هل ما يقدمه دي زيربي مع برايتون تحول كبير في عالم كرة القدم الحديثة أم مجرد فترة نجاح عابرة؟

المدرب الإيطالي تمكن من إحراج كثير من الأندية الكبيرة والغنية وأصبح قريباً من التأهل لدوري الأبطال

برايتون يقدم مستويات استثنائية تحت قيادة المدير الفني الإيطالي روبرتو دي زيربي (أ.ف.ب)
برايتون يقدم مستويات استثنائية تحت قيادة المدير الفني الإيطالي روبرتو دي زيربي (أ.ف.ب)
TT
20

هل ما يقدمه دي زيربي مع برايتون تحول كبير في عالم كرة القدم الحديثة أم مجرد فترة نجاح عابرة؟

برايتون يقدم مستويات استثنائية تحت قيادة المدير الفني الإيطالي روبرتو دي زيربي (أ.ف.ب)
برايتون يقدم مستويات استثنائية تحت قيادة المدير الفني الإيطالي روبرتو دي زيربي (أ.ف.ب)

قبل مواجهة غريمسبي في ربع نهائي كأس إنجلترا اليوم، قال المدير الفني الإيطالي روبرتو دي زيربي ذات مرة: «لقد كنت لاعباً مملاً». ويمكن القول إن دي زيربي كان بطريقة ما لاعباً لا يناسب على الإطلاق الفترة التي كان يلعب فيها؛ حيث كان صانع ألعاب تقليدياً تماماً في نهاية القرن الماضي، وهي الفترة التي بدأ فيها اللاعب بهذه المواصفات يختفي من عالم كرة القدم الحديثة التي تتطلب القيام بكثير من الأدوار والمهام في الوقت نفسه. ويتميز دي زيربي بأنه يبحث دائماً عن كل ما هو جديد ومثير، في رياضة تميل بشكل متزايد نحو النظام الصارم.
لقد كان جيداً بما يكفي كي ينضم إلى ميلان؛ لكنه لم يكن جيداً بما يكفي كي يشارك في التشكيلة الأساسية! وحتى عندما انتقل على سبيل الإعارة إلى فريق ليكو الذي يلعب في دوري الدرجة الثالثة، دخل في خلافات مع المدير الفني روبرتو دونادوني. لم تكن هناك أي شكوك بشأن القدرات الفنية والبدنية لدي زيربي؛ لكن المشكلة برمتها كانت تتعلق بقدرته على التأقلم والتكيف. وقال دي زيربي لاحقاً لصحيفة «لا غازيتا ديلو سبورت»: «أنا شخص حالم، وطموح للغاية، وصادق؛ لكنني غير مستقر وغير صبور وأغضب بشدة». وبالنسبة لدي زيربي، فلا يمكن أن تُلعب كرة القدم إلا بطريقته الخاصة. ولحسن حظه، فقد وجد الفريق الذي يساعده على القيام بذلك.
بدأت فكرة أن يصبح دي زيربي مديراً فنياً تظهر على السطح عندما كان يلعب في صفوف نادي «سي إف آر كلوج» الروماني. لم يكن دي زيربي معجباً بالأجواء الثقافية للمدينة الثانية في رومانيا، لذلك كان يقضي أمسياته في مشاهدة مباريات كرة القدم، فكان يشاهد مباريات برشلونة تحت قيادة جوسيب غوارديولا، وإنتر ميلان تحت قيادة جوزيه مورينيو، وبايرن ميونيخ تحت قيادة لويس فان غال؛ لكنه كان يفعل ذلك بعين الناقد، وليس المشجع العادي. بدأ دي زيربي يحصل على دورات متخصصة في مجال التدريب، وهو يمنِّي النفس بأن يسير على خطى غوارديولا. وكان دي زيربي يرغب في أن يلعب بطريقة تمزج بين التمرير الإسباني القصير، والضغط الألماني، والالتزام التكتيكي الإيطالي، لبناء شيء مميز وجديد وفريد من نوعه. وكانت أطروحته الأخيرة في الأكاديمية الوطنية الإيطالية للتدريب بعنوان «طريقتي في اللعب».
وهذه هي الطريقة التي بدأ دي زيربي في تطبيقها على أرض الواقع مع نادي برايتون. وعندما يشاهد المرء برايتون وهو يلعب حالياً –كما كانت الحال عند مشاهدة فريق ساسولو تحت قيادة دي زيربي– فإن هذا يجعله يتساءل عما إذا كان المدير الفني الإيطالي الشاب قد أحدث طفرة وتحولاً كبيراً في عالم كرة القدم. في الحقيقة، يبدو ما يحدث في برايتون وكأنه قفزة كبيرة بالنسبة لنادٍ يحتل المركز السابع في الدوري الإنجليزي الممتاز، ولمدير فني لم يتولَّ المسؤولية إلا قبل أقل من 6 أشهر فقط. وعندما لعب برايتون أمام مانشستر سيتي على ملعب «الاتحاد» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعرب غوارديولا عن إعجابه الشديد بما يقدمه برايتون، ووصفه بأنه شيء جديد تماماً. وقال المدير الفني الإسباني بعد فوز مانشستر سيتي بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، بعد مباراة استحوذ فيها على الكرة بنسبة 48 في المائة: «إنهم يلعبون بطريقة لم نعتد عليها. سيكون تأثيره في إنجلترا هائلاً».
إذن، ما هي هذه الرؤية؟ لنبدأ في ملخص تكتيكي صغير: قبل نحو عقد من الزمان، كانت كرة القدم التي تُلعب على الطريقة الإسبانية –ما يصفه البعض باسم «التيكي تاكا»– قد انتهت تدريجياً لصالح طريقة جديدة تعتمد على الشراسة والضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة، والتحول السريع من الدفاع للهجوم، والعكس. وأصبح الضغط على الفريق المنافس هو بديل التمريرات القصيرة. ومع تطور طريقة الضغط العالي من حيث الحجم والمهام المعقدة، أصبح الاستحواذ العقيم في المناطق الدفاعية شيئاً يجب التخلص منه والقضاء عليه. وعندما يستحوذ أي فريق على الكرة فإن أول شيء يفكر فيه هو كيفية نقل الكرة إلى الأمام بأقصى سرعة ممكنة. وأصبح لاعبو خط الوسط مطالبين دائماً بالضغط على المنافس، وأصبح حراس المرمى مطالبين بإجادة اللعب بالقدمين لبناء الهجمات من الخلف.
قد لا يكون ما يفعله دي زيربي في برايتون شيئاً ثورياً أو جديداً تماماً؛ لأنه لا يوجد شيء في كرة القدم يمكن وصفه بأنه جديد تماماً. لكن في الدوري الإنجليزي الممتاز على الأقل، لم يلعب أي فريق من قبل بهذه الطريقة الجريئة التي يلعب بها برايتون. فكما تفعل معظم الأندية الكبرى، يبني برايتون الهجمات بداية من حارس المرمى، روبرت سانشيز. لكن على عكس كل هذه الفرق، يواصل برايتون في كثير من الأحيان إعادة تدوير وتمرير الكرة بصبر في مناطق الخطورة الخاصة به، وغالباً ما يصل الأمر إلى 10 أو 15 تمريرة.
لهذا السبب تصل نسبة استحواذ الفرق التي يتولى دي زيربي تدريبها إلى أكثر من 70 في المائة في كثير من الأحيان؛ لكن ما يفعله برايتون في هذا الصدد هو بالضبط الشيء نفسه الذي يحذر منه خبراء كرة القدم في العصر الحديث. ويطلب دي زيربي من لاعبيه ألا يشتتوا الكرة أبداً حتى لو كان ذلك يعني موتهم! وفي أطروحته التي أشرنا إليها سابقاً، أشار المدير الفني الإيطالي الشاب إلى أن المدافعين يجب أن «يشعروا بالسعادة وهم يمتلكون الكرة ويشاركون في بناء الهجمات، ويجب أن يعرفوا أن كل شيء يبدأ من عندهم».
إن فكرة الاستحواذ بهذه الطريقة، والتي يمكن وصفها بـ«استحواذ الحبل المشدود»، إن جاز التعبير، تستفز الفريق المنافس، وتجعله يفتح خطوطه بطول الملعب، ويبالغ في ممارسة الضغط، ويفتح مساحات كبيرة في الملعب، وعند هذه النقطة يلعب برايتون بطريقته المدروسة بعناية ودقة، ويبدأ في استغلال المساحات الخالية، وإحداث حالة من الفوضى في دفاعات الفريق المنافس. وعندما يتم هذا بشكل صحيح فإنه يتفوق تماماً على طريقة الضغط العالي التقليدية التي هيمنت على كرة القدم على مستوى النخبة، خلال السنوات العشر الماضية. ولم يكن هذا الأمر أكثر وضوحاً مما حدث خلال المباراتين اللتين فاز فيهما برايتون على ليفربول، بقيادة المدير الفني الألماني يورغن كلوب، هذا العام، عندما سمح برايتون لليفربول بممارسة الضغط العالي، ثم استغل المساحات الخالية وتلاعب به تماماً.
وهنا تجب الإشارة إلى أن دي زيربي قد تأثر كثيراً بالمركز الذي كان يلعب فيه (صانع ألعاب). قال دي زيربي في تصريحات صحافية في عام 2021: «عندما كنت ألعب لم أكن أريد من زملائي أن يلعبوا لي كرات طويلة، فقد كنت أريد تسلم الكرة في قدمي. عندما يبني الفريق الهجمة من الخلف فإن الكرة تصل للأمام بشكل جيد، وليست عالية أو سيئة». وتجب الإشارة هنا أيضاً إلى أن فريق شاختار دونيتسك الذي كان يتولى دي زيربي تدريبه حتى الصيف الماضي كان يلعب بلاعبَين أو حتى 3 في مركز صانع الألعاب! أما بالنسبة لبرايتون، فإن هذا الدور يمكن القيام به من خلال ما لا يقل عن 6 لاعبين بالتناوب -أليكسيس ماك أليستر، وسولي مارش، وكاورو ميتوما، وآدم لالانا، وفاكوندو بونانوت، وجيريمي سارمينتو- الذين مهما كانت مراكزهم داخل الملعب فإنهم يشعرون براحة كبيرة عندما تكون الكرة بين أقدامهم.
لكن يتعين علينا أن نرى ما إذا كان ما يقدمه دي زيربي مع برايتون هو تحول كبير في عالم كرة القدم الحديثة، أم أنه مجرد فترة عابرة وستنتهي سريعاً. من المؤكد أنه من السابق لأوانه القول بأن طريقة الضغط العالي في طريقها للنهاية، أو أن طريقة «التيكي تاكا» في طريقها للعودة. لكن دي زيربي تمكن –بفريق متواضع وعلى الرغم من عمله منذ فترة قصيرة– من أن يقود أحد الأندية منخفضة الدخل في الدوري الإنجليزي الممتاز، ليصبح قريباً من التأهل لدوري أبطال أوروبا، ويحرج كثيراً من الأندية الكبيرة والغنية. وبالتالي، فإن ما يقدمه هذا المدير الفني الشاب يستحق، على أقل تقدير، المتابعة من كثب!


مقالات ذات صلة


شاهد... روبوتات تنافس البشر في نصف ماراثون بكين

الروبوت «تيانغونغ ألترا» يعبر خط النهاية خلال نصف ماراثون إي تاون للروبوتات البشرية (رويترز)
الروبوت «تيانغونغ ألترا» يعبر خط النهاية خلال نصف ماراثون إي تاون للروبوتات البشرية (رويترز)
TT
20

شاهد... روبوتات تنافس البشر في نصف ماراثون بكين

الروبوت «تيانغونغ ألترا» يعبر خط النهاية خلال نصف ماراثون إي تاون للروبوتات البشرية (رويترز)
الروبوت «تيانغونغ ألترا» يعبر خط النهاية خلال نصف ماراثون إي تاون للروبوتات البشرية (رويترز)

تنافس أكثر من 20 روبوتاً في أول نصف ماراثون بشري في العالم في الصين اليوم (السبت)، ورغم تفوقها التكنولوجي المذهل، فإنها لم تتفوق على البشر في المسافة الطويلة.

وشارك أكثر من 12 ألف شخص في السباق الذي يمتد إلى 21 كيلومتراً. وفصلت حواجز مسار عدْو الروبوتات عن منافسيها من البشر.

وبعد انطلاقها من حديقة ريفية، اضطرت الروبوتات المشاركة إلى التغلب على منحدرات طفيفة، وحلبة متعرجة بطول 21 كيلومتراً (13 ميلاً) قبل أن تصل إلى خط النهاية، وفقاً لصحيفة «بكين ديلي» الحكومية.

شاركت فرق من عدة شركات وجامعات في السباق، الذي يُمثل عرضاً للتقدم الذي أحرزته الصين في تكنولوجيا الروبوتات، في محاولتها اللحاق بالولايات المتحدة، التي لا تزال تفخر بنماذج أكثر تطوراً، وفق ما أفادت شبكة «سي إن إن» الأميركية.

وتم السماح للمهندسين بإجراء تعديلات على أجهزة التكنولوجيا المتقدمة الخاصة بهم على طول الطريق، مع تحديد محطات مساعدة خاصة للروبوتات. ولكن بدلاً من الماء والوجبات الخفيفة، كانت المحطات تقدم بطاريات، وأدوات فنية للروبوتات.

روبوت يفقد السيطرة عند بداية أول نصف ماراثون روبوتي في العالم خلال نصف ماراثون الروبوتات البشرية الذي أقيم في بكين (أ.ب)
روبوت يفقد السيطرة عند بداية أول نصف ماراثون روبوتي في العالم خلال نصف ماراثون الروبوتات البشرية الذي أقيم في بكين (أ.ب)

ورغم منح الروبوت أقصى طاقة ممكنة، تأخر الروبوت «تيانغونغ ألترا» كثيراً عن أسرع رجل في السباق، الذي عبر الخط في ساعة واحدة و11 ثانية تقريباً. أول روبوت يعبر خط النهاية، تيانغونغ ألترا، من ابتكار مركز بكين لابتكار الروبوتات البشرية، أنهى السباق في ساعتين و40 دقيقة. وهذا يقل بنحو ساعتين عن الرقم القياسي العالمي البشري البالغ 56:42 دقيقة، والذي يحمله العداء الأوغندي جاكوب كيبليمو. أما الفائز بسباق الرجال اليوم (السبت)، فقد أنهى السباق في ساعة ودقيقتين.

وكان السباق بمثابة عرض فني، وقال رئيس الفريق الفائز إن روبوتهم -رغم تفوقه على البشر في هذا السباق تحديداً- كان نداً لنماذج مماثلة من الغرب، في وقتٍ يحتدم فيه السباق نحو إتقان تكنولوجيا الروبوتات البشرية.

المهندسون يتسابقون مع الروبوت «تيانغونغ ألترا» خلال نصف ماراثون «إي تاون» للروبوتات البشرية (رويترز)
المهندسون يتسابقون مع الروبوت «تيانغونغ ألترا» خلال نصف ماراثون «إي تاون» للروبوتات البشرية (رويترز)

وكانت الروبوتات، بأشكالها وأحجامها المتنوعة، تجوب منطقة ييتشوانغ جنوب شرقي بكين، موطن العديد من شركات التكنولوجيا في العاصمة.

خلال الأشهر القليلة الماضية، انتشرت مقاطع فيديو لروبوتات صينية بشرية وهي تؤدي حركات ركوب الدراجات، والركلات الدائرية، والقفزات الجانبية على الإنترنت.

روبوت يشارك في أول نصف ماراثون روبوتي في العالم خلال نصف ماراثون الروبوتات البشرية الذي أقيم في بكين (أ.ب)
روبوت يشارك في أول نصف ماراثون روبوتي في العالم خلال نصف ماراثون الروبوتات البشرية الذي أقيم في بكين (أ.ب)

في وثيقة سياسية لعام 2023، حددت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية صناعة الروبوتات البشرية باعتبار أنها «حدود جديدة في المنافسة التكنولوجية»، وحددت هدفاً بحلول عام 2025 للإنتاج الضخم، وسلاسل التوريد الآمنة للمكونات الأساسية.

وقال مهندسون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الهدف هو اختبار أداء الروبوتات، وما إذا كانت جديرة بالثقة. ويؤكدون أنّ الأولوية هي الوصول إلى خط النهاية، لا الفوز بالسباق. ورأى كوي وينهاو، وهو مهندس يبلغ 28 عاماً في شركة «نوتيكس روبوتيكس» الصينية، أن «سباق نصف الماراثون يشكل دفعاً هائلاً لقطاع الروبوتات بأكمله». وأضاف: «بصراحة، لا يملك القطاع سوى فرص قليلة لتشغيل آلاته بهذه الطريقة، بكامل طاقتها، على هذه المسافة، ولوقت طويل. إنه اختبار صعب للبطاريات، والمحركات، والهيكل، وحتى الخوارزميات». وأوضح أن روبوتاً تابعاً للشركة كان يتدرب يومياً على مسافة تعادل نصف ماراثون، بسرعة تزيد على 8 كيلومترات في الساعة.

منافسة مع الولايات المتحدة

وشدّد مهندس شاب آخر هو كونغ ييتشانغ (25 عاماً) من شركة «درويد آب»، على أن سباق نصف الماراثون هذا يساعد في «إرساء الأسس» لحضور هذه الروبوتات بشكل أكبر في حياة البشر. وشرح أنّ «الفكرة الكامنة وراء هذا السباق هي أنّ الروبوتات الشبيهة بالبشر يمكنها الاندماج بشكل فعلي في المجتمع البشري، والبدء بأداء مهام يقوم بها بشر». وتسعى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى أن تصبح الأولى عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، مما يضعها في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة التي تخوض معها راهناً حرباً تجارية. أصبحت الشركات الصينية، وتحديداً الخاصة منها، أكثر نجاحاً في استخدام التقنيات الجديدة.

في يناير (كانون الثاني)، أثارت شركة «ديب سيك» الناشئة اهتماماً إعلامياً واسعاً في الصحف العالمية بفضل روبوت محادثة قائم على الذكاء الاصطناعي، وتقول إنها ابتكرته بتكلفة أقل بكثير من تكلفة البرامج التابعة لمنافسيها الأميركيين، مثل «تشات جي بي تي».