مدن القناة الثلاث.. تاريخ من المقاومة والبطولات

تعد حائط الصد الشرقي لمصر وعينًا حارسة على قناة السويس

مدن القناة الثلاث.. تاريخ من المقاومة والبطولات
TT

مدن القناة الثلاث.. تاريخ من المقاومة والبطولات

مدن القناة الثلاث.. تاريخ من المقاومة والبطولات

كان قدر مدن قناة السويس المصرية الثلاث أن تكون درعا حاميا للبلاد ضد أي عدوان خارجي من الجهة الشرقية، وسجلت كل مدينة منها خلال العصر الحديث سجلا مشرفا من البطولات والمقاومة الشعبية ضد الطامعين في أرض مصر، خاصة بالنظر لموقعها الاستراتيجي على قناة السويس التي تم افتتاحها قبل 146 عاما.
أولى البطولات سجلتها قوات الشرطة المصرية في موقعة محافظة الإسماعيلية في 25 يناير (كانون الثاني) 1952 حينما رفضت تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى المحافظة للقوات البريطانية، وحاصرت القوات البريطانية مبنى المحافظة بالدبابات، ما أسفر عن وقوع اشتباك بينها وبين قوات الشرطة التي استبسلت في الذود عن كرامتها وأسلحتها وشرفها، ليسقط 50 شرطيا مصريا شهيدا، وإصابة 80 آخرين، ليصبح يوم 25 يناير من كل عام عيدا للشرطة المصرية.
سطور أخرى من نور كتبتها المقاومة الشعبية في محافظة بورسعيد، المدخل الشمالي لقناة السويس، حينما تصدت لقوات العدوان الثلاثي الذي قرر الانتقام من مصر بعد تأميم قناة السويس في 26 يوليو (تموز) 1956. وحينها قامت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل بالتنسيق فيما بينها لهجوم واسع على القوات المصرية في مدن القناة وشبه جزيرة سيناء.
واتفقت قوات الدول الثلاث على أن تهاجم إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية لاحتلالها وحين يتصدى لها الجيش المصري تقوم بريطانيا وفرنسا بالتدخل وإنزال قواتهما في منطقة قناة السويس وهكذا تتم محاصرة الجيش المصري، وبالفعل تم تنفيذ الخطة في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1952 لكن شعب مدينة بورسعيد استطاع صنع الفارق في معركة غير متكافئة بالمرة ليدحض أطماع الاحتلال البريطاني ويمنعه من التقدم في شوارع المدينة حتى جلاء القوات عن المدينة في 23 ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، وهو العيد القومي للمدينة الباسلة كما وصفها المصريون فيما بعد.
ولا تزال بطولة مدينة السويس (جنوب القناة) خالدة في أذهان المصريين لارتباطها بنصر أكتوبر العظيم الذي قاد لتحرير شبه جزيرة سيناء بعد 6 سنوات من الاحتلال الإسرائيلي والعدوان الغاشم في 5 يونيو (حزيران) 1967.
وشهدت المدينة آخر معارك حرب أكتوبر 1973 بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي، وبالتحديد في يومي 24 و25 أكتوبر، قبيل سريان وقف إطلاق النار، حيث أقدمت إسرائيل، في ظل خسائرها على الأرض أمام القوات المصرية في سيناء، على اقتحام مدينة السويس معتقدة أنها ستكون ضعيفة في دفاعاتها.
وكان للمقاومة الشعبية بالمدينة دور بارز في إفشال سيطرة العدو على المدينة المحورية نظرا لقربها من العاصمة القاهرة وتحكمها في الملاحة بقناة السويس وأخيرا لكي لا تكون ورقة ضغط على الجانب المصري في المفاوضات لاحقا. وقاتل رجال المقاومة جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة، واستخدمت الأسلحة الخفيفة مثل البنادق والآر بي جي، والقنابل اليدوية، ما كبد العدو خسائر ضخمة في الأرواح والمعدات العسكرية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم