«ثلاثون قصيدة وقصيدة»... واحة في الخواء

فقرة ثقافية تُعرّف بشعراء وتروي حكايات قصائدهم

«ثلاثون قصيدة وقصيدة»... واحة في الخواء
TT

«ثلاثون قصيدة وقصيدة»... واحة في الخواء

«ثلاثون قصيدة وقصيدة»... واحة في الخواء

يؤخذ على محطة «إم تي في» اللبنانية حرصها على مسافة من اللغة العربية وما يتفرّع من عوالمها. وتُتّهم بـ«التعالي» عن صواب النطق وعدم الاكتراث بجودة المَخارج. وفي الأمر مبالغة وتنميط. تبدو فقرة «ثلاثون قصيدة وقصيدة»، رداً مباشراً، ومن عقر دار اللغة العربية (الشعر)، على التقليل من «الانتماء» العربي والتشكيك بالعلاقة مع الأصل.
التقديم لهادي مراد، الشاعر والطبيب اللافت في الإلقاء. داخل استوديو متواضع، و«لوكايشن» ثابت خلفيته مكتبة، يجلس ويسرد. كل يوم حكاية شاعر واستعادة شعرية. الإنتاج لـ«مؤسسة جان عبيد»، وكم كان حامل اسمها الراحل المتنوّر والمثقف لتسرّه هذه اللفتة؛ الإعداد والتحرير لنجوى المكاري والإشراف العام للشاعر شوقي بزيع، الزميل المنهمك بالقصيدة وكتّابها.
الدقائق، مدّة الفقرة، تتيح لمحة موجزة عن الشاعر وألمع ما كتب. ولعلّ محاولات من هذا النوع تخاطب جيلاً أقل اطلاعاً، أكثر مما تتوجّه لمهمومين بالشعر وروّاده. فهؤلاء يملكون معرفة قد تتراءى أمامها الفقرة «ضئيلة»، وهي ليست كذلك. إنها واحة في مساحة خاوية؛ والخواء منطلقه سطوة الترفيه واعتلاء السذاجة المنابر.
يؤخذ على مراد ربط الرواية بالحدث اللبناني، مما يبدو أحياناً مصطنعاً. قد تكون النية محاولة جعل غير المعني معنيّاً، وعدم الإثقال على مَن يجدون في سرد أبرز مراحل الشعراء والإصغاء إلى قصائدهم، احتمال ملل. لذا تجد الفقرة في معظم حلقاتها رابطاً مع لبنان المتعثّر ومنظومته البائسة؛ عبر ظلم يتعرّض له شاعر أو بطش ممكن، ليهبط الإسقاط على الفور، كأنه بوابة عبور إلى اللبناني المستقيل من همّ اللغة برمّتها.
الفصحى المُتقنة وامتهان مراد إلقاء القصائد، يشجعان على المتابعة. الإتقان يتضاءل على الشاشة اللبنانية، حيث أخطاء تغزو نشرات الأخبار، مع تنازل مراسلين/ مراسلات عن الفصحى في التغطية، أو «تمسّكهم» بها مع «فضائح» في نصب الفاعل ورفع المفعول به. «ثلاثون قصيدة وقصيدة» دليل إلى أنّ ثمة سرباً ينشد العلو ولا ينكفئ عن مناداة الارتفاع.
يحضر شعراء من مختلف العصور ومعهم ظروف شعرهم. منهم خليل مطران الذي وُلد في بعلبك وعاش معظم حياته في مصر. أسلوب مراد السردي لا يبعث على ضجر. فبينما يروي، يحرّك الخيال فتولد الصور. عُرف عن «شاعر القطرين» ما تحفظه الألسن: «ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أنّ في هذي الجموع رجالا»، فيحلو اكتشاف سياقها ولمَن وجّهها وسدّد به ضربته.

قصة أخرى عن مالك بن فهم وقصيدته الشهيرة «أعلّمه الرماية كل يوم فلما اشتدّ ساعده رماني». يُخبر مراد حكاية الحسد بين الأخوة ولا يفوته ذكر العِبرة. التنويع يخدم الفقرة، والنزهة بين العصور تحول دون الأسر في حقبة واحدة. فالشعراء من العصر العباسي وآخرون من الجاهلية، حتى نزار قباني، والقافلة لا تزال في منتصف الطريق. الحكاية تُشوّق للمقبلة، والدقائق القليلة تضمن فائدة معرفية لا تتطلب بالضرورة جهداً لكون السلاسة طاغية.
يحطّ على سيرة قباني، شاعر المرأة والحب. يختار من منابعه ما يحفظه الجمهور على لسان عبد الحليم حافظ، «قارئة الفنجان»، ويروي القصة. تراعي الخيارات حنكة الوصول إلى الفئات جميعها، فتعمُّد «السهل» يُقرّب الفقرة من الدائرة الواسعة. هنا ضربٌ على أوتار القلب، وما يحلو سماعه عن الشعور الخالد بين حليم وسعاد حسني. عند هذا الحد لا يقل السرد تشويقاً عن أي تسالٍ أخرى.
تتوالى قصص الشعراء، منهم الشاعر العباسي ابن زريق البغدادي، المعروف بقصيدة وحيدة غمرها الضوء: «لا تعذليه فإنّ العذل يولعه»، أشهر ما كُتب في اللوعة والفراق. ألم النوى كتبه أيضاً الشاعر عروة بن حزام المصروع بالعشق. ليكتب ابن الفارض المُلقّب بسلطان العاشقين شعراً فلسفياً يتصل بوحدة الوجود، وهو عشق مُحمّل بالرموز والمصطلحات الصوفية والتجرّد الروحي؛ فيُلقي مراد بعض أشهر قصائد الزهد في الشعر العربي وما ترنّم به فنانون مهتمّون بالسماع الصوفي.
تُردّد ألسنةٌ بيت الشعر الشهير «تعيّرنا أنّا قليلٌ عديدنا فقلتُ لها إنّ الكرامَ قليلُ»، فيروي مراد قصة أشهر قصائد الشاعر الجاهلي السموأل، المعروف بالحكمة والوفاء. وحين يُضرب المثل، يُقال: «أوفى من السموأل»، بعدما فضّل أن يُقتل ابنه أمامه على التفريط في الأمانة. لحاتم الطائي، الشاعر الجاهلي الآخر، وقفة تُعرّف بأبرز قصص كرمه في تاريخ العرب، قبل محطة في السودان وشاعرها الهادي آدم المتوفى في عام 2006.
كان من أوائل المساهمين في نهضة الشعر السوداني، وله غنّت أم كلثوم «أغداً ألقاك» من ألحان محمد عبد الوهاب على مسرح «دار الأوبرا» في القاهرة، عام 1971. «قد يكون الغيب حلواً... إنما الحاضر أحلى»، يا للبلاغة!


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

«كلب» من القرن الـ18 بمليونَي إسترليني

«الكلب الإسباني» (سوذبيز)
«الكلب الإسباني» (سوذبيز)
TT

«كلب» من القرن الـ18 بمليونَي إسترليني

«الكلب الإسباني» (سوذبيز)
«الكلب الإسباني» (سوذبيز)

لم يشاهد الجمهور لوحة «الكلب الإسباني» منذ عام 1972، عندما بِيعت بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني. ومن المقرَّر عرض هذه اللوحة الشهيرة لجورج ستابس، للبيع، في مزاد علني تنظّمه دار «سوذبيز» للمرّة الأولى منذ ذلك العام.

ووفق «الغارديان»، تُعرض اللوحة العائدة إلى القرن الـ18، للبيع بسعر يتراوح بين مليون و500 ألف، ومليونَي جنيه إسترليني؛ وقد بِيعت آخر مرّة في مزاد بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني عام 1972. وقبل ذلك، بِيعت بـ11 جنيهاً إسترلينياً عندما طُرحت بمزاد عام 1802.

يشتهر الفنان المولود في ليفربول، والراحل عن 81 عاماً عام 1806، بإنجازه أقل من 400 لوحة طوال حياته المهنية؛ وهو يُعرف برسم الحيوانات، خصوصاً الخيول.

وإذ يُعتقد أنّ لوحة «الكلب الإسباني» رُسمت بين 1766 و1768؛ وهي أقدم لوحة للكلاب أبدعها الفنان، يُعدُّ عقد ستينات القرن الـ18 غزير الإنتاج بمسيرة ستابس المهنية. ففيها أبدع بعض أشهر لوحاته، منها لوحة «ويسل جاكيت» المعروضة في المعرض الوطني.

اللافت أنّ لوحة «الكلب الإسباني» لم تُعرض رسمياً سوى مرّة واحدة فقط في لندن عام 1948، ضمن المعرض الوطني للرياضة والتسلية. أما المرّة الأخيرة التي أُتيحت للجمهور فرصة مشاهدتها، فكانت عام 1972 داخل دار «سوذبيز» للمزادات.

وشهد القرن الـ18 اهتماماً لافتاً بالكلاب في الثقافة البريطانية، بفضل تفاقُم شعبية الرياضات الميدانية، خصوصاً الرماية الشائعة بين النخب الثرية آنذاك.

في هذا الصدد، قال المتخصِّص في اللوحات البريطانية، المدير الأول بـ«سوذبيز»، جوليان جاسكوين: «الأمر مثيرٌ لعدة أسباب؛ أولاً لأنها لوحة مفقودة، إنْ رغبنا في استخدام وصف درامي، منذ السبعينات».

وأضاف أنّ حالتها كانت لا تزال «رائعة»، بعكس كثير من أعمال ستابس التي «لم تصمد أمام اختبار الزمن».

وتابع: «تعود إلى العقد الأول من حياته المهنية؛ منتصف ستينات القرن الـ18؛ الفترة التي شكَّلت ذروة حياته المهنية، ففيها رسم لوحة (ويسل جاكيت)، وعدداً من لوحاته الأكثر شهرة؛ وكان استخدامه الفنّي للطلاء أكثر صلابة. بفضل ذلك، حافظت هذه اللوحة على حالة جميلة، وهو ما لم يحدُث مع كثير من أعماله الأخرى».

ومن المقرَّر عرض اللوحة للمشاهدة، مجاناً، ضمن جزء من معرض للوحات الأساتذة القدامى والقرن الـ19 في دار «سوذبيز» بغرب لندن، من 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 4 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.