في دورتها الأخيرة التي اختتمت في الكويت مساء الثلاثاء الماضي، أعلنت مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية عن فوز الشاعر الأردني الدكتور عبد الله أمين أبو شميس بجائزة أفضل قصيدة.
وعبد الله أبو شميس، بالإضافة إلى كونه شاعراً، هو باحث ومترجم، حاصل على البكالوريوس في هندسة الميكاترونيكس، والدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة اليرموك في الأردن (2013). صدرت له 5 مجموعات شعريّة: «هذا تأويلُ رُؤْياي» (2006)، «الخطأ» (2011)، «الحوارُ بعدَ الأخير» (2016)، «شهودُ غزة» (2021)، و«كتاب الْمَنسِيّات» (2021). كما صدرت له ترجمة شعريّة لكتاب «اللانْداي: من شعر المرأة الأفغانيّة في الحبّ والحرب» بالاشتراك مع د. حنان الجابري (2018). وهو حاصل على عدد من الجوائز العربية.
هنا حوار معه بمناسبة فوزه...
> لديك سجل مع الجوائز، ماذا يعني لك الفوز بجائزة البابطين الثقافية تحديداً؟
- جائزة البابطين جائزة كبيرة تحظى بثقة واحترام كبيرين في الوسط الأدبي العربي. والظفر بهذه الجائزة في فرع أفضل قصيدة عربية يعني بالنسبة لي اعترافاً ما، وتقديراً للعمل الفائز «قصيدة راحيل».
وفي الواقع، ما أسعدني كذلك أن «قصيدة راحيل» تمثل إلى حد كبير طريقتي الأثيرة في الكتابة، ومشروعي الشعري - إذا جاز لي القول - الذي يعتمد قصيدة التفعيلة، مع اهتمام بالشخصيات الإنسانية، لا بذات الشاعر وحده، واهتمام بإبراز صوت المرأة، وهو ما أراه ضرورياً جداً في لحظتنا الراهنة.
> لديك 5 مجموعات شعرية، حدثنا عن مجموعتك الشعرية الأخيرة (كتاب المنسيات) التي كانت قصيدتك الفائزة «راحيل» من بينها؟
- «كتاب المنسيات» هو 10 قصائد على ألسنة 10 نساء وردن في القصص القرآني إما تصريحاً أو تلميحاً. تنطق كل قصيدة بلسان شخصية امرأة، وتروي جزءاً من القصة القرآنية من زاوية المرأة فيها. هذه الشخصيات العشر هي؛ حواء ووالهة (امرأة نوح) وهاجر وراحيل (والدة يوسف) وزليخا وآسيا وصفّورا (زوجة موسى) وبلقيس ومريم وخديجة.
ونحن عندما نرى القصة من زاوية المرأة فيها، نبصر بعداً آخر لها. فمثلاً، كيف تفاعلت هاجر مع الرؤيا التي رآها إبراهيم، والأمر بأن يذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام؟ قصيدة هاجر تضيء منطقة أخرى في القصة لا تضيئها القصة القرآنية والروايات التاريخية غالباً.
> هل ثمة صلة بين مجموعتك الأخيرة وقصيدة «راحيل» ومجموعتك الشعرية «هذا تأويل رؤياي»...؟
- «هذا تأويل رؤياي» كانت مجموعتي الأولى وصدرت في 2006. وبينها وبين كتاب المنسيات 16 عاماً. في قصيدة «هذا تأويل رؤياي» كانت ثمة محاولة لإضاءة زاوية إنسانية من قصة يوسف عليه السلام، ولكن ضمن العناصر المعهودة في القصة؛ يعقوب والإخوة تحديداً. في «كتاب المنسيات» قصيدتان على لسان راحيل والدة يوسف وزليخا امرأة العزيز. لذلك فالقصة تروى من زوايا نسائية هذه المرة، كانت غائبة إلى حد كبير عن قصيدة «هذا تأويل رؤياي».
> لديك مجموعة شعرية بعنوان «الحوار بعد الأخير»، وعنوان المجموعة مختصر من عنوان إحدى قصائدها، وهي «الحوار بعد الأخير مع محمود درويش» التي تضمنها الديوان، تقول فيها...
وأدار إلى جهة الخلْد
كرسيّه في هدوء
وما عدت أبصره
ربّما طار بين التهاويم
أو صار دندنة في الترانيم،
حدثت نفسي
بأن الزيارة قد كسرت
مثل فنجان شاي
على مرمر فارسيّ.
لماذا محمود درويش تحديداً هو من أثار الحماسة داخلك لهذه المحاورة؟
- قصيدة «الحوار بعد الأخير مع محمود درويش» كما يشير اسمها هي قصيدة حوارية مع درويش كتبت بعد وفاته بحوالي سنة. درويش شاعر عربي مهم جداً، سواء في صياغة الشعرية العربية الحديثة بعموم، أو في تكوين الشعرية الفلسطينية على وجه الخصوص. والحوار مع درويش شعرياً يمثل فرصة لشاعر من جيل جديد، لمساءلة كثير من القضايا إنسانياً ووطنياً وشعرياً.
على الصعيد الإنساني، كان الحوار حول معنى الوجود والزمن وكيفية التعامل مع العدو الضد والأخ الخصم المغاير. فلدرويش تأملاته الخاصة ومواقفه التي قد لا أتفق معه فيها بالضرورة.
أما وطنياً فقد كان الحوار حول المسار الذي يجب اتخاذه وطنياً من أجل التحرر، وكذلك الموقف من الاختلافات الداخلية والحديث عن الانقسام، واختلاف الاجتهادات، وفلسطين الحلم.
وشعرياً حاورت درويش حول جدوى الشعر، وحول مكانته في مقابل رموز الشعر العربي الكبرى.
> ما الرابط بين شعرية درويش والواقع الراهن حتى استدعيته لتسقط عليه هالة درويش؟
- الحقيقة أن الواقع جزء لا يتجزأ من لحظة الحوار. في 2008 حين توفي درويش كان الانقسام الفلسطيني في ذروته، لذلك حضر السؤال حول الواقع في سياق الحوار بشكل جلي، كما في هذا المقطع...
وساءَلني قبل أن يختفي:
كيفَ غزة بعد الرّمادِ؟
فقلتُ لهُ:
أصبحتْ بَلَدا!
قال:
عمّا قليلٍ تصيرُ بلادا...
> مع أن قصائدك تنحو نحو التجريب الفني في بنية القصيدة، وأنك لا تميل كثيراً للقصيدة العمودية، لكن وجدناك تكتب قصيدة «الهدهد». هل تقيدك القوالب الشعرية؟ ما مدى الحرية التي تمارسها في قصائدك؟
- لدي 5 مجموعات شعرية جميع قصائدها قصائد تفعيلة، ما عدا قصيدتين أو 3 قصائد. نادراً جداً ما أكتب قصيدة الشطرين، والحقيقة أنني لا أرى أن قالب الشطرين بالعموم مناسب لأسلوبي في الكتابة الذي يستفيد من عناصر السرد والحوار والدراما، وأجد أن قالب التفعيلة هو الأنسب لي.
> تساءلت في سلسلة مقالات لك؛ كيف نقرأ الشعر الحديث؟ وقلت فيها: «حين نصل إلى الشعر الحديث تتحول أداة السؤال فجأة من (كيف؟) إلى (لماذا؟)، لماذا لا نفهم الشعر؟ لماذا لا نتذوق الشعر؟ لماذا نقرأ هذا الشعر؟».
سأعيد عليك السؤال الاحتجاجي معكوساً؛ هل ترى أن الشعر الحديث ليس شعراً؟
- بالطبع الشعر الحديث شعر! وفي اعتقادي، الشعر الحديث منذ منتصف القرن الماضي هو أهم تحول في مسار الشعر العربي بأكمله منذ المعلقات.
لكن إشكالية الشعر الحديث التي برزت منذ البداية تكمن في أن هذا الشعر خلخل كل عناصر الشعر ومكوناته مرة واحدة، غيّر اللغة مفردات وتراكيب، والصورة الشعرية، وبناء القصيدة. وغيّر الرؤية الشعرية، والمواقف من أهم القضايا؛ الزمن والمدينة والمرأة والجمال والتراث وغيرها.
هذا التغيير الشامل شكل صدمة هائلة للقراء والنقاد على حد سواء. وهي صدمة ربما لم يستفق منها البعض حتى اليوم. فما زال رفض الشعر الحديث ديدن كثيرين في أوساط مختلفة. وظل السؤال الدائم حول كيف نفهم الشعر الحديث؟ سؤالاً حاضراً بقوة. لذلك جاءت سلسلة المقالات تلك بهدف اقتراح طريقة لفهم الشعر الحديث، تقوم الطريقة أساساً على تحليل كل قصيدة بأدوات معرفية ميسرة للقارئ المتوسط، حتى لا يصبح الشعر كهنوتاً تقتصر معرفته على صفوة الصفوة. لقد كانت سلسلة المقالات تلك محاولة لمد جسر صلب وبسيط بين القصائد الحديثة والقراء. وأتمنى أن تكون نجحت في تيسير تفاعل القراء مع بعض نماذج الشعر العالية.
> يرى الشاعر والروائي الأردني علي طه النوباني أن تجربتك الشعريّة فيها «تنوُّع ينبثق من تواصل عميق مع الموروث، وشغل حثيث على جدة التشكيل».
ما مكانة الموروث في شعرك؟ هل يعيق الحداثة تشبث الشاعر بموروثه؟
- الموروث - شئنا أم أبينا - جزء أساسي جداً في تكويننا، وبالنسبة للإنسان العربي تحديداً الموروث والماضي جزء أساسي من الحاضر. وأنا عندما أعود إلى الموروث في قصائدي كما في «كتاب المنسيات»، أعود إليه لأراه في ضوء وعي معاصر، حاملاً قضايانا الجديدة، فكيفية التعامل مع المقدس، والموقف من المرأة، مثلاً، قضايا معاصرة، وليست قضايا قديمة.
في رأيي، نحن بحاجة إلى العودة إلى التراث مراراً وتكراراً، لا لنمجده ونقدسه، ولكن لنراه في ضوء وعينا الجديد.
من شعره: قصيدة «هاجر»
ليس من أجلكَ
أو من أجل أحلامٍ تراها
أيها الشيخ
الّذي ما فارق الرّحلة
أو ألقى عصاها
لم تعُدْ لي،
عدتَ كي تذبحَ إسماعيلَ
هل تعرف إسماعيلَ كي تذبحَهُ؟!
هل قلَبتَ الرملَ
كي تبحث عن قطرة ماءٍ
وهو يبكي صارخاً فوق يديكْ؟
هل ذرعتَ الأرضَ
والرّيح تسفّي ملحَها
في شفتيكْ؟
فوقكَ الشّمسُ
وخُفّ الرّملِ يشوي قدميكْ؟
هل تعلّقتَ به عشرين عاماً
مثل وشمٍ غائرٍ في كتفيكْ؟
أنتَ لا تعرف إسماعيلَ
فاتْركهُ لمن يعرفهُ
يعرفُ ما يرضيهِ
أو يشجيهِ
ما يرفعهُ أعلى من الغيمِ
وما يلقيهِ من أعلى
كما ألقيتَهُ من قبلُ في الوادي...
فَتاها
أنتَ لا تعرف إسماعيلَ...
إسماعيلُ نخلٌ شامخٌ
حتّى إذا الليلُ أتى
سال مياها
*
ليس من أجلكَ
أو من أجل أحلامٍ تراها
أيّها الشيخ،
الذي قد جاء
من أقصى منافي الرّبِّ
كي يذبح إنساناً
ويفنيهِ كما يفني الشِياها!
ربّما كنتَ نبيّاً
إنّما لو كنتَ أُمّاً
لم تُطع رُؤياكَ في هذا
وخالفتَ الإلها