أغشية نانوية من التمر للاستخدام الصناعي

باحثو «كاوست» يطورونها كبديل أقل تكلفة وأَرْفَق بالبيئة

أغشية نانوية من التمر للاستخدام الصناعي
TT

أغشية نانوية من التمر للاستخدام الصناعي

أغشية نانوية من التمر للاستخدام الصناعي

في منتصف القرن الماضي ظهرت أغشية الترشيح في مجموعة واسعة من التطبيقات لخدمة احتياجاتنا اليومية، وانتشرت على نطاق واسع في التطبيقات الصناعية والطبية والبيئية. وهي تستخدم في تحلية مياه البحر ومعالجة وتنقية المياه وصناعات الأغذية والمشروبات وفصل البروتين والدم وتوصيل الدواء، وغيرها.

أغشية نوى التمر
الترشيح هو عملية فيزيائية أو ميكانيكية تهدف إلى فصل أو إزالة الجسيمات الدقيقة والغروانية من السائل بمساعدة «وسط ترشيح» يسمى «غشاء ترشيح»، وهو غشاء نفوذ يسمح بمرور الموائع فقط.
غالباً ما تفصل العمليات الصناعية المُركبات عن بعضها بعضاً، كما تفصلها عن المحاليل باستخدام الفصل الحراري كثيف الاستهلاك للطاقة، الذي يتضمن دوراتٍ متعددة من التبخير والتكثيف. ومنذ وقتٍ قريب، خرجت إلى النور أغشية الترشيح النانوي الموفِّرة للطاقة بوصفها بديلاً مستداماً. لكن حتى هذه الأغشية تحمل عيباً في طياتها، وهو أن إنتاجها يتطلب استعمال بوليمرات أحفورية ومواد كيميائية سامة.
وأخيراً، تمكن فريق من الباحثين من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، عَبْرَ مجموعة من التجارب والتقنيات الحديثة، من تحويل نوى التمر إلى أغشية ترشيح نانوية صديقة للبيئة، بإمكانها أن تتفادى عيوب الأغشية التقليدية.
ولا يزال الفريق يعمل على استكمال الأبحاث من أجل التحقق من إمكانية طرح تلك الأغشية تجاريّاً في المستقبل.
فلماذا فكر الفريق في نوى التمر؟ وما التقنيات التي استخدمها؟
يقول الدكتور جورج سيكيه، أستاذ الهندسة الكيميائية المساعد الذي قاد الفريق البحثي في «كاوست»: «نوى التمر متاحةٌ بوفرة ومتجددةٌ، حيث تُزرع قرابة 90 في المائة من نخيل التمر العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وهو ما يجعل الاستخدام التجاري لغشائنا المصنوع من نوى التمر واعداً».
ويضيف سيكيه قائلاً: إنّ الأغشية التي صنعها الفريق من التمر تمتاز بقابلية التعديل، والفاعلية، والثبات، وقابلية التحلل عضويّاً، وذلك في إطار عملية صديقة للبيئة.

المواد الغشائية
في الوقت الحالي، تهيمن الأغشية البوليمرية على صناعة أغشية الفصل لما لها من مميزات. لكن على الرغم من ذلك، يُعد استخدام الأغشية البوليمرية مقيداً باستقرار خصائصها الكيميائية والحرارية. كما تفسد الأغشية البوليمرية بسهولة وتكون عرضة للتلوث.
تلك المشاكل في الأغشية البوليمرية يمكن حلها عن طريق استخدام تعديل تقنيات النانو للأغشية التي تعد تقنية واعدة لزيادة عزل المواد الذائبة منخفضة الوزن، مثل الأملاح والملوثات العضوية ذات الوزن الجزيئي المنخفض.
• البداية. بدأت أولى خطوات صنع سيكيه وفريقه الأغشية بطحن نوى التمر وغربلته بحيث يصير مسحوقاً ناعماً. واستُخلصت من المسحوق مكوناتٌ عضوية، قوامها كتلة حيوية خشبية ثم أُذيبت هذه المكونات باستعمال مزيج من مُذيبين مستدامين، هما: السائل الأيوني أسيتات 1 – بوتیل 1 - 3 - ميثيل إيميدازوليوم وثنائي ميثيل السلفوكسيد (DMSO). وطُرحت الكتلة الحيوية الذائبة لنوى التمر في طبقة رقيقة سائلة وعُولجت بمادة البولي دوبامين المستوحى من بلح البحر لتقليل حجم مسام الغشاء. بعد ذلك، ضبط الباحثون أداء الغشاء في عملية الفصل عن طريق تغيير كلٍّ من عدد طبقات البولي دوبامين والزمن المستغرق في طلائها.
• النتائج. بعدما أُخضعت الأغشية لفحوصٍ باستخدام تقنياتٍ مجهرية ومطيافية متقدمة، أُجريت تجارب ترشيح الزيت والمُذيبات لاختبار أدائها في غربلة الجزيئات؛ فأظهرت الأغشية أداءً ممتازاً في الترشيح النانوي للمُذيبات العضوية، المستعمَل في الصناعات الدوائية، على سبيل المثال، وفي عملية فصل الزيت عن الماء، التي تستعملها صناعات النفط والأدوات المعدنية والأغذية. وإضافة إلى ذلك، يؤكد الفريق أن هذه الأغشية تمتاز بثباتٍ واستقرار عند استعمالها المتواصل على مدار أسبوع، وهي أيضاً قابلة للتحلل عضويّاً بواسطة إنزيم شائع.
يقول الدكتور ريفان هارديان، أحد باحثي ما بعد الدكتوراه في «كاوست» في العمليات المستدامة لتطوير المواد والأغشية المسامية للترشيح النانوي «هذا الجهد البحثي يجتاز العديد من المشكلات الكبيرة التي يواجهها مجال تصنيع أغشية الترشيح النانوي».
ويعتزم الفريق بذل المزيد من الجهود البحثية بهدف الارتقاء بعملية التصنيع ومعايير الأغشية إلى أفضل مستوًى ممكن. هذا، وسينطلق مشروعٌ تجريبي لاختبار جدوى التوسع في العملية، ومدى اتساق أداء الغشاء وإمكانية تكراره.
يختتم هارديان قائلاً «ثمة مراحل عديدة لا تزال تفصلنا عن إمكانية استغلال الغشاء تجاريّاً. وسيتضمن ذلك استراتيجية لجمع الكتلة الحيوية لنوى التمر من المنتجين، ورفع مستوى تصنيع الأغشية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نظّم يومك لتحقيق كفاءة الدماغ

نظّم يومك لتحقيق كفاءة الدماغ
TT

نظّم يومك لتحقيق كفاءة الدماغ

نظّم يومك لتحقيق كفاءة الدماغ

ليس سراً أن الذكاء الاصطناعي يغير الطريقة التي نعمل بها: كما كتبت ستيفاني فوزا (*)؛ إذ مع أتمتة مزيد من المهام البسيطة، فإنه يُترك للبشر مزيد من العمل المعرفي عالي المستوى، مثل توليد الأفكار.

التفوق في عصر الذكاء الاصطناعي

إذا كنت تريد التفوق في عصر الذكاء الاصطناعي الجديد، فستحتاج إلى تحويل جذري لكيفية عملك؛ لزيادة كفاءة الدماغ، كما تقول الدكتورة ميثو ستوروني؛ عالمة الأعصاب ومؤلفة كتاب «ذو الكفاءة القصوى: كيف تحسن عقلك لتحسين طريقة عملك (Hyperefficient: Optimize Your Brain to Transform the Way You Work)».

بنية تحتية نفسية وجسدية جديدة

المشكلة هي أننا ما زلنا نتبع بنية تحتية نفسية وجسدية للعمل تشبه عصر «خطوط التجميع»، التي لا تعزز أو تسهّل نوع العمل المطلوب اليوم. تقول ستوروني: «بدلاً من توليد 100 فكرة سيئة، يتعين علينا التوصل إلى فكرة واحدة جيدة».

وتضيف: «من أجل تعزيز جودة الناتج العقلي، وليس مجرد إبقاء العقل يعمل بشكل مستمر وإنتاج كميات كبيرة بجودة متوسطة، يجب على العقل أن يعمل بطريقة مختلفة تماماً».

ابدأ بإعادة التفكير في ساعات العمل

كان القادة يقيسون الإنتاجية سابقاً بعدد الساعات التي يقضيها الموظف في العمل، أو عدد الأهداف المجردة التي وصل إليها. ونتيجة لذلك؛ عمل الناس بطريقة كانت فيها كمية العمل هي الأعلى أهمية.

لكن هذا النوع من الناتج لا يناسب عصر الذكاء الاصطناعي. وبدلاً من ذلك، يتعين علينا إجراء تحول نفسي، وتنظيم كل يوم عمل من أجل «الجودة بدلاً من الكمية». تقول ستوروني: «يجب تصميم كل يوم عمل بطريقة تؤكد على الناتج العقلي وتعززه. للقيام بذلك، يتعين علينا اتباع نموذج مختلف تماماً. ابدأ بالتخلص من الطريقة القديمة للعمل المستمر طوال اليوم. تُظهر الأبحاث أنه عندما يعمل العقل لساعات طويلة في المرة الواحدة، يكون الناتج العقلي أقل جودة»، كما تقول ستوروني. وتضيف: «الوقت الذي تعمل فيه باستمرار يشكل حاجزاً كبيراً ضد توليد ناتج عقلي عالي الجودة... من غير المرجح أن تتخذ قرارات جيدة وتتوصل إلى أفكار إبداعية بهذه الطريقة». يؤدي العمل المستمر إلى إعاقة توليد الأفكار الإبداعية والعمل المعرفي عالي الجودة والمتطور. ولهذا السبب، فمن الأفضل العمل في نوبات، مما يمنح العقل كثيراً من الراحة لإنجاز عمل ذي جودة بدلاً من التركيز على الكمية.

ساعات للإبداع وأخرى للتنفيذ

توصي ستوروني باستخدام جلسات عمل مدتها نحو 90 دقيقة، ومباشرة العمل على الجزء الأصعب من المهمة في أول 20 دقيقة، والانتقال إلى العمل الأبطأ والأسهل خلال الوقت المتبقي.

من المهم مطابقة التوقيت مع نوع العمل؛ إذ سيُحدث توقيت اليوم أيضاً فارقاً، اعتماداً على نوع العمل الذي تقوم به. ونتيجة لذلك؛ يجب على المديرين النظر في المجال الرئيسي الذي يعمل عليه الفريق أو الفرد، بدلاً من فرض الجدول نفسه للعمل عبر فريق أو منظمة، كما تقول ستوروني.

تشير البيانات إلى أنه من الأفضل العمل على المهام التي تنطوي على الإبداع والخيال وحل المشكلات خلال الساعات القليلة الأولى من اليوم، ومرة ​​أخرى قبل الذهاب إلى النوم مباشرة.

أما منتصف اليوم فهو الأفضل للعمل على شيء يتطلب تركيزاً، مثل تنفيذ فكرة لديك بالفعل. وتوصي ستوروني بجدولة جلستَي عمل مركزتين خلال اليوم؛ واحدة من منتصف الصباح إلى أواخره، وأخرى من منتصف ما بعد الظهر إلى أواخره أو في وقت مبكر من المساء.

وبين جلسات العمل المركزة، خصص وقتاً لقيلولة أو لأداء عمل سهل لا يتطلب كثيراً من الإبداع أو التركيز.

خصص فترات راحة لزيادة كفاءة الدماغ

يحتاج العقل أيضاً إلى فترات راحة، ولكن النوع الذي تأخذه مهم للغاية. الهدف الأول من أخذ استراحة هو استعادة وتجديد طاقة الدماغ حتى لا يكون مرهقاً بعد الآن. عندما يصبح الدماغ متعباً، تبدأ معالجة المعلومات داخل الدماغ في اتخاذ مسارات غير فعالة، كما تقول ستوروني.

الهدف الثاني هو تهدئة حالتك الذهنية. تقول ستوروني: «عندما يصبح عقلك متوتراً، أو مفرط النشاط، أو مشتتاً عن العمل الذي تقوم به، فإنه يتراكم عليه عبء معرفي زائد. وأنت تحتاج إلى إطلاق هذا العبء الزائد».

الهدف الثالث من الاستراحة هو وضع عقلك في الحالة الصحيحة لبدء العمل مرة أخرى. تقول ستوروني إنه «قبل أن تأخذ استراحة، يجب أن تسأل نفسك: كيف أشعر؟ هل أشعر بالتعب والتوتر؟ أم أشعر بالتعب وعدم التوتر؟». وتضيف: «عقلك، على عكس العضلات، لا يرتاح في اللحظة التي تتوقف فيها عن العمل... فإذا كنت في صالة الألعاب الرياضية وتوقفت عن رفع الأوزان الثقيلة، فإن عضلاتك تسترخي. ولكن إذا كنت في مكتب مزدحم وخرجت لأخذ قسط من الراحة، فإن عقلك لم يخرج معك. فهو لا يزال على كرسي مكتبك، خصوصاً إذا كان العمل الذي كنت تقوم به قد ترك عليك عبئاً إدراكياً ثقيلاً يجعلك تشعر بالقلق».

ما نوع الاستراحة «العقلية»؟

إذا كنت متعباً ومتوتراً، فإن ستوروني توصي بـ«اختيار استراحة تعيد عقلك ووظائفك الفسيولوجية إلى حالة من الاسترخاء. هذا هو الوقت المناسب للقيام بنزهة سريعة، أو الانخراط في تمارين التنفس، أو ممارسة لعبة ذهنية»... وتضيف ستوروني: «شيء يجذب انتباهك لفترة كافية كي تنسى ما كنت تفعله للتو». إذا كنت متعباً وغير متوتر، فإن عقلك سيتصرف مثل العضلة المتعبة، ويدخل في وضع الراحة بسهولة.

يمكنك الجلوس بهدوء والتخيل، أو المشي ببطء، أو قراءة رواية مريحة. لقد تغير مشهد العمل المعرفي بشكل جذري؛ تقول ستوروني: «إننا بحاجة إلى تغيير جذري في الطريقة التي نعمل بها لتعزيز جودة الأداء البشري... نحن بحاجة إلى الوصول للنقطة التي نقيس فيها مدى نجاح اليوم ليس بعدد الساعات، وليس بعدد المربعات التي وُضعت علامة عليها، ولكن بجودة الحلول التي توصلت إليها، وجودة الأفكار التي توصلت إليها، وجودة إنتاجك العقلي».

* مجلة «فاست كومباني»

خدمات «تريبيون ميديا»

ضرورة إنشاء «بنية تحتية» نفسية وجسدية في العمل تواكب الزمن المعاصر

اقرأ أيضاً