عن دار «العبيكان» للنشر، صدر مؤخراً كتاب: «إعادة التفكير في التنمية الثقافية: لاستئناف وصل المؤسسات والسياسات والأخلاق» للدكتور محمد محمود عبد العال حسن، أستاذ السياسات العامة المساعد، بمعهد الإدارة العامة في الرياض، وعضو هيئة التدريس بمعهد التخطيط القومي بالقاهرة.
ويهدف الكتاب الذي يقع في 328 صحة، إلى إبراز الدور الجوهري لتفاعل كل من: المؤسسات والأخلاق والاستعدادات الفردية والجماعية والسياسات المبنية على الثقافة لأجل تنمية حقيقية لا تنمية عقيمة أو منقوصة.
ويناقش المؤلف ثلاث إشكاليات رئيسية: الأولى، استسهال التقليد وتحدي الآفاق الإبداعية في التعامل مع «محتويات» و«مجالات» المفاهيم، وذلك عبر دراسة مَكْر مفهومي: «التنمية» و«الثقافة» كعملة رائجة في فضائنا المعرفي العربي. ويهتم بالحفر في العلاقات المعرفية بين «التنمية» و«الثقافة»، لإدراك المُضمر الذي تحمله التنمية للبنية الاجتماعية - الثقافية. وهو لا يعتني بالتنمية مقدار اعتنائه بما تحويه من رؤية وأنساق ومُسلمات وأسس ومضامين وإحالات قيمية مؤثرة على المجتمع ومتأثرة به.
الإشكالية الثانية، إشكالية القيم كونها مكانز للتنمية من خلال الاستفادة بآراء نفر من الفلاسفة يمثلون خمس أطروحات بدءاً من جيل ليبوفتسكي وكارل ماركس، ومروراً بماكس فيبر وابن خلدون وانتهاءً بهاجوون تشانج.
الإشكالية الثالثة، اختبار مفهوم التنمية الثقافية ومراحله وأهدافه وأركانه وشبكة مفاهيمه وعلاقته بالتغيير الاجتماعي - الثقافي لاستيعاب أعمق لمفاتن التنمية باعتبارها خطاباً له تجليات ووظائف وليست خططاً مجردة مصمتة.
وتجادل هذه الأطروحة بحاجتنا إلى النظر في التنمية كتمثُّلات وشفرات لكيفية إدارة الشأن العام وكنمط للتبصر بحيث تؤطر التنمية في سياقات أوسع. والركيزة الرئيسية التي ينطلق منها الكتاب مفادها أن الشرط الثقافي للتنمية وحده يُوقعنا في عمى الاختزال وخطيئة الاستقطاب ولا يَمُدنا برؤية تفسيرية. ولأجل ذلك ليس في وسعنا إغفال الأسباب الموضوعية لانسدادات التنمية، فبعض العوامل الثقافية ليست جواهر ثابتة مُفارقة، فهي ليست مسؤولة وحدها عن إنتاج هذا الواقع وترديه أو ازدهاره؛ فالتنمية في توالفات حاضرة ومستمرة ومُركبة وخلاّقة، كما يحاول الكتاب أن يبحث إمكانية مساهمة علوم الإدارة في استئناف فاعلية المؤسسات والسياسات والقيم.
وينطلق الكتاب من نتائج عدد من الدراسات النظرية والتجريبية الإحصائية التي لم تكتف بالإشادة بدور القيم في تعزيز عملية التنمية، بل صفتها بأنها الـ(إكسير) مع تحيز فجّ للقيم الغربية، وفي الوقت نفسه تنبهت إلى خطورة تحولات القيم مقابل حضور متفاوت لقيم أخرى سالبة لأي فعالية مجتمعية، وفي ظل غياب أو ضعف سياسات أو مبادرات لترميم القيم، فمن المرجح ازدياد الظواهر السلبية وتكرار الخسائر السنوية للاقتصاد، وتداول السوقية، وذيوع مفرداتها.
ويستند الكتاب إلى كل من دراسات الحالة في الخبرة الآسيوية وتحديداً في ماليزيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية، التي تمكنت من إيجاد صيغة ما مقبولة للتعامل مع قيم الوافد في ثقافتها. وإذا كانت لقيمنا الذاتية مصداقية اجتماعية وثقافية ومنطقية وتاريخية، فهل يمكن المراهنة على الدور الذي تقوم به كل من القيم والثقافة والتنمية الذاتية بوصفها آفاقاً ومكانز لتحفيز النشاط وممارسة الفعل، وذلك في إطار ما يسمى (الإدارة بالقيم)؟
ومن هنا، يحاول الكتاب مساءلة الأدبيات العربية التي أوقعتنا في شَرَك الثنائيات؛ إما ماكس فيبر بتصوراته عن دور الأخلاق في إخصاب التنمية وتهميش الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتاريخية والبيئية والجغرافية و... إلخ، وإما مغالاة كارل ماركس في دور البنى التحتية وإهماله الأبعاد القيمية والثقافية، والأمر الآخر هو التهليل لنقل القيم والمفاهيم دون اعتبار لمعاجمنا الذاتية، وانصياعاً لادعاء (عالمية) المفاهيم تارة والقيم ومحتواها تارة أخرى. وهو ما سينعكس على واقعنا ومستقبلنا، ومن ثم وضع أيدينا على محاولة فهم أحد الأسباب المؤدية إلى تعثر عمليات التنمية والتغيير المنشود في العالم العربي، ومن العسير إدراك ذلك دون استعراض لجذور المفهومين وتعريفاتهما وتطورهما وخصوصياتهما في الحقل الدلالي لكل أمة، والسعي لمناقشة عدد من الإشكاليات الخاصة بمفهومي الثقافة، والتنمية من ناحية الاعتداء بالمضامين وارتحالها حين ترجمتها إلى الأدبيات العربية.
من المقدمة نقرأ: لما كانت الثقافة عبارة عن جملة من التصورات والأفكار والقيم، فسوف تحتوي على مجموعة لا نهائية من الموضوعات، ومن التفاعل حول القضايا الأخلاقية والتنموية والسياسية الجدلية التي تتمثل في صور شتى بوصفها مذهباً أو رواية أو فيلماً أو مسلسلاً أو أنشودة أو أبياتاً من الشعر أو فنوناً من العمارة، فالثقافة تتمظهر من حولنا؛ لذا فإن فهم الثقافة المحيطة بنا من كل جانب يساعدنا على فهم مجتمعاتنا، وعلاقات القوى فيه».
كتاب يسائل الأدبيات العربية «التي أوقعتنا في شَرَك الثنائيات»
كتاب يسائل الأدبيات العربية «التي أوقعتنا في شَرَك الثنائيات»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة