«الشرق الأوسط» في بوتشا مع مرور عام على «المذبحة»

ناجون يستذكرون أيام الرعب في المدينة المدمّرة

زيلينسكي وعلى يمينه رئيسة مالدوفا مايا ساندو ورئيس وزراء سلوفاكيا إدوارد هيغار وإلى يساره رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب، ورئيس وزراء كرواتيا أندريه بلينكوفيتش (إ.ب.أ)
زيلينسكي وعلى يمينه رئيسة مالدوفا مايا ساندو ورئيس وزراء سلوفاكيا إدوارد هيغار وإلى يساره رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب، ورئيس وزراء كرواتيا أندريه بلينكوفيتش (إ.ب.أ)
TT

«الشرق الأوسط» في بوتشا مع مرور عام على «المذبحة»

زيلينسكي وعلى يمينه رئيسة مالدوفا مايا ساندو ورئيس وزراء سلوفاكيا إدوارد هيغار وإلى يساره رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب، ورئيس وزراء كرواتيا أندريه بلينكوفيتش (إ.ب.أ)
زيلينسكي وعلى يمينه رئيسة مالدوفا مايا ساندو ورئيس وزراء سلوفاكيا إدوارد هيغار وإلى يساره رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب، ورئيس وزراء كرواتيا أندريه بلينكوفيتش (إ.ب.أ)

مدينة بوتشا؛ الواقعة إلى الشمال الغربي من العاصمة الأوكرانية كييف، ظلت منذ بداية الحرب شاهدة على واحد من أكثر فصولها فظاعة، فمع اندلاع شرارة الصراع، زحفت القوات الروسية من الحدود الشمالية للبلاد نحو المدينة الصغيرة الممتدة على ضفة نهر تحمل اسمه، وتتفرع منها الطريق المؤدية صوب العاصمة كييف الهدف الرئيسي لموسكو عند بدء الحرب. ففي نهاية فبراير (شباط) عام 2022، تعرضت المدينة ومدن أخرى مثل غوستوميل وإربين وبلدات أخرى مجاورة لها، لقصف عنيف، وشهدت تلك المحاور معارك شرسة بين القوات الروسية والأوكرانية خلّفت دماراً هائلاً. وعلى وقع الضربات، سقطت المدينة بقبضة الجيش الروسي الذي تمركز فيها حتى إعلان موسكو سحب قواتها من محيط كييف أواخر مارس (آذار)، عقب تعثر محاولات التقدم للعاصمة.
مطلع أبريل (نيسان) ومع دخول القوات الأوكرانية لبوتشا، ووصول عدد من الصحافيين لشوارعها، بدأت تتكشف تفاصيل مروعة عما شهدته المدينة خلال تلك الفترة. أظهرت الصور ومقاطع الفيديو، التي وثقتها السلطات الأوكرانية ومنظمات دولية وأممية ومؤسسات إعلامية، مشاهد مروعة لأحوال المدينة وسكانها؛ إذ تناثرت عشرات الجثث في الشوارع بجانب السيارات المحترقة وأمام البيوت التي طالها الخراب. كما قالت السلطات الأوكرانية حينها إنها عثرت على عشرات الجثث الأخرى مدفونة في مقبرة جماعية، مشيرة بأصابع الاتهام إلى موسكو بارتكاب ما قالت إنها مجزرة ضد المدنيين خلال سيطرتها على المدينة، الأمر الذي تصرّ موسكو على نفيه.
حصيلة الضحايا وفقاً للأرقام الرسمية أشارت للعثور على 458 جثة في بوتشا، فيما قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إنها وثّقت عمليات قتل غير قانونية لعشرات المدنيين الذين عثر عليهم مقيدي الأيدي ومصابين بطلقات بالرأس من مسافة قريبة، ما قد يرقى لجرائم حرب وفقاً للمنظمة الأممية. المحكمة الجنائية الدولية بدورها فتحت تحقيقاً في جرائم ارتكبت في أوكرانيا خلال الغزو الروسي للبلاد من بينها ما جرى في مدينة بوتشا.

صورة أرشيفية للدمار الذي تعرضت له مدينة بوتشا القريبة من العاصمة كييف تعود لـ4 مارس 2022 أي قبل انسحاب القوات الروسية بثلاثة أسابيع (أ.ف.ب)

اليوم، وتزامناً مع ذكرى مرور عام على ما شهدته المدينة من فصول وسط نذر تصعيد بانتقال الحرب إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة، زارت «الشرق الأوسط» المدينة، وتحدثت لسكانها الذين ما زالوا يعيشون تحت وقع صدمة عميقة جراء ما حل بمدينتهم الصغيرة من خراب، وما طال سكانها من معاناة. يستذكر السكان هناك آلامهم، ويسردون تفاصيل لحظات صادمة لم تسقط من ذاكرتهم.
شارع يابلونسكا أو شارع شجرة التفاح وسط المدينة، بات يعرف اليوم بـ«شارع الموت»؛ إذ شهد حالات قتل عديدة لمدنيين وجدت جثثهم متناثرة على أطرافه بعيد انسحاب القوات الروسية، تقول ليدا التي يقع بيتها على طرف الشارع إن القوات الروسية دخلت المدينة صباح السابع والعشرين من فبراير على وقع أصوات القصف والمدافع العنيفة، مضيفة: «دخلت قوات كبيرة، وسيطرت على كل شيءٍ هنا، في هذا الشارع، نصب الجنود الحواجز. كانوا يطلقون النار على أي شيء يتحرك. لقد رأينا جثثاً متناثرة على امتداد رصيف الشارع».
تروي ليدا والدموع تومض في عينيها، وهي تستعيد شريط الذكريات القاسية، كيف شرعت قوات الجيش الروسي بعملية تفتيش للمنازل، واعتقال الرجال واقتيادهم للاستجواب في مركز احتجاز، خصوصاً قبل إطلاق النار عليهم: «لقد دخلوا علينا في القبو الذي كنا نحتمي به، وأخرجوا الرجال إلى الشارع، ومن ثم أطلقوا النار عليهم».
برجفة وتقطُّع في الكلام، تحاول نتاليا التي يطل منزلها على الشارع نفسه سرد تفاصيل ما عايشته وزوجها في تلك الأيام، بيد أنها تجد صعوبة في استدعاء تلك المشاهد المروعة، تقول: «لا أستطيع أن أسرد لكم كل شيءٍ، تصيبني رعشة في جسدي، لا أعلم كيف بقيت على قيد الحياة، فما فعلوه هنا شيء مرعب»، وتضيف: «لقد مضى وقت على تلك الأحداث. لكن عندما أشاهد شيئاً في التلفاز تنهمر دموعي وأتذكر كل شيء»، مضيفة أن جيرانها جميعا غادروا المنطقة؛ إذ «بقينا هنا أنا وزوجي هنا وحدنا».
أما زوجها فيقول إن ما عايشه في تلك الآونة لا يتمناه لأحد، سائلاً الله ألا يعيش مثلها مرة أخرى، يقول: «لقد بلغت السبعين بيد أنني لم أتخيل في حياتي أبداً أن أعيش مثل هذه المشاهد المروعة».
يسرد الرجل السبعيني مشاهداته لما جرى في الشارع المقابل لبيته، ويروي ما جرى أمام عينيه من جرائم قتل ذهب ضحيتها عشرات الضحايا المدنيين، قائلاً: «رأيت سيارة مدمرة، وكان في داخلها جثة محترقة بالكامل، وعند التقاطع القريب، حيث كانت هناك نقطة تفتيش روسية، شاهدت جثة ملقاة على الأرض».
ومع بدء عمليات إجلاء المدنيين من المنطقة عبر ممرات آمنة نحو مناطق مجاورة، بدأت تتبدى للسكان حقيقة ما حل بمدينتهم، يشير ديمتري: «عندما بدأنا في الخروج من هنا، وبالقرب من تقاطع السكة الحديدية، رأيت سيارات كثيرة محترقة، وجثثاً ملقاة على الأرض».
أما آنيا، الطالبة الجامعية التي يطل بيتها على الشارع، فتروي تفاصيل يومياتها الثقيلة، ومشاعر الخوف التي تملّكتها في تلك الأيام، وتقول: «كان ينتابني خوفٌ شديدٌ، ولم أكن أعلم ما ينتظرني. كنت أعيش حالة من الرعب والخوف على نفسي وعلى عائلتي لا سيما أختي الرضيعة».
ومع بسط القوات الروسية سيطرتها على تلك المنطقة وقطع شريان المساعدات عن المدينة المحاصرة، واجه السكان صعوبات بالغة بالحصول على الغذاء والمياه، وتشير آنيا إلى أن عائلتها حصلت على بعض الغذاء من بيوت غادرها سكانها، أما المياه فكان الوصول إليها محفوفاً بالمخاطر، تقول: «كنا نذهب إلى بئر قريبة من بيتنا، كنا نملأ المياه في أوعيه ونحلمها معنا، كان الروس يطلقون النار على أي جسم متحرك في الشارع حتى أولئك الذين يحملون أوعية الماء».
ومع دخول الحرب عامها الثاني على وقع تصاعد في وتيرة المعارك على الأرض وفي السماء، فإن سكان المدينة يتوجسون من تكرار سيناريو «الكابوس» الذي عاشوه مع بداية الحرب، وما زالت ندوبه العميقة محفورة في ذاكرتهم، فتقول نتاليا إن الأمر سيكون مرعباً لو حدث مرة أخرى، «ففي المرة الثانية لن يكون ثمة مكان نلجأ إليه».


مقالات ذات صلة

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».