هل فهمنا عبد الكبير الخطيبي حقاً؟

في ذكرى رحيل الكاتب والناقد المغربي «الحذر»

عبد الكبير الخطيبي
عبد الكبير الخطيبي
TT

هل فهمنا عبد الكبير الخطيبي حقاً؟

عبد الكبير الخطيبي
عبد الكبير الخطيبي

في السادس عشر من مارس (آذار) حلّت ذكرى رحيل الكاتب المغربي المغترب في النص واللغة والحاضر أبداً في النقد، عبد الكبير الخطيبي، الذي يبدو أن قسماً كبيراً من أعماله بقي في الظل بعيداً عن هالة الضوء، وبقيت كتاباته الفكرية والإبداعية نخبويةً للغاية، قياساً بما تستحقه من الدراسة والنقاش.
لقد سُلّطت الهالة الإعلامية في الغالب على أسماء فكرية تكتب في العام والمشترك، وتنشغل بالعناوين الكبيرة المثيرة للجدل. وربما كان عدد من الباحثين في المغرب وخارجه يستصعبون مهمة الخوض في تجربة الخطيبي الفكرية، ويتفادون الاشتباك مع تركيبتها النظرية قراءةً أو نقداً.
«عارياً من ثيابك الخفيفة، متبخراً، ومع ذلك سوف تكون قريباً جداً منا...» هكذا تخيل الخطيبي بلغة شعرية واضحة مشهدَ الذات، وهي تقرأ سيرتها الخاصة في عمله الروائي «كتاب الدم» الصادر عام 1979. لقد كان يصف شيئاً مما يراه كامناً في طاقة اللغة، بحسٍّ إبداعي رقيق، وهو المفكر وعالم الاجتماع البارز الذي ظل طيلة مشروعه الفكري مشغولاً بسؤال الهوية الكبير، عاكفاً على البحث في تفاصيل هذا المفهوم النظري تراثاً وواقعاً، متخذاً من المفاهيم النقدية الكونية أداة لابتكار مفاهيم جديدة تتبنّى في اشتغالها منهج النقد المتوازي، أو ما سمَّاه «النقد المزدوج» للأفكار والأطراف. فهو من جهة، ينقد محاور كثيرة داخل بنية الفكر الغربي بوصفه ينزع في تأصيل خطابه إلى الهيمنة على الآخر، وهو في المقابل ينقد خطاب الفكر السائد في بلدان عربية كثيرة رآها تتوهم -بشيء من الميتافيزيقا- حالة الوحدة والصفاء العرقي والعاطفة الاجتماعية الجامعة.
ما يمكن أن نلمسه في منجز الخطيبي النقدي هو ذلك الحذر المنهجي العميق من الاصطفاف الآيديولوجي أو حتى الفكري، وهو ليس حذراً من خوض المسائل الجدلية أو نقاش أفكارها، بقدر ما هو حذرٌ موضوعي من كل أشكال التبسيط والأحكام المطلقة والعامة، وهو كذلك حذر من الوصول إلى استنتاجات أحادية إزاء الظواهر الاجتماعية كافة. وما يميز رؤية الخطيبي على هذا الصعيد هو عنصر التوازي العملي بين التفكيك والنقد، فهو يراوح بحذر بين صرامة الروح الفلسفية الجادة وبين السوسيولوجيا كفنّ يمنح الباحث فسحة الوصف والتحليل والتأويل أيضاً.
معظم مؤلفات الخطيبي كانت باللغة الفرنسية، وهو بلا شك يعد واحداً من المؤثرين في المتون البحثية لعدد كبير من الدارسين للحقل الاجتماعي العربي والعالمي على حد سواء. وهو الملهِم بأفكاره الفذة لفئة معتبرة من طلبة العلوم الاجتماعية في مختلف جامعات العالم. والملاحظ خلال السنوات الأخيرة تحديداً أن عدداً غير قليل من رسائل الدكتوراه والماجستير في علم الاجتماع التي أنجزها طلبة مغاربيّون (المغرب وتونس والجزائر)، تناولت باهتمام فكرَ عبد الكبير الخطيبي ورؤاه الحيّة حول الهوية وقضايا المجتمع العربي.
منذ «الذاكرة الموشومة» عمله الإبداعي الأول، وصولاً إلى آخر ما كتبه في علم الاجتماع، اعتمد الخطيبي على السجال المعرفي مع الأفكار الكبرى، محاولاً بناء رؤيته الخاصة للهوية ولعدد من الظواهر الضيقة كطبائع المجتمع الأبوي مثلاً. إنه اشتباك فكري غير جدلي مع الأنساق النظرية المهيمنة، وهو أيضاً تفكيك لما تحفل به الذاكرة الفكرية من مركبات معرفية غير متجانسة في الطرح، ولعل الحديث عن هذه العناصر الفكرية في سياق منجز كامل لكاتب مُجرِّب مثل عبد الكبير الخطيبي خاض في النقد وعلم الاجتماع، كما كتب الشعر والرواية والمسرح، يطرح سؤالاً عن علاقة كل هذه الحقول بعضها ببعض... لكن الحقيقة هي أن الخطيبي كان سبّاقاً إلى تذويب الحدود الفاصلة بين أعماله وأجناسها المختلفة، وقد وصف الفيلسوف الفرنسي رولان بارت هذه السمة عند الخطيبي قائلاً: إنه لا يكتفي بإلغاء الحدود بين الأشكال الأدبية، بل يقوم بتغيير هذه الأشكال نفسها حاملاً معه القارئ نحو «أرضه الإبداعية» الخاصة.
لقد شُغف الخطيبي بالفكر كما اهتمت أعماله الأدبية الأخرى بالدلالات الثقافية والاجتماعية للفن والإبداع الكتابي خاصة، وهو في ذلك يبدو منسجماً إلى حد بعيد مع البيئة الثقافية التي انطلق منها باحثاً عن حقائق الهوية المتعددة والملتبسة في كثير من الأحيان. فهو إن بدا غير متفق مع كثير من المقاربات التي تشرح آليات التفكير المشكِّل للهوية داخل بيئته المعرفية، فإنه يبقى في الآن نفسه منخرطاً في عمق الاشتغال الجمالي على بنية الفنون والنقد داخل هذه الهوية الفكرية المميزة. نرى ذلك جلياً في أعمال تحفر في سؤال الاختلاف بكثير من المنهجية الفكرية من قبيل «الاسم العربي الجريح»، وهو عمل محوري بالغ الأهمية في تجربة الخطيبي، وقد نقله إلى العربية الشاعر محمد بنيس، كما نلمس شيئاً من تلك الدلالات المتقدة في عمل آخر عنوانه «في الكتابة والتجربة» أصدره الخطيبي باللغة الفرنسية، وترجمه إلى العربية الروائي المغربي محمد برادة.
ينطلق الخطيبي من نقد الميتافيزيقا التي تشكل من وجهة نظره عصب الفكر في العالم العربي، وهو نقد شامل وجذري غير مهادن، يقف عند مفهوم التعدد الذي يميز واقع الهوية العربية اليوم، فيصدم أنصار الوحدة المطلقة بحقائق يراها واقعية وحادّة، تؤكد مدى التبسيط الذي تحمله هذه الفكرة الآيديولوجية «القومية»، رغم كونها لا تزال حاضرة في عمق الفكر العربي المعاصر حتى اليوم. إنها حقائق التغاير والتعدد والتمايز والاختلاف التي تؤكد حسب الخطيبي أن العالم العربي قد تعدد بحكم الواقع، ولا يمكن أن يشكل وحدةً كلية شاملة أو منظومة واحدة، ففكرة الوحدة كما يراها هو كانت دائماً فكرة إطلاقية مرتبطة بمخرجات الميتافيزيقا والمتخيل اللاهوتي الذي تحتضن الآيديولوجيات الوافدة إلى العمق العربي كثيراً من عناصره، رغم تجدد فعل الآيديولوجيا نفسه.
وحفاظاً على قاعدة النقد المزدوج، يتوغل عبد الكبير الخطيبي داخل البنية الزمنية للفكر الغربي؛ بدءاً من أسسه العقلانية اليونانية القديمة، التي كرست فيما بعد مركزية الغرب وهيمنته المكتسبة، ويصل الخطيبي إلى ذروة نقده لهذه البنية، فيشخص بعناية حالة الإرادة الغربية المتجسدة أساساً في الهيمنة وقواعد المادية الحديثة التي تحكمها مقاييس أحادية الرؤية، والتي لا تبتكر أنظمة جديدة خالية من الثوابت، بقدر ما تكتفي بتغيير هذه الثوابت وتدويرها.
ويختلف عبد الكبير الخطيبي كثيراً مع عبد الله العروي في منظوره «التاريخاني» لفعل الحداثة ومآلاتها وإسقاطاتها على عالمنا العربي، ويراه في هذا المسار يخلط بين مفاهيم وجودية عميقة، ويبسّط منظوره الخاص إلى العامل التاريخي. ذلك أن التراكم النظري والمادي لفعل الحضارة يحدث بالفعل منذ بدء البشرية إلى الآن، لكن عامل التاريخ ليس منطقياً دائماً، فهناك قطائع وتناقضات وخسارات وفُروق لا تنسجم مع شرط الاستمرارية التاريخية. ويذهب الخطيبي إلى ما هو أبعد من ذلك فيرفض القول بأننا بوصفنا مجتمعات عربية ملزمون بقطع الخطى نفسها التي سبقنا إليها الغرب، سعياً لبلوغ ما وصل إليه من المدنية والتقدم، بل ينبغي من وجهة نظره استئناف الرحلة نحو الحضارة فوراً، والانطلاق رأساً مما هو متاح وموجود وقائم مدنياً... الآن، دون الرجوع إلى الخلف، ودون الوقوف الكلاسيكي المتوارث عند فكرة «نسيان التراث».
لا يبدو أن الأفكار التي حملها منجز الخطيبي بسيطة أو هادئة في علاقتها مع القارئ العادي، فما كتبه الرجل يختصر مساراً طويلاً من التأمل العملي والنظري في متون فكرية متواترة الطرح ومتقاطعة في اختراقاتها واقتراحاتها، وربما متضاربة أيضاً. لكن الأهم في الوقوف عند ذكرى رحيل هذا السوسيولوجي المغربي هو إمكانية الاستعادة والفهم لما قاله أو تطرقت إليه كتاباته حول قضايا الهوية الثقافية. إنها كتابات تطرح بالفعل أسئلة جادة حول الهوية العربية وإرهاصات الوحدة، وما سوّقته الآيديولوجيا من تبسيط نظري ساذج لأفكار «النهضة» والانبعاث الجماعي «للأمة». كما أن كتابات الخطيبي من حيث إنها علمية منحازة لاستنتاجاتها المستقلة تبقى شجاعة في إشاراتها؛ إذ تنبه باستمرار إلى استبداد المنهجية الغربية في مقاربتها للمسائل الكبرى بشيء من الأصولية الجديدة التي لفظها الواقع، وتجاوزتها اليوم ريح النيوليبرالية الاقتصادية، وما تحمله إلينا من مخرجات ثقافية عاصفة!
* كاتب وشاعر مغربي


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

الذكاء الاصطناعي يكشف عن أولى علامات سرطان الثدي

تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)
تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)
TT

الذكاء الاصطناعي يكشف عن أولى علامات سرطان الثدي

تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)
تكشف التقنية الجديدة عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من الورم (جامعة إدنبرة)

أظهرت طريقة فحص جديدة تجمع بين التحليل بالليزر والذكاء الاصطناعي إمكانية التعرف على أولى علامات الإصابة بسرطان الثدي؛ ما قد يُسهم في تحديد الإصابة في مرحلة مبكرة جداً من المرض.

وتكشف التقنية غير الجراحية التي طوّرها فريقٌ من الباحثين من جامعة إدنبرة بالتعاون مع عددٍ من باحثي الجامعات الآيرلندية، عن تغيرات دقيقة تحدث في مجرى الدم أثناء المراحل الأولية من المرض، التي لا يمكن اكتشافها بالاختبارات الحالية، وفق الفريق البحثي.

وقال الدكتور آندي داونز، من كلية الهندسة في جامعة إدنبرة، الذي قاد الدراسة: «تحدث معظم الوفيات الناجمة عن السرطان بعد تشخيصٍ متأخرٍ بعد ظهور الأعراض، لذلك يمكن لاختبارٍ جديدٍ لأنواع متعدّدة من السرطان أن يكتشف هذه الحالات في مرحلة يُمكن علاجها بسهولة أكبر».

وأضاف في بيان، الجمعة، أن «التشخيص المبكّر هو مفتاح البقاء على قيد الحياة على المدى الطويل، وأخيراً لدينا التكنولوجيا المطلوبة. نحتاج فقط إلى تطبيقها على أنواع أخرى من السرطان وبناءِ قاعدة بيانات، قبل أن يمكن استخدامها بوصفها اختباراً لكثيرٍ من الأورام».

ويقول الباحثون إن طريقتهم الجديدة تُعدّ الأولى من نوعها، ويمكن أن تحسّن الكشف المبكر عن المرض ومراقبته وتمهد الطريق لاختبار فحص لأشكال أخرى من السرطان.

نتائجُ الدراسة التي نشرتها مجلة «بيوفوتونيكس» اعتمدت على توفير عيّنات الدم المستخدمة في الدراسة من قِبَل «بنك آيرلندا الشمالية للأنسجة» و«بنك برِيست كانسر ناو للأنسجة».

ويُمكن أن تشمل الاختبارات القياسية لسرطان الثدي الفحص البدني أو الأشعة السينية أو الموجات فوق الصوتية أو تحليل عينة من أنسجة الثدي، المعروفة باسم الخزعة.

وتعتمد استراتيجيات الكشف المبكّر الحالية على فحص الأشخاص بناءً على أعمارهم أو ما إذا كانوا في مجموعات معرّضة للخطر.

باستخدام الطريقة الجديدة، تمكّن الباحثون من اكتشاف سرطان الثدي في أقرب مرحلة ممكنة من خلال تحسين تقنية التحليل بالليزر، المعروفة باسم مطيافية «رامان»، ودمجها مع تقنيات التعلّم الآلي، وهو شكلٌ من أشكال الذكاء الاصطناعي.

وقد جُرّبت طرق مماثلة لفحص أنواع أخرى من السرطان، ولكن أقرب وقت يمكن أن يُكتشف فيه المرض كان في المرحلة الثانية، كما يقول الباحثون.

وتعمل التقنية الجديدة عن طريق تسليط شعاع الليزر أولاً على بلازما الدم المأخوذة من المرضى. ومن ثَمّ تُحلّل خصائص الضوء بعد تفاعله مع الدم باستخدام جهازٍ يُسمّى مطياف «رامان» للكشف عن تغييرات طفيفة في التركيب الكيميائي للخلايا والأنسجة، التي تُعدّ مؤشرات مبكّرة للمرض. وتُستخدم بعد ذلك خوارزمية التعلم الآلي لتفسير النتائج، وتحديد السمات المتشابهة والمساعدة في تصنيف العينات.

في الدراسة التجريبية التي شملت 12 عينة من مرضى سرطان الثدي و12 فرداً آخرين ضمن المجموعة الضابطة، كانت التقنية فعّالة بنسبة 98 في المائة في تحديد سرطان الثدي في مرحلة مبكرة جداً من مراحل الإصابة به.

ويقول الباحثون إن الاختبار يمكن أن يميّز أيضاً بين كلّ من الأنواع الفرعية الأربعة الرئيسة لسرطان الثدي بدقة تزيد على 90 في المائة، مما قد يُمكّن المرضى من تلقي علاج أكثر فاعلية وأكثر شخصية، بما يُناسب ظروف كل مريض على حدة.