بهدف توقيف المتشددين.. مصر تحيي مشروع مراقبة دور العبادة «إلكترونيًا»

سيتم بموجبه وضع كاميرات المراقبة في المساجد ومتابعتها من خلال الإنترنت

سياح يزورون جامع محمد علي باشا الأثري في القاهرة أمس (أ.ب)
سياح يزورون جامع محمد علي باشا الأثري في القاهرة أمس (أ.ب)
TT

بهدف توقيف المتشددين.. مصر تحيي مشروع مراقبة دور العبادة «إلكترونيًا»

سياح يزورون جامع محمد علي باشا الأثري في القاهرة أمس (أ.ب)
سياح يزورون جامع محمد علي باشا الأثري في القاهرة أمس (أ.ب)

بدأت الحكومة المصرية في إحياء مشروع قديم يعود إلى خمس سنوات يهدف إلى مراقبة المساجد، تفاديا لأي تجمعات من قبل عناصر جماعة الإخوان المسلمين في المناطق التي تشهد حشدا إخوانيا داخل العاصمة القاهرة، ولتوقيف ومنع الدعاة المتشددين من اعتلاء المنابر، بحسب قيادي مسؤول في وزارة الأوقاف.
وأوضحت مصادر مطلعة في الأزهر أن «انضمام عدد ليس بالقليل من المنتسبين للمؤسسة الأزهرية إلى بعض التنظيمات والجماعات غير الرسمية، وبعضها متطرف ويمارس العنف، بدأ يثير قلق شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب»، مما دفع الإمام الأكبر إلى فرض التوقيع على «إقرار تبرئة» لجميع المنتسبين إليه من الاشتراك، أو العضوية في هذه الجماعات، التي تهدد الأمن والاستقرار، وفي مقدمتهم الإخوان.
وقالت المصادر ذاتها إن «الطيب أمر الذين ينتمون، أو يشتركون في عضوية أحد الكيانات الخارجة عن المسلك الوطني، مثل جماعة الإخوان، أو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي، أو جبهة علماء الأزهر، التي دعت مؤخرا لمظاهرات ضد السلطة الحاكمة، وغيرها من الكيانات التي لا يعترف بها الأزهر، بالتقدم إلى جهة العمل التي ينتسبون إليها بالأزهر، بما يفيد قطع صلتهم بهذه الكيانات، وعدم الإقرار بما تقوم به من التحريض على نظام الحكم وتهديد الأمن والاستقرار، وذلك خلال خمسة عشر يوما». وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أنه «في حال عدم تقديم إقرار التبرؤ لجهة العمل، فإن ذلك يعني إقرارًا وموافقة على مسلك هذه الكيانات المتطرفة والمتشددة من جميع أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها».
ويرفض القرضاوي، المقيم في قطر، عزل محمد مرسي، ويحرض دائما ضد قوات الشرطة والجيش والأزهر، وقد قضت محكمة مصرية في يونيو (حزيران) الماضي غيابيا بإعدام القرضاوي لإدانته في قضية اقتحام السجون خلال ثورة يناير عام 2011. التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وأصدرت مشيخة الأزهر أمس منشورا يخاطب جميع العاملين بالأزهر بضرورة تقديم ما يثبت تبرؤهم من الكيانات التي تحرض على نظام الحكم، وتهدد أمن واستقرار الوطن. كما توعدت المشيخة بتوقيع عقوبات قاسية في حق من ينتمي إلى هذه الكيانات ويرفض التبرؤ منها، وقالت المصادر نفسها إن «العقوبة التي تنتظر الرافضين قد تصل إلى الفصل من العمل بالأزهر»، ملمحة إلى «إمكانية إبلاغ الجهات الأمنية».
وتابعت المصادر قولها إن «هذا يأتي في ضوء اتجاه الأزهر لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد المنتمين إلى الكيانات التي تستخدم الدين ذريعة لترويج أفكار، تحاول من خلالها التحريض على استخدام القوة لإسقاط نظام الحكم القائم في البلاد بدعوى عدم شرعيته، والعمل على زعزعة أمن واستقرار البلاد».
وتشدد السلطات المصرية من إجراءاتها لمواجهة الفكر المتشدد والمتطرف، وعنف جماعة الإخوان، وتفرض سيطرتها على دور العبادة التابعة لتيار الإسلام السياسي، التي كانت أرضا خصبة لدعاة التحريض منذ عزل مرسي عن الحكم صيف العام قبل الماضي. كما أعلنت الأوقاف في يوليو (تموز) الماضي عن تعاقدها مع شركات حراسة لتأمين المساجد، بهدف التصدي لدعاة التشدد والتطرف. وفي هذا الصدد قال القيادي المسؤول في وزارة الأوقاف، التي تعتبر المسؤولة عن المساجد في البلاد، أمس إن «كاميرات المراقبة سوف يتم وضعها في أسقف المساجد وعلى الجدران وفي محيطها، ويتم متابعتها من خلال شبكة الإنترنت».
وأثار إعلان الأوقاف نشر كاميرات لمراقبة المساجد حالة من الجدل، كما وضع محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في مرمى الانتقادات الغاضبة، خاصة بعد أن تقرر أن يكون البدء بالمساجد الكبرى في الميادين العامة والمدن الرئيسية، تمهيدا لنشرها في جميع مساجد مصر، وفق نظام يهدف إلى ربطها بالكامل بشبكة تمكن المسؤولين بوزارة الأوقاف بأن يكونوا على دراية بكل صغيرة وكبيرة، ورصد أي تجمعات تحدث داخل المساجد من المصلين.
وسبق أن أعلنت مصر عام 2010 خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك عن مشروع لمراقبة المساجد، وهو المشروع الذي قوبل بالرفض من قبل نواب جماعة الإخوان في مجلس الشعب (البرلمان)، وأكدوا وقتها أن «مراقبة المساجد سوف تقضي على ما تبقى من هيبة للأئمة والخطباء».
ودافع وزير الأوقاف الأسبق حمدي زقزوق عن قرار وزارته حينها، بقوله إن «الهدف من الكاميرات عملية تنظيمية، خاصة في الليل عند إغلاق المساجد خشية أن يحدث شيء». لكن الشيخ محمد عبد الرازق، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف المصرية، قال لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «مراقبة المساجد إلكترونيا جاء بهدف منع الباعة المتجولين من الوقوف أمام المساجد، ومنع أي تشويش على المصلين لتوفير جو الطمأنينة والهدوء لمساعدتهم على الخشوع في الصلاة».
من جانبه، أضاف القيادي المسؤول في الأوقاف أن «الوزارة تلقت بالفعل خطابات أمنية تفيد بوجود اجتماعات يومية إخوانية داخل عدد من المساجد في محافظات أسيوط وأسوان والفيوم، وحلوان والمعادي (جنوب القاهرة)، والمطرية وعين شمس والمرج، ومدينة نصر (شرق القاهرة)، ومناطق الجيزة والهرم، التي يكثر بها أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية».
وأعلنت الحكومة الإخوان تنظيما إرهابيا، وحملتها جميع أحداث العنف التي شهدتها البلاد منذ عزل مرسي، والتي أسفرت عن سقوط آلاف القتلى والجرحى.
ونفى القيادي في الأوقاف أن «يكون تركيب كاميرات في المساجد الكبرى يستهدف مراقبة المصلين والأئمة والدعاة، أو اتهامهم بالإرهاب ونشر الفكر المتطرف» بقوله إن «تركيب الكاميرات لنقل خطب الجمعة عبر شبكة الإنترنت من جميع المساجد يأتي لخدمة المسلمين في كل مكان».
وبحسب القيادي، فإنه لن يقتصر الأمر على نقل الخطبة فقط؛ بل سيتم تخصيص ساعتين بعد انتهائها لتلقي أسئلة المصلين، والرد عليها من خلال المفتين المتميزين، وستنقل أيضا عبر الإنترنت لتعم الفائدة، وأيضا للقضاء على فوضى الفتاوى والفكر المتشدد، مؤكدا أن «الكاميرات ستكون مركزة على الخطيب وليس المصلين أثناء تأديتهم الصلاة لأن هذا أمر لا يصح وغير شرعي»، بحسب قوله.
في السياق ذاته، رفض مشايخ تيار الإسلام السياسي قرار مراقبة المساجد، إذ قال الشيخ ياسر (م) عضو الجماعة الإسلامية (تحفظ عن ذكر اسمه الثاني) إن «الكاميرات سوف تراقب كل من يدخل المسجد سواء كانوا مشايخ أو مصلين.. وهذه الخطوة تنبئ بمزيد من الانتشار للفكر المتطرف الرافض لكل شيء»، لافتا إلى أن «هذا القرار سوف يمنع الكثيرين من دخول المساجد، أو حضور الخطب والدروس».
وبحسب آخر إحصاء رسمي لوزارة الأوقاف، فإن عدد المساجد في مصر يصل إلى نحو 110 آلاف مسجد، موزعة على مختلف محافظات مصر، وهي تعاني من قلة في عدد الدعاة الرسميين.
وأوضح القيادي المسؤول لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة لن تتراجع عن تطبيق قرار مراقبة المساجد وتجنب الخوض في الأمور السياسية داخلها»، مشددا على أن «الوزارة لن تتهاون مع العاملين بالمساجد المخالفين لقراراتها».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.