هل يتراجع النفوذ الإعلامي والثقافي الفرنكوفوني في بوركينا فاسو؟

واغادوغو علّقت بث «فرنس 24»

متظاهرون ضد فرنسا في واغادوغو في يناير 2023 (رويترز)
متظاهرون ضد فرنسا في واغادوغو في يناير 2023 (رويترز)
TT
20

هل يتراجع النفوذ الإعلامي والثقافي الفرنكوفوني في بوركينا فاسو؟

متظاهرون ضد فرنسا في واغادوغو في يناير 2023 (رويترز)
متظاهرون ضد فرنسا في واغادوغو في يناير 2023 (رويترز)

في إشارة جديدة إلى رفض النفوذ الفرنسي التاريخي، علّقت الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو، (الاثنين)، بث قناة «فرنس 24» في البلاد، متهمة إياها بـ«إضفاء الشرعية على (الإرهاب)». ويرى خبراء أن تراجع شعبية سياسات فرنسا في القارة، ستتنامى ارتداداته على المستوى الثقافي والإعلامي.
وجاء القرار بعد أن بثّت القناة الفرنسية في وقت سابق من الشهر الحالي، مقابلة مع يزيد مبارك، المعروف أيضاً باسم «أبو عبيدة يوسف العنابي»، والذي أعلن نفسه «أميراً لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب» عام 2020. وقال جان إيمانويل ويدراوجو، وزير الاتصال في حكومة بوركينا فاسو، في بيان (الاثنين)، إن «قناة (فرنس 24) لا تعمل فحسب بوصفها لساناً ناطقاً باسم هؤلاء (الإرهابيين)؛ بل أسوأ من ذلك أنها توفر مساحة لإضفاء الشرعية على الأعمال (الإرهابية)، وخطاب الكراهية». وكانت الحكومة العسكرية الانتقالية قد حظرت أيضاً إذاعة فرنسا الدولية «آر إف آي» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، متهمة إياها بنقل «رسالة ترهيب» منسوبة إلى «زعيم (إرهابي)». وكانت الإذاعة قد بثت مقطع فيديو يظهر فيه أحد قادة جماعة تابعة لتنظيم «القاعدة» في بوركينا فاسو؛ حيث هدد بمهاجمة قرى يدافع عنها جهاز «متطوعي الدفاع عن الوطن» المؤلف من عناصر مدنية لمساندة الجيش، في مواجهة تصاعد هجمات الحركات المسلحة.
وتدهورت العلاقات بين باريس وواغادوغو بشكل حادّ، منذ استيلاء جيش بوركينا فاسو على السلطة في انقلاب خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي المقابل تشهد العلاقات مع روسيا تقارباً ملحوظاً.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، أمهلت بوركينا فاسو فرنسا شهراً واحداً لسحب قوات فرنسية كانت تستضيفها. وقبيل خروج قواتها واجهت فرنسا غضباً سياسياً وشعبياً؛ حيث خرجت تظاهرات عدة في البلاد للمطالبة بانسحاب قواتها، كما خرج آلاف في مظاهرات بعد تأكيد خروج القوات الفرنسية، دعماً لسيادة البلاد، وللمجلس العسكري الحاكم برئاسة الجنرال الانتقالي إبراهيم تراوري.
وكان رئيس الوزراء في بوركينا فاسو أبولينير دو تامبيلا، قد صرح في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن «بعض الشركاء» الدوليين لبلده «لم يكونوا أوفياء دائماً» في مكافحة الجماعات، من دون أن يسمي دولاً محددة.
تجدر الإشارة إلى أن وسيلتي الإعلام الفرنسيتين تم حظرهما أيضاً في دولة مالي المجاورة التي تخضع أيضاً لحكم عسكري، والذي أنهى مهمة «برخان» الفرنسية في أغسطس (آب) الماضي، بعد 9 أعوام على وجودها في البلاد. وفي مطلع الشهر الجاري، أفادت تقارير صحافية بأن اللغة الفرنسية: «فقدت مركزها كلغة رسمية في مشروع الدستور الجديد لدولة مالي، لتصبح لغة عمل فقط».
وتواجه كل من بوركينا فاسو ومالي تنامياً لنفوذ التنظيمات «الإرهابية». ومنذ عام 2015، تسببت أعمال العنف المنسوبة إلى الجماعات المرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في مقتل أكثر من 10 آلاف شخص في بوركينا فاسو، وفق منظمات غير حكومية، فضلاً عن نزوح نحو مليوني شخص. ولا يختلف الحال كثيراً في مالي؛ حيث يؤدي تفشي «الإرهاب» إلى مقتل ونزوح الآلاف بوتيرة متزايدة. واتهم وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، في رسالة وجهها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس الماضي، فرنسا بـ«دعم الجماعات (الإرهابية) بأسلحة ومعلومات استخباراتية».
ورأى الخبير في شؤون الساحل الأفريقي محمد الأمين ولد الداه، أن رفض الخطاب الإعلامي الفرنسي من السلطات في بوركينا فاسو، يأتي «مؤشراً جديداً على الغضب الشعبي من فرنسا وكل مظاهر سياساتها وهيمنتها، سواء كانت عسكرية وأمنية، أو ثقافية وإعلامية». واعتقد الأمين ولد الداه في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المشاعر المناهضة لفرنسا هي «مشاعر شعبية في المقام الأول، تعبر عنها النخب السياسية والثقافية»؛ مشيراً إلى أن «الاحتجاجات ظاهرة موجودة من قبل الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو».
واعتقد ولد الداه أن واغادوغو «تسير على خطى باماكو التي اتخذت إجراءات شبيهة». وأشار إلى أن «المشاعر المناهضة للسياسات الفرنسية انتقلت بالفعل إلى بلاد أخرى»، لافتاً إلى انسحاب دولة الغابون، من منظمة الفرنكوفونية، والتحاقها بمجموعة الكومنولث الناطقة بالإنجليزية في أكتوبر من عام 2021.
ورأى عبد الفتاح الفاتحي، مدير «مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية» في المغرب، أن «تراجع شعبية فرنسا واضح على كل المستويات في كثير من الدول، وبالتأكيد ستكون له ارتداداته في الجانب الثقافي والإعلامي والتعليمي».
وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك أزمة غياب للثقة متجذرة شعبياً، بسبب أن الشعوب الأفريقية لم تجنِ شيئاً من الوجود والنفوذ الفرنسي السياسي والاقتصادي والعسكري في بلادها». وأضاف أن «ثمة نقاشاً أفريقياً واسعاً حول جدوى التبعية للثقافة الفرنكوفونية في القارة، باعتبارها إرثاً استعمارياً».


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


تبادل سجناء وجولة مفاوضات «بنَّاءة» يعززان مسار التطبيع بين موسكو وواشنطن

سيدة تمشي بالقرب من السفارة الأميركية في موسكو 10 أبريل (إ.ب.أ)
سيدة تمشي بالقرب من السفارة الأميركية في موسكو 10 أبريل (إ.ب.أ)
TT
20

تبادل سجناء وجولة مفاوضات «بنَّاءة» يعززان مسار التطبيع بين موسكو وواشنطن

سيدة تمشي بالقرب من السفارة الأميركية في موسكو 10 أبريل (إ.ب.أ)
سيدة تمشي بالقرب من السفارة الأميركية في موسكو 10 أبريل (إ.ب.أ)

تلقّت جهود تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن دَفعةً جديدةً، الخميس، مع انطلاق جولة مفاوضات تفصيلية في إسطنبول، تناولت تسوية ملفات ظلت عالقة لسنوات، بالتزامن مع تبادل للسجناء بين الطرفين بوساطة إماراتية، منحت، مع خطوات مماثلة سابقة، زخماً جديداً لتعزيز الثقة بين البلدين.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون راتكليف، أن موسكو وواشنطن أجرتا عملية تبادل أسرى صباح الخميس، في الإمارات. وقال راتكليف، الذي كان حاضراً في عملية التبادل في مطار أبو ظبي: «اليوم، أعاد الرئيس (دونالد) ترمب إلى الوطن أميركياً آخر (...) من روسيا».

تبادُل الأسرى

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، إن راقصة البالية الروسية - الأميركية كسينيا كارلينا، التي كانت تقضي حُكماً بالسجن لمدة 12 عاماً بتهمة الخيانة بسبب التبرع للقوات المسلحة الأوكرانية، جرى تسليمها لواشنطن. في المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن المواطن الروسي - الألماني آرثر بتروف، الذي قُبض عليه بسبب انتهاك قيود التصدير إلى روسيا.

لقطة وزّعها الإعلام الروسي للمواطنة الروسية - الأميركية كسينيا كارلينا قبل عملية تبادل الأسرى 10 أبريل (رويترز)
لقطة وزّعها الإعلام الروسي للمواطنة الروسية - الأميركية كسينيا كارلينا قبل عملية تبادل الأسرى 10 أبريل (رويترز)

كان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، قد قال بعد تبادل سابق للسجناء، إن روسيا والولايات المتحدة تواصلان العمل على تبادل الأسرى وتعملان على تعزيز الثقة بينهما.

وكان راتكليف، وفقاً لتقارير إعلامية، قد تحدث عبر الهاتف مع مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتنيكوف، عدة مرات بعد توليه منصبه، وتحدث أيضاً مع مدير جهاز الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين، بهدف تسريع وتيرة الإجراءات المتبادلة.

ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية أن التبادل كان علامة على بناء الثقة بشكل يُعزّز سعي الجانبين إلى تسوية الملفات المتراكمة، والتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وقال متحدث باسم وكالة المخابرات المركزية الأميركية إن هذا التبادل يُسلّط الضوء على أهمية إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين موسكو وواشنطن.

قضية كارلينا

في فبراير (شباط) 2024، أبلغ جهاز الأمن الفيدرالي الروسي عن اعتقال مواطنة تبلغ من العمر 32 عاماً من سكان لوس أنجليس وتحمل الجنسية المزدوجة الروسية-الأميركية في أثناء وجودها في مدينة يكاترينبورغ، عاصمة إقليم الأورال الروسي.

ووجّهت السلطات الروسية إلى كارلينا تهمتَي «الخيانة» و«تمويل الإرهاب»، بعد الاشتباه بتحويل أموال لتلبية احتياجات القوات المسلحة الأوكرانية. وقال المحققون إنها أرسلت أموالاً لشراء إمدادات طبية تكتيكية، ومُعدّات، وأسلحة، وذخيرة للجيش الأوكراني.

وحُكم على كارلينا بالسجن لمدة 12 عاماً في سجن جزائي، بالإضافة إلى غرامة قدرها 300 ألف روبل. وقد اعترفت أمام القضاة بالتهم المنسوبة إليها.

قضية بتروف

قُبض على بتروف في أواخر أغسطس (آب) 2023 في قبرص، ومن هناك سُلِّم لاحقاً للولايات المتحدة.

وحسب وكالات إنفاذ القانون الأميركية، فقد كان يتنقل بين روسيا وقبرص، حيث كان يعمل لدى شركة للإلكترونيات في سان بطرسبرغ، التي تصفها وزارة العدل الأميركية بأنها مورِّد للإلكترونيات الدقيقة للمجمع الصناعي العسكري الروسي. وحسب مكتب المدعي العام الأميركي، فإن بيتروف استخدم شركات واجهة لشراء منتجات أميركية محظورة التصدير، وأخفى حقيقة أن المشتري النهائي كان شركة روسية. وبناءً على التهم الموجهة إليه، كان يواجه عقوبة بالسجن لمدة تزيد على 20 عاماً. ورفض بتروف الإقرار بالتهمة، واصفاً قضيته بأنها ذات دوافع سياسية.

تبادُل سابق

في فبراير (شباط) الماضي، زار المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، روسيا للتفاوض على عودة السجين مارك فوغل، الذي اعتُقل في أغسطس 2021 في مطار شيريميتيفو الدولي شمالي موسكو؛ وعُثر على مواد مخدرة بينها ماريغوانا وزيت الحشيش في أمتعته. وفي نتيجة مفاوضات للتبادل، سُلِّم الأميركي إلى واشنطن، فيما عاد ألكسندر فينيك، المتهم في الولايات المتحدة بالمشاركة في إدارة بورصة العملات المشفرة إلى روسيا، بعدما أمضى نحو ثماني سنوات في السجن دون صدور قرار من المحكمة بشأن ذنبه.

مفاوضات «بنَّاءة»

في غضون ذلك، أجرت موسكو وواشنطن جولة تفاوض جديدة الخميس، في إسطنبول، شكّلت امتداداً لجولات سابقة ناقشت مجمل الملفات التي تُعرقل تطبيع العلاقات بين الطرفين.

وركّز الجانبان في الجولة الجديدة على مناقشة «مسائل تفصيلية» تتعلق بتحسين العلاقات الثنائية، وتجاوز مشكلات وتعقيدات تراكمت لسنوات. وخلال النقاشات التي استمرت لساعات، قال مصدر مطلع لوكالة «نوفوستي» الروسية إن المفاوضات بين الوفدين الروسي والأميركي في إسطنبول «تسير بهدوء وبطريقة بناءة».

جانب من وصول الوفد الأميركي إلى القنصلية الروسية في إسطنبول 10 أبريل (أ.ف.ب)
جانب من وصول الوفد الأميركي إلى القنصلية الروسية في إسطنبول 10 أبريل (أ.ف.ب)

وجرى اللقاء في القنصلية العامة الروسية. ومثّل موسكو ألكسندر دارشيف، السفير لدى الولايات المتحدة، بينما مثّل واشنطن نائبة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، سوناتا كولتر. أما بقية المشاركين من الوفدين فهم موظفون في وكالات الشؤون الخارجية في البلدين.

وحسب دارشيف، فإن أهمية جولة المفاوضات الجديدة أنها تساعد على «التخلص من الإرث السام» الذي خلَّفته إدارة الرئيس جو بايدن. وخلال الجولة الجديدة، ركّز الجانب الروسي على إعادة الممتلكات الدبلوماسية المصادَرة، واستئناف حركة الطيران المباشر.

وأضاف السفير أنه بفضل الاتصالات بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب، اتفقت روسيا والولايات المتحدة بالفعل على ضمانات للخدمات المصرفية للبعثات الدبلوماسية، وإرسال المساهمات الروسية إلى المنظمات الدولية. وأضاف دارشيف أنه جرى بالفعل تحقيق بعض التقدم في إصدار التأشيرات وتخفيف قيود السفر.

ووفق وزارة الخارجية، فإنه في هذه المرحلة من المشاورات لن يُنظَر في قضايا الأمن والسياسة وحل الصراع في أوكرانيا. فيما قالت المتحدّثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس، إن تطبيع العلاقات الكامل بين واشنطن وموسكو لا يمكن أن يحدث إلا عندما «يكون هناك سلام بين روسيا وأوكرانيا».

استئناف الحوار

بدأت استعادة العلاقات بين موسكو وواشنطن باجتماع للوفود في الرياض في 18 فبراير (شباط). واتّفق الطرفان على تهيئة الظروف لاستئناف التعاون الثنائي بشكل كامل، وإزالة القيود المفروضة على عمل السفارات، وإطلاق عملية حل الوضع في أوكرانيا.

وفي نهاية شهر فبراير، وخلال جولة مفاوضات في إسطنبول، اتّفق وفد روسي والولايات المتحدة على خطوات لتمويل عمل البعثات الدبلوماسية، وناقشا إمكانية استعادة حركة النقل الجوي المباشر.

صحافيون يجتمعون خارج القنصلية الروسية في إسطنبول خلال المفاوضات مع واشنطن 10 أبريل (أ.ف.ب)
صحافيون يجتمعون خارج القنصلية الروسية في إسطنبول خلال المفاوضات مع واشنطن 10 أبريل (أ.ف.ب)

علاوة على ذلك، تحدّث الرئيسان بوتين وترمب هاتفياً مرتين خلال الشهرين الماضيين. ومن بين أمور أخرى، ناقش الزعيمان التعاون الثنائي بين البلدين.

وفي الأسبوع الماضي، زار رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، الولايات المتحدة، وأجرى لقاءات مع ممثلي إدارة البيت الأبيض. وحسب قوله، فإن الأطراف اتّخذت ثلاث خطوات إلى الأمام في عدد كبير من القضايا وتم تحقيق تقدم. وأشار إلى أنه لا يزال هناك عدد من الاجتماعات التي يتعين عقدها لحل الخلافات كافة.

صفقة التعدين مع كييف

على صعيد آخر، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده لدفع أموال للولايات المتحدة مقابل إمدادات جديدة من الأسلحة والمعدات، في مسعى لتسوية مسألة خلافية مع واشنطن، بعدما طالب ترمب كييف بدفع تعويضات عن المساعدات الأميركية السابقة.

زيلينسكي متحدّثاً خلال مؤتمر صحافي في كييف 8 أبريل (إ.ب.أ)
زيلينسكي متحدّثاً خلال مؤتمر صحافي في كييف 8 أبريل (إ.ب.أ)

وقال زيلينسكي للصحافيين في كييف، الأربعاء: «طلبت أوكرانيا من واشنطن ما بين 30 و50 مليار دولار مساعدات، وهي مستعدة لدفعها -إمّا مباشرةً إلى الولايات المتحدة وإما كمساهمة في صندوق صفقة التعدين المشترك الذي لم يجرِ إنشاؤه بعد».

وأشارت الوكالة إلى أنه كجزء من صفقة التعدين، قد يُطلب من أوكرانيا تسليم نصف الإيرادات المستقبلية من جزء كبير من اقتصادها إلى الولايات المتحدة، لكن كييف تسعى إلى شروط أكثر ملاءمة وترفض الاعتراف بالمساعدات الأميركية السابقة على أنها ديون.

وحسب وسائل إعلام أوكرانية، فإن مسودة الاتفاق الجديد مع واشنطن تفترض أن كييف ستعيد الأموال مقابل كل المساعدة التي قدمها لها الأميركيون. علاوة على ذلك، فإن الوثيقة تتجاوز تقريباً كل الخطوط الحمراء المُتّفق عليها بين كييف وواشنطن، وتحرم أوكرانيا من جزء من سيادتها وتتناقض مع خططها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في المستقبل. وحسب صحافيين أوكرانيين، فإن قرار البدء في الدفع قد يصبح سابقة، وبعدها قد يطالب جميع المانحين الآخرين لنظام كييف بإعادة استثماراتهم.