادرات داخل الأسواق العالمية، فضلاً عن اضطراب استقرار القطاع المالي والمصرفي.
ويعتقد أن النكسة المالية التي تعرضت لها البنوك الأميركية أخيراً جاءت في ظروف جيوسياسية غير مواتية وليست في مصلحة أميركا، حيث تؤثر الأزمة الروسية الأوكرانية والأزمات المصاحبة في عدد من أنحاء العالم واتجاهاتها الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والمالية والمصرفية، التي ستحكمها مصلحتها في أن تتحوط لأي ركود اقتصادي أو تجاري، فضلاً عن اهتزازات أسعار عملاتها في الأسواق العالمية.
ويتوقع باعشن استمرار السياسات النقدية والمصرفية الأميركية في رفع سعر رفع الفائدة، التي بدورها ستغير في خريطة السيناريوهات المستقبلية على الاقتصاد العالمي، من حيث السياسات الاقتصادية التي تلائم وضعها الاقتصادي والمالي لمواجهة أي اختلالات مصرفية، للحفاظ على مستوى من الاستقرار، وعدم الانزلاق في بحيرة الركود والتضخم الاقتصادي، ومواجهة آثارها قبل استفحالها.


مقالات ذات صلة

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الولايات المتحدة​ الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

الكونغرس الأميركي يُحقّق في «أخلاقيات» المحكمة العليا

تواجه المحكمة العليا للولايات المتحدة، التي كانت تعدّ واحدة من أكثر المؤسّسات احتراماً في البلاد، جدلاً كبيراً يرتبط بشكل خاص بأخلاقيات قضاتها التي سينظر فيها مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء. وتدور جلسة الاستماع، في الوقت الذي وصلت فيه شعبية المحكمة العليا، ذات الغالبية المحافظة، إلى أدنى مستوياتها، إذ يرى 58 في المائة من الأميركيين أنّها تؤدي وظيفتها بشكل سيئ. ونظّمت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، جلسة الاستماع هذه، بعد جدل طال قاضيين محافظَين، قبِل أحدهما وهو كلارنس توماس هبة من رجل أعمال. ورفض رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، المحافظ أيضاً، الإدلاء بشهادته أمام الك

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

الجمود السياسي بين البيت الأبيض والكونغرس يثير ذعر الأسواق المالية

أعلن رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي قبول دعوة الرئيس جو بايدن للاجتماع (الثلاثاء) المقبل، لمناقشة سقف الدين الأميركي قبل وقوع كارثة اقتصادية وعجز الحكومة الأميركية عن سداد ديونها بحلول بداية يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون اللقاء بين بايدن ومكارثي في التاسع من مايو (أيار) الجاري هو الأول منذ اجتماع فبراير (شباط) الماضي الذي بحث فيه الرجلان سقف الدين دون التوصل إلى توافق. ودعا بايدن إلى لقاء الأسبوع المقبل مع كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي من نيويورك)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب ميتش ماكونيل (جمهوري من كنتاكي)، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز (ديمقراطي م

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

شاهد.... مراهق أميركي ينقذ حافلة مدرسية بعد فقدان سائقها الوعي

تمكّن تلميذ أميركي يبلغ 13 سنة من إيقاف حافلة مدرسية تقل عشرات التلاميذ بعدما فقد سائقها وعيه. وحصلت الواقعة الأربعاء في ولاية ميشيغان الشمالية، عندما نهض مراهق يدعى ديلون ريفز من مقعده وسيطر على مقود الحافلة بعدما لاحظ أنّ السائق قد أغمي عليه. وتمكّن التلميذ من إيقاف السيارة في منتصف الطريق باستخدامه فرامل اليد، على ما أفاد المسؤول عن المدارس الرسمية في المنطقة روبرت ليفرنوا. وكانت الحافلة تقل نحو 70 تلميذاً من مدرسة «لويس أي كارتر ميدل سكول» في بلدة وارين عندما فقد السائق وعيه، على ما ظهر في مقطع فيديو نشرته السلطات.

يوميات الشرق أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

أول علاج بنبضات الكهرباء لمرضى السكري

كشفت دراسة أجريت على البشر، ستعرض خلال أسبوع أمراض الجهاز الهضمي بأميركا، خلال الفترة من 6 إلى 9 مايو (أيار) المقبل، عن إمكانية السيطرة على مرض السكري من النوع الثاني، من خلال علاج يعتمد على النبضات الكهربائية سيعلن عنه للمرة الأولى. وتستخدم هذه الطريقة العلاجية، التي نفذها المركز الطبي بجامعة أمستردام بهولندا، المنظار لإرسال نبضات كهربائية مضبوطة، بهدف إحداث تغييرات في بطانة الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة لمرضى السكري من النوع الثاني، وهو ما يساعد على التوقف عن تناول الإنسولين، والاستمرار في التحكم بنسبة السكر في الدم. وتقول سيلين بوش، الباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير نشره الجمعة الموقع ال

حازم بدر (القاهرة)
آسيا شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

شويغو: روسيا تعزز قواعدها في آسيا الوسطى لمواجهة أميركا

نقلت وكالة الإعلام الروسية الحكومية عن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قوله، اليوم (الجمعة)، إن موسكو تعزز الجاهزية القتالية في قواعدها العسكرية بآسيا الوسطى لمواجهة ما قال إنها جهود أميركية لتعزيز حضورها في المنطقة. وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، تملك موسكو قواعد عسكرية في قرغيزستان وطاجيكستان، لكن الوكالة نقلت عن شويغو قوله إن الولايات المتحدة وحلفاءها يحاولون إرساء بنية تحتية عسكرية في أنحاء المنطقة، وذلك خلال حديثه في اجتماع لوزراء دفاع «منظمة شنغهاي للتعاون» المقام في الهند. وقال شويغو: «تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها، بذريعة المساعدة في مكافحة الإرهاب، استعادة حضورها العسكري في آسيا الوسطى

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ترمب يختار بوندي لـ«العدل» بعد انسحاب غايتز

بام بوندي تتحدّث خلال فعالية انتخابية داعمة لترمب في أغسطس 2020 (إ.ب.أ)
بام بوندي تتحدّث خلال فعالية انتخابية داعمة لترمب في أغسطس 2020 (إ.ب.أ)
TT

ترمب يختار بوندي لـ«العدل» بعد انسحاب غايتز

بام بوندي تتحدّث خلال فعالية انتخابية داعمة لترمب في أغسطس 2020 (إ.ب.أ)
بام بوندي تتحدّث خلال فعالية انتخابية داعمة لترمب في أغسطس 2020 (إ.ب.أ)

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بام بوندي، المقربة منه والعضوَ في فريق الدفاع عنه خلال محاولة عزله الأولى عام 2020، لتولي منصب وزيرة العدل بعد انسحاب مرشحه المثير للجدل النائب السابق مات غايتز.

وكتب ترمب على منصته «تروث سوشال» بعد انسحاب غايتز: «يُشرّفني أن أعلن المدعية العامة السابقة لفلوريدا، بام بوندي، لتكون وزيرة العدل المقبلة»، مضيفاً: «لفترة طويلة جداً، استُخدمت وزارة العدل أداة ضدي وضد جمهوريين آخرين، لكن ليس بعد الآن. ستعيد بام تركيز وزارة العدل على هدفها المقصود المتمثل في مكافحة الجريمة وجعل أميركا آمنة مرة أخرى».

في سياق آخر، منح القاضي في المحكمة العليا لولاية نيويورك، خوان ميرشان، أمس، ترمب، الإذن بالسعي إلى إسقاط قضية «أموال الصمت»، وأرجأ بذلك النطق بالحكم الذي كان مقرراً الأسبوع المقبل.